مومباي.. المختصر المفيد

إذا أردت أن تعرف ما في الهند يجب أن تعرف ما في المدينة الأكثر ديناميكية

بومباي مدينة الفوضى غير المنظمة
بومباي مدينة الفوضى غير المنظمة
TT

مومباي.. المختصر المفيد

بومباي مدينة الفوضى غير المنظمة
بومباي مدينة الفوضى غير المنظمة

إذا ما رغبت في أن ترى الهند بأكملها في مدينة واحدة، فعليك إذن بزيارة مومباي، التي تضم في جنباتها بوليوود التي لا تنام. وتحمل هذه المدينة وعودًا بتوفير تجارب تثري جميع حواسك. قد تكون دلهي عاصمة الهند، لكن مومباي تحتضن جميع العناصر الديناميكية والفوضوية المكونة للهند الحديثة. في مومباي، ستجد كل شيء بدءًا من الأطعمة التي تعد في الشوارع وصولاً إلى أفخر المطاعم، ومن أقسى درجات الفقر إلى الثراء الفاحش. كما تنفرد مومباي بضمها لأكبر منطقة أزقة على مستوى آسيا. باختصار يمكن القول بأن مومباي تمثل الهند في صورتها النشطة المفعمة بالحياة، بجمالها وقبحها.
تتميز مومباي بتاريخ فريد ينبع من نشأتها داخل عدد من الجزر الصغيرة ثم نموها حتى وصلت لما وصلت إليه الآن. منذ عام 1534، وقعت جزر مومباي تحت سيطرة البرتغاليين، ثم سلمها ملك البرتغال إلى سيطرة التاج الإنجليزي، كمهر مقدم إلى ملك إنجلترا تشارلز الثاني، عام 1662. وفي عام 1668، انتقلت السيطرة عليها إلى شركة الهند الشرقية.
في البرتغالية، تعني عبارة «بوم بايا» «وداعًا»، لذا أطلق عليها البريطانيون «بومباي»، والذي تحول الآن إلى مومباي. كما تعرف المنطقة بأنها «أرض التوابل» و«مدينة الفرص» و«بوابة الهند» و«مكة المعمار الفيكتوري في آسيا» و«المدينة الفيكتورية الفريدة» و«جزيرة النخيل» و«ملكة المدن الآسيوية» و«مدينة الذهب» و«الميناء العظيم»، بجانب وصف بعض الرحالة الغربيين لها بأنها البوابة الغربية للهند، والتي عن طريقها تمر التجارة والحضارة وتنتشر في ربوع البلاد.
ومثلما الحال في مدينة نيويورك، توصف هذه المدينة بأنها مدينة الأحلام، خصوصا وأنها تضم بين سكانها بعض أكثر الهنود ثراءً وكذلك نجوم بوليوود. بالنسبة للسياح العرب، تعد أمطار مومباي من عناصر الجذب الكبرى. وتتساقط هذه الأمطار خلال موسم هبوب الرياح الموسمية، حيث يصل عدد الزائرين العرب إلى أقصاه. وإذا قمت بزيارة المدينة وشعرت بالحيرة حيال أي الأماكن ينبغي أن تزورها، فإنه بجانب الشواطئ، يمكنك معاينة بعض أروع مشاهد غروب الشمس على ضفاف البحر العربي. وفيما يلي سنطرح قائمة بأبرز الأماكن التي عليك زيارتها.
في مومباي، يمثل الليل البداية الحقيقية لليوم. لذلك، تحمل مومباي اسم «المدينة التي لا تنام!» خلال الشهور القليلة المقبلة، من المحتمل أن تصبح مومباي المدينة الهندية الأولى التي تبقى مفتوحة طيلة ساعات اليوم على مدار الأسبوع.
ويجري النظر إلى نصب «بوابة الهند» باعتباره نقطة البداية التي ينطلق منها غالبية السياح الراغبين في التجول بمختلف أرجاء المدينة. ويعد هذا النصب واحدًا من أبرز المعالم الأثرية بالهند، ويبلغ ارتفاعه 26 مترًا، وبه أربعة أبراج، بجانب زخارف متشابكة معقدة منقوشة على حجر بازلت أصفر. ويمثل الأثر نموذجًا للعمارة الهندوسية - مسلمة، وجرى تشييده لتكريم الملك البريطاني جورج الخامس والملكة ماري. وأقيم النصب الضخم عام 1924، ويطل على ميناء مومباي ويحده البحر العربي. ويبقى هذا النصب بمثابة رمز لافت على حقبة الحكم البريطاني. وبعد انتهاء هذه الحقبة عام 1947، غادر آخر الجنود البريطانيين الهند عبر هذه البوابة. وقد صممت البوابة لتكون أول ما يراه الزائرون لدى اقترابهم من مومباي بحرًا. في الوقت الحاضر، يشبه المناخ العام المحيط بالنصب في بعض الأحيان السيرك، مع وجود أعداد كبيرة من البائعين يعرضون سلعًا كثيرة تتنوع بين البالونات والشاي الهندي. عام 2011، ضمت مؤسسة «لونلي بلانيت» «بوابة الهند» إلى قائمة أحد أفضل المزارات العالمية المجانية.
ومن بين أفضل المتاحف في الهند متحف أمير ويلز المتميز بعمارته المثيرة التي تمثل مزيجًا بين العمارة الهندوسية والإسلامية والبريطانية. ويضم المتحف أكثر من 50 ألف قطعة أثرية تعود إلى التاريخ الهندي القديم، وكذلك عصور ماضية بدول أخرى. كما يعرض المتحف قطعًا فنية من حضارة وادي السند، وكذلك بقايا من آثار الهند من العصور القديمة والوسطى.

بوابة الهند

كما تتميز الهند ببعض المباني الأثرية الأخاذة، حيث يمكن أن تستمتع بمعاينة نماذج من المعمار المميز لفترة الاستعمار. عبر «بوابة الهند»، يمكنك رؤية فندق تاج محل الرائع في الخلفية. يقع الفندق في الشارع المجاور للبوابة، وقد تركزت عليه أنظار العالم عندما تعرض لهجوم إرهابي بشع عام 2008، أسفر عن مقتل الكثيرين. يتجاوز عمر الفندق 100 عام، حيث بني عام 1903، وهو من الأماكن التي يجب زيارتها في المدينة. وقد أعيد بناء الفندق بعد الهجوم، وخصص أحد أقسامه لمن لقوا حتفهم خلال الهجوم. إذا تمكنت من الإقامة في الفندق، فهذا خيار ممتاز. أما إذا عجزت عن ذلك، فيمكنك إذن تناول القهوة هناك على الأقل.
أيضًا، تعد كهوف إليفانتا من أهم المزارات في أوساط الزائرين المحليين والأجانب. من جانبها، ضمت منظمة «اليونيسكو» هذه الكهوف لقائمة التراث الإنساني. وتقع الكهوف على جزيرة تبعد مسافة 10 كيلومترات شرق ميناء مومباي. كما يطلق عليها «مدينة الكهوف»، وتضم بقايا أثرية قديمة تعد دليلاً على الماضي الثقافي الثري للهند. ويعود عمر هذه الكهوف إلى منتصف القرن الخامس والقرن السادس.
كما يوجد كهفان بوذيان، ضمتهما «اليونيسكو» أيضا لقائمة التراث العالمي. ولدى تجولك بمختلف أرجاء «إليفانتا»، عليك توخي الحذر حيال القرود الكثيرة التي تجول بالمكان. ويعد هذا تحديدًا المكان المناسب لزيارته إذا رغبت في الاستمتاع بالهدوء بعيدًا عن صخب مومباي.
أيضًا، يمكن زيارة «نافورة فلورا»، المعروفة كذلك باسم «هوتاتما تشوك»، ويعود تاريخ بنائها لعام 1864. وتعد النافورة واحدة من أهم مواقع التراث بالهند.

أهم المزارات

من بين المزارات الأخرى «مضمار ماهالاكشمي» لسباق الخيول، الذي يحظى بشهرة واسعة على مستوى البلاد، وهو أحد أبرز مضامير السباق على مستوى آسيا. كما أن «غراندستاند» الموجودة بالمضمار، موجودة بقائمة مواقع التراث الهندية.
وتعتبر محطة «تشهاتراباتي شيفاجي ترمينس» أو «فيكتوريا ترمينس» للسكك الحديدية بمثابة أعجوبة معمارية. بنيت المحطة عام 1888 بأسلوب معماري قوطي فيكتوري، مطعم ببعض عناصر العمارة الهندية التقليدية. وتوجد المحطة على قائمة «اليونيسكو» للتراث العالمي. وعندما تسير أمام المحطة الفيكتورية ومكتب البريد الملحق بها تشعر وكأنك في باريس، لكن صخب الحركة المحيطة يعود بك مجددًا إلى الهند.
أيضًا، من بين المعالم السياحية للمدينة «مارين درايف»، ويعد من أبرز نقاط الجذب للسائحين وظهر في كثير من أفلام بوليوود، وهو عبارة عن طريق سريع على شكل «سي» بالأجنبية يطل على البحر ولا يخلو من صخب السيارات المسرعة قط. بعد الغروب، تجري إضاءة الطريق بالآلاف من مصابيح إنارة الشوارع، ويشار إلى منظر الطريق من أعلى وهو مضيء ليلاً باسم «عقد الملكة».
من المزارات أيضا مسجد ومقبرة الحاج علي، والذي بني عام 1431 من جانب تاجر مسلم ثري وشيخ صوفي يدعى الحاج علي شاه بخاري، والذي دفعه إلهام لتبديل مسار حياته بعد زيارته مكة. يوجد المسجد والمقبرة التي تضم جسد الحاج علي في قلب المحيط، لذا لا يمكن الوصول إليه سوى خلال فترات الجزر عبر ممشى ضيق يمتد لمسافة 500 ياردة.

بعيدا عن صخب المدينة

ويمكن للزائر التماس الهدوء بمنأى عن صخب المدينة بالذهاب إلى سواحل المدينة الرائعة ومشاهدة الشروق والغروب بها. وتوجد بعض أشهر شواطئ المدينة في «جوهو غيرغوم» و«باندرا». وتضم المناطق المحيطة بهذه الشواطئ منازل الأثرياء من سكان مومباي. ويحرص كثير من زائري المدينة على مشاهدة منزل نجم السينما أميتاب باتشان على طريق مؤدٍ لشاطئ جوهو. وكثيرًا ما يجري تصوير أفلام لبوليوود بهذا المكان. وفي الصباح، يمكن رؤية كثير من المشاهير يتنزهون بأرجاء الشاطئ.
قرب شواطئ «باندرا»، المعروفة باسم «باندستاند»، يقف العشرات من المعجبين لرؤية منزل شاروخان وسلمان خان. بوجه عام، من الممتع زيارة كلا الشاطئين، حيث يسود جو عام شبيه بأجواء الكرنفالات، خصوصا خلال عطلات نهاية الأسبوع. وأهم ما يميز الشاطئين إمكانية مشاهدة النجوم والمشاهير، أما العطش فيمكنك التغلب عليه باحتساء ماء جوز الهند الطازج.

ابحث عن غاندي في بومباي

إذا كنت تبحث عن صلة غاندي بمومباي، فإن «ماني بهافان» هي المكان الأمثل لزيارته، حيث يضم معروضات من كتابات أدبية وصورًا لغاندي، بجانب معروضات مجسدة ثلاثية الأبعاد لأحداث من حياة الزعيم الهندي الشهير. كما يضم المعرض مقتنيات شخصية لغاندي من غرفة نومه وكتبه وملابسه. وقد شهد هذا المكان تعلم غاندي للمرة الأولى كيفية استخدام عجلة المغزل.
ويقع المنزل المؤلف من طابقين على طريق لابورنوم في غامدفي. ومن داخل هذا المنزل، أطلق غاندي حملة عدم التعاون وحركات أخرى مناهضة للاستعمار البريطاني.
ويعد جسر «باندرا وورلي سي لينك» واحدا من المعجزات الهندسية الحديثة. ويمر هذا الجسر المؤلف من 8 ممرات فوق البحر، ويوفر تجربة قيادة ممتعة، حيث يستمتع الكثيرون بالقيادة فوقه مع التمتع بمشاهدة منظر البحر، لكن لا يسمح لأحد بالتوقف في أي مكان على الجسر.
من ناحية أخرى، تعتبر مومباي قلب صناعة بوليوود المزدهرة. ومن الأماكن الرائعة المرتبطة بهذه الصناعة سينما إروس، ذات الطراز المعماري الأخاذ، والتي تجاوز محطة سكة حديد «تشرتش غيت»، وهي مكان رائع لمشاهدة أحدث إبداعات بوليوود. ويمكنك كذلك القيام بجولة إلى قلب «فيلم سيتي» (مدينة الأفلام) لمعاينة عالم صناعة السينما عن قرب.
وتعتبر «إسيل وورلد» و«أدلابس إماجيكا ثيم» من أكبر المتنزهات وأروعها على مستوى الهند، وهي من المناطق المفضلة للزائرين من الأسر بوجه خاص.

أفضل وقت للزيارة

بالنسبة للوقت الأمثل لزيارة مومباي، فإنه نظرًا لقرب المدينة من البحر العربي نجد أنها بطبيعتها مدينة ذات مناخ رطب. ونظرًا لوجود مومباي في المنطقة المدارية، وغالبًا ما تحظى بالمناخ ذاته دون اختلاف يذكر على مدار العام. ومع ذلك، فإن الوقت الأمثل لزيارة المدينة للراغبين في تجنب التعرض للشمس المحرقة ما بين نوفمبر (تشرين الثاني) وفبراير (شباط) . ودائمًا ما تهب الرياح الموسمية على مومباي في نهاية يونيو (حزيران) . وخلال تلك الفترة، تتحول زيارة المدينة لتجربة يصعب نسيانها مع هطول الأمطار بغزارة واستمرار.
وتصبح المدينة في أزهى صورها خلال شهري سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) ، حيث تضيف الشوارع والمتاجر المزخرفة بكثرة إلى جمال المدينة وثرائها البصري. لذا، فإن الشهور من أكتوبر إلى فبراير هي الوقت الأمثل لزيارة المدينة.

التسوق

الملاحظ أنه على امتداد السنوات، ومع نيل البلاد استقلالها، تحولت مومباي إلى مدينة عامرة بأسواقها المزدهرة وكثير من المجتمعات المتنوعة. وتمثل هذه المدينة الساحرة العاصمة المالية للهند ومركز الغالبية العظمى من المعاملات التجارية والاستثمارية، علاوة على كونها مركزًا ثقافيًا، علاوة على تميزها بأرقى العلامات التجارية في عالم الموضة.
أيضًا، تعج المدينة بحركة تجارية صاخبة ومتنوعة، من التجار الذين يشغلون جوانب الشوارع إلى سوق تشور بازار ثيفز المذهل، ما يجعلها مكانًا مثاليًا للتسوق. ويمكنك شراء تذكارات ساحرة من كولابا كوزواي، والتمتع بأحذية رخيصة من لينكنغ رود، والتجول عبر أزقة تشور بازار بحثًا عن الأنتيكات.

افعل ولا تفعل

من الأفضل التجول عبر المدينة برفقة أحد أبنائها، مما سيفيد كثيرًا في التعامل مع الباعة بالشوارع وسائقي سيارات الأجرة الذين عادة يبالغون في الأسعار التي يطالبون بها السياح، علاوة على الحصول على نصائح مهمة بخصوص الأماكن التي يمكن زيارتها والأخرى التي ينبغي تجنبها.
ورغم أن مومباي أقل محافظة من الناحية الاجتماعية عن المدن الهندية الأخرى، فإنه يبقى من الأفضل للنساء التزام الملابس المحتشمة، وكذلك من الضروري التزام الهدوء والجدية داخل أماكن العبادة على اختلافها، وضرورة خلع الأحذية قبل الدخول إليها. كما أن بعض الأماكن المقدسة تتطلب الفصل بين الرجال والنساء.
ومن الأفضل تجنب ركوب القطارات خلال ساعات الذروة من 7 إلى 11.30 صباحًا ومن 4 إلى 11 مساءً. وكذلك تجنب تناول الأطعمة السريعة التي قد لا يلتزم معدوها بالأساليب الصحية، ولا ينبغي قبول أي مأكولات أو مشروبات من غرباء.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».