اختتمت الصين، الأحد، أوسع مناورات عسكرية نفّذتها في محيط تايوان، وذلك ردّاً على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى الجزيرة، ما زاد من حدة توتر العلاقات الأميركية - الصينية التي تراجعت إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات.
ورغم انتهاء المناورات الضخمة حول الجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي، أعلنت بكين عن مناورات جديدة بالذخيرة الحيّة ستقام حتى الخامس عشر من أغسطس (آب) في البحر الأصفر الذي يفصل بين الصين وشبه الجزيرة الكورية.
وأثارت بيلوسي، التي تتبوأ ثالث أعلى منصب في الإدارة الأميركية، غضب الصين بزيارتها إلى تايوان. وهي أرفع مسؤول أميركي يزور الجزيرة منذ 25 عاماً. وردّت بكين على هذه الخطوة بتعليق سلسلة من المباحثات والشراكات الثنائية، لا سيما في مجال التغير المناخي والدفاع. كما أطلق الجيش الصيني أوسع مناورات عسكرية في تاريخه، حاشداً لها طائرات وسفناً حربية وصواريخ باليستية، في سياق ما اعتبره محللون محاكاة لحصار تايوان واجتياحها، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
محاكاة هجوم
كشفت القيادة الشرقية للجيش الصيني التي تشرف على المناورات، أنها أجرت الأحد، «تدريبات مشتركة في البحر وفي المجال الجوي بمحيط تايوان، وفق ما كان مقرّراً». وأكّدت أن الغرض من هذه المناورات هو «اختبار القوة النارية في الميدان والضربات الجوية طويلة المدى». ورصدت السلطات التايوانية، حتى مساء السبت، «20 طائرة للنظام الشيوعي و14 سفينة تشارك في مناورات مشتركة بين سلاح الجوّ والبحر في محيط تايوان»، بحسب ما جاء في بيان صادر عن وزارة الدفاع. وتجاوز 14 منها الخطّ الأوسط، ما دفع تايبيه إلى إطلاق دوريات لصدّها، بحسب الوزارة. واعتبرت الوزارة في بيانها هذه المناورات «بمثابة محاكاة لهجوم ضدّ جزيرة تايوان الرئيسية».
ولا يحظى الخطّ الأوسط، الذي رسمته الولايات المتحدة إبّان الحرب الباردة في وسط مضيق تايوان، باعتراف من بكين. وكشفت وزارة النقل التايوانية أنه بحلول ظهر الأحد، عاد الوضع إلى طبيعته في ست من «مناطق الخطر» السبع التي طلبت الصين من شركات الطيران تفاديها، في مؤشّر إلى أن التمارين شارفت نهايتها. وأوضحت الوزارة أن «حركة الملاحة الجوية والبحرية يمكنها أن ترجع تدريجياً».
أما المنطقة السابعة الواقعة في شرق تايوان، فيوصى بتفاديها حتّى صباح الاثنين، وفق المصدر عينه.
إدانة تايوانية
وفي دليل على مدى اقترابه من السواحل التايوانية، نشر الجيش الصيني السبت، صورة التقطتها إحدى سفنه العسكرية، تظهر مبنى للبحرية التايوانية على بعد بضع مئات الأمتار فقط.
وقد تكون هذه أقرب صورة اتّخذتها قوات الصين القارية من السواحل التايوانية. كما نشر الجيش الصيني شريط فيديو لأحد طيّاريه، يظهر من داخل قمرة القيادة في الطائرة سواحل تايوان وجبالها.
وبحسب التلفزيون الصيني الرسمي «سي. سي. تي. في»، حلّقت صواريخ فوق تايوان هذا الأسبوع خلال المناورات بمحيط الجزيرة، في سابقة من نوعها. ونقلت المحطّة الصينية عن مقال لا يحمل توقيع معدّه، أنه سيكون في وسع الصين بعد هذه المناورات تنظيم تدريبات «دورية» شرق الخطّ الأوسط.
وفي الأيام الأخيرة، ندّدت تايبيه بلا توقف بهذه المناورات، ودانت «جارة تضمر لها الشرّ»، داعية بكين السبت، إلى «الوقف الفوري للتصعيد ولأعمال استفزازية هدفها تخويف الشعب التايواني». وكشفت تايوان أنها أقامت «نظاماً استخبارياً مشتركاً للترصّد والاستطلاع بغية تتبّع وضع العدّو».
وقال رئيس وزراء تايوان سو تسينغ - تشانغ، إن الصين «تلجأ بهمجية إلى العمل العسكري» لزعزعة السلم في مضيق تايوان. وصرّح لصحافيين الأحد: «ندعو الحكومة الصينية إلى التوقّف عن استعراض قدراتها العسكرية وتقويض السلم في المنطقة».
إنذار صيني
رأى خبراء أن هذه التمارين تشكل إنذاراً مفاده أن الجيش الصيني بات على ما يبدو قادراً على محاصرة الجزيرة بالكامل مع قطع السبيل أمام وصول مساعدة أميركية. وقال غرانت نيوزهام، الضابط السابق في البحرية الأميركية والباحث في «المنتدى الياباني للدراسات الاستراتيجية»، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «قدرات (الصين) قد تتخطّى حتّى في بعض المجالات قدرات الولايات المتحدة». وأضاف: «في حال اقتصر النزاع المقبل على المنطقة المحيطة مباشرة بتايوان، فإن البحرية الصينية ستكون عدوّاً من العيار الثقيل. وإذا لم يتدخّل الأميركيون واليابانيون، فإن الوضع سيكون جدّ صعب لتايوان».
وأثارت هذه المناورات الضحمة المصحوبة بقرار بكين الانسحاب من حوارات ثنائية أساسية حول المناخ والدفاع وابلاً من ردود الفعل المستنكرة من الولايات المتحدة وحلفائها.
وصرّح وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، السبت، من مانيلا، بأن الولايات المتحدة «عازمة على التصرّف بمسؤولية» لتفادي أزمة بعد الردّ الصيني «غير المتكافئ بتاتاً». وأضاف أنه لا ينبغي للصين أن تجعل المناقشات بشأن مسائل حيوية مثل التغير المناخي «رهينة»، لأنها «لا تعاقب الولايات المتحدة فحسب، بل العالم أجمع».
واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من جهته، أنه «من المستحيل» حلّ «المشاكل الأكثر إلحاحاً» على غرار الاحترار المناخي العالمي من دون حوار «فاعل» بين الصين والولايات المتحدة.