لم يكن متوقعاً من زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، الاستمرار في معركته الطويلة مع «الإطار التنسيقي» من دون أن «ينقلب ويتراجع». كان من اللافت، أن يكسر نمط المناورات القصيرة، ويذهب بعيداً في خطوات تصعيدية، ليس للإطاحة بخصومه وحسب، بل لتغيير قواعد اللعبة.
منذ أن أعلن الصدر مشروعه لتشكيل حكومة أغلبية تستبعد طرفاً شيعياً نافذاً، كان الشك يراود حلفاءه بأنه سيتراجع ما أن يعثر «الإطار التنسيقي» على خيط للتوافق معه، وهذا لم يحدث حتى الآن.
فما الذي يدفع الصدر للبقاء متماسكاً وعنيداً إلى هذا الحد؟ ثمة خليط من الخصومة القائمة على إثبات الوجود، والاستثمار في رمزية الصدر الدينية في مشروع سياسي بمعادلة مختلفة.
- انقلاب الإطار
خلال الأشهر الماضية، نفّذ «الإطار التنسيقي» خطة لمنع الصدر من تشكيل حكومة تجعله الطرف الشيعي الوحيد فيها، مبعداً الآخرين نحو المعارضة. وبمساعدة «فتاوى» قضائية نجح «الإطار» في إيقاف قطار الصدر.
وترى بيئة الصدر، أن «الإطار التنسيقي» نفّذ انقلاباً على نتائج الانتخابات، بعد فشل محاولاته في إثبات تزويرها. ومن ثم استغل نفوذه في السلطة القضائية لابتكار صيغة الثلث المعطل لإجهاض أغلبية الصدر.
ووجد الصدر نفسه في مواجهة صريحة ومباشرة مع «الإطار»، تغذيها خصومة تاريخية مع أبرز أقطابه، نوري المالكي، لن يتفوق فيها عبر المناورات التي اعتاد عليها خلال السنوات الماضية.
لقد قرر الصدر، كما تفيد الوقائع، الإطاحة بخصومه، بإبعادهم من اللعبة، وفي هذا النوع من المسارات لن يكون التراجع خياراً وارداً.
استقالة نواب الصدر
اختار الصدر نسف نتائج الانتخابات ومعادلاتها المعطلة بإجبار نوابه على الاستقالة من مجلس النواب. وكانت تلك لحظة مفصلية من المفترض أن تدفع الفعاليات السياسية إلى معالجة اختلال الخريطة البرلمانية بالدعوة إلى انتخابات جديدة. لكن «الإطار» اختار أن يشغل فراغ الصدريين بنوابه الخاسرين.
وكرّس «الإطار» الاختلال باختلال آخر، دفع الصدر لاحقاً إلى استخدام جمهوره في الشارع. وفي الاقتحام الأول للبرلمان، حين أخذ أتباع الصدر مقاعد النواب بحماسة لافتة، كان مقربون من الصدر يرون أن أصواتهم الانتخابية «تأخذ حقها».
وأراد الصدر الانقلاب على «الإطار التنسيقي» الذي كان يستعد لعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، ومن ثم تكليف مقرب من المالكي بتشكيل الحكومة. وبالفعل، احتجز البرلمان وعطّل كل المسارات التي كانت متاحة لخصومه.
- شيعة ضد «التبعية»
مراراً، رفع الصدر هذا الشعار. من الواضح أنه يريد صيغة سياسية جديدة مع إيران، بالتخلص أولاً من مواليها في العراق. الأسبوع الماضي، سألت «الشرق الأوسط» مستشاراً مقرّباً من الصدر عما إذا كان قادراً على تحمل تكاليف العداء مع طهران. فقال، إن «حلفاء إيران انقلبوا عليها، وهي متورطة بهم».
ليس من الواضح أن الصدر «عدو» صريح لإيران، لكنه يشتبك معها بفرض واقع شيعي جديد يكون «التيار الصدري» فيه طرفاً قوياً وحيداً في صناعة القرار، عبر تصفية القوى التقليدية، وفصائلها المسلحة.
ومع مرور الوقت، يتضح أن الصدر لم يعد يتفاوض على مساحة نفوذ داخل البيئة الشيعية، بل الاستحواذ عليها، وبناء شراكات بين «أقوياء المكونات»، يمتلكون القدرة على احتكار القوة.