سلم السفير السعودي لدى الأردن نايف السديري المفوض العام لـ«الأونروا» فيليب لازاريني، شيكا لميزانية الوكالة بقيمة 27 مليون دولار، دعما لبرامج وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى وعملياتها في المنطقة.
وبحسب السديري، يتجاوز إجمالي الدعم السعودي الموجه لفلسطين 5.2 مليار دولار منذ عام 1999، بما في ذلك دعم ميزانيات السلطة الوطنية الفلسطينية، ودعم مباشر لعدد من قطاعات البنية التحتية والصحة والتعليم والأمن الغذائي والزراعي والحكومة والمجتمع المدني الفلسطيني والمياه والإصلاح البيئي.
وتؤكد السعودية التزامها بالسلام كخيار استراتيجي طبقا للسديري الذي قال إن «أمن منطقة الشرق الأوسط واستقرارها يتطلب الإسراع في إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية»، مشددا على إدانة الرياض «جميع الإجراءات الأحادية التي تقوض حل الدولتين وتدعو لوقفها الفوري والكامل».
جاء ذلك خلال مؤتمر صحافي نظمته السفارة السعودية في عمان الأحد، وحضره رئيس دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية أحمد أبو هولي ورئيس لجنة فلسطين في مجلس الأعيان الأردني نايف القاضي، وعدد من النواب والسياسيين.
وأكد السديري أن بلاده وبتوجيه قيادتها حريصة على دعم ميزانية «الأونروا»، «لتمكينها من الوفاء بالتزاماتها المالية من أجل تحسين الخدمات المعيشية والتعليمية والعلاجية للاجئين الفلسطينيين، إضافة إلى ما تقدمه من مساعدات للشعب الفلسطيني عبر القنوات الرسمية المعتمدة».
وقال إن السعودية «تكرس على الدوام جل إمكاناتها لدعم القضية الفلسطينية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى الدعم المطلق للقضية وحقوق الشعب الفلسطيني في منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، ومنها علاقة التعاون التاريخية مع وكالة الأونروا والدعم المستمر لخدماتها، وتقدير دورها تجاه دعم اللاجئين الفلسطينيين وعملها، خاصة في ظل التحديات المالية غير المسبوقة بسبب تفشي جائحة (كوفيد - 19)، إضافة إلى التحديات المتمثلة في تكرار الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة وعلى الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية كافة».
وأوضح السفير أن الدعم السعودي للشعب الفلسطيني ينبع من إيمان المملكة الراسخ بالمساعدة المهمة التي تقدمها الأونروا لأكثر من 5.4 مليون لاجئ فلسطيني من خلال برامجها التعليمية والصحية، بالإضافة إلى خدمات الإغاثة والخدمات الاجتماعية وفرص العمل الأخرى التي تخلقها، ليحظى الشعب الفلسطيني بحياة كريمة.
«التزام سخي»
قال المفوض العام للوكالة فيليب لازاريني إن التبرع يعكس الالتزام السعودي المتجدد للأونروا، وسخاء المملكة طويل الأمد تجاه لاجئي فلسطين وتضامنها معهم، لافتا إلى أن هذا التبرع «سوف يمكن الأونروا من مواصلة تنفيذ برامجها المختلفة بما في ذلك في مجالي التعليم والصحة، ومساعدة لاجئي فلسطين الأشد عرضة للمخاطر في الضفة الغربية، التي تشمل القدس الشرقية، وغزة والأردن ولبنان وسوريا».
وأضاف المفوض «هناك القليل من مصادر الاستقرار في حياة لاجئي فلسطين، من بينها الحصول على الخدمات الأساسية؛ مثل التعليم، والرعاية الصحية الأولية. وبعد عقود من الشراكة مع السعودية، تتطلع الأونروا إلى تعميق هذه الشراكة من أجل تعزيز الحياة الكريمة، وخاصة في مواجهة الاحتياجات الزائدة والظروف المتدهورة في المخيمات الفلسطينية في أنحاء المنطقة».
مطالب فلسطينية
طالب أبو هولي الدول المانحة والممولة الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها المالية كما فعلت السعودية، مشيراً إلى أن التبرعات المالية ستسهم في مساعدة الوكالة على الخروج من أزمتها المالية وتغطية العجز المالي، مثمنا الدعم السعودي من القيادة السعودية «على موقفها ودعمها وتحركاتها على جميع المستويات العربية والإقليمية والدولية لحشد الدعم السياسي والمالي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)».
ومن المنتظر أن ينظم الأردن بالتعاون مع الوكالة والسويد واليابان وتركيا مؤتمرا لدعم «الأونروا» على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الحالي لحشد الدعم المالي والسياسي للأونروا ودورها.
ودعا أبو هولي المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى تحمل مسؤولياتهما والتحرك السريع لحماية الوكالة باعتبارها مؤسسة أممية، وإنقاذ وضعها المالي «قبل فوات الأوان».
شواهد تاريخية
مساندة السعودية للقضية الفلسطينية على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تعود إلى عهد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن، في مؤتمر لندن عام 1935 المعروف بمؤتمر المائدة المستديرة لمناقشة القضية الفلسطينية.
ولم تغب الرياض عن المؤتمرات والاجتماعات الخاصة بحل القضية الفلسطينية، مروراً بمبادرة الملك فهد للسلام في قمة فاس عام 1982، ومؤتمر العاصمة الإسبانية مدريد، وصولا إلى خريطة الطريق ومبادرة السلام العربية، المقترحة من قبل ولي العهد السعودي آنذاك، الملك عبد الله بن عبد العزيز، وتبنتها الدول العربية مشروعاً عربياً موحداً في قمة بيروت التي عقدت في مارس (آذار) 2002.
ويرى مراقبون أن القضية الفلسطينية كانت وما زالت حاضرة بقوة في صدارة أولويات السعودية التي تطالب إسرائيل بالالتزام بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، والتي تنص على الانسحاب الكامل من كل الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967، كما تدعو المجتمع الدولي للتدخل العاجل لوقف الاعتداءات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني. كما أدانت الرياض أيضا بناء الاحتلال الإسرائيلي جدارا عازلا يضم أراضي فلسطينية، وقدمت مذكرة احتجاج بهذا الشأن إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، في خطوة انتهت بقرار المحكمة بعدم شرعية جدار الفصل العنصري، وطالبت إسرائيل بإزالته.
وقدمت الرياض على مدى عقود مضت، العديد من المبادرات والمشاريع والمحادثات التي استثمرت فيها الرياض ثقلها الإقليمي والدولي للدفع بقوة نحو التوصل لحل للقضية الفلسطينية، راسمة بذلك «مسارا تضامنيا خاليا من المزايدات السياسية والاستعراضات الإعلامية»، وفقا للمراقبين.
ومن هذه المبادرات والمشاريع التي خففت، بشكل أو بآخر، من معاناة الفلسطينيين، وأحبطت محاولات المتملقين من الساعين لإدخال القضية في المزادات السياسية، وتوظيفها من أجل أجندات خاصة، مشروع الملك فهد للسلام، أو المشروع العربي للسلام، الذي أعلنه الملك فهد بن عبد العزيز للسلام، خلال القمة العربية المنعقدة بمدينة فاس المغربية عام 1982.
المشروع حظي بموافقة الدول العربية، ليصبح أساسا للمشروع العربي للسلام، قبل أن تصبح المبادرة أساسا لمؤتمر السلام بمدريد في 1991.
وتضمن المشروع عددا من البنود، أهمها انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967 بما فيها القدس، وإزالة المستعمرات الإسرائيلية في الأراضي العربية بعد العام المذكور، إضافة لتأكيد حق الفلسطينيين في العودة وتعويض من لا يرغب في العودة.
ما قبل المبادرة... وما بعدها
نالت مبادرة السلام العربية، التي أعلنها الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود في قمة بيروت عام 2002 تأييدا عربيا، وشكلت مشروعا موحدا لحل النزاع العربي الفلسطيني، وجاءت على قدر الأمل المنوط بها، فحملت في طياتها كل ما يمكن أن يحقق السلام. المبادرة استمدت قوتها من وضوحها في مطالبها بأن تنسحب إسرائيل إلى حدود 1967، مقابل السلام مع كل الدول العربية، وهذا السلام بالطبع مبني على قرارات الشرعية الدولية المتمثلة في قراري مجلس الأمن رقم 242 و338، كما يستند إلى مرجعية مدريد التي تقر مبدأ الأرض مقابل السلام.
وشكل الاتفاق بين حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» و«حركة حماس» بمدينة مكة المكرمة في الثامن من فبراير (شباط) 2007، ثمرة الجهود السعودية في لم شمل الفرقاء الفلسطينيين.
ونَص الاتفاق على التأكيد على حرمة الدم الفلسطيني واتخاذ كل الإجراءات والترتيبات التي تحول دون ذلك.
وتمثل الدعم المالي للفلسطينيين، بدعم مادي ومعنوي سخي قدمته الرياض للسلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني منذ بداية القضية، وتضمن تبرعات كانت المملكة تعلنها في القمم والاجتماعات الكبرى، وتفي بعهودها في حينه، فكانت على مدار السنين سندا للفلسطينيين، تدعمهم بالأموال اللازمة، وترفع صوتها عاليا منددة ومستنكرة الانتهاكات الإسرائيلية. ومع أنه من الصعب التطرق إلى جميع ما قامت به المملكة من مبادرات ومشاريع لدعم القضية، غير أنه يمكن الإشارة إلى أنها كانت صاحبة المبادرة، خلال مؤتمر القمة العربي بالقاهرة عام 2000 باقتراح إنشاء صندوقين باسم «الأقصى» و«انتفاضة القدس»، وتبرعت له بمبلغ 200 مليون دولار.
وفي القمة العربية في دورتها التاسعة والعشرين التي عقدت بمدينة الدمام، أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، تسمية القمة بقمة القدس، وتخصيص 150 مليون دولار لدعم القدس و50 مليون دولار لدعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
وقال الملك سلمان بن عبد العزيز في كلمة استهل بها أعمال القمة العربية: «إننا نرفض القرار الأميركي بشأن القدس، ونؤكد أن عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة هي القدس الشرقية»، وجدد التأكيد على أن القضية الفلسطينية ستظل قضية العرب الأولى. كما اهتمت السعودية بملف اللاجئين الفلسطينيين، وقدمت لهم المساعدات الإنسانية بشكل مباشر أو عن طريق الوكالات والمنظمات الدولية المعنية بشؤون اللاجئين، مثل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونيسكو»، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي والبنك الدولي، والبنك الإسلامي.