واشنطن قلقة من مقتل عشرات المدنيين في جنوب كردفان

الحركة الشعبية تنفي تورطها في الهجوم

واشنطن قلقة من مقتل عشرات المدنيين في جنوب كردفان
TT

واشنطن قلقة من مقتل عشرات المدنيين في جنوب كردفان

واشنطن قلقة من مقتل عشرات المدنيين في جنوب كردفان

عبرت الولايات المتحدة الأميركية عن قلقها من تقارير تحدثت عن مقتل عشرات المدنيين خلال هجوم شنته الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، الشهر الماضي، ودعت الحكومة السودانية والحركات المسلحة في دارفور، النيل الأزرق وجنوب كردفان، إلى وقف الأعمال العدائية، غير أن الحركة الشعبية نفت تورطها في هذه الأحداث، وشددت على أنها تقاتل القوات الحكومية وميليشياتها وليس المواطنين، في وقت نفى حزب المؤتمر السوداني المعارض انضمامه إلى الحوار الوطني الذي دعا له الرئيس عمر البشير في العام الماضي، متهمًا جهاز الأمن والمخابرات وبعض القوى السياسية – لم يسمّها – بقيادة حملة إعلامية للتشكيك في مواقف الحزب.
واعتبرت السفارة الأميركية في الخرطوم في بيان لها أمس أن العمليات العسكرية التي تقوم بها الحكومة السودانية والحركات المسلحة قد أدت إلى تشريد أعداد كبيرة من المدنيين هذا العام إلى جانب تفاقم الأزمة الإنسانية، وصفتها بالخطيرة، وعبرت عن بالغ قلقها حول التقارير التي أفادت بأن الحركة الشعبية – شمال هاجمت في الخامس والعشرين من يونيو (حزيران) مدنيين يعملون في مناطق التعدين بالقرب من مدينة (تلودي) في ولاية جنوب كردفان. وذكر البيان أن هذه الهجمات أسفرت عن «مقتل العشرات وإصابة ما يقارب مائة آخرين أثناء تجمعهم لأداء صلاة الفجر قبل بدء الصيام»، وشدد البيان على أن ذلك «يشكل استهدافا للمدنيين واستهدافًا للقانون الإنساني الدولي».
وحثت السفارة في بيانها الحركة الشعبية والفصائل المسلحة الأخرى والحكومة السودانية على وقف الأعمال العدائية واحترام التزاماتهم بموجب القانون الإنساني الدولي، خصوصا المتعلق بحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى المنظمات، وقالت إن سنوات القتال بين أطراف النزاع أكدت أنه لا يوجد حل عسكري للصراعات في السودان والحل السياسي ضروري لتحقيق سلام مستدام، وأضافت: «نحث الحكومة وزعماء المعارضة السودانية على اتخاذ خطوات جريئة ولازمة لتأمين السلام لجميع السودانيين».
وقد ذكرت تقارير صحافية محلية عن مصادر محلية بولاية بجنوب كردفان أن الحركة الشعبية قد قامت بقتل منقبين عن الذهب وعددهم 38 شخصًا أغلبهم من أبناء دارفور، غير أن قيادي في الحركة الشعبية نفى تورطها في تلك الأحداث، وقال إن قوات تابعة لميليشيات الدفاع الشعبي قد أوقعت في كمين جنودًا من الحركة الشعبية وقتلت جنودًا منها ومثلت بجثثهم وأسرت عددا آخر وأرسلتهم إلى مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان، وأضاف أن هناك ميليشيا تابعة للحكومة تنشط في هذه المناطق، وقال إن قوات الحركة تعاملت مع تلك الميليشيا ولم تواجه أي مواطنين، في إشارة إلى قوات الدعم السريع التابعة لجهاز الأمن والمخابرات السوداني. ويقاتل متمردو الحركة الشعبية – شمال القوات الحكومية في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان منذ يونيو 2011، بينما تقاتل الحركات المسلحة في إقليم دارفور الحكومة السودانية منذ أكثر 11 عامًا، وفشلت جهود الوساطة الأفريقية في إنهاء الحرب وتوصيل الإغاثة للمدنيين في مناطق النزاع.
من جهة أخرى نفى حزب المؤتمر السوداني المعارض بقيادة إبراهيم الشيخ في بيان صحافي تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه انضمام الحزب إلى الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس السوداني عمر البشير في يناير (كانون الثاني) العام الماضي، مكذبًا ما ورد في إحدى الصحف الصادرة في الخرطوم على لسان آلية الحوار عبود جابر من انضمام حزب المؤتمر السوداني إلى ما وصفه البيان بـ«حوار الوثبة سيئ الذكر»، معتبرًا الخبر كاذبا ولا أساس له من الصحة، متهمًا جهاز الأمن والمخابرات وبعض القوى السياسية التي لم يسمّها البيان بقيادة حملة منظمة عبر الإعلام للتشكيك في مواقف الحزب.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.