يرى الكاتب والمحلل الألماني أندرياس كلوث، أن تهديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باللجوء للسلاح النووي في حربه ضد أوكرانيا، أثار قلقاً بالغاً في أنحاء العالم. ويضيف في تحليل نشرته وكالة بلومبيرغ للأنباء أن ذلك يرجع إلى أن بوتين بتهديداته المتكررة بإسقاط قنبلة نووية على أوكرانيا أو دول أوروبية أخرى، أطلق بالفعل سباق تسلح عالمياً وجديداً بالنسبة لهذا النوع من الأسلحة.
فقد أثبت أن امتلاك قنابل ذرية يمنح الدولة قوة، بينما عدم امتلاكها، كما هو حال أوكرانيا، يجعلها ضعيفة. ونتيجة لذلك، سوف تبني مزيد من الدول ترساناتها النووية الخاصة بها، أو تزيد من حجمها إن كانت تمتلكها بالفعل، وتعيد صياغة استراتيجياتها بالنسبة لاستخدامها.
ويضيف كلوث أنه إذا ما تصفحنا العناوين الرئيسة لوسائل الإعلام هذا الشهر من آسيا إلى أوروبا، فسنجد أنه في بيونغ يانغ، أطلق الديكتاتور الكوري الشمالي مجموعة جديدة من الصواريخ الباليستية - أحدها فوق اليابان إلى المحيط الهادئ - وأجرى محاكاة لهجمات نووية تكتيكية ضد مطارات وأهداف أخرى في كوريا الجنوبية. ويبدو أنه يستعد لاختبار تفجير نووي آخر، سوف يكون الأول له منذ خمس سنوات.
من ناحية أخرى، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون واضحاً للغاية بالنسبة لاستخدام السلاح النووي. فعندما سئل عن رد فعله في حالة قيام بوتين بهجوم نووي في أوكرانيا أو «المنطقة» أجاب بأن فرنسا لن ترد بالمثل. ولم يكن يتوقع أحد أن يقول خلاف ذلك. ولكنه كرئيس غربي مهتم بردع بوتين، لديه مهمة لم يلتزم بها، وهي الصمت والحفاظ على «الغموض الاستراتيجي». وتحاول حكومته حالياً معالجة وضوحه المبالغ فيه.
وفي هذا السياق، تعتبر تدريبات «الظهيرة الثابتة» التي يقوم بها حلف شمال الأطلسي (الناتو) فعلياً الخبر المطمئن الوحيد. وهي تدريبات مشتركة روتينية تشارك فيها 14 دولة من دول الناتو الـ30 للتدرب على إسقاط قنابل نووية أميركية من مقاتلات دول الحلف في حالة وقوع حدث طارئ. وكان قد تقرر إجراء تدريبات هذا العام قبل وقت طويل من غزو بوتين لأوكرانيا، وسوف تستمر حتى 30 من الشهر الحالي.
وأعرب كلوث عن الأمل في أن يشاهد الكرملين هذه التدريبات. وأشار إلى أن ما يحدث من استعدادات نووية في كوريا الشمالية، وكذلك موقف الرئيس الفرنسي من استخدام السلاح النووي يوضح الضرر الذي تسبب فيه بوتين بتهديداته المبطنة.
وقد أصبح لدى الأوكرانيين الآن درس مختلف يمكن أن يستفيد منه العالم. ففي تسعينات القرن الماضي وافقوا، إلى جانب البيلاروسيين والكازاخستانيين، على التخلي عن ترساناتهم النووية التي ترجع للأزمنة السوفياتية في مقابل ضمانات أمنية من الدول الكبرى، وخصوصاً روسيا.
ولو كانت أوكرانيا احتفظت بما كان لديها من رؤوس حربية بلغ عددها نحو 1900 في ذلك الوقت، لكان قد اختلف تماماً سير حرب هذا العام، وما كان بوتين سيلجأ لتهديداته النووية. وقد تنبه الجميع لذلك الآن؛ فقد أصبح امتلاك السلاح النووي أفضل وسيلة للحفاظ على سيادة أي دولة، كما هو أفضل وسيلة لبقاء أي ديكتاتور في السلطة.
ويقول كلوث إن المشكلة الآن ليست مجرد العدد المتزايد للأسلحة النووية أو أنواعها المتزايدة، من «تكتيكية» إلى «استراتيجية» شديدة القوة وكل شيء بينهما. إنما المشكلة هي أن هذا الانتشار يتطلب أيضاً إعادة صياغة كاملة لما يسمى بـ«أوضاع» القوى النووية، والأدوار الاستراتيجية التي تعلقها هذه الدول على ترساناتها كوسيلة لسرعة تعريف خصومها بنواياها.
وأضاف كلوث أنه حتى الوقت الحالي، استبعدت الصين فقط رسمياً أنها سوف تكون بادئة بشن هجوم (نووي)، وحتى هذه السياسة قد لا تبدو قابلة للتصديق. فالعقائد العسكرية المعدلة لا بد أن تشمل الأسلحة النووية التكتيكية والهجمات المرنة، والانتقام والتصعيد التدريجي؛ فقد ولت حالات الاطمئنان التي كانت توفرها عقيدة التدمير المتبادل المؤكد العسكرية القديمة، والمخيفة، والمستقرة في الوقت نفسه. فالعالم الجريء بعد بوتين سوف يشبه إلى حد كبير مقولة إن «نهاية العالم وشيكة بشكل دائم».
ويتساءل كلوث: «هل يمكن أن تتحول الأمور إلى الأفضل بدلاً من ذلك؟»، ويوضح أن المرة الأخيرة التي اقترب فيها العالم كثيراً من حرب نووية كانت بسبب أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 وكانت تلك الصدمة وراء إبرام مجموعة كبيرة من المعاهدات في السنوات التالية للحد من الانتشار النووي والحد من سباق التسلح. ومع ذلك، ينبغي تذكر أن الحرب الباردة كانت عالماً أكثر بساطة، تهيمن عليه قوتان عظميان كانت لديهما مصلحة في الحفاظ على الوضع الراهن، أما عالم اليوم، فهو أكثر تفككاً وفوضوية.
إن الكثير سوف يعتمد على الطريقة التي تنتهي بها حرب بوتين ضد أوكرانيا، ليس فقط ما إذا كانت أوكرانيا سوف تنجو، ولكن ما إذا كان بوتين نفسه سوف ينجو، وحتى روسيا كدولة وقوة معادية للغرب في النظام الدولي.
فإذا ما تبين نجاح بوتين في محاولاته المتعلقة بالابتزاز النووي، فإن العالم يصبح محكوماً عليه بالهلاك إلى حد كبير. وإذا ما تحقق النجاح في إفشال محاولاته، قد تستطيع الإنسانية ترسيخ محظورات جديدة ضد شن أي حرب بالانشطار النووي.
اندلاع حرب نووية «أصبح الوضع الطبيعي» في العالم بعد تهديدات بوتين
المحلل الألماني يقول إن الرئيس الروسي أطلق سباق تسلح عالمياً... ودفع العالم للاقتراب من الكارثة
اندلاع حرب نووية «أصبح الوضع الطبيعي» في العالم بعد تهديدات بوتين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة