«الثورية» و«الشعبية».. ميليشيات الحوثي ويده الطولى

يمنيون لـ {الشرق الأوسط}: الحوثيون يمارسون القتل والنهب والتدمير باسم «المسيرة القرآنية»

رجلان من الطاقم الطبي ينقلان أحد رجال المقاومة كان قد أصيب في مواجهات مع المتمردين الحوثيين في تعز أمس (رويترز)
رجلان من الطاقم الطبي ينقلان أحد رجال المقاومة كان قد أصيب في مواجهات مع المتمردين الحوثيين في تعز أمس (رويترز)
TT

«الثورية» و«الشعبية».. ميليشيات الحوثي ويده الطولى

رجلان من الطاقم الطبي ينقلان أحد رجال المقاومة كان قد أصيب في مواجهات مع المتمردين الحوثيين في تعز أمس (رويترز)
رجلان من الطاقم الطبي ينقلان أحد رجال المقاومة كان قد أصيب في مواجهات مع المتمردين الحوثيين في تعز أمس (رويترز)

تزايدت، في الآونة الأخيرة في اليمن، حالات التذمر لدى المواطن اليمني، جراء تصرفات الميليشيات الحوثية، أو ما يطلق عليها الحوثيون «اللجان الشعبية»، ثم «اللجان الثورية»، التي باسمها جرى احتلال مؤسسات الدولة اليمنية والانقلاب على شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، فقد توسع نشاط تلك اللجان لتطال المواطن العادي في لقمته وتزيد من معاناته، هذا عوضا عن مشاركته في عمليات القتل والتدمير التي تشهدها البلاد، منذ بضعة أشهر.
وقبل تاريخ 21 سبتمبر (أيلول) المنصرم، لم يكن أحد في العاصمة اليمنية صنعاء يعرف بشيء اسمه «اللجان الشعبية»، باستثناء تلك القوات التي تحمل الاسم نفسه في جنوب البلاد والتي كانت توحدت وانبرت لقتال عناصر تنظيم القاعدة، خلال الفترات الماضية. غير أن «اللجان الشعبية»، التي تنتشر في كل أنحاء المحافظات التي تخضع لسيطرة الحوثيين والقوات الموالية للمخلوع علي عبد الله صالح، باتت تتدخل في كل مناحي الحياة، إلى جانب «اللجان الثورية»، فالأخيرة لها رأس هو ما يسمى «اللجنة الثورية العليا»، والتي يرأسها محمد علي الحوثي، ولها فروع في كل المحافظات وفي الوزارات والمؤسسات الحكومية والأمنية والعسكرية، بصورة كاملة، أما الأولى فقد ابتدأ نشاطها بالسيطرة على النقاط الأمنية والجولات المرورية في العاصمة وباقي المدن التي باتت تحت سيطرة الجماعة المتشددة، وحلت هذه اللجان، بمختلف المسميات، محل مؤسسات الدولة اليمنية التي يقول الكثير من الناس إنها باتت مختطفة من قبل «عصابة» أو «الميليشيات».
وبحسب تأكيدات لمواطنين في عدد من المحافظات اليمنية، لـ«الشرق الأوسط»، فإن الترتيب لإعلان هذه اللجان استبق عملية الانقلاب على الشرعية الدستورية بقرابة العامين إلى الثلاثة أعوام، حيث يقول المواطنون إن كثيرا من مناطق البلاد المستهدفة في مرحلة الانقلاب والسيطرة شهدت توافد عناصر من خارج تلك المناطق، وقيامهم بالاستيطان في تلك المناطق وشراء المنازل وإقامة علاقات اجتماعية بأسر معينة ممن يطلق عليهم «الهاشميون» أو «السادة»، وأسر وعائلات أخرى قدمت إلى المناطق الشافعية من المناطق الزيدية، إبان عهد الإمامة المتوكلية التي انتهت بقيام ثورة 26 سبتمبر 1962، إضافة إلى ارتباط تلك الشخصيات بالمشايخ والعناصر المؤثرة اجتماعيا في الشارع من عناصر حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يترأسه المخلوع علي عبد الله صالح، وكذا المنتمين إلى قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، التي كان يقودها نجل المخلوع، العميد الركن أحمد علي عبد الله صالح، من أبناء تلك المناطق. وتقول وجهات اجتماعية متوسطة ومعتدلة لـ«الشرق الأوسط» إن «تلك الخطوات التي قام بها الحوثيون، قبل الانقلاب، سهلت عليهم السيطرة على المناطق وإسقاطها بسهولة، وإن المسألة ترجع إلى ترتيبات للأماميين للعودة إلى السلطة، إلا أن العملية جرى تحريكها، بشكل أكبر، بعد ثورة الشباب التي قامت في فبراير (شباط) 2011، من خلال التحالف مع المخلوع صالح الذي هدد بالاقتتال في اليمن من طاقة إلى طاقة (نافذة)»، حسب المصدر.
في بلدة القُطيع بمديرية المراوعة في محافظة الحديدة، وهي بلدة صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها الـ15 ألف نسمة، جاء «أبو محمد»، كما يعرف ولا يعرف له المواطنون اسما غير هذه الكنية، واشترى منزلا من أحد المواطنين من أبناء محافظة صنعاء، والذي سبقه إلى المنطقة واشترى أرضا وبناها، ثم قام «أبو محمد» بتعزيز المنزل ببناء مكان خاص للمقيل يسمى «العريش»، وهو مكان يجتمع فيه الناس، وظل الرجل على علاقة بأشخاص محددين ولا يُعرف له عمل أو مصدر دخل، رغم صرفياته المتزايدة، وعقب انقلاب الحوثيين في صنعاء تسيد الرجل المنطقة - البلدة، وجمع حوله منتسبين للقوات الخاصة والحرس الجمهوري ومشايخ فاسدين من الموالين للمخلوع صالح، وألغى عمل السلطة المحلية ممثلة في مدير المديرية (المأمور) والمجلس المحلي (البلدي) والشرطة، وتحولت كل القضايا إليه ليفصل فيها، من النزاع بين المزارعين إلى قضايا الخلع والطلاق وشراء الأراضي، كل شاردة وواردة أصبحت في يديه ولديه مسلحون يجلبون إليه الخصوم رغم أنوفهم إلى «العريش»، حيث يمضغ القات ويستظل في شمس الحديدة – تهامة الحارقة.. نفس الحال انطبق وجرت ممارسته على مناطق أخرى في محافظة الحديدة ومحافظات شمالية أخرى، باتت اليوم في قبضة الميليشيات.
وفي ضوء وقائع رصدتها «الشرق الأوسط»، خلال الفترات الماضية، فإن ميليشيات الحوثي «اللجان الشعبية» و«اللجان الثورية»، أحكمت قبضتها على مفاصل الدولة اليمنية، حتى إنها ألغت أي دور للموالين للمخلوع صالح في كثير من المناطق والذين باتوا يأتمرون بأمر قادة الميليشيات، وتسيطر، هذه اللجان، باسم «المسيرة القرآنية» وقائدها عبد الملك الحوثي على المؤسسات المدنية والعسكرية وتسير كل الشؤون المالية والإدارية، نشاطات أخرى، إلى جانب ذلك، برزت، في الآونة الأخيرة، بشكل لافت للنظر، منها الجباية بصور متعددة، منها ما يتعلق بالإتاوة التي تفرض على التجار والأقساط الإجبارية على الموظفين بحجة دعم «المجهود الحربي»، وفرض رسوم على كل المواد الأساسية التي يحتاجها المواطن اليمني ومنها الغاز المنزلي والمشتقات النفطية. وشكا مواطنون في محافظات يمنية جنوبية من عملية نهب واسعة النطاق لمستحقات الموظفين في الجنوب، عبر عملية وقف المرتبات عن الموظفين مدنيين وعسكريين هناك، ومن ثم البدء في صرفها للبعض بعد استقطاعات غير مشروعة، تصل إلى عشرات الملايين من الريالات اليمنية، وبحسب المواطنين اليمنيين، في أكثر من محافظة يمنية، فإن قيادات الميليشيات واللجان يمارسون، بصورة علنية، الاتجار بالمشتقات النفطية في «السوق السوداء»، ويصف البعض ما يعانيه المواطنون اليمنيون جراء تصرفات الميليشيات الحوثية بأنه نوع من «الصدمة» بالنسبة للمواطن العادي، الرجل الأمي، الذي صدق شعارات الحوثيين، عند الانقلاب، بأنهم أتوا من أجل «محاربة الفساد»، ونوع من «الغبن»، جراء تلك التصرفات، التي تفوقت على تصرفات أنصار المخلوع صالح. ويرى الكثيرون أن ما حدث هو «تحالف الأشرار»، ويدفع ثمنه اليمن اليوم.
ويعلق مواطنون مسيسون على هذه الحالة بالقول إنه كان «يجب عدم منح الحصانة لصالح وأقربائه وأعوانه ومحاكمتهم ومصادرة أموالهم التي هي أموال الشعب ونهبت منه واجتثاث حزبهم من جذوره»، حسب تعبيرهم.



انقلابيو اليمن يرغمون الموظفين العموميين على حمل السلاح

الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)
الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)
TT

انقلابيو اليمن يرغمون الموظفين العموميين على حمل السلاح

الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)
الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)

أرغم الحوثيون جميع الموظفين في مناطق سيطرتهم، بمن فيهم كبار السن، على الالتحاق بدورات تدريبية على استخدام الأسلحة، ضمن ما يقولون إنها استعدادات لمواجهة هجوم إسرائيلي محتمل.

جاء ذلك في وقت انضم فيه موظفون بمدينة تعز (جنوب غرب) الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية إلى إضراب المعلمين، مطالبين بزيادة في الرواتب.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن الحوثيين، وعلى الرغم من أنهم لا يصرفون الرواتب لمعظم الموظفين، فإنهم وجّهوا بإلزامهم، حتى من بلغوا سن الإحالة إلى التقاعد، بالالتحاق بدورات تدريبية على استخدام الأسلحة، ضمن الإجراءات التي تتخذها الجماعة لمواجهة ما تقول إنه هجوم إسرائيلي متوقع، يرافقه اجتياح القوات الحكومية لمناطق سيطرتهم.

وبيّنت المصادر أن هناك آلاف الموظفين الذين لم يُحالوا إلى التقاعد بسبب التوجيهات التي أصدرها الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي بوقف الإحالة إلى التقاعد، إلى حين معالجة قضايا المبعدين الجنوبيين من أعمالهم في عهد سلفه علي عبد الله صالح، وأن هؤلاء تلقوا إشعارات من المصالح التي يعملون بها للالتحاق بدورات التدريب على استخدام الأسلحة التي شملت جميع العاملين الذكور، بوصف ذلك شرطاً لبقائهم في الوظائف، وبحجة الاستعداد لمواجهة إسرائيل.

تجنيد كبار السن

ويقول الكاتب أحمد النبهاني، وهو عضو في قيادة اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، إنه طلب شخصياً إعادة النظر في قرار تدريب الموظفين على السلاح، لأنه وحيد أسرته، بالإضافة إلى أنه كبير في العمر؛ إذ يصل عمره إلى 67 عاماً، واسمه في قوائم المرشحين للإحالة إلى التقاعد، بعد أن خدم البلاد في سلك التربية والتعليم واللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم لما يقارب الأربعين عاماً.

ومع تأكيده وجود الكثير من الموظفين من كبار السن، وبعضهم مصابون بالأمراض، قال إنه من غير المقبول وغير الإنساني أن يتم استدعاء مثل هؤلاء للتدريب على حمل السلاح، لما لذلك من مخاطر، أبرزها وأهمها إعطاء ذريعة «للعدو» لاستهداف مؤسسات الدولة المدنية بحجة أنها تؤدي وظيفة عسكرية.

حتى كبار السن والمتقاعدون استدعتهم الجماعة الحوثية لحمل السلاح بحجة مواجهة إسرائيل (إ.ب.أ)

القيادي في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ذكر أنه لا يستبعد أن يكون وراء هذا القرار «أطراف تحمل نيات سيئة» تجاه المؤسسات المدنية، داعياً إلى إعادة النظر بسرعة وعلى نحو عاجل.

وقال النبهاني، في سياق انتقاده لسلطات الحوثيين: «إن كل دول العالم تعتمد على جيوشها في مهمة الدفاع عنها، ويمكنها أن تفتح باب التطوع لمن أراد؛ بحيث يصبح المتطوعون جزءاً من القوات المسلحة، لكن الربط بين الوظيفة المدنية والوظيفة العسكرية يُعطي الذريعة لاستهداف العاملين في المؤسسات المدنية».

توسع الإضراب

وفي سياق منفصل، انضم موظفون في مدينة تعز الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية إلى الإضراب الذي ينفّذه المعلمون منذ أسبوع؛ للمطالبة بزيادة الرواتب مع تراجع سعر العملة المحلية أمام الدولار وارتفاع أسعار السلع.

ووفقاً لما قالته مصادر في أوساط المحتجين لـ«الشرق الأوسط»، فقد التقى محافظ تعز، نبيل شمسان، مع ممثلين عنهم، واعداً بترتيب لقاء مع رئيس الحكومة أحمد عوض بن مبارك؛ لطرح القضايا الحقوقية المتعلقة بالمستحقات المتأخرة وهيكلة الأجور والمرتبات وتنفيذ استراتيجية الأجور، لكن ممثلي المعلمين تمسكوا بالاستمرار في الإضراب الشامل حتى تنفيذ المطالب كافّة.

المعلمون في تعز يقودون إضراب الموظفين لتحسين الأجور (إعلام محلي)

وشهدت المدينة (تعز) مسيرة احتجاجية جديدة نظّمها المعلمون، وشارك فيها موظفون من مختلف المؤسسات، رفعوا خلالها اللافتات المطالبة بزيادة المرتبات وصرف جميع الحقوق والامتيازات التي صُرفت لنظرائهم في محافظات أخرى.

وتعهّد المحتجون باستمرار التصعيد حتى الاستجابة لمطالبهم كافّة، وأهمها إعادة النظر في هيكل الأجور والرواتب، وصرف المستحقات المتأخرة للمعلمين من علاوات وتسويات وبدلات ورواتب وغلاء معيشة يكفل حياة كريمة للمعلمين.