رواية شعرية تعيد إنتاج الموروث الثقافي العربي على طريقتها

«بائع الحكايات» للبولندي ستراسبورغر في ترجمة عربية

رواية شعرية تعيد إنتاج الموروث الثقافي العربي على طريقتها
TT

رواية شعرية تعيد إنتاج الموروث الثقافي العربي على طريقتها

رواية شعرية تعيد إنتاج الموروث الثقافي العربي على طريقتها

«بائع الحكايات» للبولندي ستانيسواف ستراسبورغر، التي صدرت بنسختها العربية عن دار الآداب في بيروت بترجمة جورج سفر يعقوب، هي رواية عابرة للقارات، فهي تتنقل بين أماكي كثيرة، وخصوصا في البلدان العربية التي يعرفها الكاتب جيدا كما يبدو جليا في روايته.
هي قصة «يان»، بَطل الرواية، شاب درس الفيزياء وحظي بعقد عمل مع شركة للغاز في العقبة - الأردن، ولكنّه ما لبث أن استجاب لسحر الشرق، فأصبحت جعبته لا تخلو من «حكايات جاهزة» يتحكم بكل من مكنوناتها الخيالية والحقيقية.. حكايات قوامها الدهشة. أحيانا تغوص بِنَا في أعماق عالمنا الشرقي الواقعي وأخرى تصحبنا إلى عالم عربي ملوَّن بعض الشيء بخيال الكاتب.
لا تتوانى الشخصيات الروائية الأخرى عن انتحال دور بائع الحكايات عينه فتبيعنا قصص الحب وغيرها. يقول الكاتب: «بائع الحكايات، وهو بشكل أو بآخر كل واحد منكم».
الرواية من حيث مضمونها ساحرةً تصحبك في رحلة من المعاني الغنية التي تثري خلفيتك الثقافية، الجغرافية، التاريخية، الشعرية واللغوية.
ومن هنا، قد يصحّ وصف «بائع الحكايات» بـ«الرواية الثقافية»، التي تصلح لتدرَّس للمستشرقين بغية التعمّق والتجذّر في الموروث الثقافي العربي وبلغ الكاتب مستوى عميقًا من الدراية في العادات والتقاليد الشرقية إلى حدّ أنه يرشد القارئ، حتى العربي منه، إلى حيثيات ثقافته.
وهنا لا يكتفي الكاتب بمقارعة مفصّلة تنمّ عن عمق دراية بالثقافة العربية، إنما يجري مقارنة مبدعة مع الثقافات الغربية وكأني به يجد حلولاً غير مباشرة للإشكالات التي يطرح:
«ليس من اللائق للمرأة هنا أن تقابل رجلاً غريبًا أبيض، الرجل الضعيف لا يستطيع مقاومة الجمال. كيف نساعده؟ نحن اخترعنا تحرير المرأة فقد جردناها من جاذبيتها وقتلنا فيها العواطف. هناك مخرج آخر. يمكننا أن نربي الحب ونقيّد مجالاته إلى الأفعال (الأصح بالأفعال) كأن لا يخرج من البيت».
ولا تقتصر مقاربة الكاتب على عرض مشاهداته إنما يلجأ إلى وضع النقاط على الحروف في ما يتعلّق بالإخفاقات والمشكلات التي يعاني منها العالم العربي. يتطرّق إلى آفة زواج القاصرات في سياق قصصي ممتع (ص 51) كما ويسرب في الحديث عن الممارسات الشاذة نظرًا لعدم تقبل المجتمع لنوع كهذا من العلاقات، ويبرز التناقض هنا في أن هذا النوع من العلاقات لا يعتبر خيانة كونه حصل بين الجنس نفسه.
ويضع الكاتب إصبعه على الخلل في البناء المجتمعي الذي يرتكز وبشكل أساسي على التربية.. فالأم العربية تعلّم ابنتها للحصول على شهادة ليس بغية العمل وتحقيق ذاتها وإنما لاصطياد العريس المناسب. حينها قد تتغاضى عن العادات والتقاليد التي تؤمن بها وتبارك خروج ابنتها مع فارس الأحلام المنتظر: «وماذا عن خديجة التي كانت نظراتها تبارك لقاءاتنا، في الوقت الذي تمنع الأمهات بناتهن من الخروج برفقة الرجال؟ كانت تعتقد أنني الزوج المثالي لابنتها».
الروائي البولندي نجح في إعادة إحياء الموروث الثقافي العربي القديم وانتشاره في الغرب.. ويظهر ذلك بمعظم أنحاء الرواية وخصوصا باستدراج بعض التراث في مفرداته، من مثل: التنور المحفور في الأرض.
ولفرط اهتمام الكاتب بعالمنا العربي أراد من خلال روايته، وفي سياق سلس لا يؤثر على هيكل الرواية البنائي، أن يفتح للقارئ الغربي نافذة يطلّ منها على تاريخ وجغرافيا المنطقة التي سكنها. فتأتي بشبه دروس قصيرة متَّسقة مع أحداث الرواية:
على سبيل المثال يتكلم عن تاريخ سوريا عارضًا مساحتها، عدد سكانها، مناخها، دستورها وصناعاتها إلى آخره...ويأتينا في مقاطع أخرى بوصف جغرافي دقيق لشاطئ مدينة العقبة.
هذا وتصحّ أيضا تسمية رواية «بائع الحكايات» بـ«رواية شعرية»، إذ يظهر الكاتب عمق دراية بتراث الشعر العربي، ويجيد توظيف اطلاعه هذا في لغة روايته وأجوائها واستشهاداتها من التراث العربي، وكأننا أمام موسوعة ثقافية يستطيع القارئ أن يختار منها ما يرضي ويغني ذوقه الأدبي أيضًا.
يستعرض الكاتب، بجانب ذلك، الإشكاليات التي تعاني منها اللغة العربية متطرقًا لموضوع الوحدة اللغوية العربية، ليلقي الضوء على حقيقة أخفق الشباب المثقفون العرب بالاعتراف بها، وهي أن حبهم للغة الإنجليزية ليس في سبيل الحصول على عمل أفضل «بل لأنهم معقّدون من لغتهم الأم».
يتميّز الوصف في الرواية بدقّته وبلجوئه نحو الإسقاطات المحتملة لشخصيات أخرى على الشخصيات الأساسية، كما وبنزعته التصاعدية أفقيًا وعاموديًا مما يجعل القارئ يتحسس تفاصيلها ويتذوقها بكافة حواسه، لينتقل به الكاتب بعد ذلك إلى البعد الفلسفي، عبر تأملات أشبه بالمقاربات التصوفية، لكنها لا تذهب بعيدا عن المسار القصصي، وجزئيات الواقع، بل تنطلق منها، وسرعان ما تعيدنا إليها. وبذلك نجد أنفسنا منخرطين في التلقي والتفاعل مع الحكاية، والتصوّر والتفكير، والتحليل والتخيّل والإسقاط من خلال هذه الجزئيات على طريقة «افعل ذلك بنفسك / لوحدك!» (ص 55، 113)، وبذلك نصبح كأننا مشاركون فعليون في حكايات الرواية.
ولكن للأسف هناك تكلّف واضح في جزء من الترجمة، بحيث تبدو الكلمات منمّقة متكلّفة وغير منسجمة مع الحكاية، كما أن هناك أخطاء لغوية ونصيّة أحيانا، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
المشوار برفقة شخص متعة (بدلاً من ممتع).
بعد اللقاء مع جميلة (اللقاء بجميلة).
كنت أتناوم (كنت أدّعي النوم).
قد يتمسّح بي (كلمة يتمسّح تبدو فظّة وغير مفهومة للقارئ، وكأنها ترجمة حرفية)
يحلّ عني (ص 13) من المستحب القول: ولكي يتركني وشأني.



موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».