استخلصت أجهزة الاستخبارات الأميركية معلومات ذات قيمة كبيرة عن هيكلية قيادة تنظيم «داعش»، والعمليات المالية، والإجراءات الأمنية الخاصة به من خلال تحليل مواد تم العثور عليها أثناء هجوم شنته القوات الخاصة «دلتا» الشهر الماضي، وأسفر عن مقتل أحد قادة التنظيم الإرهابي في شرق سوريا، على حد قول مسؤولين أميركيين. وساعدت المعلومات، التي تم الحصول عليها من أجهزة كومبيوتر محمولة، وهواتف محمولة، وغيرها من معلومات خلال الهجوم، الذي تم شنه في 16 مايو (أيار) الماضي، بالفعل في تنفيذ هجوم جوي على قائد آخر في تنظيم داعش في شرق سوريا في 31 مايو. وعبر مسؤولون أميركيون عن ثقتهم في مقتل أبو حميد، وهو أحد القادة البارزين، لكن لم يؤكد التنظيم، الذي لا يزال صامدا، مقتله حتى هذه اللحظة. وأسفر الكنز المعلوماتي الجديد، الذي يتكون من بيانات حجمها 7 تيرا بايت (سبعة آلاف غيغابايت) مخزنة في أجهزة إلكترونية مختلفة، بالإضافة إلى اكتشافات جديدة، منها كيف يعمل أبو بكر البغدادي، قائد التنظيم الغامض، ويحاول تفادي تعقب قوات التحالف ومراقبته له، بحسب قول أحد المسؤولين. ويجتمع البغدادي بشكل دوري مع قادة إقليميين في مقره في مدينة الرقة بشرق سوريا. ولضمان أمنه وسلامته، يوصل سائقو سيارات موثوق فيهم، كل قائد ويطلبون منهم تسليم هواتفهم المحمولة وأي أجهزة إلكترونية أخرى لمنع أجهزة الاستخبارات الأميركية من الكشف عن موقعهم عن طريق تقنية التعقب، على حد قول المسؤولين. وتضطلع زوجات قادة تنظيم داعش، ومن بينهم زوجة البغدادي، بدور أهم مما كان معلوما، وهو توصيل المعلومات لبعضهن البعض، ثم إلى أزواجهن، في محاولة لتفادي التنصت الإلكتروني. وصرح مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية لصحافيين في مكالمة هاتفية الأسبوع الماضي: «بفضل ذلك الهجوم بتنا نعلم أكثر قليلا مما كنا نعلم في السابق. وتزداد صورة هذا التنظيم ومدى تعقيده، ونشاطه العالمي، وطريقة تواصله، وضوحا بمرور الأيام».
مع ذلك لا تزال هناك تحديات مخيفة أمام الجهود المشتركة لهزيمة التنظيم، حيث لا يزال آلاف المقاتلين في سوريا والعراق يتقدمون ويستولون على أراض جديدة بخطى أسرع من خطى تصدي قوات التحالف الدولي لهم، فقد بدا غير مرجح أن يحد اجتماع أعضاء التحالف الدولي عقد في باريس يوم الثلاثاء من زخم التنظيم قريبا. ولم تتبن المجموعة المكونة من 24 وزيرًا أي تغييرات جديدة، وبدت أنها تستعد للاستمرار في نهجها الحالي، رغم فقدان الحكومة السورية السيطرة على مدينة تدمر ذات الأهمية الاستراتيجية على مدى الأسابيع القليلة الماضية، وخسارة الحكومة العراقية لمدينة الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار، حيث سيطر التنظيم على كليهما. وأقر مسؤولون أميركيون في مكافحة الإرهاب بوجود تساؤلات بشأن كيفية استغلال ذلك الكنز من المعلومات بطريقة فعالة بالنظر إلى الطبيعة السرية لتنظيم داعش وقدرته على التكيف.
وقال أنطوني بلينكن، نائب وزير الخارجية خلال مؤتمر: «لا يزال تنظيم داعش صامدًا وقاسيًا وقادرًا على اتخاذ المبادرة».
يوضح الهجوم على مقر أبو سياف، الذي يقول مسؤولون أميركيون إنه كبير المسؤولين الماليين في داعش، تحسن المعلومات الاستخباراتية الأميركية الخاصة بقادة تنظيم داعش. واضطلع مخبر واحد على الأقل داخل تنظيم داعش بدور مهم للمساعدة في تعقب أبو سياف، على حد قول مسؤول عسكري رفيع المستوى مطلع على الخطط الخاصة بالهجوم. كذلك زودت أم سياف، زوجة أبو سياف، التي تم القبض عليها خلال العملية، المحققين بمعلومات، بحسب ما أوضح أحد المسؤولين الأميركيين رفيعي المستوى. وقال آشتون كارتر، وزير الدفاع الأميركي، خلال الشهر الماضي إن مقتل أبو سياف كان بمثابة «ضربة قوية» للتنظيم. ويقال إن ذلك القائد شارك في عمليات اختطاف قام بها التنظيم بغرض طلب فدية، وساعد في بيع النفط، والغاز، فضلا عن المعاملات المالية التي تستهدف جمع المال اللازم لتمويل التنظيم.
ومنذ شن الهجوم، لم يكشف مسؤولون رفيعو المستوى في الإدارة، ومسؤولون عسكريون بارزون، إلا عن النذر اليسير بشأن قيمة المعلومات التي تم الحصول عليها في تلك العملية، التي نفذت قبيل الفجر، بعد أسابيع من المراقبة من خلال الصور التي تم التقاطها بواسطة الأقمار الاصطناعية، وطائرات الاستطلاع، والتنصت الإلكتروني، بحسب ما أوضح مسؤولون أميركيون.
وقال جون ألان، جنرال متقاعد يعمل حاليا مبعوثًا دبلوماسيًا يتولى مهمة التنسيق بين عناصر قوات التحالف ضد تنظيم داعش: «خلال الهجوم الأخير على أبو سياف، جمعنا معلومات مهمة بشأن العمليات المالية الخاصة بالتنظيم». وجاء ذلك التصريح خلال مؤتمر عقد في قطر يوم الأربعاء. وأضاف قائلا: «لقد أصبحنا نفهم تنظيم داعش وأنشطته التجارية بشكل أوضح الآن».
وفي وزارة الدفاع يوم الجمعة، صرح الفريق جون هيسترمان، القائد الأعلى للقوات الجوية، للصحافيين عن طريق الهاتف من مقره في قطر قائلا: «مع ازدياد معرفتنا بهذا العدو، ازداد عدد الأهداف». ولم يشر في هذا السياق إلى الهجوم المذكور تحديدًا.
وعلى خلفية الهجوم، كشف خمسة مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى، عن المزيد من التفاصيل الخاصة بالمواد، التي تم العثور عليها في منزل أبو سياف، وهو الاسم المستعار لمسلح تونسي اكتشفت السلطات الأميركية أن اسمه الحقيقي هو فتحي بن عون بن جلدي مراد التونسي.
ويذكر أن أولئك المسؤولين قد تحدثوا عن تفاصيل قالوا إنها لن تمنح تنظيم داعش أفضلية، بل وقد تزرع الشك في صفوف التنظيم في بدء الولايات المتحدة وحلفائها اختراق درع السرية الذي يحيط التنظيم به نفسه.
على مدى العقد الماضي في كل من العراق وأفغانستان، أصبح للأجهزة العسكرية والاستخباراتية الأميركية خبرة كبيرة في تحليل المواد والمعلومات التي يتم الحصول عليها خلال هجمات القوات الخاصة، حتى أنها كانت تسهم أحيانا في التخطيط لشنّ هجوم جديد في غضون ساعات قليلة. وقال ماثيو ليفيت، مسؤول سابق في وزارة الخزانة الأميركية ومدير برنامج «شتاين» الخاص بمكافحة الإرهاب، والاستخبارات، في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: «لقد تقدمنا كثيرا في مجال الاستفادة من الوثائق. وبمجرد الحصول على جهاز كومبيوتر وتمشيط ما عليه من معلومات تسير الأمور بخطى سريعة».
وبعد أسبوعين من الهجوم، تمكن مسؤولون أميركيون من استخدام المعلومات، التي تم استخلاصها، من المواد التي تم العثور عليها في الهجوم على أبو حميد بالقرب من الشدادي بالقرب من مدينة الحسكة الواقعة في شمال سوريا. كذلك كشفت المواد عن تفاصيل جديدة توضح كيف استخدم تنظيم داعش عائدات النفط، حيث تبين أنه خصص نصف العائدات لميزانية الإدارة العامة للتنظيم، في حين تم تقسيم الباقي بين الإنفاق على منشآت إنتاج النفط، ورواتب العاملين على حد قول مسؤولين أميركيين.
* خدمة «نيويورك تايمز»
الاستخبارات الأميركية تتعرف على هيكلية «داعش»
كنز معلوماتي ووثائق مهمة من الغارة على مخبأ القيادي أبو سياف
الاستخبارات الأميركية تتعرف على هيكلية «داعش»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة