قُرب نهاية المؤتمر الصحافي للمدير الفني للمنتخب الإنجليزي، غاريث ساوثغيت، بعد الفوز على السنغال بثلاثية نظيفة والتأهل لدور الثمانية لكأس العالم 2022. سأله صحافي أرجنتيني عما يفكر فيه بشأن احتمال مواجهة النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي. ورد ساوثغيت عابساً: «حسناً، إنه لاعب جيد». وبعد ذلك، هز ساوثغيت كتفيه وقال إن ميسي لاعب عبقري، لكننا لن نفكر في كيفية إيقافه إلا إذا كنا سنواجه منتخب الأرجنتين في المباراة التالية. لكن سيتعين على إنجلترا أن تواجه فرنسا أولاً في الدور ربع النهائي يوم السبت، وستكون الفرصة الوحيدة لمواجهة ميسي في مونديال قطر 2022 هي الوصول إلى المباراة النهائية، بعد أقل من أسبوعين وخوض ثلاث مباريات محتملة من الآن!
لقد حقق المنتخب الإنجليزي نتائج جيدة حتى الآن أمام منافسين تتراوح مستوياتهم بين غير جيد، وجيد إلى حد ما، وغير جيد على الإطلاق، وصولاً إلى مواجهة السنغال القوي. لكن الأمور تغيرت تماماً الآن، وسيصطدم المنتخب الإنجليزي بنظيره الفرنسي حامل اللقب، بعد أن دخلت البطولة أصعب وأهم مراحلها. ربما شعر ساوثغيت في لحظة ما بالرضا عن مستوى المنتخب الإنجليزي في كأس العالم حتى الآن، لكنه سيدخل مواجهة من العيار الثقيل أمام حامل اللقب وأحد أقوى المرشحين للفوز بالبطولة وهو المنتخب الفرنسي، وبالتالي لن يكون هناك شعور بالكارثة أو الإذلال في حال الهزيمة، إلا من بعض الكتاب والمحللين!
وتتمثل الحقيقة الواضحة الآن في أن المنتخب الإنجليزي وصل إلى مستواه الطبيعي الآن. وإذا كان من المقبول مقارنة النسخة الحالية من كأس العالم بالدوري الإنجليزي الممتاز، فيمكن القول إن إنجلترا هي توتنهام مونديال قطر 2022 (احتل توتنهام المركز الرابع العام الماضي، ولديه لاعب عظيم مثل هاري كين، لكنه لم يفز بأي بطولة منذ عقود). وكان فوز إنجلترا على السنغال المرهقة يشبه فوز توتنهام على وولفرهامبتون. لقد كان فوزاً جيداً بالطبع، لكنه كان متوقعاً وطبيعياً. أما منتخب الولايات المتحدة الأميركية فيمكن تشبيهه بنادي برايتون، فهو منافس صعب ومن المقبول أن تنهي مباراتك أمامه بالتعادل السلبي. كما يمكن تشبيه منتخب ويلز بنادي ساوثهامبتون، وإيران بنادي نوريتش سيتي.
لقد قامت إنجلترا بعمل جيد في دور المجموعات وأمام السنغال، لكنها الآن وصلت إلى مستوى أقوى وستلعب أمام منتخبات أقوى. وفي ظل استمرار مقارنة كأس العالم بالدوري الإنجليزي الممتاز، فإن توتنهام سيلعب الآن أمام منتخب فرنسا الذي يشبه ليفربول؛ ذلك الفريق القوي والمنافس العنيد، لكنه لا يزال يعاني من بعض نقاط الضعف. ستصب معظم التوقعات في مصلحة فوز ليفربول، لكن لا يزال هناك بصيص من الأمل لتحقيق الفوز عليه.
من المؤكد أن وصول المنتخب الإنجليزي إلى دور الثمانية يعد شيئاً جيداً، لكنه يجعلنا نشعر بالقلق من الناحية التكتيكية بالنظر إلى ما قدمه كل من المنتخبين الإنجليزي والفرنسي في المباريات الأربع السابقة. وعندما سُئل ساوثغيت عن كيفية تعامل فريقه مع النجم الفرنسي كيليان مبابي الذي يقدم مستويات استثنائية في كأس العالم الحالية، تجنب الحديث عن مبابي وتطرق بدلاً من ذلك للحديث عن مدى براعة أنطوان غريزمان! لكن من المؤكد أن شيئاً ما يجب أن يتغير قبل مباراة يوم السبت بين إنجلترا وفرنسا إذا كانت إنجلترا تريد حقاً تحقيق الفوز والعبور إلى الدور نصف النهائي.
أولاً، الخبر السار يتمثل في أن المنتخب الإنجليزي قد ذهب إلى قطر للمشاركة في نهائيات كأس العالم وهو يعاني من حالة من الفوضى، لكنه تمكن من التأهل لدور الستة عشر وتصدر مجموعته التي كانت جميع منتخباتها ضمن أفضل 20 منتخباً في تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، ثم فاز على السنغال القوي في دور الستة عشر بثلاثية نظيفة وتأهل لدور الثمانية.
هولندا تنتظر خطة عبقرية من مدربها فان غال لمواصلة التقدم (أ.ف.ب)
وبعد الفوز على بطل أفريقيا مساء الأحد الماضي في دور الستة عشر، كان ذلك يعني أن منتخب إنجلترا لعب حتى الآن أربع مباريات في المونديال، حقق الفوز في ثلاثة منها وأحرز 12 هدفاً ولم تستقبل شباكه سوى هدفين فقط (في نهاية مباراة إيران التي انتهت بفوز إنجلترا بستة أهداف مقابل هدفين). وعلاوة على ذلك، يقدم خط وسط المنتخب الإنجليزي أداءً قوياً وسلساً وبدأ لاعبوه يسجلون الأهداف، بالإضافة إلى أن السداسي الأمامي أمام السنغال تضمن أربعة لاعبين يبلغون من العمر 23 عاماً أو أقل. وإذا نظرنا إلى ما هو أبعد من ذلك، سنجد أن المنتخب الإنجليزي نجح في الخروج بشباك نظيفة في تسع من مبارياته الـ11 الماضية في البطولة، محققاً ثمانية انتصارات وثلاثة تعادلات. كما نجح هاري كين أخيراً في هز الشباك، وهو الأمر الذي سيخفف من شعوره بالإحباط ويجعله يشعر بقدر أكبر من الراحة والاستقرار، وبالتالي سيكون كين أفضل حالاً في المباريات المقبلة.
من ناحية أخرى، هناك أيضاً بعض العيوب الواضحة ونقاط الضعف التي استغلتها جميع المنتخبات الأربعة التي لعبت إنجلترا أمامها حتى الآن، والتي ستعمل فرنسا على استغلالها أيضاً. لقد بدا الأمر وكأن السنغال تسعى في بداية المباراة للضغط على هاري ماغواير من أجل استغلال سرعة لاعبيها في الخط الأمامي أمام البطء الواضح لمدافع مانشستر يونايتد. وتقدم ماغواير في ثلاث مناسبات إلى الأمام والكرة بين قدميه ثم خسرها في نهاية المطاف، بل وكاد يتسبب إحداها في اهتزاز شباك المنتخب الإنجليزي.
لقد أشاد ساوثغيت بقدرة ماغواير على نقل الكرة للأمام، وبالتالي ربما يعتقد اللاعب أنه يتعين عليه القيام بذلك في كل مباراة من أجل ضمان المشاركة بصفة أساسية، لكنه قد يخسر الكرة في إحدى هذه المرات ويتسبب في مشاكل كبيرة للمنتخب الإنجليزي.
وأمام الولايات المتحدة، سدد ماغواير أكثر من كرة طائشة، خرجت إحداها رمية تماس ناحية اليسار بشكل غريب. وبالتالي، يبدو الأمر وكأن ماغواير يحاول الرد على المشككين والمنتقدين من خلال القيام بأدوار جديدة ليست من اختصاصاته إطلاقاً، وهو ما يعرض الفريق بالكامل للخطر، نظراً لأنه يبتعد بمسافات كبيرة عن مركزه الأصلي، ولا يمتلك المهارات والإمكانيات التي تؤهله للقيام بالأدوار الهجومية بهذا الشكل. ومن المؤكد أن عثمان ديمبيلي وكيليان مبابي سوف يستغلان هذه المساحات الشاسعة أحسن استغلال في حال تقدم ماغواير للأمام، وسيهددان مرمى المنتخب الإنجليزي بقوة.
أما المشكلة الأخرى في خط الدفاع فتتمثل في عدم وصول كايل ووكر إلى كامل لياقته، كما ظهر أمام السنغال. لكن إذا تعافى ووكر وأصبح في كامل لياقته البدنية والذهنية، فمن المؤكد أنه سيلعب دوراً كبيراً في إيقاف خطورة مبابي، لأنه اللاعب الوحيد الذي يمتلك السرعة التي تمكنه من التعامل مع النجم الفرنسي الشاب. ومن المحتمل أن تحفز المشاكل الدفاعية الواضحة ساوثغيت على العودة إلى الاعتماد على ثلاثة لاعبين في الخط الخلفي، نظراً لأنه إذا واصلت إنجلترا اللعب بنفس الشكل الذي لعبت به في المباريات السابقة فإن خط هجوم فرنسا القوي سيتسبب في متاعب لا حصر لها للمنتخب الإنجليزي.
ولا يزال الاعتماد على ثلاثة مدافعين في الخط الخلفي خياراً مفهوماً بالنظر إلى المدافعين الذين يمتلكهم ساوثغيت، وبالنظر إلى أن ماغواير بحاجة دائماً إلى لاعب يغطي خلفه. وبالتالي، فإن الدفع بكايل ووكر في مركز قلب الدفاع ناحية اليمين، والاعتماد على كيران تريبيير من أمامه، سيدعم خط الدفاع كثيراً ويساعد المنتخب الإنجليزي على عدم خسارة المباراة في أول نصف ساعة. من ناحية أخرى، فحتى أولئك الذين يشيدون بطريقة ساوثغيت الحذرة ربما يشعرون الآن بالرغبة في مواصلة الاعتماد على ثلاثي خط الوسط الحالي الذي قدم مستويات جيدة ولعب بشكل متوازن في الناحيتين الدفاعية والهجومية. وسيكون من الرائع أن نرى خط وسط يضم ديكلان رايس وجود بيلينغهام وهندرسون أو فيليبس أمام أبطال العالم، إذا لعب ماغواير في خط دفاع مكون من أربعة لاعبين، بشرط أن يبقى في مركزه بالخلف ولا يتقدم كثيراً للأمام خوفاً من إمكانية استغلال مهاجمي فرنسا للمساحات التي سيتركها للخلف، بنفس الطريقة التي يلعب بها مع مانشستر يونايتد.
من المؤكد أن ساوثغيت سيتخذ قراره النهائي بناء على رؤية لاعبيه عن قرب في التدريبات، وبناء على دراسة نقاط القوة والضعف في المنتخب الفرنسي. وربما حان الوقت لأن نثق في ساوثغيت وفي قراراته. وهناك شيء آخر يجب وضعه في الحسبان، وهو أن إنجلترا فازت مرة واحدة فقط في تاريخ كأس العالم بأكمله في مباراة خروج المغلوب ضد حامل اللقب، وكان ذلك في المباراة النهائية لكأس العالم عام 1966. لقد عودنا المنتخب الإنجليزي على تحقيق الفوز في المباريات السهلة والمتوقعة، ثم الخسارة أمام المنتخبات الأفضل: البرتغال وألمانيا وألمانيا الغربية والبرازيل وأوروغواي (كأبطال للعالم). إنها حقيقة محزنة بشكل مدهش لأمة تعتبر نفسها، على عكس كل الحقائق، قوية ولم تحقق النتائج التي كانت تستحقها!