جاء إصدار المهرجان القومي للمسرح في مصر، لكتاب «أمينة رزق» مواكباً لذكرى رحيلها الـ19 (24 أغسطس/ آب) عام 2003، عن عمر يناهز 93 عاماً، بعد رحلة عطاء ممتدة، تعد الأطول في تاريخ الفن العربي، قدمت خلالها نحو ستمائة وأربعين عملاً فنياً من بينها 150 فيلما سينمائياً، وما يقرب من ثلاثمائة مسرحية، وما يزيد على 220 مسلسلاً وسهرة تلفزيونية، وأكثر من سبعين مسلسلاً وسهرة إذاعية، على مدار 70 عاماً تمثل رحلتها الفنية.
د. عمرو دوارة
كتاب «أمينة رزق في محراب المسرح» يقدم من خلاله المؤرخ المسرحي الدكتور عمرو دوارة، رصداً دقيقاً لأعمالها، مضمناً رؤيته كناقد عاصر جانباً من حياتها، ويشتمل الكتاب على ستة فصول، جاءت تحت عناوين: «السياق التاريخي والفني الذي تأثرت به»، ثم «السيرة الذاتية والمسيرة الفنية»، مع رصد دقيق لأهم أعمالها المسرحية، و«شهادات نقدية» لنخبة من كبار النقاد، و«رؤى وكلمات من القلب» الذي يتضمن مجموعة مختارة من أقوالها تحمل وجهة نظرها في الفن والحياة، كما يشمل ملحقاً خاصاً يضم ولأول مرة القائمة الكاملة لكل عروضها المسرحية.
وبحسب الكتاب، فإن الفنانة أمينة رزق ولدت في 15 أبريل (نيسان) عام 1910 بمدينة طنطا بمحافظة الغربية (شمال غربي القاهرة)، وقد واجهت في بداياتها معارضة شديدة من أسرتها، خصوصاً من والدها الذي رفض فكرة مشاهدتها للعروض السينمائية، لولا إصرارها وتشجيع خالتها الممثلة أمينة محمد، التي تكبرها بعامين، والتي أسهمت بجرأتها في تمهيد الطريق لها.
أمينة رزق
ظهرت أمينة رزق لأول مرة على خشبة المسرح وشاركت بالغناء إلى جوار خالتها عام 1922 بإحدى مسرحيات فرقة «يوسف عز الدين»، ثم بفرقة «علي الكسار»، ثم انتقلت عام 1924 للعمل بفرقة «رمسيس»، وجسَّدت شخصية الصبي الكسيح «أليكسي» ابن القيصر في مسرحية «راسبوتين» أمام عميد المسرح العربي يوسف بك وهبي، وكانت هذه المسرحية بداية التألق للممثلة الصغيرة، وظلت تقوم بالأدوار الثانوية بالفرقة حتى استقالت ممثلة الفرقة الأولى زينب صدقي، فأسندوا أدوارها إلى أمينة رزق، وكان الفنان يوسف وهبي قد اكتشف موهبتها الكبيرة وجديتها منذ أول لقاء بينهما، ونجحت من خلال أدائها المتميز بعروض فرقة «رمسيس» في تحقيق شهرة كبيرة، ففتحت لها السينما أبوابها، وعرفت أمينة رزق منذ ذلك الوقت بقدرتها الفائقة على الأداء الميلودرامي الذي تسيل على أثره دموع المتفرجين، حتى إن الفنان الكبير زكي طليمات وصفها في كتابه المهم «فن الممثل العربي» بأنها «صاحبة الأداء الباكي»، إذ طالما نجحت في انتزاع دموع المتفرجين بأدوارها الميلودرامية، كما أطلق عليها النقاد لقب «الراهبة بمحراب المسرح العربي».
لقطة من فيلم «بداية ونهاية»
فلاش باك
ويذكرمؤلف الكتاب د. عمرو دوارة أنه مع بدايات القرن العشرين عرف المسرح المصري ظهور نخبة جديدة من نجمات المسرح من المصريات، وذلك بعدما استطعن تخطي الصعاب ومواجهة التحديات (وفي مقدمتها العادات والتقاليد)، وتضم القائمة أسماء عديدة من بينها منيرة المهدية، وزينب صدقي، وفاطمة رشدي وشقيقتيها (رتيبة وأنصاف)، ودولت أبيض، وعلوية جميل، وأمينة رزق، وأمينة محمد، وغيرهن، وذلك بعد أن كانت أدوار النساء تؤديها بعض الممثلات من الشام مثل بديعة مصابني، وروز اليوسف، أو المصريات من أصول يهودية مثل نجمة إبراهيم ونجوى سالم.
غلاف الكتاب
المسرح حياة
ظل المسرح هو المجال المحبب للفنانة القديرة أمينة رزق وعشقها الكبير الذي منحها فرصة التألق والقيام بأدوار البطولة المطلقة وبعض الأدوار المركبة الصعبة، ومن بينها على سبيل المثال الشخصيات الدرامية العالمية، مثل «أوفيليا» في مسرحية «هاملت»، و«ديدمونة» في «عطيل»، و«مرغريت» في «غادة الكاميليا»، وأدوارها التاريخية المهمة، ومن بينها «كليوباترا» بمسرحية «مصرع كليوباترا»، و«إيزيس» بمسرحية «إيزيس»، و«ست الملك» بمسرحية «سر الحاكم بأمر الله»، وجميعها أدوار مركبة، وقد تبدو الأبعاد الدرامية لبعضها متناقضة تماماً مع مثيلتها لبعض الشخصيات الأخرى، ولكنها مهارات وقدرات وخبرات الممثلة ذات الألف وجه، التي تستطيع أن تصهر جميع الشخصيات في بوتقة تجاربها وتعيد تشكيلها من جديد طبقاً لطبيعة الدور ومنهج الإخراج.
هي ويوسف وهبي
وشكلت أمينة رزق ثنائياً فنياً رائعاً مع عميد المسرح العربي يوسف وهبي، حيث ربطت الكيمياء الفنية بينهما منذ عملهما معاً بفرقة «رمسيس»، في مسرحية «راسبوتين» لتشاركه في 202 مسرحية بعد ذلك، بدءاً بمسرحية «الصهيوني» ثم مسرحيات: «حماتي طابور خامس، و70 سنة، والخيانة العظمى، وأسرار القصور، وبنات الريف، ورنين الذهب، وأولاد الشوارع، وخفايا القاهرة». وقد وصفت عملها معه في البداية بقولها: «اللحظات الأولى مع يوسف وهبي كنت أنظر إليه باعتباره ناظر المدرسة، يدخل أقف ويخرج أقف أيضاً، ولا أجلس إلا حينما يجلس، وكان يقوم بعمل بروفتين يومياً؛ بروفة صباحية كنا نجتهد ونجيد فيها، وبروفة مسائية كنا نضطر للنوم من التعب».
وجاءت بدايتها السينمائية من خلال الفيلم الصامت «سعاد الغجرية» 1938 من إخراج جاك شوتز، وشاركت في بطولة أول فيلم ناطق بالسينما العربية «أولاد الذوات» عام 1939 للمخرج محمد كريم، وقد تم اختيار ثمانية من أفلامها ضمن قائمة أفضل مائة فيلم (طبقاً لاستفتاء عام 1996) وهي: «بداية ونهاية، ودعاء الكروان، وقنديل أم هاشم، وأين عمرى، وأريد حلا، والسقا مات، والكيت كات، والعار»، كما قدمت أفلاماً عديدة متميزة جداً منها على سبيل المثال: «الدكتور، وأولاد الفقراء، وأربع بنات وضابط، وكلهم أولادي، وأرملة وثلاث بنات، والتلميذة، وبائعة الخبز، وناصر 56». ويرى المؤلف أنه رغم تألقها وتنوع أدوارها فإن السينما بصفة عامة لم تستطع الاستفادة بصورة كاملة من موهبتها، فلم تحظَ بفرصة البطولة المطلقة إلا بعدد محدود جداً من الأفلام.
وفي التلفزيون، شاركت أمينة رزق في بطولة 200 مسلسل وسهرة درامية، من بينها «قنديل أم هاشم، وعنترة، ومصرع المتنبي، والسمان والخريف، وأحلام الفتى الطائر، والأيام، وليلة القبض على فاطمة، والمرشدي عنتر، وبوابة المتولي، وخالتي صفية والدير»، وذلك بالإضافة لمجموعة من المسلسلات التاريخية والإسلامية، من بينها: «السيرة العربية، والكتابة على لحم يحترق، وليلة سقوط غرناطة، ووداعاً قرطبة، وصقر قريش، وهارون الرشيد، وعمر بن عبد العزيز، ومحمد رسول الله».
لماذا لم تتزوج؟
عاشت أمينة رزق مخلصة للفن واهبة حياتها له، رافضة الزواج مثلما ورد على لسانها: «كنت أرفض الزواج عن اقتناع كامل بأن الأسرة تعد مملكة مستقلة لا تحب الشريك، وإذا كان لها شريك فسوف يؤثر ذلك على العناية بالزوج والأولاد، وفي الوقت نفسه يعد الفن أيضاً مملكة مستقلة إذا انتقصت منه جزءاً ستصبح الحياة مجزأة بين الحياة الأسرية والفن... الفنانة عندها هم ومسؤوليات الزوج والأولاد وشؤون بيتها، ولقد رأيت للأسف تجارب كثيرة فاشلة حتى مع من تزوجوا من فنانين».