باريس تسعى لإطلاق استراتيجية جديدة في أفريقيا

ماكرون: يتعين مواجهة السرديات الكاذبة للروس والصينيين والأتراك

ماكرون برفقة وزراء في المؤتمر السنوي للسفراء الفرنسيين بالإليزيه الخميس (رويترز)
ماكرون برفقة وزراء في المؤتمر السنوي للسفراء الفرنسيين بالإليزيه الخميس (رويترز)
TT

باريس تسعى لإطلاق استراتيجية جديدة في أفريقيا

ماكرون برفقة وزراء في المؤتمر السنوي للسفراء الفرنسيين بالإليزيه الخميس (رويترز)
ماكرون برفقة وزراء في المؤتمر السنوي للسفراء الفرنسيين بالإليزيه الخميس (رويترز)

ليومين متتاليين، كان أحد محاور المناقشات الرئيسية في المؤتمر السنوي للسفراء الفرنسيين عبر العالم، الذي التأم الخميس والجمعة حضورياً بعد غياب دام عامين بسبب جائحة «كوفيد - 19»، يدور حول وجود فرنسا في أفريقيا والتحديات الجديدة التي تواجهها من أطراف عديدة على رأسها روسيا، إلى جانب الصين وتركيا وإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. ويوماً بعد يوم، تجد باريس أن النفوذ والحضور اللذين كانت تتمتع بهما في عدد من البلدان الأفريقية، ومن بينها تلك التي كانت مستعمرات سابقة لها، أخذا يضعفان إن يكن يتلاشيان. وجاء انسحاب قوة «برخان» من مالي بعد تواجد عسكري متواصل دام تسع سنوات، ليشكل صفعة لباريس وانتصاراً بيناً لروسيا. ذلك أن ميليشيا «فاغنر»، التي يعد مؤسسها أفغيني بريغوجين من المقربين إلى الرئيس فلاديمير بوتين، هي التي حلت محل القوة الفرنسية ولكن أيضاً قوة الكوماندوس الأوروبية المسماة «تاكوبا» والتي بذلت باريس جهوداً جبارة لدى شريكاتها الأوروبية لإقناعها بإرسال وحدات من قواتها الخاصة للانضمام إلى القوة الفرنسية والمساعدة على احتواء ومحاربة التنظيمات الإرهابية في مالي بالدرجة الأولى، وفي بلدان الساحل الخمسة بشكل عام.
وتواجه باريس منافسة من كافة الأشكال: استراتيجية، وعسكرية، وسياسية، واقتصادية، وتجارية، وإعلامية. وهذه المنافسة الأخيرة هي التي شدد عليها الرئيس ماكرون باعتبار أن صورة فرنسا في القارة الأفريقية تتعرض لحملة تشويه غير مسبوقة. وقال ماكرون للسفراء الذين دعاهم ليكونوا أكثر دينامية في الرد على الحملات المعادية، إن «بلدنا يهاجم غالباً ويستهدف لدى الرأي العام «الأفريقي» عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال التضليل «الإعلامي»». وأضاف ماكرون أن السرديات التي يعرضها الروس والصينيون والأتراك تروج أن «فرنسا بلد يمارس الاستعمار الجديد، وأنه يوطن قواته على الأراضي الأفريقية»، ما يذكر بالحقبة الاستعمارية في القرن التاسع عشر وحتى ستينات القرن الماضي. وإذ اعتبر ماكرون أن أمراً كهذا لا يمكن قبوله، فقد دعا إلى «مواجهته» وإلى محاربة «السرديات الكاذبة والأخبار المضللة ولشرح واقع الحضور الفرنسي». ودعا ماكرون سفراءه في البلدان الأفريقية إلى العمل من أجل «استراتيجية القدرة على التأثير والدفاع عن الإشعاع الفرنسي»، بالتوازي مع استخدام وسائل الإعلام والتواصل. وذهبت وزيرة الشؤون الخارجية كاثرين كولونا في الاتجاه عينه، الجمعة. فبعد أن أشارت إلى المنافسات الجديدة التي يتعرض لها النفوذ الفرنسي في أفريقيا، حثت سفراء بلادها في أفريقيا إلى «فضح التلاعب بالحقائق وكشف الأكاذيب والاستحواذ مجدداً على الصورة التي تريد فرنسا إبرازها». ووصفت كولونا هذه المعركة بأنها «تحدٍ استراتيجي». ولمزيد من الإيضاح، أضافت الوزيرة أن واجب الفرنسيين إظهار أنهم «شركاء طيبون يمكن الثقة بهم، وأنهم يحترمون» شركاءهم الأفارقة. ولخصت كولونا رؤيتها لكيفية التعاطي في المراحل القادمة، بقولها إن على السفراء أن «يعملوا مع الدول وأن يتحاوروا مع المجتمعات المدنية»، وإن باريس مستعدة «للوقوف إلى جانب الدول التي ترغب بذلك والاستجابة لما تطلبه منا، ووفق إرادتها».

هكذا تتبدى استراتيجية باريس الجديدة للمراحل اللاحقة. إنه نهج جديد في التعاطي مع البلدان الأفريقية، وخصوصاً تلك التي تتعرض لعمليات إرهابية أو قد تكون مهددة بالتعرض لها، أكانت بلدان الساحل «موريتانيا، مالي، النيجر، تشاد وبوركينا فاسو»، أو بلدان ما يسمى خليج غينيا وبشكل أوسع غرب أفريقيا. وقال ماكرون أكثر من مرة إن بلاده لن تتخلى عن مساعدة البلدان الأفريقية في الدفاع عن نفسها بمواجهة الإرهاب، ولكن وفق أساليب وأشكال جديدة بحيث تكون إلى جانب القوات المحلية وليس مكانها، ووفق رغبات هذه الدول. وتريد باريس أن تستخلص العبر من «التجربة المالية» المؤلمة. وبهذا الخصوص، رسمت كولونا الجمعة صورة سوداء للأوضاع في هذا البلد الذي «ينتقل من سيئ إلى أسوأ». وقالت: «نحن نرى في مالي تقدم المجموعات الإرهابية المسلحة في كافة أنحاء البلاد، وأن النازحين الماليين تتكاثر أعدادهم». وأضافت كولونا أن «النظام المالي الذي هو نتيجة انقلابين عسكريين يهاجم يوما الدانمارك، وفي اليوم التالي ساحل العاج، ولكن دوماً فرنسا. وغرضه أن ينسي الناس أنه بلا خطة عمل، وينتقل من فشل إلى فشل، ويربط نفسه بمرتزقة روس».
ومن الناحية العسكرية الصرف، وبعد انسحاب قوة «برخان» من مالي، قامت باريس بخفض عددها إلى النصف «نحو 2500 رجل مع معداتهم وأسلحتهم إضافة إلى الدعم الجوي واللوجيستي»، وعمدت إلى نشر الأساسي منها في النيجر، حيث تُشغل قاعدة مزدوجة الاستعمال «جوية وبرية»، وأفردت ما مجموعه 300 رجل إلى المنطقة المسماة «الحدود المثلثة» «بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو».
وإضافة لذلك، ترابط قوة كوماندوس فرنسية في واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو فيما قيادة القوة الفرنسية موجودة في نجامينا «عاصمة تشاد». وثمة قوات أخرى متواجدة في العديد من العواصم الأفريقية، أهمها في جيبوتي المستعمرة الفرنسية السابقة.
بيد أن الصعوبة التي تواجهها القوة الفرنسية، التي تقول باريس إن حجة وجودها الوحيدة في منطقة الساحل هي المساعدة على محاربة التنظيمات الإرهابية، تكمن في أنها لن تكون قادرة، منذ انسحابها من مالي، على القيام بأي عملية في هذا البلد. والحال، أن العديد من المراقبين يتوقعون أن يتواصل تمددها في مناطق مالي، وأنها قادرة على السيطرة على شمال البلاد ووسطها، قبل أن تصبح قادرة على تهديد العاصمة باماكو. وترى المصادر الفرنسية أن «فاغنر» ستكون عاجزة عن محاربتها، وأن اهتمامها مُنصبّ على أمرين: حماية النظام ممثلاً بالمجلس العسكري من جهة، ومن جهة أخرى النظر فيما يمكن أن تحصل عليه من ثروات البلاد المعدنية. يبقى أن استراتيجية باريس الجديدة تحتاج لأشهر وربما لسنوات لتبيان ما إذا كانت قادرة على تحقيق الأهداف الطموحة التي رسمها الرئيس ماكرون ووزيرة خارجيته.


مقالات ذات صلة

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

أفريقيا هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

بينما تستعد بريطانيا لتتويج الملك تشارلز الثالث (السبت)، وسط أجواء احتفالية يترقبها العالم، أعاد مواطنون وناشطون من جنوب أفريقيا التذكير بالماضي الاستعماري للمملكة المتحدة، عبر إطلاق عريضة للمطالبة باسترداد مجموعة من المجوهرات والأحجار الكريمة التي ترصِّع التاج والصولجان البريطاني، والتي يشيرون إلى أن بريطانيا «استولت عليها» خلال الحقبة الاستعمارية لبلادهم، وهو ما يعيد طرح تساؤلات حول قدرة الدول الأفريقية على المطالبة باسترداد ثرواتها وممتلكاتها الثمينة التي استحوذت عليها الدول الاستعمارية. ودعا بعض مواطني جنوب أفريقيا بريطانيا إلى إعادة «أكبر ماسة في العالم»، والمعروفة باسم «نجمة أفريقيا»، وا

أفريقيا «النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

«النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

مع تركيز مختلف القوى الدولية على أفريقيا، يبدو أن الاقتصادات الهشة للقارة السمراء في طريقها إلى أن تكون «الخاسر الأكبر» جراء التوترات الجيو - استراتيجية التي تتنامى في العالم بوضوح منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. وتوقَّع تقرير صدر، (الاثنين)، عن صندوق النقد الدولي أن «تتعرض منطقة أفريقيا جنوب الصحراء للخسارة الأكبر إذا انقسم العالم إلى كتلتين تجاريتين معزولتين تتمحوران حول الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في المقابل». وذكر التقرير أن «في هذا السيناريو من الاستقطاب الحاد، ما يؤدي إلى أن تشهد اقتصادات أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى انخفاضا دائماً بنسبة تصل إلى 4 في الما

أفريقيا السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، وزير الخارجية السعودي، مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، اليوم (الثلاثاء)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف المتنازعة في السودان، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضها، بما يضمن أمن واستقرار ورفاهية البلاد وشعبها. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية السعودي، برئيس المفوضية، وتناول آخر التطورات والأوضاع الراهنة في القارة الأفريقية، كما ناقش المستجدات والموضوعات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أفريقيا «مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

«مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة التطرف والإرهاب، التي تؤرق غالبية دول القارة الأفريقية، الأجندة الأوغندية، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن، التابع للاتحاد الأفريقي، في شهر مايو (أيار) الجاري. ووفق المجلس، فإنه من المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة الإرهاب في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان له، أن مجلس السلم والأمن الأفريقي سيناقش نتا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أفريقيا مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة «التطرف والإرهاب»، التي تقلق كثيراً من دول القارة الأفريقية، أجندة أوغندا، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، في مايو (أيار) الحالي. ومن المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحادين الأوروبي والأفريقي؛ لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب الإرهابية» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة «الإرهاب» في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان، أنه سيناقش نتائج الحوار الوطني في تشاد، ولا سيما المسألتين ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

إردوغان يعرض وساطة لحل الخلاف بين السودان والإمارات

من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
TT

إردوغان يعرض وساطة لحل الخلاف بين السودان والإمارات

من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)

عرض الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وساطة بلاده لحل الخلاف بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة على غرار ما قامت به لتسوية الأزمة بين الصومال وإثيوبيا حول اتفاق الأخيرة مع إقليم أرض الصومال على استخدام ساحلها على البحر الأحمر.

وقال إردوغان، في اتصال هاتفي، الجمعة، مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، إن «بإمكان تركيا التوسط لحل الخلاف بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة». وبحسب بيان للرئاسة التركية، تناول إردوغان مع البرهان، خلال الاتصال الهاتفي، العلاقات بين تركيا والسودان، وقضايا إقليمية وعالمية، وأكد أن تحقيق السلام والاستقرار في السودان والحفاظ على وحدة أراضيه وسيادته ومنع تحوله إلى ساحة للتدخلات الخارجية، من المبادئ الأساسية لتركيا.

ولفت إردوغان، بحسب البيان، إلى أن تركيا توسطت لحل الخلاف بين الصومال وإثيوبيا، وأن الاتفاق بين البلدين سيساهم في السلام بالمنطقة.

اتهامات متبادلة

ودأب قادة الجيش السوداني على اتهام دولة الإمارات العربية المتحدة، بدعم قوات «الدعم السريع» وتزويدها بالأسلحة والمعدات. وتقدم مندوب السودان في الأمم المتحدة الحارث إدريس الحارث، بشكوى رسمية ضدها، واتهمها بالتخطيط لإشعال الحرب ودعم «قوات الدعم السريع» بمساعدة من تشاد، طالباً إدانتها، بيد أن أبوظبي فندت تلك الاتهامات ووصفتها بأنها "ادعاءات لا أساس لها من الصحة، وتفتقر للأدلة الموثوقة.

وفي المقابل وجهت دولة الإمارات رسالة إلى مجلس الأمن في 21 أبريل (نيسان)، شددت خلالها على أن نشر المعلومات المضللة والروايات الزائفة، يرمي إلى التهرب من المسؤولية، وتقويض الجهود الدولية الرامية إلى معالجة الأزمة الإنسانية في السودان بعد عام من الصراع بين الجيش و«قوات الدعم السريع». وأكدت أنها «ستظل ملتزمة بدعم الحل السلمي للصراع في السودان، ودعم أي عملية تهدف إلى وضع السودان على المسار السياسي للتوصل إلى تسوية دائمة، وتحقيق توافق وطني لتشكيل حكومة بقيادة مدنية».

الشيخ محمد بن زايد وعبد الفتاح البرهان في أبو ظبي 14 فبراير (أ.ف.ب)

وفي يوليو (تموز) الماضي، بحث رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في اتصال هاتفي، مع رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، «سبل دعم السودان للخروج من الأزمة التي يمر بها»، وأكد حرص دولة الإمارات على دعم جميع الحلول والمبادرات الرامية إلى وقف التصعيد وإنهاء الأزمة في السودان.

تعهدات تركية للبرهان

ووفقاً لنشرة صحافية صادرة عن مجلس السيادة السوداني، فإن الرئيس إردوغان تعهد للبرهان باستمرار تدفق المساعدات الإنسانية التركية للسودان، وباستئناف عمل الخطوط الجوية التركية قريباً، وباستعداد بلاده لتعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتعاون في الزراعة والتعدين.

وذكر السيادي أن البرهان أشاد بمواقف تركيا «الداعمة للسودان»، وجهودها من أجل السلام والاستقرار في المنطقة والإقليم، ودورها في معالجة الكثير من القضايا الإقليمية والدولية، ودورها في الملف السوري، مبدياً ترحيبه بأي دور تركي لوقف الحرب «التي تسببت فيها ميليشيا الدعم السريع المتمردة». ودعا البرهان لتعزيز الاستثمارات التركية في مختلف المجالات، مؤكداً ثقته في مواقف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحكومته الداعمة للشعب السوداني وخياراته.

ويرى مراقبون أن الاتصال الهاتفي بين إردوغان والبرهان في هذا التوقيت يأتي في ظل متغيرات وترتيبات جديدة في المنطقة تشمل السودان، بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا.

ومنذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، يخوض الجيش السوداني البرهان، و«قوات الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حرباً خلفت أكثر من 20 ألف قتيل، وما يزيد على 14 مليون نازح ولاجئ، وفق تقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية.

حضور تركي في القرن الأفريقي

وقطعت تركيا، الأربعاء الماضي، خطوة كبيرة على طريق حل النزاع بين الصومال وإثيوبيا، بعد جولات من المباحثات بين الطرفين في إطار ما عرف بـ«عملية أنقرة»، يراها مراقبون ترسيخاً للحضور التركي القوي في منطقة القرن الأفريقي.

إردوغان يتوسط الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي خلال مؤتمر صحافي في أنقرة مساء الأربعاء الماضي (الرئاسة التركية)

وأعلن الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، ورئيس الوزراء الصومالي، آبي أحمد، في مؤتمر صحافي مع إردوغان مساء الأربعاء، أعقب 8 ساعات من المفاوضات الماراثونية سبقتها جولتان من المفاوضات في أنقرة في الأشهر الماضية، أنهما قررا بدء المفاوضات الفنية بحسن نية بحلول نهاية فبراير (شباط) 2025 على أبعد تقدير، والتوصل إلى نتيجة منها والتوقيع على اتفاق في غضون 4 أشهر، بحسب ما ورد في «إعلان أنقرة». وقبل الطرفان العمل معاً على حل نزاع حول خطة أديس أبابا لبناء ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية، التي تسببت في زيادة زعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي.

وقال إردوغان إن البلدين الجارين توصلا، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة، إلى اتفاق «تاريخي» ينهي التوترات بينهما.

وبحسب نص إعلان أنقرة، الذي نشرته تركيا، اتفق البلدان على «التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك، والعمل باتجاه إقرار إبرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولاً إلى البحر «موثوقاً به وآمناً ومستداماً تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفيدرالية».

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر، قائلاً: «أعتقد أنه من خلال الاجتماع الذي عقدناه سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر لإثيوبيا».

إردوغان مع الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي عقب توقيع إعلان أنقرة (الرئاسة التركية)

وتدخلت تركيا في النزاع بطلب من إثيوبيا، التي وقعت في الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي اتفاقية مع منطقة «أرض الصومال»، التي أعلنت انفصالها عن الصومال عام 1991، لكن لم تحظ باعتراف المجتمع الدولي، وتشمل النقل البحري واستخدام ميناء بربرة على البحر الأحمر، واستغلال 20 كيلومتراً من ساحل أرض الصومال لمدة 50 عاماً مقابل الاعتراف باستقلالها عن الصومال، مع منحها حصة من شركة الخطوط الجوية الإثيوبية.

ترحيب دولي

ورحب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال لقائه إردوغان في أنقرة، ليل الخميس – الجمعة، بنجاح تركيا في التوصل إلى اتفاق بين الصومال وإثيوبيا. كما رحب الاتحاد الأوروبي بالاتفاق، وأشاد بدور الوساطة الذي لعبته تركيا بهذا الخصوص.

وترتبط تركيا بعلاقات قوية بإثيوبيا، كما أصبحت حليفاً وثيقاً للحكومة الصومالية في السنوات القليلة الماضية. وافتتحت عام 2017 أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج في مقديشو، وتقدم تدريباً للجيش والشرطة الصوماليين.

وبدأت في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أنشطة المسح الزلزالي للنفط والغاز الطبيعي في 3 مناطق مرخصة في الصومال تمثل كل منها مساحة 5 آلاف كيلومتر مربع، بموجب مذكرة تفاهم وقعت بين البلدين في مارس (آذار) الماضي، لتطوير التعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي.

وجاء توقيع المذكرة بعد شهر واحد من توقيع اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي، تقدم تركيا بمقتضاها دعماً أمنياً بحرياً للصومال، لمساعدته في الدفاع عن مياهه الإقليمية لمدة 10 سنوات.