عادة ما يحرص مشاهدو التلفزيون على متابعة فقرات نشرات الطقس في أوقاتها المحددة، وتكون مواعيدها ضمن نشرات الأخبار المتلفزة في بدايتها أو في نهايتها. أما إذا كانت أحوال الطقس سيئة إلى درجة تتطلب تسليط الضوء عليها من باب التوعية والحذر، فحينها تخترق هذه النشرات في أي وقت ومن دون استئذان.
البعض يعتبر هذه النشرة من أسهل المهمات التي في إمكانها أن تقع على عاتق أي مذيع، في حين يرى البعض الآخر فيها مسؤولية كبيرة تحتاج إلى إجادة التخاطب مع عامة الناس؛ لأنها مشاهدة بنسب مرتفعة من شرائح اجتماعية مختلفة.
من ناحية ثانية، غالبية مقدمي نشرات الطقس من الجنس اللطيف، وغالباً ما يتمتعن بإطلالة بهية تجذب المشاهد. وهذا الأمر يدفع بالبعض مرات بعيداً عن التركيز على حالة الطقس، والانصراف إلى التمعن أكثر في تفاصيل أزياء المقدمة، ووقفتها، وحضورها عموماً. وأحياناً ينطبق هذا على المقدم الرجل، إذا ما كانت إطلالته مميزة تخرج عن المألوف. ولكن -باختصار- تُعد فقرة نشرة الطقس من أكثر الفقرات التلفزيونية متابعة لدى الناس؛ لا سيما في حالة الطقس العاصف أو غير المعتاد في موسم معين. ثم إنها من ناحية ثانية بمثابة جسر وصول لمقدمها إلى عالم الشهرة، فعبرها يدخل المذيع من بابها إلى مجالات عديدة أخرى.
وإذا ما راجعنا لائحة من افتتحوا مسيراتهم بتقديم نشرات، تطالعنا أسماء كثيرة قاربت النجومية، منها على سبيل المثال كارين سلامة التي تحولت بعدها إلى تقديم البرامج والتمثيل. والأمر نفسه ينطبق على إيميه صيّاح، ودارين شاهين، وكارلا حداد، وجلال شهدا، وجيسيكا عازار، وغيرهم.
تيما زلزلي
أما الرجل الوحيد الذي يفرض وجوده على الساحة في لبنان اليوم، فهو جو القارح. وبالمناسبة، لم يدخل جو هذا المجال من باب المصادفة؛ بل لكونه متخصصاً في مجال الأرصاد الجوية. ومنذ 8 سنوات حتى اليوم يمارس القارح هذه المهمة بإتقان، فيقدم نشرة طقس غنية بالمعلومات وتتميز بالدقة.
المباشرة... ميزة القارح
لا يلجأ جو القارح إلى تسجيل نشرة الطقس كغيره من الزملاء في محطات تلفزيونية أخرى؛ بل يفضل أن تكون مساهمته مباشرة على الهواء، ينقل خلالها حالة الطقس، وما يمكن أن يطرأ عليها من تغييرات بين يوم وآخر. ولقد خرج القارح عن المألوف في إطلالاته من خلال اختياره مرات مناطق جبلية وأخرى ساحلية ليذيع عبرها النشرة. وبين تساقط المطر والثلوج مرة، وعلى شاطئ بحر أزرق وهادئ مرات أخرى، يمد مشاهده بحالة طقس لبنان من أرض الواقع. وهو يحرص -إذا ما نقلها عبر الاستوديو- على أن يزود مشاهد محطة «إل بي سي آي» التي يطل عبرها، بمعلومات دقيقة، كما يلقي التحية على مذيعي نشرة الأخبار، تأكيداً على بث الفقرة مباشرة.
إيميه صياح - أورسولا دكاش
في لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال القارح: «أحب ممارسة المصداقية في عملي، وهي تنبع من طبيعة شخصيتي. أما الصعوبة فتكمن في المتابعة الحثيثة لأحوال الطقس عبر خرائط جوية خاصة». وبالفعل، يعتمد القارح على نماذج جوية عالمية مشتراة ليتزود بمعلومات عن الطقس لمراحل متقدمة. كذلك فهو لا يتكل على الأرصاد محلية فقط؛ بل يتوسع في أبحاثه لتشمل منطقة المتوسط. ويوضح: «أحلل هذه الخرائط الجوية التي نحصل عليها من مصادر موثوقة ومعترف بها. وعلى أساسها أركب نشرة الطقس والمعلومات التي تتضمنها عن الرطوبة والحرارة، وغيرها من عوامل الجو». ويتابع: «أبدأ أبحاثي من خرائط جوية عالمية لأستقر بعدها على أخرى خاصة بالمنطقة... بهذه الطريقة أستطيع الوقوف على تقلبات الطقس في العالم، وعن مدى تأثيرها على منطقتنا. وهذه الخرائط العالمية كلفتها باهظة وتعرف بـ(الغلوبال فوركاست). وإذا ما احتجت إلى تفاصيل أكثر، فإني ألجأ إلى خرائط أكثر دقة، وتكون محلية، كي أقف على تحركات المنظومة الجوية فيها».
جو، الموظف في أحد المصارف اللبنانية، تسرق منه مهمته هذه -أحياناً- اليوم كله حسب النشاط الجوي السائد، فـ«الأمور ممكن أن تتبدل في أوقات النهار، ولذلك أفضل أن أكون مطلعاً دائماً على أي تغيير متوقع». في توقعات حالات الطقس، يمكن بواسطة خرائط جوية خاصة الاستعلام عن تغييرات الطقس لمدة 9 أشهر مقبلة؛ إلا أن جو القارح «من باب الدقة» يرى أن أقصى ما يمكن توقعه هو لخمسة أيام. وللعلم، يملك القارح حالياً صفحة إلكترونية خاصة به اسمها «ويذر ليبانون»، ويتابعه عبرها نحو 400 ألف شخص. كذلك، على حسابه في موقع «تويتر» هناك نحو 100 ألف شخص يتفاعلون معه باستمرار.
سيطرة الجنس اللطيف
في أي حال، غالبية الإطلالات في نشرات الطقس اللبنانية ترتبط ارتباطاً مباشراً بالجنس اللطيف، وخصوصاً الجميلات منهن. ومعهن يكون «مسك ختام» نشرة الأخبار المتخمة بأحداث قاسية وحزينة. ومعهن أيضاً يمكن بدء النشرة كي يتابعها المشاهد حتى النهاية. وبهذا، تشكل مذيعة نشرة الطقس إضافة جيدة، لرفع نسبة المشاهدة في محطة معينة. وطيلة تاريخ نشرة الطقس على التلفزيونات اللبنانية، قلة من المقدمين الرجال شاركوا فيها، تاركين الساحة للمقدمات.
وتُعد تيما زلزلي، مذيعة نشرة الطقس في محطة «الجديد»، واحدة من أبرز مقدمات هذه الفقرة الشهيرات في لبنان. وترى فيها محطة لا يمكن أن تنساها أبداً، مهما تقدمت في عملها وتنوّعت مهماتها. منذ أكثر من سنة تمارس تيما مهمتها هذه، وبموازاتها قدمت برامج تلفزيونية كـ«آلو تيما»، و«مشاهير». وهي لا تنكر أنها وفرت لها فرصاً كثيرة، إذ تقول لـ«الشرق الأوسط» معلقة: «هذه الفقرة أساسية في نشرات الأخبار اليومية التي يتابعها الملايين من اللبنانيين، ما ينعكس إيجاباً على مقدمتها، ويوفر لها دخول عالم التلفزيون من بابه العريض. زميلات كثيرات بدأن مشوارهن مع المرئي من خلالها، واليوم أصبحن مقدمات نشرات أخبار أو محاورات لبرامج فنية، وحتى معدات لمحتوى برامج عدة».
في رأي تيما زلزلي، أن جمال المقدمة جواز سفرها إلى هذه الفقرة، بجانب أن شخصيتها تلعب دوراً كبيراً في تقريبها من المشاهد، أو العكس. وهي متيقنة من أنها لن تستمر في تقديم هذه الفقرة طيلة عمرها من دون إحداث تطوّر وتقدم في مشوارها. وتضيف: «البعض ينصحني بالانتقال إلى تقديم نشرات الأخبار؛ لكنني أفضل عليها البرامج الفنية الشبيهة بـ(آي تي بالعربي)، و(إم بي سي تراندينغ)». وتستطرد بأن هذه الفقرة المسجلة توفر لها الأمان؛ بحيث لا تواجه مفاجآت غير مستحبة كالحال في البث المباشر. تقول: «في إحدى المرات وخلال مشاركتي في أحد البرامج المباشرة، واجهت موقفاً حرجاً لا أحسد عليه... لكن في المسجلة هذه المواقف غير موجودة، كما أنها سريعة وقصيرة، فأكون مرتاحة مع نفسي».
بداية معاكسة لأورسولا
البداية مع أورسولا دكاش، المقدمة في قناة «إم تي في» كانت مختلفة، إذ دخلت مجال تقديم نشرة الطقس بأسلوب مغاير لما هو سائد؛ إذ إنها بدأت مشوارها التلفزيوني مع «إم تي في» بالإعداد للبرامج، وفي تحرير نشرات الأخبار وتقديم فقرة فيها. وبقيت كذلك منذ عام 2009 حتى عام 2017. إلا أن عينها كانت على نشرة الطقس، قائلة: «لطالما أحببت تقديمها. صحيح أن فكرتها تبدو بسيطة وسهلة؛ لكنها في الحقيقة صعبة؛ لأن نسبة مشاهدتها عالية جداً؛ حتى أن بعض المشاهدين قد يفوّتون نشرة الأخبار؛ لكنهم يتمسكون بمتابعة أحوال الطقس».
وحقاً، العلاقة الوطيدة التي تولد بين مقدمة نشرة الطقس والمشاهد يواكبها إيقاع يومي يتكرر ثلاث مرات في اليوم الواحد، تبعاً لمواعيد بث نشرات الأخبار. وهنا تشرح أورسولا دكاش: «من هذا المنطلق على مذيعة الأحوال الجوية أن تكون قريبة من المشاهد، وتتمتع بأسلوب بسيط في التخاطب معه. كما أنها تدخل في صميم حياة اللبنانيين اليومية، لا سيما في فصل الشتاء. فبناء على المعلومات التي تذكرها يستطيعون برمجة يومياتهم». ثم تصف فقرة نشرة الطقس بـ«السهل الممتنع» الذي لا يعرف كثيرون كيفية ممارسته والسير بين النقاط لإيصاله على المستوى المطلوب: «إنها فقرة تدخلني إلى بيوت المشاهدين كضيفة، فإما أن يحبوني وإما لا. وهو ما يتطلب مني طريقة تعاطٍ بسيطة غير معقدة أو مبالغ فيها. كما أن ثمة أسلوباً معيناً يتحكم في إطلالة مذيعة الطقس».
وتتابع دكاش بأن «ما لا يعرفه كثر هو أن خطوطاً وقواعد محددة على المذيعة عامة التقيد بها بالنسبة لأزيائها وشكلها الخارجي. فما ترتديه في نشرة الصباح لا يشبه إطلالتها ظهراً أو في المساء؛ لأن لكل وقت أحكامه» وتؤكد: «يجب أن أشبه مشاهدي في كل وقت، ولا أطل بشكل ينفر منه. ففي نشرات الطقس في الغرب يستحسن التقرب من المشاهد بأسلوب مباشر، فترتدي المذيعة مثلاً المعطف الخاص بالوقاية من المطر للإشارة إلى هطول أمطار غزيرة. كما تقصد ارتداء فستان بسيط ومصنوع من قماش صيفي خفيف، لتأكيد أن الطقس مشمس».
وعن كيفية تحضيرها للنشرة الجوية، تقول: «أتشارك مع المنتجين المنفذين للبحث عن عوامل الطقس المنتظر عبر أرصاد جوية مختلفة. ونقوم معاً بإعدادها، بحيث يضع كل منا أفكاره وأسلوبه الخاص فيها. فالوقت الذي تستغرقه نشرة الطقس على الهواء هو نحو 90 ثانية. ولكن يلزم -في المقابل- تحضيرات مسبقة لنحو ساعتين، وذلك حسب حالة الطقس السائدة وما نحتاجه من معلومات». وتشرح: «بين كل فترة وأخرى يتجدد أسلوب تقديم نشرات الطقس، وتقترب من المزج بين المعلومة الأكيدة والاحتراف. أما الفرق بينها وبين المقدمة في الغرب، فهو أخذها هناك بعين الاعتبار وبجدية أكبر». وهنا يوضح جو القارح: «يأخذونها (في الغرب) على محمل الجد بصورة أكبر؛ لأن العوامل الجوية في الغرب أقسى، وتستلزم أخذ الحيطة والحذر، فيما لو كان هناك تشكل للجليد على الطرقات مثلاً. الطقس بالنسبة لهم هو من أولويات اهتماماتهم؛ لأنه يؤثر على حياة الإنسان مباشرة».