يوم 19 يونيو (حزيران) عام 1961، وقّع أمير الكويت الراحل الشيخ عبد الله السالم الصباح وثيقة استقلال بلاده مع المندوب السامي البريطاني في الخليج العربي السير جورج ميدلتون، وألغت هذه الوثيقة الاتفاقية التي وقّعها الشيخ مبارك الصباح الحاكم السابع للكويت مع بريطانيا في 23 يناير (كانون الثاني) عام 1899 لحمايتها من الأطماع الخارجية. وحقاً يمثل الشيخ عبد الله السالم الصباح أهمية بالغة في تاريخ الكويت، فهو يعتبر رجل الاستقلال الذي أرسى التجربة الديمقراطية الفتية في الكويت. وفي عهده تم إقرار الدستور، أول وثيقة من نوعها في الخليج، ويطلق اسمه اليوم على قاعة مجلس الأمة، الغرفة التشريعية الأكثر سخونة وجدلاً في المنطقة. وهو أيضاً أول رئيس للوزراء في دولة الكويت المستقلة، إذ أصبح عبد الله السالم في 17 يناير 1962 رئيساً للحكومة وأمضى سنة في رئاستها، حتى 26 يناير 1963. ومنذ ذلك الوقت - أي خلال 60 سنة - توالى على كرسي رئاسة الوزراء 9 من «الشيوخ» (أعضاء الأسرة الحاكمة)، آخرهم رئيس الوزراء الجديد الشيخ أحمد نواف الأحمد الجابر الصباح. تحمل حكومة الشيخ أحمد النواف العتيدة الرقم 40 في تاريخ الحكومات في الكويت. وهي تأتي في ظرف سياسي حسّاس للغاية، بسبب الأزمات المتراكمة التي شهدتها البلاد نتيجة التجاذب الحاد بين الحكومة ومجلس الأمة خلال الـ15 عاماً الماضية، في عهود رؤساء الوزارات ناصر المحمد، وجابر المبارك، وصباح الخالد، إذ أصبح خلالها التنافر بين الحكومة ومجلس الأمة سمة الحياة السياسية.
أدت الخلافات المستحكمة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الكويت إلى عرقلة تشريعات مهمة تحتاجها البلاد، وبخاصة في ظل أزمة «كوفيد 19» وانخفاض إيرادات البلاد بسبب تراجع أسعار النفط (قبل أن تعود للارتفاع مجدداً مطلع العام الحالي)، وإصدار قوانين أبرزها قانون الدَّين العام الذي يعتبر أساسياً لتحسين تصنيف الكويت الائتماني الذي تضرر بسبب هذه الخلافات.
لكن الواقع أن الشيخ أحمد النواف الأحمد، رئيس الوزراء الجديد، يتولّى إدارة دفة الحكومة الكويتية في ظروف سياسية إقليمية ودولية لا تختلف كثيراً عن تلك التي تواجهها البلاد منذ الاستقلال.
ذلك أنه منذ الاستقلال في العام 1962، خاضت الكويت تجاذبات سياسية محلية وإقليمية، أكدت من جديد خطورة الموقع الجغرافي الذي تتمتع به هذه الإمارة الخليجية التي تقبع أقصى شمال الخليج، في مرمى الأعاصير الأمنية والسياسية الإقليمية. وطالما عملت الحكومة الكويتية على مدّ مظلة حماية لتخفيف التوترات الإقليمية، مع سعي حثيث لتجنيب الساحة المحلية أي انشقاقات أو تصدعات نتيجة تأثير الأزمات في الإقليم. وطالما حذر قادة البلاد من مخاطر شقّ الصفّ الوطني أو تعريض الوحدة الوطنية للخطر.
نشأة رجل الأمن
أمضى رئيس الوزراء الكويتي الجديد أكثر من 35 في السلك العسكري، بداية في وزارة الداخلية، ثمّ في الحرس الوطني، متدرجاً عبر الصفوف العسكرية حتى حصوله على رتبة «فريق أول» متقاعد بوزارة الداخلية الكويتية، وهي أعلى رتبة عسكرية في هذه الوزارة. وأخيراً، توّجت هذه المسيرة في مارس (آذار) الماضي بتعيينه في منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية منذ 9 مارس.
ولد الشيخ أحمد النواف؛ وهو الابن الأكبر لأمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، في الكويت عام 1956 (66 سنة). وهو يلتقي مع والده الأمير في العمل بالجهاز العسكري. وللعلم، يعتبر والده الأمير الحالي الشيخ نواف الأحمد المؤسس الحقيقي لوزارة الداخلية في الكويت بشكلها الحديث، وإدارتها المختلفة، وكان تولى مسؤولية الوزارة على مدى فترتين، الأولى من مارس 1978 إلى يناير 1988، والثانية من 2003 إلى فبراير (شباط) 2006. وإبان توليه وزارة الداخلية عمل على تحديث هذه المؤسسة الأمنية، لتواجه التحديات الأمنية التي تواجهها البلاد. كذلك تولى الأمير الشيخ نواف الأحمد وزارة الدفاع عام 1988 حتى العام 1991.
وبالعودة إلى رئيس الوزراء الجديد، فإنه تلقى تعليمه في مدارس الكويت حتى الدراسة الجامعية؛ حيث حصل على بكالوريوس التجارة من جامعة الكويت. وسبق له أيضاً أن التحق بوزارة الدفاع وتلقى دورات عسكرية كثيرة، مكّنته من الحصول على رتبة ملازم أول في وزارة الدفاع عام 1985 ليلتحق بعد عام بالإدارة العامة بقوة الشرطة برتبة نقيب.
وفي وزارة الداخلية، تدرّج في المراتب الأمنية؛ حيث شغل منصب وكيل وزارة مساعد لشؤون الجنسية والجوازات، ثم منصب وكيل. وعام 2014 غادر الشيخ أحمد وزارة الداخلية، وجرى تعيينه محافظاً لحولّي بدرجة وزير. وعام 2020 عُيّن نائباً لرئيس الحرس الوطني بدرجة وزير حتى تعيينه في مارس الماضي وزيراً للداخلية.
وإلى جانب الاهتمام بالجهاز الأمني والعسكري، يعرف عن الشيخ أحمد النواف اهتمامه بالشأن الرياضي. وهو عضو الجمعية العمومية ومدير لكرة القدم في النادي العربي عام 1988، كما شغل عضوية الاتحاد الكويتي لكرة القدم في الفترة نفسها، وجرت تزكيته رئيساً لمجلس إدارة الاتحاد الرياضي الدولي للشرطة فضلاً عن ترؤسه لاتحاد الشرطة الكويتي.
وفرة اقتصادية
من جانب آخر، ثمة عناصر إيجابية مبشرة في طريق الحكومة الجديدة. إذ يتولى الشيخ أحمد النواف رئاسة الوزراء، والكويت في وضع اقتصادي «مريح»، مع وفرة السيولة التي سببها ارتفاع الإيرادات النفطية، في أعقاب التعافي من آثار «كوفيد 19» وزيادة الطلب على الطاقة، مع تصاعد التوترات الجيوسياسية حول العالم بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، وتسجيل أسعار النفط أرقاماً قياسية لم تعرفها منذ نحو عقد ونصف عقد. ووفق تقرير صادر عن البنك الدولي، فإن الكويت خرجت من الركود الاقتصادي الذي امتد لعامين بفعل جائحة «كوفيد 19»، وجرى تسجيل «انتعاشة» في 2022.
هذا الواقع الاقتصادي يلتقي مع توقعات خبراء بتسجيل الكويت نمواً اقتصادياً لم تشهده منذ سنين. ويخلص استطلاع أجرته «رويترز» لآراء خبراء اقتصاديين إلى أن النمو الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي (بينها الكويت) سيتسارع هذا العام إلى وتيرة لم يشهدها في آخر 10 سنوات، مشيرين إلى أن ارتفاع التضخم وتباطؤ الاقتصاد العالمي هما أكبر المخاطر. وحسب الاستطلاع، من المتوقع أن ينمو اقتصاد الكويت بنسبة 6.4 في المائة في 2022 ليكون الأسرع في 10 سنوات، مقابل 5.6 في المائة في دولة الإمارات العربية المتحدة، و4 في المائة لكل من قطر وسلطنة عمان والبحرين.
كذلك، توقع صندوق النقد الدولي في تقرير له (أبريل - نيسان 2022) نمو الناتج المحلي الإجمالي للكويت بنسبة 8.2 في المائة خلال العام الحالي 2022، و2.6 في المائة في 2023، مقارنة بـ1.3 في المائة في 2021.
حكومة ومجلس جديد
المهمة الأولى أمام الحكومة الجديدة هي رفع مرسوم بحلّ مجلس الأمة، والإشراف على انتخابات نيابية عامة. ففي 22 يونيو الماضي، أعلن ولي عهد الكويت الشيخ مشعل الأحمد الصباح، عبر التلفزيون الرسمي، حلّ مجلس الأمة (البرلمان) حلاً دستورياً والدعوة لانتخابات عامة. وجاء هذا القرار في فترة مواجهة الكويت تأزماً سياسياً بسبب خلاف حاد من نواب المعارضة في البرلمان، سبقته استقالة الحكومة. وفي حينه، قال ولي العهد الكويتي: «قررنا مضطرين ونزولاً عند رغبة الشعب... واستناداً إلى حقنا الدستوري المنصوص عليه في المادة 107 من الدستور أن نحل مجلس الأمة حلاً دستورياً والدعوة إلى انتخابات عامة».
وفي موقف يدل على الرغبة في أخذ جانب الحياد في اختيار رئيس مجلس الأمة المقبل، أكد ولي العهد: «إننا لن نتدخل في اختيارات الشعب لممثليه، ولن نتدخل كذلك في اختيارات مجلس الأمة القادم في اختيار رئيسه أو لجانه المختلفة ليكون المجلس سيد قراراته».
وللعلم، كان هذا أول حل للبرلمان في عهد أمير الكويت الحالي الشيخ نواف الأحمد، الذي تولى الحكم في سبتمبر (أيلول) 2020 بعد وفاة أخيه الشيخ صباح الأحمد الصباح. وكانت آخر مرة تم فيها حل البرلمان عام 2016.
بطبيعة الحال، يُظهر حلّ المجلس عمق الأزمة المتصاعدة في البلاد؛ حيث تعيش الكويت أزمات متتالية منذ انتخاب البرلمان الحالي في 5 ديسمبر (كانون الأول) 2020، حين حققت المعارضة تقدماً نسبياً بفوز 24 نائباً محسوباً عليها بمقاعد في مجلس الأمة المؤلف من 50 مقعداً. ومن ثم، جاءت استقالة الحكومة في أبريل تفادياً لتصويت مجلس الأمة الكويتي على طلب «عدم التعاون» مع الحكومة الذي كان مقرراً في اليوم التالي، بعد استجواب رئيس الوزراء في البرلمان.
ويعني تصويت البرلمان على عدم التعاون مع الحكومة دستورياً رفع الأمر إلى أمير البلاد ليقرر بنفسه إعفاء رئيس الوزراء وتعيين حكومة جديدة أو حل مجلس الأمة.