روسيا وإيران والصين تحفّز «تغييرات» السياسة الخارجية الألمانية

من حرب أوكرانيا وأزمة الغاز... إلى انتهاكات حقوق الإنسان والتهديد الصناعي

جانب من خط أنابيب «نورد ستريم 2» في ألمانيا
جانب من خط أنابيب «نورد ستريم 2» في ألمانيا
TT

روسيا وإيران والصين تحفّز «تغييرات» السياسة الخارجية الألمانية

جانب من خط أنابيب «نورد ستريم 2» في ألمانيا
جانب من خط أنابيب «نورد ستريم 2» في ألمانيا

عندما كشفت الأحزاب الثلاثة الحاكمة في ألمانيا قبل سنة من اليوم، عن اتفاق على تشكيل حكومة ائتلافية تحت عنوان «جرأة للمزيد من التقدم»، لم تكن أي من الأحزاب: الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكيون) وحزب «الخضر» البيئي والحزب الديمقراطي الحر (الليبراليون) تتخيل أن «التقدم» - بل أقل التغير - هذا سيكون بالحجم والسرعة الذي شهدته ألمانيا خلال سنة واحدة فقط. حقيقة الأمر أن «التقدم» الذي أراده الائتلاف الحاكم، داخلياً، كان يتعلق بشكل أساسي بالتخلص من مصادر الطاقة الشديدة التلويث، مثل الفحم الحجري، على حساب زيادة الاستثمار في الطاقة النظيفة. وأيضاً رغبت الأحزاب الثلاثة في تطوير نظام الهجرة «بحيث يتماشى مع ألمانيا الحديثة» من دون تحديد تفاصيل كثيرة. ثم إن «التقدم» الذي تكلمت عنه الأحزاب الحاكمة، وألزمت نفسها به، كان يتعلق كذلك بتطوير «المكننة» وتبسيط البيروقراطية التي تغرق البلاد وتحرمها من الكثير من الموارد. وبالفعل، بدأت التغييرات الكبيرة في ألمانيا بعد أسابيع قليلة من تسلم حكومة ائتلاف الاشتراكيين و«الخضر» والليبراليين زمام السلطة، خلفا لحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي المحافظ الذي قاد البلاد طيلة 16 سنة مع زعيمته المستشارة السابقة أنجيلا ميركل. ومع أن حزب ميركل تقاسم السلطة مع الاشتراكيين في ثلاث من الحكومات الائتلافية الأربع التي قادها، وفي الحكومة الثانية مع الليبراليين، فإنه كان الحزب الأقوى... لدرجة أنه لم يسمح للحزبين الآخرين بإدخال الكثير من التغييرات. ولكن هذه «التغييرات» ما كانت تلك التي أرادتها الأحزاب الثلاثة الحاكمة... بل تغييرات جوهرية في السياسة الخارجية والعقيدة الدفاعية للبلاد.

حتلاقي الأحزاب الثلاثة التي تشكل الحكومة الألمانية الائتلافية الحالية، واتفاقها على الحكم معاً، كان تغييراً كبيرا في ألمانيا ويحصل للمرة الأولى في تاريخ حياتها السياسية. ولكن عندما تسلمت الأحزاب الثلاثة، أي «اشتراكيو» الحزب الديمقراطي الاجتماعي و«بيئيو» حزب «الخضر» و«ليبراليو» الحزب الديمقراطي الحر، سدة السلطة... فإنها لم تكن تطمح لتغيير العلاقات مع روسيا والصين، ولا لتغيير العقيدة الدفاعية لألمانيا التي تركز على إنفاق دفاعي منخفض وجيش ضعيف نتيجة الحرب العالمية الثانية.
إلا أن العامل الأكبر الذي دفع ألمانيا لأن تتغير بهذه السرعة، لم تكن فقط تركيبة الحكومة الائتلافية الشابة في برلين، بل سياسة «الجار الكبير اللدود» روسيا. وحقاً، يكرر المسؤولون الألمان الكلام عن «نقطة تحول»، ويشيرون فيها بالذات إلى الحرب التي شنتها موسكو في أوكرانيا. ولعل هذه الحرب، بالفعل، كانت نقطة تحول مفصلي في توجهات ألمانيا ورسم أولوياتها السياسية والاستراتيجية. ذلك أنه طوال العقود الماضية بعد توحد الألمانيتين (الغربية والشرقية)، اعتمدت برلين سياسة خارجية تتركز بشكل أساسي على العلاقات الاقتصادية.
- تأثير الحرب الأوكرانية
في هذا الإطار، دأبت المستشارة السابقة أنجيلا ميركل طوال فترة حكمها المحافظ على الدفاع عن مشروع غاز «نورد ستريم 1» و«نورد ستريم 2» مع روسيا، في وجه المعترضين والمحذرين في بروكسل وواشنطن. وأيضاً بقيت الشركات الألمانية تطور علاقاتها مع الصين بتشجيع من الحكومة الاتحادية حتى بات الكثير منها معتمداً على العلاقة الاقتصادية الجيدة مع بكين. وفي هذه الأثناء، لم تكترث ميركل كثيراً بالانتقادات التي كانت توجه في الغرب ضد انتهاكات موسكو وبكين المزعومة لحقوق الإنسان. أو - على الأقل - لم تدع هذه الانتقادات الغربية تؤثر على العلاقات الاقتصادية الماضية في التوسع.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الائتلافية الجديدة برئاسة المستشار الاشتراكي أولاف شولتس - الذي كان نائب ميركل في الحكومة الائتلافية السابقة برئاسة ميركل - كانت تخطط للإبقاء على السياسة الخارجية نفسها. غير أن الحرب في أوكرانيا فعلا غيرت كل شيء.
لقد دفعت هذه الحرب بألمانيا نحو «الانقلاب» على قانون مشرع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بالامتناع عن التورط في نزاعات خارج أراضيها، والإحجام عن إرسال أسلحة إلى دول في حالة نزاع عسكري. وما حدث، هو أن أحزاب الائتلاف الحاكم (الاشتراكي – البيئي – الليبرالي) صوتت لتغيير القانون كي تتمكن من إرسال أسلحة إلى أوكرانيا.

من لقاء شولتس وشي في بكين

كذلك صوتت هذه الأحزاب لصالح زيادة الإنفاق على الجيش الألماني من أجل تطوير معداته وحيازة أنظمة صواريخ دفاعية متطورة، ورفع الميزانية السنوية لعموم القوات المسلحة في البلاد. وفي هذا الشأن علق كثيرون بأن ما ظل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب يطالب ألمانيا به طوال فترة رئاسته على صعيد زيادة إنفاقها العسكري ليصل إلى نسبة 2 في المائة من الإنفاق العام - وهو ما يوصي به حلف شمال الأطلسي «ناتو» للدول الأعضاء - دفعت روسيا ألمانيا لتحقيقه في يوم واحد. وفي سياق متصل، رغم الانتقادات الكثيرة التي تطال برلين حول تلكؤها في تسليح القوات المسلحة الأوكرانية، فإن ألمانيا تظل ثالث أكبر مصدر أسلحة لأوكرانيا، متقدمة بذلك على فرنسا ودول غربية أخرى تشارك في الدعم الغربي للأوكرانيين بمواجهة الجيش الروسي.
ومن جانب آخر، اقتصادي هذه المرة، أوقف المستشار شولتس مشروع «غاز نورد ستريم 2» قبل أن يباشر بنقل الغاز من روسيا إلى ألمانيا، قاضياً بذلك على مشروع روج له الاشتراكيون أنفسهم لسنوات طويلة. وبالفعل، قاد شولتس جهود حكومته للبحث عن مصادر غاز بديلة عن الغاز الروسي في سعيه لوقف اعتماد بلاده نهائياً على الغاز الروسي.
- الموضوع الإيراني
بعد روسيا، جاء دور إيران التي تتمتع ألمانيا معها بعلاقات تاريخية مميزة جعلتها في مصاف أكثر الدول الغربية «تسامحاً» معها ومع قيادتها، بالإضافة إلى أن ألمانيا تستضيف أكبر مركز ديني مرابط بطهران في أوروبا، هو «مركز هامبورغ الإسلامي». وبالفعل، أبقت سلطات برلين على هذا المركز مفتوحاً رغم معرفتها على امتداد عقود بأنه مرتبط بإيران التي تعين رئيسه. أكثر من هذا، تقول الاستخبارات الألمانية بأن هذا المركز أساسي لنشاطات طهران، ليس في ألمانيا فحسب بل في أوروبا كلها، ومنه تنشر - وفق تقارير الاستخبارات - عقيدتها وتدير عمليات تجسس ومراقبة على المعارضين في أوروبا.
وواقع الحال، أن النقاش لم يبدأ حول إغلاق مركز هامبورغ إلا في الآونة الأخيرة على إثر خروج التظاهرات الاحتجاجية في مختلف أنحاء إيران، وتصدي النظام لها بالقمع الشديد. ولقد امتد النقاش أخيراً ليصل إلى حد المطالبة بوقف الحوار مع إيران والمفاوضات النووية. ولم تخرج هذه الدعوات من حزب ميركل الديمقراطي المسيحي، الذي بات في المعارضة، بل صدرت إحداها عن أوميد نوريبوري - الذي يتحدر من أصل إيراني - زعيم حزب «الخضر»... أحد الأحزاب الثلاثة في الائتلاف الحاكم.
وفي هذا الإطار، قادت وزارة الخارجية الألمانية الدول الأوروبية في اقتراح ينص على مجموعة عقوبات تفرض على نظام طهران تمهيداً لتبنيها على مستوى الاتحاد الأوروبي. وسافرت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك إلى مدينة جنيف السويسرية للمشاركة شخصياً في اجتماع «مجلس حقوق الإنسان» الذي ناقش أوضاع إيران خلال الأسبوع الماضي ووافق على إنشاء «لجنة لتقصي الحقائق» في قتل المتظاهرين السلميين هناك. وكانت بيربوك، في الواقع، وزيرة الخارجية الوحيدة التي شاركت في الجلسة في حين اكتفت الدول الأخرى الأعضاء بمندوبيها في «المجلس».
ثم أن بيربوك، المنتمية لحزب «الخضر»، ألقت كلمة قوية داخل ردهة «المجلس» عبرت من خلالها عن دعمها للمتظاهرين ونددت بتصدي النظام لهم. وأثارت هذه المشاركة استياء إيران لدرجة أن مندوبتها داخل «المجلس» تهجمت على الوزيرة الألمانية، وتحدثت عن «نظام ألمانيا» الذي ادعت أنه «لا يسمح بحرية النساء». وأيضاً، استدعت سلطات طهران سفير ألمانيا مرتين خلال الأسابيع القليلة الماضية لتعترض على «المواقف السلبية» «والتحريض» من قبل ألمانيا ضد إيران.
هذا، ومع أن الخارجية الألمانية تمثل الحكومة، فإن صمت المستشار شولتس على استمرار الانتهاكات في إيران كان لافتاً، ولا سيما، مقابل الإدانات المستمرة التي ظلت تصدر عن الخارجية. وفي ظل الأجواء الحالية، ثمة اليوم من يقول بأن حزب «الخضر» هو الحزب الأساسي الذي يقود حملة «التغيير» أو «التقدم» التي تشهدها ألمانيا حالياً، سواءً على صعيد السياسة الداخلية أو في مجال السياسة الخارجية. وحقاً، فإن حزب «الخضر» بات، بلا أدنى شك، القوة الرئيسة الدافعة باتجاه سياسات أكثر تشدداً وحسماً، إن كان مع روسيا أو إيران أو الصين. وللعلم، كان هذا الحزب، حتى قبل أن ينضم إلى الحكومة الائتلافية الحالية، أكثر تشدداً من الأحزاب الأخرى في مقاربة كل من روسيا والصين، وبالأخص، خلال الحملة الانتخابية.
- السياسة إزاء الصين
على صعيد آخر، في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني)، وبينما كان أولاف شولتس يحضر لزيارة الصين قبل خروج التظاهرات المعارضة لقيود «كوفيد - 19» المستمرة، كان كل من حزب «الخضر» ووزارة الخارجية الألمانية يعدان ورقة استراتيجية حول رؤية جديدة للعلاقات مع الصين.
تحذر هذه الورقة المؤلفة من 61 صفحة، من أن القيادة الصينية «تستطيع وتريد» استخدام سوقها «لإحداث تأثير يهدف إلى انتزاع تنازلات» من الدول الأخرى. وتنتقد الورقة أيضاً ما تسميه «الانتهاكات الكبرى لحقوق الإنسان» في مناطق أقلية الإيغور الصينية التركية المسلمة في إقليم سنكيانغ... أو «تركستان الشرقية».

بيربوك تتكلم في جنيف منتقدة القمع الإيراني

كذلك، بحسب نص الورقة التي لم تعتمدها الحكومة الاتحادية بعد، بل ستصوت عليها العام المقبل، على الشركات الألمانية «أن تقلل من التبعية والاعتماد على الصادرات الأكثر جاذبية»، وتطلب من الشركات «الأكثر عرضة للتعاملات مع الصين إلى تقديم كشوف بالأرقام» للحكومة التي سيتوجب عليها، إذ ذاك، تحديد ما إذا كان يجوز لهذه الشركات المضي قدماً بعلاقتها مع الصين بالشكل نفسه أو اتخاذ خطوات مختلفة. وأيضاً، تقترح الورقة إنشاء «أساس قانوني يسمح للحكومة الألمانية، أو الاتحاد الأوروبي، بفحص الاستثمارات الأجنبية الحساسة للأمن».
هذا، وحتى عندما كان شولتس يزور العاصمة الصينية بكين ويلتقي برئيسها شي جينبينغ، لم تتوقف التحذيرات الصادرة عن مسؤولين في حزب «الخضر» الألماني من تكرار الأخطاء نفسها التي سبق ارتكابها في الماضي مع روسيا، هذه المرة مع الصين. بل، ودعا «الخضر» شولتس إلى العمل على تقليص اعتماد الصناعة الألمانية على الصناعة الصينية وتقنياتها، خوفاً من تكرار الأخطاء نفسها.
ولكن شولتس – على ما بدا – لم يكترث كثيراً بتحذيرات حلفائه البيئيين، إذ غادر إلى الصين برفقة ممثلين عن أبرز الشركات الألمانية، فيما يوحي بأنه لا يسعى إلى خفض حجم التبادل الاقتصادي مع الصين. أكثر من هذا، زج المستشار الألماني نفسه بصدام مع «الخضر» قبل أسابيع معدودة من رحلته إلى بكين - حول الصين أيضاً - برفضه توصيات الخارجية ووزارات أخرى، بمنع استحواذ شركة كوسكو الصينية على جزء من مرفأ هامبورغ. وكان كثيرون في ألمانيا يرون أن استحواذ الشركة الصينية المرتبطة بالنظام الشيوعي، على أسهم في أكبر مرفأ في أوروبا، سيمنح الصين قدرة على التحكم بالصادرات والواردات إلى ألمانيا. وبالتالي، سيشكل باباً جديداً للابتزاز الذي يمكن أن تتعرض له البلاد.
ومع انطلاق التظاهرات في الصين بسبب إجراءات «كوفيد - 19»، رفضت الحكومة الألمانية التعليق على الأمر. واكتفى المتحدث باسمها بالقول إن برلين تراقب الوضع هناك، رافضاً الإجابة على سؤال حول ما إذا كانت برلين ستستدعي السفير الصيني للاعتراض على طريقة التصدي للمتظاهرين. ثم ذكر أن شولتس تناول مع الرئيس الصيني مسألة اللقاحات التي طورتها شركة «بيونتك» الألمانية، التي نجحت بوقف تمدد الفيروس ومنعت المزيد من الإغلاقات. كذلك تحدث عن تعاون بين «بيونتك» وشركة أدوية صينية، في إشارة إلى أن ألمانيا تشجع الصين على اعتماد اللقاحات الغربية التي نجحت بالتصدي للفيروس، مقابل اللقاحات الصينية الأقل فعالية.
- على الجانب العسكري
وليست القطاعات الصناعية الألمانية القطاع الوحيد الذي يعتمد على العلاقة الجارية مع الصين، بل هناك الجيش الألماني أيضاً. ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، أرسلت ألمانيا من مخزون الجيش الألماني، كميات ضخمة من الذخائر والأسلحة ما جعلها في نقص كبير للذخائر، ويبدو الآن أن مصانع الأسلحة في ألمانيا تعتمد على الصين لشراء مواد أساسية في صناعة الذخائر.
تقرير لصحيفة «دي فيلت» أفاد أخيراً أن الجيش الألماني لا يستطيع الصمود لأكثر من بضع ساعات، في حال وقوع حرب اليوم. وأنه بحاجة ماسة لإعادة مخزونه من الذخيرة «التي باتت نادرة» وقد يكون للحصول عليها «مؤثرات سياسية». ولأن العديد من الدول الأوروبية أرسلت ذخائر إلى أوكرانيا فإن الطلب على هذه المواد من الصين تزايد بشكل كبير في الفترة الأخيرة.
وأشارت الصحيفة أيضاً، إلى البطء في عمليات إيصال هذه المواد من الصين منذ انتشار «كوفيد - 19» والإغلاقات التي تلت، مشيرة إلى أن عمليات التسليم لم تعد بعد إلى مستواها السابق. ومع أن فترة الانتظار انخفضت أخيراً من 144 شهراً إلى 9 أشهر، ففي السابق كانت شركات الأسلحة الأوروبية تنتظر 3 أشهر فقط بعد وضع الطلب للحصول على تلك المواد من الصين.
كل هذا يزيد النقاش في ألمانيا حول العلاقة مع الصين. وهو نقاش سيتطور - من دون شك - خلال الأسابيع المقبلة بعد تقديم الخارجية «الورقة» التي أعدتها للنقاش والتصويت عليها، وبخاصة، إذا تطورت التظاهرات، واضطرت الحكومة للتعليق عليها.
وفي المحصلة النهائية... بهذا تكون ألمانيا خلال سنة واحدة فقط، قد راجعت علاقتها ليس فقط مع روسيا وإيران... بل مع الصين أيضاً.
- موضوع الهجرة وتجنيس الأجانب... أبرز هموم سياسات الائتلاف الحاكم الداخلية
ليست كل «التغييرات» التي تشهدها ألمانيا راهناً ذات أبعاد خارجية، بل هناك أيضاً تغييرات داخلية آتية. إذ يستعد الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكيون) الذي يقود الحكومة لطرح مشروع تعديل الجنسية الذي يقصر مهلة الحصول عليها من 8 سنوات إلى 5 سنوات ويزيل شرط التخلي عن الجنسية الأصلية.
هذا المشروع يثير جدلاً كبيراً داخل ألمانيا خاصةً مع معارضة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ، للمشروع خاصةً لجهة السماح بازدواجية الجنسية. ويعارض هذا الحزب المحافظ، الذي هو الآن، أكبر أحزاب المعارضة، طوال السنوات الماضية تعديل قانون الجنسية، ويمنع إدخال أي تعديلات عليه. بل إن الحكومة الحالية ذكرت في اتفاق «جرأة للمزيد من التقدم» الهادف لتشكيل الائتلاف الحكومي الحالي على إدخال تعديلات على قانون الجنسية، وهي تسعى الآن للوفاء بهذا الوعد.
حزب «الخضر» يؤيد التعديلات المقترحة بشكل كبير، إلا أن الشركاء الليبراليين، الذين وقعوا هم أيضاً على الاتفاق الحكومي، يعترضون على توقيت طرحه قبل مكافحة مسألة الهجرة غير القانونية.
راهناً، يريد الاشتراكيون – مثلاً – التخفيف من شروط الجنسية على الجيل الأول من الأتراك الذين قدموا عمالاً في الستينات وبقوا في ألمانيا رغم أن معظمهم لم يحصل على الجنسية الألمانية. ولذا يتضمن المشروع إلغاء امتحان اللغة لمن هم فوق الـ67 من العمر من الأتراك الذين قدموا بصفة عامل. ويتضمن المشروع كذلك منح الجنسية للمولودين في ألمانيا لأبوين غير ألمان إذا كان والداهما يعيشان بشكل شرعي منذ خمس سنوات. ورغم أن هذه التعديلات تثير بعمق حفيظة الديمقراطيين المسيحيين وحلفائهم في معسكر اليمين، من المتوقع تبني المشروع بعد إدخال تعديلات طفيفة عليه. ومشروع معدل كهذا، يعني أن ألمانيا ستعترف أخيراً بأنها أصبحت «بلد مهاجرين» على غرار بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة. وهذا في حد ذاته تغيير كبير في دولة مثل ألمانيا.


مقالات ذات صلة

ألمانيا تسحب قواتها من مالي... وتؤكد أنها «باقية»

العالم ألمانيا تسحب قواتها من مالي... وتؤكد أنها «باقية»

ألمانيا تسحب قواتها من مالي... وتؤكد أنها «باقية»

عشية بدء المستشار الألماني أولاف شولتس زيارة رسمية إلى أفريقيا، هي الثانية له منذ تسلمه مهامه، أعلنت الحكومة الألمانية رسمياً إنهاء مهمة الجيش الألماني في مالي بعد 11 عاماً من انتشاره في الدولة الأفريقية ضمن قوات حفظ السلام الأممية. وعلى الرغم من ذلك، فإن الحكومة الألمانية شددت على أنها ستبقى «فاعلة» في أفريقيا، وملتزمة بدعم الأمن في القارة، وهي الرسالة التي يحملها شولتس معه إلى إثيوبيا وكينيا.

راغدة بهنام (برلين)
العالم ألمانيا لتعزيز حضورها في شرق أفريقيا

ألمانيا لتعزيز حضورها في شرق أفريقيا

منذ إعلانها استراتيجية جديدة تجاه أفريقيا، العام الماضي، كثفت برلين نشاطها في القارة غرباً وجنوباً، فيما تتجه البوصلة الآن شرقاً، عبر جولة على المستوى الأعلى رسمياً، حين يبدأ المستشار الألماني أولاف شولتس، الخميس، جولة إلى منطقة القرن الأفريقي تضم دولتي إثيوبيا وكينيا. وتعد جولة المستشار الألماني الثانية له في القارة الأفريقية، منذ توليه منصبه في ديسمبر (كانون الأول) عام 2021. وقال مسؤولون بالحكومة الألمانية في إفادة صحافية، إن شولتس سيلتقي في إثيوبيا رئيس الوزراء آبي أحمد والزعيم المؤقت لإقليم تيغراي غيتاتشو رضا؛ لمناقشة التقدم المحرز في ضمان السلام بعد حرب استمرت عامين، وأسفرت عن مقتل عشرات

العالم ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

في عملية واسعة النطاق شملت عدة ولايات ألمانية، شنت الشرطة الألمانية حملة أمنية ضد أعضاء مافيا إيطالية، اليوم (الأربعاء)، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. وأعلنت السلطات الألمانية أن الحملة استهدفت أعضاء المافيا الإيطالية «ندرانجيتا». وكانت السلطات المشاركة في الحملة هي مكاتب الادعاء العام في مدن في دوسلدورف وكوبلنتس وزاربروكن وميونيخ، وكذلك مكاتب الشرطة الجنائية الإقليمية في ولايات بافاريا وشمال الراين - ويستفاليا وراينلاند – بفالتس وزارلاند.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الرياضة مدير دورتموند: لن أخوض في نقاش ضربة الجزاء غير المحتسبة أمام بوخوم

مدير دورتموند: لن أخوض في نقاش ضربة الجزاء غير المحتسبة أمام بوخوم

لا يرغب هانز يواخيم فاتسكه، المدير الإداري لنادي بوروسيا دورتموند، في تأجيج النقاش حول عدم حصول فريقه على ركلة جزاء محتملة خلال تعادله 1 - 1 مع مضيفه بوخوم أول من أمس الجمعة في بطولة الدوري الألماني لكرة القدم. وصرح فاتسكه لوكالة الأنباء الألمانية اليوم الأحد: «نتقبل الأمر.

«الشرق الأوسط» (ميونيخ)
شؤون إقليمية الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

قال الاتحاد الأوروبي إنه «يدين بشدة» قرار القضاء الإيراني فرض عقوبة الإعدام بحق المواطن الألماني - الإيراني السجين جمشيد شارمهد، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وأيدت المحكمة العليا الإيرانية يوم الأربعاء حكم الإعدام الصادر بحق شارمهد.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
TT

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد الخريجي، وترأس الجانب الصيني نظيره نائب الوزير دنغ لي. وبحث الجانبان تطوير العلاقات الثنائية، مع مناقشة المستجدات التي تهم الرياض وبكين. يذكر أن العلاقات السعودية الصينية شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، إذ تعززت الشراكة بين البلدين على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية. وتعود العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية إلى عام 1990، عندما افتتحت سفارتا البلدين رسمياً في العاصمتين بكين والرياض. مع أن علاقات التعاون والتبادل التجاري بين البلدين بدأت قبل عقود. وعام 1979، وقّع أول اتفاق تجاري بينهما، واضعاً الأساس لعلاقات قوية مستمرة حتى يومنا هذا.

 

تُعدّ الصين اليوم الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، وانعكست العلاقات المتنامية بين البلدين بشكل كبير على التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما؛ إذ أسهمت في وصول حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 100 مليار دولار أميركي في عام 2023. تستورد الصين النفط الخام من السعودية بشكل رئيسي، وتعدّ المملكة أكبر مورد للنفط إلى الصين، إذ تصدر ما يقرب من 1.7 مليون برميل يومياً. ولقد تجاوزت الاستثمارات الصينية في المملكة حاجز الـ55 مليار دولار. وبحسب تقرير لـ«edgemiddleeast»، ضخّت الصين 16.8 مليار دولار في المملكة في 2023 مقابل 1.5 مليار دولار ضختها خلال عام 2022، استناداً إلى بيانات بنك الإمارات دبي الوطني، وهي تغطي مشاريع في البنية التحتية والطاقة والصناعات البتروكيماوية. وفي المقابل، استثمرت المملكة في عدد من المشاريع داخل الصين، منها الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا والنقل. واستضافت الرياض أيضاً في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام «مؤتمر الأعمال العربي الصيني» الذي استقطب أكثر من 3600 مشارك. وبعد أسبوعين فقط، أرسلت السعودية وفداً كبيراً بقيادة وزير الاقتصاد السعودي إلى مؤتمر «دافوس الصيفي» في الصين. وبالإضافة إلى هذا الزخم الحاصل، دعت الصين المملكة العربية السعودية كضيف شرف إلى «معرض لانتشو الصيني للاستثمار والتجارة» الذي أقيم من 7 إلى 10 يوليو (تموز) من هذا العام. وكانت وزارة الاستثمار السعودية حثّت الشركات على المشاركة بفاعلية في المعرض، والجناح السعودي المعنون «استثمر في السعودية». كذلك وقّعت السعودية والصين اتفاقيات متعددة لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة، بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة. وتسعى المملكة لتحقيق «رؤية 2030» التي تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، في حين تسعى الصين إلى تأمين إمدادات الطاقة اللازمة لتنميتها الاقتصادية. وبالفعل، جرى أخيراً توقيع اتفاقية بين شركة «تي سي إل تشونغ هوان» لتكنولوجيا الطاقة المتجددة الصينية، وشركة توطين للطاقة المتجددة، وشركة «رؤية للصناعة» السعوديتين، لتأسيس شركة باستثمار مشترك، من شأنها دفع توطين إنتاج الرقائق الكهروضوئية في المملكة العربية السعودية. ووفقاً للاتفاقية، يبلغ إجمالي حجم الاستثمار في المشروع المشترك نحو 2.08 مليار دولار. التعاون السياسي والدبلوماسي تتعاون المملكة والصين على مستوى عالٍ في القضايا الدولية والإقليمية. وتستند العلاقات السياسية بين البلدين إلى احترام السيادة الوطنية والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية. كذلك تتبادل الدولتان الدعم في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، ولقد لعبت الصين دوراً محوَرياً في الوساطة بين السعودية وإيران، ما أدى إلى تحقيق نوع من التوافق بين البلدين، أسهم في توطيد الاستقرار، وقلّل من حدة التوترات، وعزّز من الأمن الإقليمي. الزيارات الرسمية والقمم المعروف أنه في مارس (آذار) 2017، قام الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة رسمية للصين حيث التقى الرئيس الصيني شي جينبينغ. وخلال الزيارة، وُقّعت 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تضمنت التعاون في مجالات الطاقة والاستثمارات والعلوم والتكنولوجيا. وفي وقت سابق، كان خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز قد زار الصين رسمياً عام 2006، كانت تلك الزيارة بمثابة نقطة تحوّل في تعزيز العلاقات الثنائية، وشملت مباحثات مع القيادة الصينية وشهدت توقيع اتفاقيات عدة في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار. كما زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الصين في فبراير (شباط) 2019 كجزء من جولته الآسيوية. خلال هذه الزيارة، وقّعت 35 اتفاقية تعاون بين البلدين بقيمة تجاوزت 28 مليار دولار، وشملت مجالات النفط والطاقة المتجددة والبتروكيماويات والنقل. بعدها، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بزيارة تاريخية إلى الرياض، حيث شارك في «قمة الرياض»، التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي والصين. وتركّزت هذه القمة على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين الجانبين، وخلالها وقّع العديد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا. من الزيارات البارزة الأخرى، زيارة وزير الخارجية الصيني إلى السعودية في مارس (آذار) 2021، حيث نوقش التعاون في مكافحة جائحة «كوفيد 19» وتعزيز العلاقات الاقتصادية،