أندريه بازان... طرح أسئلة ما زالت تثير الباحثين

أثّر على غودار وصحبه ومات شاباً

مشهد من  فيلم «روما مدينة مفتوحة»
مشهد من فيلم «روما مدينة مفتوحة»
TT
20

أندريه بازان... طرح أسئلة ما زالت تثير الباحثين

مشهد من  فيلم «روما مدينة مفتوحة»
مشهد من فيلم «روما مدينة مفتوحة»

وفاة جان - لوك غودار في الأسبوع الماضي هي نهاية حقبة مات أبطالها جميعاً: جاك ريفيت، كلود شابرول، إريك رومير، فرنسوا تروفو من بين حفنة أخرى دعت لسينما فرنسية جديدة سُميت بسينما المؤلف. غير العارفين خلطوا بين سينما المؤلف و«السينما الطليعية». هذه ليس لها علاقة بسينما المؤلف بل بمجموعة من الفنون والكتابات التي تجتاز الحاجز من المعلوم والمعتاد إلى التجريبي والمتقدّم من أساليب تعبير.


السؤال الكبير لبازان: ما هي السينما؟

سينما المؤلف هي تلك الممهورة بتوقيع مخرجها. التي تنتخب نصوصها وأساليبها واختياراتها من التوليف على مبدأ يختلف عن السينما التقليدية التي تترك مقاليد العمل للقواعد المعمول بها في شركات الإنتاج. تبعاً لذلك، تتصدّر الحكاية الفيلم لأنها وسيلة التوجه المفتوح على الجمهور الكبير. مفتاح السرد الحكائي لإيصال المفادات حيث على المخرج (في أدنى الاحتمالات) تأمين تلك الشروط لإنجاح العمل الذي يقوم بتحقيقه، في مقابل تأكيد المخرج - المؤلف على منحاه الخاص بارزاً أهمية الشخصية وتأليف الحكاية حولها وكيفية اعتماد اللقطات التي هي أكثر من صور متحرّكة.

السيناريو كفعل اكتشاف
استلهم غودار، ورفاقه، الكثير من تعاليم منظر فرنسي شهير ومؤثر اسمه أندريه بازان.
وُلد بازان في سنة 1918 ومات شاباً في الأربعين من عمره في سنة 1958. في الخمس عشرة سنة الأخيرة من حياته نبغ كمنظر ومحلل نقدي كتب مقالاته النقدية الأولى سنة 1943. تعامل مع السينما على أساس أنها فن منفصل عن الفنون الأخرى حتى ولو استعارت منها فن الموسيقى وبعض المسرح والدراما.


أندريه بازان

كتب ذات مرّة أن المسرح ليس واقعياً إلا بتفاصيل بنائه. المسرح بالنسبة إليه هو البناء الخارجي والداخلي للمبنى ثم للخشبة المسرحية والديكورات التي تظهر على المنصّة. أما الباقي فهو حياة حاضرة يؤديها الممثلون لجمهور تبعاً لحكاية أو أوضاع ما.
أورد هذا كتأكيد على أن السينما لا تتبع المسرح بقدر ما تتبع خصائصها الكثيرة والمتعددة. كل جزء منها يتم تحضيره وتأسيسه وتنفيذه بمنأى كامل عن الجمهور. هذا الأخير يرى النتيجة جاهزة أمامه حين ينتهي العمل عليه، بالتالي نقطة اللقاء بين هذا الجمهور وبين الفن المقدّم تختلف جوهرياً عن تلك التي يوفرها المسرح. تبعاً لذلك أيضاً فإن الفيلم (والسينما عموماً) فن قائم بذاته.
واحد من الأسس التي وضعها بازان في اعتباره كان الدور الذي يلعبه السيناريو في الفيلم. بالنسبة إليه فإن السيناريو هو من يقع عليه فعل الاكتشاف. هناك، لنقل، مشهداً أول لمدرسة في قرية (على غرار فيلم «عمر المختار» لمصطفى العقاد مثلاً) أو مشهداً لحصان منطلق إلى وسط البلدة (كما في «شريط أبيض» لمايكل هنيكه). السيناريو هو الذي اختار البداية المذكورة لغاية التعريف بالمكان والزمان وكنه الشخصيات والحياة. هذه الأمور نفسها هي ما ترصده الكاميرا مما يجعل السؤال المنطقي هو من الذي يسرد؟ السيناريو أو الكاميرا؟ أين موقع المونتاج؟ ما هي العلاقة المثالية للمخرج بين كل هذه العناصر؟
عند بازان السيناريو هو من يسرد عبر اختياراته كما عبر مفهوم المعالجة للفكرة التي يطرحها. يبدأ سيناريو «راشامون» كما كتبه أكيرا كوروساوا وشينوبو هاشيموتو سنة 1950 بلقطات تضعنا في «المكان»: (بوابّة مخلوعة) ومع الشخصية (رجل راشامون واقف تحت المطر. ثم لقطة لرجلين آخرين لجأ كل منهما إلى المكان ووقف تحت سقفه اتقاءً للمطر المنهمر بغزارة. لا يتحرّكان٠
لا يجب أن يعني ذلك أن من وقف وراء الموجة الفرنسية الجديدة وألهم غودار والشلة المعروفة على معالجة الفيلم كوضع مميّز عن سواه من النتائج الفنية، وقام بتأسيس مجلة «كاييه دو سينما»، التي كتبوا لها، أن بازان كان يفضل السيناريو على فعل الفيلم نفسه. فبالنسبة إليه وجد السيناريو بذرة العمل والباقي كله يقع على كاهل المخرج في رعاية وتحقيق المُنتج منها.


مشهد من فيلم ترنس مالك «شجرة الحياة»

ما صرف المنظّر بازان جل اهتمامه في هذا المجال هو التأكيد على أن السينما والرواية جانبان مختلفان وأن السينما لتكون متحررة عليها أن تتجنّب الاقتباس الكامل أو غير المتحرر من العمل الروائي. إلى ذلك رفض تلك الكتابات النقدية التي تتغذّى من المعرفة الروائية وتمارس حكمها بعبارات لا تمت إلى السينما بل إلى الأدب (وهو فعل ما زال ممارساً إلى اليوم ولو على نطاق محدود).

أسئلة عن الواقعية
مال بازان إلى الواقعية الإيطالية في مطلعها. كانت، بالنسبة إليه، تمثل التحرر الذي نادى به من سطوة السينما التي تقرر للمشاهد ماذا سيرى وكيف سيراه. بذلك فإن معظم الأفلام التقليدية هي التي تقرر المشهد التالي، عوض أن يكون المشهد التالي نتيجة اختيار المخرج بناء على اختياره المتحرر من وظيفة جذب المُشاهد إليه.
بالنسبة إليه، فإن السينما الواقعية التي انبثقت في إيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية هي الحقيقة كما يجب أن تكون. سمّاها «مدرسة الحرية» واعتبر أنها إذ تتولّى البحث في «الحقيقة» فإنها أصدق من الأفلام التي تسرد حكاية حتى ولو لم تكن حكاية خيالية. بالتالي «روما مدينة مفتوحة» لروبرتو روسيليني (1945) و«سارقو الدراجات» لفيتوريو دي سيكا (1948) جيدان لأنهما يقومان بتقديم الرواية على نحو شبه تسجيلي.
هذا في الواقع ليس صحيحاً تماماً بالنسبة لفيلم روسيلليني، لكنه صحيح بالنسبة لفيلم دي سيكا. ليس بسبب اختلاف نظرة كل منهما للواقع الذي يعاينه، بل كذلك للكيفية التي اختارها لمعاينة ذلك الواقع.
على ذلك، أصاب بازان عندما اعتبر أن الخيال والفيلم الروائي يلتقيان أكثر، وعلى نحو أفضل، لو أن الفيلم (أي فيلم) عرف كيف يقرّب المسافة بين ما يعرضه وبين ما يوحي به.
على سبيل المثال، فإن فيلم «المواطن كين» لأورسن وَلز قد يكون خيالياً تماماً لكن طريقة تصويره التي تقوم على البعد الرؤيوي والعمق تنجح في دفع الفيلم لحالة من الواقعية لأنها ستثير عند القارئ أسئلة لا تطرحها الأفلام الجماهيرية السائدة لأن هذه تنوب عن المشاهد في توجيه الأحداث وتحافظ على الخيال كخيال وليس كاحتمال واقعي.
في هذا الشأن لا يتجاهل بازان دور المونتاج مطلقاً. على العكس يرى أن عملية التوليف هي ضرورية لكي تترجم كل تلك التوجهات إلى الفيلم والفيلم إلى ما ينتمي إليه. وهو اعتبر أن «المونتاج هو الذي تسبب في ولادة الفيلم كفن».
هذا ليس بعيداً عن الصواب بدوره على أساس أن باقي الفنون تخلو من المونتاج كخلوّها من الصورة المتحركة. كلاهما، الصورة والتوليف، يعملان معاً لأن كل منهما يحتاج للآخر. بما أن الحبكة لا تستطيع وحدها أن تعني شيئاً من دون الصورة فإن هذه هي التي تحكي وتسرد وليس الحبكة ذاتها. هي التي تتقدّم بالحكاية عبر اللقطات المتقاطعة أو المتماثلة من وإلى. وهذا التقاطع والانتقال لا علاقة للكاميرا بهما إلا من حيث التأسيس الزمني والمكاني والأجوائي. الباقي يُحال إلى المونتاج لصنع الفيلم الذي سيجسد ما أريد له أن يصبح عليه.
في مقال مهم نشره السينمائي قيس الزبيدي (وهو مخرج ومنظر ومُوَلّف أفلام) لاحظ ما يلي: كانت الواقعية خلال معظم مراحل تاريخ السينما، محط اهتمام صانعي الأفلام العمليين أكثر من اهتمام النقاد النظريين. فقد طوّر كل من دزيغا فيرتوف في العشرينيات في الاتحاد السوفياتي، وجان فيغو في فرنسا، وجون غريرسون في إنجلترا في الثلاثينيات، وروبرتو روسيلليني وسيزار زافاتيني والواقعيين الجدد في إيطاليا في الأربعينيات، مواقف في مواجهة النظريات التعبيرية. وبدا كما لو أن صانعي الأفلام وقفوا ضد سوء الاستعمال الممكن لقوة وسيطهم الفني، بدلاً من البحث عن المواقف «الأخلاقية» في الواقعية.
ويخلص الزبيدي إلى أسئلة مهمّة حين يقول: «هل هناك من الناحية النظرية والعملية واقع يصنعه فقط الميزان - سين أو هناك واقع يصنعه المونتاج فقط؟ وهل يكون الفيلم أكثر حياة وأقوى مغزى إذا ما كان ممثلاً أو مُرتجلاً إذا ما حُفظ الزمن الواقعي فيه عبر مشهد مستمر (بلان - سكوينس)؟ بينما تسجل السينماتوغرافيا الصورة في الزمن. وبرهنت بهذا على تدمير المفهوم التقليدي للزمن وجعلت جمهورها الغفير يراها مدرسة للحياة وليس مصنعاً للأحلام. فالناس تنظر إلى الأحداث على الشاشة بالضبط كما تنظر إلى الأحداث اليومية وتعتبر الفيلم مجرد وسيط يعيد إنتاج الواقع. فعلى صعيد المستوى التاريخي تكشف سبر تأثير ظهور الصورة بشكلها الحالي من منظور رغبة الإنسان في تصوير الواقع مع مقارنة الصورة بفنون وآداب المحاكاة لإظهار كيف أن الصورة هي فن الإيهام بامتياز. لأن المشاهد الذي يتابع مشاهدة الصور، يصدق ما يراه، ناسياً أو متناسياً وجود شاشة، تشكل حداً فاصلاً بين الواقع والخيال».

تكسير القاعدة
السؤال غير المطروح بعد هو ماذا كان بازان سيقول اليوم وقد تشعّبت السينما أكثر عما كانت عليه في أيامه. لقد انتقد مونتاج سيرغي أيزنستين في «البارجة بوتمكن» على أساس أنه تلاعب بالواقع عوض أن يدافع عنه. لكن حتى سينما المؤلف تعرّضت لمتغيّرات كبيرة عبر العصور. هي اليوم عنوان عام أو اسم لقائمة كبيرة من الأفلام التي يسيطر فيها المخرج على مقوّماتها سواء أنتج منها أعمالاً جيدة أم لم ينتج.
للتفسير فإن «الرجل الذي باع ظهره» لكوثر بن هنية فيلم مؤلف، لكنه فيلم لا يتّبع تفاصيل تلك السينما. المونتاج سردي والحكاية تسود. ولو أن المخرجة تحافظ على ملامحها كفنانة في أكثر من مشهد وربما في معظم مشاهده.
ماذا عن ترنس مالك الذي يخرج عن كل أساس سردي وينجز أفلامه على نحو غير قابل للتصنيف. حين نشاهد «شجرة الحياة» أو «إلى العجب» أو «أغنية لأغنية» فإن يكسر كل قاعدة وردت عند مؤيدي بازان أو حتى عند منتقديه.
وما يتبلور من هذا التساؤل هو بالتأكيد ما فشل عديد من الباحثين والنقاد في الإجابة عليه وهو هل ما زال بازان مهمّاً؟
في العصر الحالي فإن الجواب رمادي. من ناحية فإن تعاليمه ما زالت صالحة للبحث بصرف النظر عما كان الباحث معها أو ضدها. لكن من ناحية أخرى، فإن الزمن الذي عاش فيه بازان وأنتج فيه غودار وتروفو ورومير أفلامهم بتأثير إيحائي من تعاليمه، ليس كالزمن الحالي.


مقالات ذات صلة

لأول مرة... «أفلام السعودية» يفتتح دورته الـ11 بفيلم روائي طويل

يوميات الشرق بوستر فيلم «سوار»... (إدارة المهرجان)

لأول مرة... «أفلام السعودية» يفتتح دورته الـ11 بفيلم روائي طويل

في عرض عالمي أول، يفتتح «مهرجان أفلام السعودية» دورته الحادية عشرة بفيلم روائي طويل لأول مرة في تاريخه.

المشرق العربي الممثلة الإسرائيلية غال غادوت خلال حفل في سانتا مونيكا بكاليفورنيا الولايات المتحدة - 5 أبريل 2025 (رويترز)

لبنان يحظر عرض «سنو وايت» في دور السينما بسبب مشاركة ممثلة إسرائيلية بالفيلم

أعلنت السلطات اللبنانية، الاثنين، أنها حظرت عرض فيلم «سنو وايت» (Snow White) من إنتاج «ديزني» في دور السينما اللبنانية بسبب مشاركة ممثلة إسرائيلية به.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
سينما  تشهد الدورة الثانية عشرة من المهرجان حضوراً دولياً كثيفاً (الشرق الأوسط)

من جدة إلى العالم... «شوريل 12» يُوسّع حدود السينما الطلابية

في مهرجان «شوريل» السينمائي، لا أحد ينتظر سجادة حمراء أو صورة مع نجم، لأن الكاميرا نفسها بيد الطلاب في هذا المهرجان الذي بدأ فكرة طلابية بسيطة.

إيمان الخطاف (جدة)
يوميات الشرق يأتي فيلم «شباب البومب 2» بعد نجاح المسلسل التلفزيوني الذي أكمل عامه الـ13 (الشرق الأوسط)

«شباب البومب 2» يواصل تصدر شباك التذاكر السعودي للأسبوع الثالث

يواصل الفيلم السعودي «شباب البومب 2»، تربّعه على صدارة شباك التذاكر في المملكة، محققاً إيرادات بلغت نحو 5.3 مليون ريال خلال الأسبوع الثاني من أبريل.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
يوميات الشرق تو عدّ البلاد العربية ملهمة لتصوير أعماله (المركز الإعلامي لقمرة السينمائي)

المخرج الصيني جوني تو: البلاد العربية مُلهِمة سينمائياً

قال المخرج الصيني جوني تو، خلال مشاركته بالنسخة الـ11 من ملتقى «قمرة السينمائي» القطري، إن الفعاليات والملتقيات الفنية الدولية تعدّ فرصةً لتبادل الآراء البناءة.

داليا ماهر (الدوحة)

من جدة إلى العالم... «شوريل 12» يُوسّع حدود السينما الطلابية

 تشهد الدورة الثانية عشرة من المهرجان حضوراً دولياً كثيفاً (الشرق الأوسط)
تشهد الدورة الثانية عشرة من المهرجان حضوراً دولياً كثيفاً (الشرق الأوسط)
TT
20

من جدة إلى العالم... «شوريل 12» يُوسّع حدود السينما الطلابية

 تشهد الدورة الثانية عشرة من المهرجان حضوراً دولياً كثيفاً (الشرق الأوسط)
تشهد الدورة الثانية عشرة من المهرجان حضوراً دولياً كثيفاً (الشرق الأوسط)

​ في مهرجان «شوريل» السينمائي، لا أحد ينتظر سجادة حمراء، أو صورة مع نجم، لأن الكاميرا نفسها بيد الطلاب في هذا المهرجان الذي بدأ فكرة طلابية بسيطة في جامعة عفت بجدة، عام 2014، باسم «مهرجان عفت السينمائي الدولي لأفلام الطلاب»، ثم أصبح اليوم منصة سينمائية مميزة لإنتاج الأفلام القصيرة، وفي الدورة الثانية عشرة التي تنعقد في الفترة من 13 إلى 15 أبريل (نيسان)، تحت عنوان «من الحلم إلى الفيلم»، يعزز المهرجان مكانته باعتباره الأول من نوعه لأفلام الطلاب على مستوى الدول العربية.

وفي دورة هذا العام، يضم «شوريل» وجوهاً من بريطانيا وأميركا واليابان، ومشاركين من أكثر من 90 دولة حول العالم، في المهرجان الذي يحتفي بصنّاع أفلام ما زالوا على مقاعد الدراسة، بالإضافة إلى تكريمه عدداً من الشخصيات البارزة في صناعة السينما المحلية والعالمية، مثل المستشار عبد الله المحيسن، والفنان حسن عسيري، والمخرج خالد الحربي، وفنانة التحريك البريطانية جوانا كوين، ورئيس أكاديمية الفنون المصرية غادة جبارة.

المهرجان هو الأول من نوعه لأفلام الطلبة على مستوى الدول العربية (الشرق الأوسط)
المهرجان هو الأول من نوعه لأفلام الطلبة على مستوى الدول العربية (الشرق الأوسط)

توسّع دولي

وخلال حديث له مع «الشرق الأوسط»، كشف الدكتور محمد غزالة، رئيس مدرسة الفنون السينمائية ومدير المهرجان، أن عام 2014 شهد انطلاق الدورة الأولى للمهرجان، التي كانت تقتصر حينها على أفلام طلبة جامعة عفت في قسم الإنتاج المرئي والرقمي، قبل أن يتحوّل اسمه لاحقاً إلى «مدرسة الفنون السينمائية»، وبعدها بدأ المهرجان يتوسع تدريجياً ليأخذ طابعاً دولياً.

ويوضح غزالة أن دورة هذا العام جذبت أكثر من 2200 فيلم، بالإضافة إلى مشاركات طلابية متنوعة من 10 جامعات سعودية. وتابع: «هذا رقم كبير جداً، لدرجة أننا استغرقنا في القسم نحو 4 أشهر، لمشاهدة جميع هذه الأفلام، ثم انتقينا أفضل 89 فيلماً، من 28 دولة، تتنافس جميعها على جوائز مالية تتجاوز 50 ألف ريال»، مضيفاً أن «هذه الدورة تمتاز بأنها ذات قيمة فنية عالية».

مشاركات سينمائية متنوعة وجلسات حوارية مكثفة ممتدة على أيام المهرجان الثلاثة (الشرق الأوسط)
مشاركات سينمائية متنوعة وجلسات حوارية مكثفة ممتدة على أيام المهرجان الثلاثة (الشرق الأوسط)

ومضى غزالة إلى القول: «إننا نحرص على تأهيل الجيل القادم لإنتاج أعمال سينمائية تُمثل السعودية بأفضل صورة، وتُظهر الوجه الحقيقي للبلاد، في الداخل والخارج، خصوصاً أننا عانينا على مدى سنين طويلة من التنميط، ولذا أرى في هذا المهرجان فرصة لفسح المجال السينمائي لصناع الأفلام من الطلاب، كي يُظهروا أعمالهم للجمهور العالمي، من خلال مهرجان يضم لجان تحكيم مختلفة من دول عدة من حول العالم».

وبسؤاله إن كان يعتقد أن حماس الطلبة لخوض غمار صناعة الأفلام دائم أو مؤقت، أجاب بأن «نحو 80 في المائة من الطلاب المشاركين حوّلوا من أقسام دراسية أخرى، وهذا يؤكد شغفهم وإيمانهم الكبير بدراسة شيء يعبرون من خلاله عن أنفسهم، وهو بالضبط ما تقدمه لهم السينما... فالسينما تتطلب جهداً جماعياً، وتُكسب الفرد سمات مثل التواضع والتركيز، كما أن القدرة على صناعة أعمال تنال استحسان الجمهور، ليست سهلاً».

يرى مدير المهرجان أن صنّاع الأفلام من الطلاب يميلون للتجريب والجرأة في أفلامهم (الشرق الأوسط)
يرى مدير المهرجان أن صنّاع الأفلام من الطلاب يميلون للتجريب والجرأة في أفلامهم (الشرق الأوسط)

متعة التجريب

ويرى غزالة أن «السينما وسيلة لتشكيل الأفكار وبلورتها بصرياً»، مؤكداً أن الطالب يخضع لمجموعة اختبارات قبل قبوله في القسم، بعدها يستمر من يستطيع تحمّل متطلبات الدراسة. وفيما يتعلق بالسمة السائدة للأفلام التي يرغب الطلاب في صناعتها، مقارنة بصناع الأفلام المتمرسين، يقول: «التجريب وطزاجة الأفكار، إلى جانب التنوع في الطرح، هي السائدة، ولأن الطالب ليس لديه ما يخسره، فإن هذا يجعله أكثر جرأة من المحترفين».

يركز المهرجان على الأفلام القصيرة بالدرجة الأولى التي تجذب الطلاب للمشاركة (الشرق الأوسط)
يركز المهرجان على الأفلام القصيرة بالدرجة الأولى التي تجذب الطلاب للمشاركة (الشرق الأوسط)

جدير بالذكر أن فعاليات المهرجان تتضمن مجموعة من الندوات وورش العمل التي يقدمها خبراء صناعة السينما، من مؤسسات رائدة مثل «نتفليكس» و«سوني» و«أكاديمية MBC» و«توون بوم» للرسوم المتحركة.

كما تقام فيه محاضرات لأكاديميين من مدرسة السينما في جامعة جنوب كاليفورنيا، وجامعة الاتصالات في الصين. إلى جانب عروض وورش أخرى متخصصة في التصوير السينمائي والإخراج وإنتاج الصوت والتوزيع السينمائي. وكجزء من الفعاليات المصاحبة، تستضيف الإعلامية سهى الوعل، ندوة حوارية مفتوحة مع الفنان والمنتج حسن عسيري، في سينما حي جميل الثقافي بجدة، حيث سيتم تكريمه عن مسيرته الفنية في مجال الدراما والإنتاج. كما يتضمن المهرجان جلسة نقاشية بعنوان «ماذا يحب أن يشاهد السعوديون؟»، بحضور عدد من صناع الأفلام والمنتجين ومديري دور العرض السينمائي.