رصد تأثيرات الهجرة على المصريين تشكيلياً

معرض «خرج والمفروض يَعُد» يضم خطابات وأوراقاً رسمية

مشروع الفنانة الشابة لينة الشامي (الشرق الأوسط)
مشروع الفنانة الشابة لينة الشامي (الشرق الأوسط)
TT

رصد تأثيرات الهجرة على المصريين تشكيلياً

مشروع الفنانة الشابة لينة الشامي (الشرق الأوسط)
مشروع الفنانة الشابة لينة الشامي (الشرق الأوسط)

امتدت فكرة الهجرة والترحال للأدب والفنون منذ القدم، فقد كانت تحفز مختلف الأساليب الإبداعية للتحرر الكامل من رتابة النمطية إلى فضاءات المعيشة، والعمل على إيجاد حلول إنسانية لأزمات الغربة والبحث عن الهوية، لكن ربما يكون معرض «خرج والمفروض يَعُد»، المقام بمركز «الصورة المعاصرة» بالقاهرة، من المرات النادرة التي يسعى فيها أبناء الجيل الثاني من المهاجرين إلى التعبير بأنفسهم عن تجربتهم، فنحن هنا أمام مجموعة من الشباب يحللون تأثير هجرة أسرهم إلى الخليج العربي على حياتهم ومشاعرهم، وما تخللها من ذلك الوهج العاطفي الناتج عن «كونك تُحمل وتُنقل إلى مكان آخر»، بعيداً عن المكان الذي شهد مولدك.
ويكتسب المعرض الجاري خصوصيته، من أنه لم يعتمد في الأساس على التشكيل، فلم يشغل هؤلاء الشباب أنفسهم بالتنميق أو التدقيق في اختيار الخامات أو الأسلوب الفني، إنما قدموا لنا سرداً «أنثروبولوجياً»، مستنداً إلى الصدق والواقع والبوح، فداخل المركز الكائن في منطقة وسط البلد بالقاهرة، حيث الحيوية والازدحام والحركة التي لا تهدأ، تستطيع أن تتعرف على تفاصيل وأسرار أسر مصرية شكّلت منذ السبعينات من القرن الماضي جانباً مهماً من الحياة الاجتماعية في مصر، التي لم يتم عرضها أو درسها حتى الآن بشكل كافٍ، وربما اقتصر الأمر على بعض الأعمال الدرامية.
وخلال ذلك يستعين المعرض بأرشيفات الثقافة الشعبية (الأفلام والمسلسلات) والمقتنيات الشخصية للمشاركين، مع استخدام المونتاج في الدمج بين الجانبين، ويضم عدة فعاليات، منها جولات ونقاشات مع الفنانين حول أعمالهم، كما يقدم مطبوعة تشتمل على كلمة لصاحبة المشروع فرح حلابة، والـ«curator» فريدة يوسف، وحوارات مع كل المشاركين، وعددهم 17 فناناً، فضلاً عن مقال لخبير الأنثروبولوجيا صامولي شيلكة.
من قاعة إلى أخرى تشاهد في المعرض صوراً شخصية للمشاركين - وعائلاتهم - في طفولتهم ما بين مصر والخليج، ومذكرات وخطابات ورقية قديمة بخط اليد، أرسلها الآباء الذين سافروا بمفردهم بشكل مؤقت إلى أن لحقت بهم أسرهم، وبجوارها قد تجد خطابات أخرى كتبتها الأمهات أو الأبناء بخط طفولي جميل تحمل مشاعر فياضة، يمتزج فيها الحب والشوق والخوف والفرحة، ويتيح المعرض الاطلاع على جوازات سفر قديمة وقطع ملابس وكتب وأقلام تخصهم، إلى جانب قطع أثاث وراديو ومسجل كاسيت وتلفزيون ومجموعات من الكراتين لأجهزة كهربائية وهدايا ضخمة تم شحنها من الخليج إلى مصر في طفولتهم، و«شنط» سفر، وتصميم لفيلا فخمة في التجمع الخامس، تمثل كلها بعضاً من نتاج الهجرة.
ويُعد المعرض جزءاً من مشروع ثقافي ضخم للفنانة الشابة فرح حلابة، وهو التوثيق الأنثروبولوجي للمنطقة العربية تحت اسم «أنثروبولوجي بالعربي»، تقول حلابة لـ«الشرق الأوسط»: «هذا المعرض حلقة من سلسلة أعمال يهتم بها المشروع، وهو نتاج ورشة تفاعلية بعنوان (خرج والمفروض يعد)، في إشارة إلى أن كثيراً من المهاجرين يسافرون بنية قضاء سنوات قليلة، لكنها تستمر في بعض الأحيان إلى نهاية العمر، وقد تعمق فيها المشاركون وخاضوا نقاشاً طويلاً حول تجربة هجرة المصريين للخليج».
وتضيف: «يهدف المشروع إلى إنتاج معرفي أنثروبولوجي بصري حول تجربة الهجرة المؤقتة، فعلى الرغم من هجرة أعداد ضخمة من المصريين إلى الخليج منذ القرن الماضي، وعلى الرغم أيضاً من تأثيرها الكبير على شكل الأسر والطبقات الاجتماعية والإحساس بالوقتية، فإنه حتى الآن لا تُعد التجربة حاضرة بقوة في الثقافة الشعبية والأبحاث الأكاديمية والكتابات المختلفة».
لينة الشامي، طالبة دكتوراه في جامعة «تورونتو» بكندا، تدور رسالتها حول دراسة تاريخية أنثروبولوجية عن غرفة الصالون «المُدهب» المصرية، وُلدت في الإسكندرية، ونشأت وحصلت على قسط كبير من تعليمها في جدة بالسعودية، تروي تجربتها لـ«الشرق الأوسط» قائلة: «النقاشات التي شهدها الإعداد للمعرض وفي أثنائه كانت رائعة، فلم تكن مجرد (نوستالجيا)، ولكن تعمقنا في موضوعات مهمة، مثل الوطن، ودور ومصير الأب، والذكريات، لذلك أعتبره تجربة فريدة من نوعها؛ لأن التنشئة في الخليج ظاهرة غير مدروسة بعيداً عن الإحصاءات والانطباعات الشخصية، وأعتقد أن ظهورها في المجال العام كالمعرض يحملها إلى مستوى جديد من الحوار من الممكن أن يوضح لنا أشياء كثيرة عن أنفسنا وعن الآخرين».
المدهش أنه يمكن للمعرض وما يتولد عنه من أرشيف حيوي ضخم، أن يمثل نبعاً ثرياً ورافداً واقعياً لأي أبحاث أو مشاريع توثيقية اجتماعية وفنية مستقبلية حول هذه القضية، كما تعطينا الصور لمحة عن شكل وجماليات بيوت المصريين هناك، وكيف تختلف أو تتناقض هذه المساحات مع منازلهم في مصر.
تقول الشامي: «أتمنى أن يساعد هذا الأرشيف على فهم لماذا قد نفضل الأثاث في البيوت التي لا نسكنها، ولكن نطمح إلى أن نفعل يوماً ما، ولماذا تبقى الكثير من كراتين الأجهزة الجديدة التي يتم شحنها من الخليج إلى مصر مغلقة وغير مُستعملة، وتظل هناك مجرد تطلعات متعلقة بالاستخدامات المؤجلة للأثاث المُغطى في مصر!».
شاركت الشامي في المعرض بعمل عنوانه «بيوت مؤجلة وأشياء مِتْكَرْتِنة: من الخليج لمصر»، ويدور حول بيوت المصريين في الخليج وما نتج عن ذلك من تركيبة من أشياء مختلفة (installation)، مثل كرسي صالون «مُدهب» مُغطى بملاءة بيضاء، وبجواره مجموعة «كراتين» تم رصّها فوق بعضها لتوحي بأن بداخلها أجهزة منزلية مكتوباً عليها بخط اليد محتوياتها، فيما يحمل الحائط خلفها صورة فوتوغرافية تحتله بالكامل، ويحكي صاحبها عن ذكرياته ما بين مكة والإسكندرية، وفق الشامي: «كيف كان يشعر بالقوة حين كان يستطيع وهو في السابعة من عمره رفع الأثاث الأجوف الخفيف في مكة، وبين الضعف عندما حاول تحريك الأثاث الثقيل الثمين في الإسكندرية!».


مقالات ذات صلة

بعد 18 عام زواج... زوجة كيفين كوستنر تتقدم بطلب للطلاق

يوميات الشرق بعد 18 عام زواج... زوجة كيفين كوستنر تتقدم بطلب للطلاق

بعد 18 عام زواج... زوجة كيفين كوستنر تتقدم بطلب للطلاق

تقدمت كريستين باومغارتنر، الزوجة الثانية للممثل الأميركي كيفين كوستنر، بطلب للطلاق، بعد زواجٍ دامَ 18 عاماً وأثمر عن ثلاثة أطفال. وذكرت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية أن الانفصال جاء بسبب «خلافات لا يمكن حلُّها»، حيث تسعى باومغارتنر للحضانة المشتركة على أطفالهما كايدين (15 عاماً)، وهايس (14 عاماً)، وغريس (12 عاماً). وكانت العلاقة بين كوستنر (68 عاماً)، وباومغارتنر (49 عاماً)، قد بدأت عام 2000، وتزوجا عام 2004.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق متحف «المركبات» بمصر يحيي ذكرى الملك فؤاد الأول

متحف «المركبات» بمصر يحيي ذكرى الملك فؤاد الأول

افتتح متحف المركبات الملكية بمصر معرضاً أثرياً مؤقتاً، اليوم (الأحد)، بعنوان «صاحب اللقبين فؤاد الأول»، وذلك لإحياء الذكرى 87 لوفاة الملك فؤاد الأول التي توافق 28 أبريل (نيسان). يضم المعرض نحو 30 قطعة أثرية، منها 3 وثائق أرشيفية، ونحو 20 صورة فوتوغرافية للملك، فضلاً عن فيلم وثائقي يتضمن لقطات «مهمة» من حياته. ويشير عنوان المعرض إلى حمل فؤاد الأول للقبين، هما «سلطان» و«ملك»؛ ففي عهده تحولت مصر من سلطنة إلى مملكة. ويقول أمين الكحكي، مدير عام متحف المركبات الملكية، لـ«الشرق الأوسط»، إن المعرض «يسلط الضوء على صفحات مهمة من التاريخ المصري، من خلال تناول مراحل مختلفة من حياة الملك فؤاد».

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق وضع تسلسل كامل لجينوم «اللبلاب» المقاوم لتغير المناخ

وضع تسلسل كامل لجينوم «اللبلاب» المقاوم لتغير المناخ

قام فريق بحثي، بقيادة باحثين من المعهد الدولي لبحوث الثروة الحيوانية بكينيا، بوضع تسلسل كامل لجينوم حبة «فول اللبلاب» أو ما يعرف بـ«الفول المصري» أو «الفول الحيراتي»، المقاوم لتغيرات المناخ، بما يمكن أن يعزز الأمن الغذائي في المناطق المعرضة للجفاف، حسب العدد الأخير من دورية «نيتشر كومينيكيشن». ويمهد تسلسل «حبوب اللبلاب»، الطريق لزراعة المحاصيل على نطاق أوسع، ما «يجلب فوائد غذائية واقتصادية، فضلاً على التنوع الذي تشتد الحاجة إليه في نظام الغذاء العالمي».

حازم بدر (القاهرة)
يوميات الشرق «الوثائقية» المصرية تستعد لإنتاج فيلم عن «كليوباترا»

«الوثائقية» المصرية تستعد لإنتاج فيلم عن «كليوباترا»

في رد فعل على فيلم «الملكة كليوباترا»، الذي أنتجته منصة «نتفليكس» وأثار جدلاً كبيراً في مصر، أعلنت القناة «الوثائقية»، التابعة لـ«الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بمصر»، اليوم (الأحد)، «بدء التحضير لإنتاج فيلم وثائقي عن كليوباترا السابعة، آخر ملوك الأسرة البطلمية التي حكمت مصر في أعقاب وفاة الإسكندر الأكبر». وأفاد بيان صادر عن القناة بوجود «جلسات عمل منعقدة حالياً مع عدد من المتخصصين في التاريخ والآثار والأنثروبولوجيا، من أجل إخضاع البحوث المتعلقة بموضوع الفيلم وصورته، لأقصى درجات البحث والتدقيق». واعتبر متابعون عبر مواقع التواصل الاجتماعي هذه الخطوة بمثابة «الرد الصحيح على محاولات تزييف التار

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق مؤلفا «تحت الوصاية» لـ«الشرق الأوسط»: الواقع أصعب مما طرحناه في المسلسل

مؤلفا «تحت الوصاية» لـ«الشرق الأوسط»: الواقع أصعب مما طرحناه في المسلسل

أكد خالد وشيرين دياب مؤلفا مسلسل «تحت الوصاية»، أن واقع معاناة الأرامل مع «المجلس الحسبي» في مصر: «أصعب» مما جاء بالمسلسل، وأن بطلة العمل الفنانة منى زكي كانت معهما منذ بداية الفكرة، و«قدمت أداء عبقرياً زاد من تأثير العمل». وأثار المسلسل الذي تعرض لأزمة «قانون الوصاية» في مصر، جدلاً واسعاً وصل إلى ساحة البرلمان، وسط مطالبات بتغيير بعض مواد القانون. وأعلنت شركة «ميديا هب» المنتجة للعمل، عبر حسابها على «إنستغرام»، أن «العمل تخطى 61.6 مليون مشاهدة عبر قناة (DMC) خلال شهر رمضان، كما حاز إشادات عديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي». وكانت شيرين دياب صاحبة الفكرة، وتحمس لها شقيقها الكاتب والمخرج خالد د

انتصار دردير (القاهرة)

« دبلوماسية الكشري»... الطبق المصري يبني جسوراً للتواصل السياسي

وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يتناول الكشري خلال زيارته للقاهرة (مطعم أبو طارق)
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يتناول الكشري خلال زيارته للقاهرة (مطعم أبو طارق)
TT

« دبلوماسية الكشري»... الطبق المصري يبني جسوراً للتواصل السياسي

وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يتناول الكشري خلال زيارته للقاهرة (مطعم أبو طارق)
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يتناول الكشري خلال زيارته للقاهرة (مطعم أبو طارق)

هنا، في قلب القاهرة، عندما تقصد شارع شامبليون، الذي يحمل اسم مكتشف رموز اللغة الهيروغليفية المصرية، يمكنك التعرف عن قرب على رمزٍ آخر للهوية المصرية، ممثلاً في طبق «الكشري»، لدى مطعم «أبو طارق»، أحد أشهر محال الكُشري في مصر، حيث اكتسب الطبق الشعبي فيه مذاقاً سياسياً، وتحوّل لأداة دبلوماسية، تقرّب المسافات بين الثقافات.

فعلى مدار السنوات الماضية، استقبل «أبو طارق» عشرات الوزراء والدبلوماسيين والمسؤولين الأمميين في القاهرة، كان أحدثهم وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الذي تغزّل في الطبق بعد تناوله، قائلاً إنه «وجبة لذيذة وشهية». ما عدّه مراقبون بأن تناوله للوجبة الشعبية يؤرخ لـ«دبلوماسية الكشري»، في ظل سنوات من جمود العلاقات بين القاهرة وطهران.

على مدار السنوات الماضية، كتب «أبو طارق» فصولاً أخرى من رواية «دبلوماسية الكشري». فالمطعم الشعبي تحوّل إلى ما يشبه نادياً دبلوماسياً غير رسمي في القاهرة، يجمع وزراء ودبلوماسيّي الشرق والغرب، بعد أن جذبتهم مكونات الطبق من الأرز والمعكرونة والعدس والحمص والبصل، ومعها «الدقة والشطة»، في خلطةٍ وضع سرَّها العم يوسف، مؤسس المطعم، منذ عام 1950.

سفير مالي في القاهرة بوبكر ديالو في مطعم «أبو طارق» (مطعم أبو طارق)

أسفل صورة مؤسّس المطعم، تحدثنا إلى نجله طارق يوسف، رئيس مجلس إدارة سلسلة محلات «أبو طارق»، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «اجتذب مطعمنا نحو 47 سفيراً في مصر، ومرافقيهم من الملاحق والممثلين الدبلوماسيين، وعشرات المسؤولين من دول عدّة لتجربة الكشري»، مشيراً إلى أن مطعمه، الذي صنّفه الموقع العالمي «TasteAtlas» من بين أكثر 100 مطعم متميّز حول العالم في العام الماضي، أطلق مبادرة منذ 4 سنوات، لتنشيط سياحة الطعام وتبادل الثقافات عبر استضافة كثير من السفراء، الذين رحّبوا بالمشاركة، وتناول الكشري وسط الأجواء الشعبية المصرية.

عباس عراقجي أشاد بطبق الكشري (مطعم أبو طارق)

المحلل والصحافي المصري المتخصص في الشؤون الدولية، خالد الشامي، الذي جمعته مائدة كشري «أبو طارق» مع الوزير الإيراني، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «اختار عراقجي الكشري تحديداً لأنه حاول إيصال رسالة بتقارب الثقافة والتقاليد المصرية والإيرانية، وحرص بلاده ورغبتها في الانفتاح على التقارب مع مصر».

كان سفير نيوزيلندا السابق، جريج لويس، أول من شارك في مبادرة المطعم، ومن ثمّ توالى حضور سفراء بريطانيا، وأستراليا، وتشيلي، والأرجنتين، والمكسيك، وجورجيا، ومالي، وكولومبيا، وبلجيكا، وهولندا، وأفغانستان، ونيبال، والدنمارك، وبيرو، وكوريا الجنوبية، والبوسنة والهرسك، وغيرهم العشرات.

يقول رئيس مجلس إدارة المطعم: «الأمين العام للجامعة العربية الحالي، أحمد أبو الغيط، عندما كان وزيراً للخارجية المصرية، كان يصطحب ضيوفه من المسؤولين الأجانب لتذوّق الكشري لدينا، وكان يداعبنا بقوله إنه (يقوم بنفسه بعمل الدعاية لنا بين الأوساط الدبلوماسية)».

طبق الكشري الشهير (مطعم أبو طارق)

ويذكر مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، لـ«الشرق الأوسط»، أنه أثناء مباحثات مسؤولين مصريين مع نظرائهم الأجانب يتم التطرق أحياناً لبعض الأحاديث الجانبية، للتخفيف من «ثقل» الأحاديث السياسية، قد تكون حول موضوعات ثقافية أو عن العادات والمأكولات الشعبية، وبالتالي يتعرّف الضيف على بعض أنواع الأطعمة الشهيرة، وبعضها تُرشّح له لتذوّقها، وفي الغالب يختار من بينها الكُشري.

سفير البوسنة والهرسك بالقاهرة ثابت سوباشيتش ومساعدة وزير الخارجية البوسنية عايدة هودزيك يتناولان الكشري (مطعم أبو طارق)

«لماذا يجتذب الكشري تحديداً الأجانب؟»، تجيب أستاذة العلاقات الدولية في جامعة القاهرة، الدكتورة نورهان الشيخ، «الشرق الأوسط»، قائلة: «الكشري هو الوجبة الوحيدة التي لا تقدّمها دولة أخرى، وبالتالي تحمل خصوصية شعبية، إلى جانب مرونة تجهيز مكوناتها بالزيادة والنقصان، ما يجعله يقدم بتفضيلات كثيرة، وبالتالي مناسبته لثقافات السفراء المختلفة».

في حين تقول الدكتورة سهير عثمان، أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة، لـ«الشرق الأوسط»: «ينال الكشري شهرة كبيرة مع اسمه القائم على فكرة المزج بين مكوناته، وهي الفكرة نفسها التي تقوم عليها الدبلوماسية، والتي تحاول المزج بين الدول وثقافاتها».

سفير هولندا السابق بالقاهرة يتناول الكشري في المطعم برفقة ممثلة منظمة الصحة العالمية السابقة في مصر نعيمة القصير (مطعم أبو طارق)

عودة إلى السفير رخا، الذي يروي واقعة طريفة عندما كان سفيراً لمصر في زيمبابوي، قائلاً: «مع تنظيم السفارة سنوياً حفل العيد الوطني المصري، كان يتم الاحتفاء بتقديم بعض المأكولات الشعبية المصرية لضيوف الحفل، ومنها الكشري، الذي كان يروق كثيراً لممثل دولة الفاتيكان، الذي أخبرني أنه ينتظر الحفل المصري سنوياً ليتذوّق الكشري، وفي مناسبات عديدة كان دائم الإشادة به».

الإشادة نفسها تمتد مع تناول دبلوماسيين أجانب الكشري في القاهرة، وفي مقدمتهم سفير الاتحاد الأوروبي في القاهرة، كريستيان برجر، الذي أكد أن «الكشري من الوجبات المفضلة له»، بجانب وزير خارجية سويسرا، إيجنازيو كاسيس، والمساعدة السابقة لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى بالإنابة، يائل لامبرت. كما أبدى سفير تشيلي، بابلو أرياران، إعجابه الشديد بـ«الكشري» ورأى أنه يستحق نشره في دول العالم وتعلم طهيه. بينما قال سفير جورجيا، ألكسندر نالبندوف، إن «دبلوماسية الطعام تُعدّ أفضل دبلوماسية».

مطعم «أبو طارق» أشهر محال الكشري في مصر (مطعم أبو طارق)

يُظهر نجل مؤسس «أبو طارق» أن كلّ سفير يحاول أن يوثق تجربته في تناول الكشري لديهم عبر الكلمات والصور ومقاطع الفيديو ونشرها بمنصات التواصل الاجتماعي، مُبيناً أنه أصبح هناك تنافس بين السفراء في عدد المشاهدات التي ستجلبها هذه المقاطع، قائلاً إن خوان راتاناك، سفير كمبوديا السابق، حقّق فيديو مشاركته أكثر من مليون ونصف مليون مشاهدة.

هنا، تلفت أستاذة الإعلام إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي هي الأساس الذي يروج لجميع الأطعمة الشعبية التي تشتهر بها مصر، حيث منحت «الفوود بلوغرز» الأجانب فرصة الترويج لها، وسمحت بانتشار صفحات تهدف للتأريخ للمطبخ المصري، كما استخدمتها المطاعم، وعلى رأسها كشري «أبو طارق»، لإبراز استقباله للسفراء والمشاهير، وبالتالي كانت هي السبب الأول لتقديم فكرة «دبلوماسية الكشري».