* كان مضى خمس سنوات على بداية تأليف الموسيقار جيمس هورنر لموسيقى الأفلام، عندما استولى على اهتمامي الكامل سنة 1983. في ذلك العام، وداخل صالة لندنية كبيرة، جاءت موسيقاه المصاحبة لفيلم «غوركي بارك» لمايكل أبتد من خارج المنظومة المعتادة لموسيقى الأفلام. منذ ذلك الحين، يكاد أن يكون الموسيقار المفضل للملايين من هواة الموسيقى المؤلّفة للسينما وعندي هو بالتأكيد
الأول بين كل الأميركيين.
* جيمس هورنر توفي قبل أسبوع بحادثة طائرة عن 62 سنة، قضى منها 37 سنة مؤلّفًا موسيقيًا. خلالها وضع 177 لحنًا أربعة منها لأفلام من العام الماضي (أبرزها «القاضي» لديڤيد دوبكين مع روبرت داوني جونيور وروبرت دوڤال في البطولة)، وخمسة هذا العام من بينها «أيقونة ذئب» للفرنسي جان - جاك أنو (مبرمج للعرض في الولايات المتحدة وألمانيا وبضعة أسواق أخرى طوال النصف الثاني
من هذا العام).
* Horn بالإنجليزية هو «البوق» وHorner تعني «البوّاق». هل كان لاسمه دور في ميله للموسيقى؟ أكثر من ذلك، ميله إلى الأبواق المختلفة في موسيقاه: ذلك «الترومبيت» البعيد الآتي من عمق الليالي الباردة في «غوركي بارك» أو المزمار في «أليانز»؟ ماذا عن أنواع الناي وما يعرف بأبواق الهواء مثل Alboka وAtenteben (بوق خشبي)؟ عادة ما يبدأ بها أو بأمثالها. في المقطوعة الأساسية لفيلم 48 Hours تلك التي تدور على مشاهد صحراوية في مطلع الفيلم يستمد من المكان (كما الحال في «غوركي بارك» والفيلم الخيالي «ويللو» لرون هوارد) موسيقى تتألف من غباره وشمسه وظلاله. في أحوال أخرى، يكتب موسيقى لأفلام من الإنتاجات الكبيرة، مثل «ستار ترك: غضب الخان» و«أليانز» و«أڤاتار» مختلفة عما يكتبه سواه في مثل هذه الأعمال.
* إذا ما سمعت موسيقى جون ويليامز في أفلام ستيفن سبيلبرغ المتعددة، وسمعت موسيقى جيمس هورن في تلك المذكورة أعلاه (على الأقل) يتبيّن لك الفارق الكبير. عند هورن الفيلم المغامراتي أو الفانتازي الذي لا يستند كثيرًا على دراما شخصية لا يزال يستحق موسيقى شخصية. موسيقى تعني للمؤلّف كما للمستقبِل فتح مختلف في العوالم الغرائبية التي نراها. هذا مضاد لموسيقى ويليامز (أو هانز زيمر) المكتوبة على نحو أفقي حيث الأدوات تدخل جميعًا لتنقل تعاطفها مع المشهد وإيحاءاته
(حب، خطر، تشويق الخ…).
* بكتابته فيلمان من أعلى أفلام العالم إيرادًا، هما «تايتانك» و«أفاتار» (كلاهما لجيمس كاميرون)، وضع نفسه على قمّة الفنانين رغم اختلاف أسلوبه أو، بالأحرى، بسبب اختلاف أسلوبه. هي تختلف حتى عندما يُراد لها أن تعلّق على مشهد قتال كما الحال في «أفاتار» و«تأثير عميق» أو «قلب شجاع» Brave heart. عوض الهبّات اللولبية المتسارعة في سينما سواه، ينسج هورنر من آلاته النحاسية وبقية الأدوات المصاحبة أصواتا فنية راقية لها علاقة بالمعنى الذي في المشهد أكثر مما هي تغطية مواكبة له.
* استمع مثلاً إلى مطلع موسيقاه لفيلم كاميرون «أليانز» («غرباء» الخيالي العلمي) حيث يبدأ بأصوات تخالها حشرات تحبو (يستخدم نقرات خفيفة على آلات كمان) قبل أن تتصاعد الموسيقى النحاسية (أبواق مختلفة) ثم تهدأ باستثناء ترومبيت. في الخلفية ما زالت آلات الكمان مسموعة تتناوب الظهور مع طبل. لأن موسيقاه ليست من النوع المدهم، فإن معظم لحظاتها هي لحظات خلفية مسموعة كما لو كانت (كالفضاء الذي يدور ذلك الفيلم فيه) آتية من عمق مجهول. ولاحقًا، في تلك الخلفية، ما يشبه إيقاع قطارات (تكرار لما كتبه لفيلم «أسطورة الخريف» سنة 1994 و«ملف البجعة» سنة 1993) من دون صوت العجلات ذاتها.
* كان عمره خمس سنوات عندما بدأ يعزف على البيانو. لكن ثراء معرفته بالموسيقى تمدد سريعًا وتبلور في أفلام عدّة. في «قلب شجاع»، ومع أن أحداث الفيلم تدور في رحى تاريخ اسكوتلندي، نسمعه يستعير من تراث قرع الطبول الياباني. لكن في شتّى الأحوال، هذا مؤلف عمد إلى تحديث الموسيقى بآلات لم تعرف طريقها كثيرًا إلى سينما الغرب.
المشهد: عن رحيل جيمس هورنر
المشهد: عن رحيل جيمس هورنر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة