اتساع دائرة العنف في السودان... وغاضبون يحرقون مقر حكومة النيل الأزرق

من المواجهات في مناطق النيل الأزرق (أ.ف.ب)
من المواجهات في مناطق النيل الأزرق (أ.ف.ب)
TT

اتساع دائرة العنف في السودان... وغاضبون يحرقون مقر حكومة النيل الأزرق

من المواجهات في مناطق النيل الأزرق (أ.ف.ب)
من المواجهات في مناطق النيل الأزرق (أ.ف.ب)

تصاعدت التوترات الأمنية في السودان عشية الذكرى الأولى للإطاحة بالحكومة المدنية، ففي جنوب شرقيه، أحرق محتجون غاضبون على أحداث العنف التي تشهدها ولاية النيل الأزرق، مقر الحكومة الولائية في مدينة الدمازين، وذلك عقب انتهاء مهلة 48 ساعة حددوها لإقالة حاكم الإقليم الموالي لـ«الحركة الشعبية لتحرير السودان»، بعد اتهامها من قبل المحتجين بالضلوع في أحداث العنف الأهلي التي راح ضحيتها أكثر من مائتي قتيل، بحسب تقارير شهود العيان.
وفي شمال البلاد، أغلق محتجون المقر الحكومي الإداري احتجاجاً على عمليات تنقيب عن الذهب دون رقابة، وهددوا بقطع الطريق القاري الرابط بين السودان ومصر، للضغط على الحكومة لإقالة حاكم الولاية، ووقف شركات تعدين تستخدم مواد سامة في تصفية الذهب، وإقالة المسؤول عن الشركة الحكومية المعنية بالرقابة على التعدين والمعدّنين.
وقال شهود العيان، إن مئات المواطنين الغاضبين اقتحموا المبنى الحكومي بمدينة الدمازين، حاضرة ولاية النيل الأزرق جنوب شرقي السودان، على خلفية أحداث العنف التي تشهدها الولاية، وأشعلوا النيران في المبنى. وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً للمبنى المحترق وألسنة النيران والدخان تتصاعد منه، في حين لم تصدر تصريحات رسمية بشأن تلك الأحداث.
وكان أحد قادة الإقليم الأهليين، وهو العمدة عبيد أبو شوتال، شوهد في فيديو قصير بُث في موقع التواصل «فيسبوك»، وهو يتكئ على عربة عسكرية من طراز «لاندكروزر»، محاطاً بعدد من الرجال المسلحين الذين يرتدون أزياء الجيش السوداني، وهو يوجّه اتهاماً لعضو «مجلس السيادة» مالك عقار، بالضلوع في المجازر التي شهدتها الولاية في الأيام الماضية.
وقال أبو شوتال، إن قوة تابعة لعقار، الذي حصّل منصبه في «مجلس السيادة» وفقاً لاتفاقية سلام جوبا، ضالعة في عمليات القتل والحرق التي شهدتها الولاية. وأضاف من داخل المقر العسكري: «نسلم الفرقة العسكرية مذكرتنا، ونمهلهم 48 ساعة لرفعها إلى (مجلس السيادة)... وأحمد العمدة، حاكم الإقليم، لن يحكمنا بالقوة. وحفاظاً على أرواح المواطنين، وحفاظاً على سلامة العمدة، يجب ألا يأتي إلى مكتبه، إلى أن تُحل قضايانا مع المركز».
وندد باتفاقية سلام جوبا، بقوله: «اتفاقية سلام جوبا خلقت لنا مشكلات، ومنذ توقيعها (ما شفنا عافية)، رغم أننا نمثل السواد الأعظم في القوات المسلحة (مشيراً للجنود المحيطين به)، فهي قد خربت العلاقة بين مكونات السلطة الزرقاء والمكونات العسكرية بسبب مالك عقار».
ولم تصدر تعليقات عن جهات رسمية سودانية بشأن أعمال العنف التي تشهدها المنطقة، رغم إعلان حالة الطوارئ من قبل حاكم الإقليم لمدة 30 يوماً، وتفويض القوات المسلحة والشرطة والأمن للتصدي لأعمال العنف الأهلي.
وتجدد النزاع الأهلي الذي اندلع في يوليو (تموز) الماضي، منذ الخميس، مما أدى إلى مقتل أعداد تتراوح بين 200 و270 قتيلاً، وإصابة عدد كبير من المجموعتين المتقاتلتين بجروح.
من جهة أخرى، توترت الأوضاع في شمال البلاد، إثر قيام محتجين بإيقاف عدد من شركات التنقيب عن الذهب عن العمل، قبل أن يقوموا بإغلاق مكاتب المحلية بمدينة أبو حمد، احتجاجاً على ما أطلقوا عليه استخدام مواد سامة (سيانيد) في تصفية الذهب.
ويهدد المواطنون الذين نظموا اعتصاماً مفتوحاً في المنطقة، وقاموا بقطع إمدادات المياه عن شركات تعدين الذهب، بإغلاق الطريق القاري الذي يربط السودان بمصر، ما لم يتم تحقيق مطالبهم بطرد شركات التنقيب عن الذهب، وإقالة مدير شركة الموارد المعدنية مبارك أردول.
ووفقاً لتحقيقات صحافية متعددة، فإن شركات تنقيب تستخدم مادة «سيانيد» السامة في تصفية الذهب، ويقول الأهالي إنها أدت إلى تلوث خطير في البيئة بالإقليم، وإلى تشوهات خلقية في المواليد، ونفوق أعداد كبيرة من الماشية جراء اختلاطها بمياه الشرب.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».