قمة الدول السبع تنطلق وسط تحديات الاقتصاد.. والإرهاب وفضائح الـ«فيفا»

بافاريا الألمانية تناقش قضايا القرم وليبيا وسوريا ومكافحة التغير المناخي.. والعبادي يطرح رؤيته لمكافحة تنظيم داعش

محتجون يشتبكون مع الشرطة أمام المقر الذي سيشهد اجتماع زعماء الدول السبع الكبرى في مدينة «غارميش - بارتنكيرخن» بألمانيا (إ.ب.أ)
محتجون يشتبكون مع الشرطة أمام المقر الذي سيشهد اجتماع زعماء الدول السبع الكبرى في مدينة «غارميش - بارتنكيرخن» بألمانيا (إ.ب.أ)
TT

قمة الدول السبع تنطلق وسط تحديات الاقتصاد.. والإرهاب وفضائح الـ«فيفا»

محتجون يشتبكون مع الشرطة أمام المقر الذي سيشهد اجتماع زعماء الدول السبع الكبرى في مدينة «غارميش - بارتنكيرخن» بألمانيا (إ.ب.أ)
محتجون يشتبكون مع الشرطة أمام المقر الذي سيشهد اجتماع زعماء الدول السبع الكبرى في مدينة «غارميش - بارتنكيرخن» بألمانيا (إ.ب.أ)

وسط أجواء من الشحن، ومخاوف من اندلاع أعمال عنف، تنتظم اليوم في مدينة «غارميش - بارتنكيرخن»، في ولاية بافاريا الألمانية قمة الدول الصناعية السبع التي تستمر يومين، وتناقش قضايا اقتصادية وسياسية ساخنة، من بينها قضية المناخ والديون اليونانية، ومكافحة الإرهاب، ومخاطر «داعش»، وملفات ليبيا والعراق وقضية القرم وحتى فضائح الفساد في اتحاد الكرة العالمي «فيفا».
ورصدت السلطات الألمانية الآلاف من عناصر الشرطة لحماية رؤساء الدول المشاركة، وبينهم الرئيس الأميركي باراك أوباما، والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ورئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون، بينما يغيب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما يحضر القمة الرئيس العراقي العبادي، في وقت تجمع فيه ما يقرب من خمسة آلاف شخص من المعارضين في منطقة قريبة من قصر «إلماو» الذي سيحتضن القمة، في مسيرة سلمية للتعبير عن احتجاجهم لعقد القمة ومنتقدين سياسة الدول الصناعية الاقتصادية والاجتماعية، وفيما يتعلق أيضا بحماية المناخ. ونظمت جمعية أوكسفام الخيرية لمكافحة الفقر احتجاجا بطريقة مبتكرة أمس، حيث وضع نشطاء أقنعة ضخمة على شكل أوجه زعماء الدول السبع الصناعية الكبرى. وتحث الجمعية مجموعة السبع على اختيار «الطريق الصحيح» للتغلب على الفقر وعدم المساواة أثناء قمتهم المقبلة التي تتناول قضايا عالمية مختلفة من بينها الأمن والطاقة والاقتصاد.
وقال المتحدث باسم الجمعية ستيفن كويسنر إن جدول أعمال القمة لم يتضمن قضية عدم المساواة الاجتماعية. وتابع: «لم تدرج قضية عدم المساواة الاجتماعية على جدول أعمال القمة وهو أمر مؤسف ليس فقط لأنها قضية هامة بل لأن مسحا أخيرا أظهر أن 80 في المائة من الألمان يعتقدون أن القمة ينبغي أن تناقش القضية». وقال: «من الواضح أن القضية لفتت نظر المواطنين بشكل عام وليس مجموعة السبع. هذا ما نريد تغييره بهذه المظاهرة».
وأضافت أوكسفام أن قادة العالم يقفون عند مفترق طرق بين مزيد من عدم المساواة أو تقليص الفقر في العام. وتابع كويسنر: «ينبغي أن يختاروا الطريق الصحيح إما تنامي عدم المساواة الاجتماعية أو مكافحة الفقر. ومن أجل ذلك ينبغي إصلاح القواعد الضريبية العالمية وإجراءات أخرى. كما يتعين عليهم تمويل مشروعات التمنية وهذا شيء غائب بشكل كبير عن مجموعة السبع».
ويبقى الإرهاب العنوان الآخر الذي يفرض نفسه على أجندة هذه القمة رغم أنها قمة اقتصادية، ويتضمن الملف سبل مواجهة تنظيم داعش في العراق وسوريا باعتباره واحدا من أبرز القضايا. وفي هذا السياق يحضر القمة رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، إشارة إلى دعوة سابقة وجهتها المستشارة ميركل في أعقاب اجتماع باريس، لدول التحالف الغربي خلال مايو (أيار) 2015. ومن المتوقع أن يبحث العبادي موضوع الحصول على التسليح والدعم المادي في مواجهة تنظيم داعش في أعقاب التحديات التي تشهدها القوات العراقية النظامية في العراق أبرزها في محافظة الأنبار وربما حوض حمرين وأطراف مدينة كركوك. ويناقش زعماء ألمانيا وكندا وفرنسا وإيطاليا واليابان وبريطانيا والولايات المتحدة في قلعة الماو في بافاريا، أيضا القضية الليبية وتمدد «داعش» في المدن وبينها سرت.
واستعرضت المستشارة أنجيلا ميركل موضوعات الرئاسة الألمانية للقمة أمام الحكومة الألمانية، وتشاورت مع رؤساء دول وحكومات الدول السبع الصناعية حول مؤتمرات منظمة الأمم المتحدة المزمع عقدها في عام 2015 بشأن حماية المناخ على الصعيد الدولي. وطالبت المستشارة الألمانية مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى بالتزام واضح تجاه الهدف الخاص بحصر ارتفاع درجة الحرارة على درجتين مئويتين مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية.
وفي رسالتها الأسبوعية المتلفزة عبر الإنترنت، قالت ميركل أمس إن «مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ المزمع عقده في العاصمة الفرنسية باريس ستكون له مصداقية فقط في حال إذا حافظنا بالفعل على الهدف المتفق عليه في كوبنهاجن» وتابعت أنه «من دون ذلك لن تكون هناك اتفاقية للمناخ في باريس. وجميع المشاركين يعرفون ذلك، ولذلك فأنا آمل أن نتمكن كمجموعة السبع أن نقول بوضوح إننا نقف مع هذا الهدف».
يذكر أن مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في كوبنهاجن عام 2009 شهد الاتفاق على هدف حصر الارتفاع في مستوى درجة حرارة الأرض بمقدار درجتين مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية. وأعربت ميركل عن أملها في أن تسفر قمة مجموعة السبع عن دفعة مهمة لقمة المناخ المزمع عقدها في باريس. وأصبح من غير الواضح خلال الأيام القليلة الماضية ما إذا كان هذا الهدف الخاص بالدرجتين سيتم إدراجه في المسودة الختامية لقمة السبع، وذلك بسبب تحفظات يابانية. وقالت ميركل إنها تنتظر التزاما من جانب قمة السبع بصندوق تمويل حماية المناخ والمزمع إنشاؤه اعتبارا من 2020 بمئات المليارات وأضافت أن ألمانيا كانت أعلنت قبل قمة السبع أنها تعتزم مضاعفة تمويلها لإجراءات حماية المناخ مرة أخرى بحلول 2020. وفي ردها على سؤال حول ما إذا كانت التنمية المستدامة سترتبط في ظل هدف الدرجتين بنمو اقتصادي عالمي ثابت، قالت ميركل إن «السؤال له ما يبرره وأعتقد أن علينا أن نجيب على مثل هذا السؤال بنعم».
من جانبه انضم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى ميركل ليؤكد أن موضوع مكافحة التغير المناخي للأرض يعد من بين أهم المواضيع المطروحة أمام قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى. ونقل مقر الحكومة البريطانية في داونينغ ستريت عن كاميرون قوله: «سنتصرف بشكل داعم للغاية حتى نحرز تقدما». يذكر أن حماة البيئة يطالبون زعماء القمة بالتزام واضح تجاه التخلي عن محطات الطاقة التي تعمل بالفحم الضار بالبيئة.
ويتضمن جدول أعمال القمة أيضا حماية البيئة البحرية ومقاومة المضادات الحيوية والأمراض المهملة المرتبطة بالفقر، وكذا فيروس الـ«إيبولا» في مجال الصحة والمعايير المتعلقة بسلاسل التجارة والتوريد العالمية، وتدعيم التوظيف الذاتي والتدريب المهني للمرأة. وتبقى قضية القرم التي ضمتها روسيا إلى أراضيها، ربما أكثر القضايا حدة على أجندة القمة. وكشف مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي عن أن قمة مجموعة السبع الصناعية ستبحث تمديد العقوبات التي تفرضها دول الاتحاد على روسيا، لمدة ستة أشهر أخرى على الأرجح، فيما اعتبرت ميركل حضور موسكو القمة أمرًا «لا يمكن تصوره».
وفي ظل فضائح الفساد داخل الـ«فيفا»، قال كاميرون إنه سيطرح قضية مكافحة الفساد أمام قمة مجموعة الدول السبع الصناعية، بهدف وضع حد للفساد في الحكومات والمنظمات والشركات. وقال إن الاتهامات الموجهة إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم ينبغي أن تكون دافعا لمواجهة الفساد في المنظمات والشركات والحكومات وفي العالم كله.



البابا: لن نقف مكتوفي الأيدي أمام انتهاكات حقوق الإنسان

البابا ليو الرابع عشر يتحدث في الفاتيكان (أ.ب)
البابا ليو الرابع عشر يتحدث في الفاتيكان (أ.ب)
TT

البابا: لن نقف مكتوفي الأيدي أمام انتهاكات حقوق الإنسان

البابا ليو الرابع عشر يتحدث في الفاتيكان (أ.ب)
البابا ليو الرابع عشر يتحدث في الفاتيكان (أ.ب)

أكد البابا ليو الرابع عشر أمام سفراء جدد، اليوم (السبت)، أن الفاتيكان لن يقف مكتوف الأيدي أمام انتهاكات حقوق الإنسان في أنحاء العالم.

وهذه من أوضح التصريحات التي تكشف حتى الآن عن فلسفة البابا الأميركي، الذي انتُخب على رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم في مايو (أيار) عقب وفاة البابا فرنسيس.

وقال البابا أمام مجموعة السفراء الـ13: «أود أن أؤكد مجدداً أن الكرسي الرسولي لن يقف مكتوف الأيدي أمام التفاوتات الجسيمة، والظلم وانتهاكات حقوق الإنسان الأساسية في مجتمعنا العالمي الذي يزداد انقساماً وعرضة للصراعات».

و«الكرسي الرسولي» هو الهيئة الحاكمة للكنيسة التي يقودها البابا، ويمتلك سلطة روحية على 1.4 مليار كاثوليكي.

وأكد البابا أن «دبلوماسية الكرسي الرسولي تتجه باستمرار نحو خدمة خير البشرية، لا سيما من خلال مناشدة الضمائر، والإصغاء لأصوات الفقراء، أو الذين يعيشون في أوضاع هشّة، أو الذين يُدفعون إلى هامش المجتمع».

وبتركيزه على عدم المساواة، يبني ليو على أولويات سلفه البابا فرنسيس، الذي دافع عن حقوق المهاجرين وغيرهم من الفئات المستضعفة خلال حبريته.

وانتقد ليو، الذي أمضى قرابة 20 عاماً مبشّراً في البيرو، معاملة المهاجرين «غير المحترمة» في الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترمب.

والسفراء الجدد المعتمدون الذين استقبلهم الفاتيكان السبت، من أوزبكستان ومولدوفا والبحرين وسريلانكا وباكستان وليبيريا وتايلاند وليسوتو وجنوب أفريقيا وفيجي وميكرونيزيا ولاتفيا وفنلندا.


استراتيجية الأمن القومي الأميركي و«المعجزة» الأوروبية المنشودة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث قبل حفلة لمغني الأوبرا الإيطالي الضرير أندريا بوتشيللي في البيت الأبيض (أ.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث قبل حفلة لمغني الأوبرا الإيطالي الضرير أندريا بوتشيللي في البيت الأبيض (أ.ب)
TT

استراتيجية الأمن القومي الأميركي و«المعجزة» الأوروبية المنشودة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث قبل حفلة لمغني الأوبرا الإيطالي الضرير أندريا بوتشيللي في البيت الأبيض (أ.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث قبل حفلة لمغني الأوبرا الإيطالي الضرير أندريا بوتشيللي في البيت الأبيض (أ.ب)

لم يكن مفاجئاً مضمون استراتيجية إدارة الرئيس دونالد ترمب للأمن القومي الأميركي التي تُصوّر الحلفاء الأوروبيين بوصفهم ضعفاء، وتسعى إلى إعادة تأكيد هيمنة الولايات المتحدة في النصف الغربي من الكرة الأرضية.

ستثير الوثيقة التي صدرت الجمعة 5 ديسمبر (كانون الأول) 2025 عن البيت الأبيض استياء الحلفاء التقليديين لواشنطن في أوروبا، لما تتضمّنه من انتقادات لاذعة لسياسات قادة «القارة العجوز» في شأنَي الهجرة، وحرية التعبير، إذ تُشير إلى أنهم يواجهون «احتمال امّحاء حضاريّ»، وتشكّك في مدى موثوقيتهم بأنهم شركاء للولايات المتحدة على المدى الطويل.

وتُجدّد الوثيقة، بلغة لا تخلو من البرودة، والنبرة التصادمية، تأكيد فلسفة ترمب القائمة على مبدأ «أميركا أولاً» الذي يعني عملياً عدم التدخل في الخارج، وتُعيد تقييم عقود من الشراكات الاستراتيجية، وتضع المصالح الأميركية فوق كل اعتبار.

هذه أول استراتيجية للأمن القومي -وهي وثيقة يُلزم القانون الإدارة بإصدارها- منذ عودة الرئيس الجمهوري إلى السلطة في 20 يناير (كانون الثاني) 2025. وتمثل سطورها قطيعة واضحة مع النهج الذي اعتمدته إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن، والتي سعت إلى إعادة تنشيط التحالفات بعد أن كانت قد تزعزعت خلال الولاية الأولى لترمب، وإلى كبح جماح روسيا الناهضة اقتصادياً بفضل صادراتها من النفط، والغاز.

*دور متراجع

سعى ترمب منذ عودته إلى البيت الأبيض إلى التوسّط لإنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية المستمرة منذ نحو أربع سنوات في أوكرانيا، وهو هدف تؤكد الاستراتيجية الجديدة أنه يدخل ضمن المصالح الحيوية لواشنطن الراغبة في تحسين علاقاتها مع موسكو بعد سنوات من التعامل مع روسيا بوصفها دولة منبوذة دولياً، وبالتالي يغدو إنهاء الحرب مصلحة أميركية أساسية من أجل «إعادة إرساء الاستقرار الاستراتيجي مع روسيا».

إطفائي يتعامل مع نيران أشعلها هجوم جوي روسي على العاصمة الأوكرانية كييف (أ.ف.ب)

وتنتقد الوثيقة حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين الذين وجدوا أنفسهم هذا العام الذي يطوي أيامه الأخيرة أمام قساوة إصرار ترمب على التخلص من أعباء الحرب الروسية-الأوكرانية، بينما يواجهون تحديات اقتصادية داخلية، إضافة إلى أزمة وجودية، و«حضارية»، وفق واشنطن.

الواقع أنه ليس مستغرباً أن يضمر «حجم» أوروبا في التفكير الاستراتيجي للولايات المتحدة. فالتاريخ يُظهر أن الاستراتيجية الكبرى الأميركية التي كانت في الغالب تتمحور على أوروبا لا بد أن تعكس تراجع خطر هيمنة قوة واحدة على القارة القديمة منذ مطلع الألفية، وظهور مراكز أخرى للنفوذ الجيوسياسي، والرهانات الجيواقتصادية. وهذا ما دفع الولايات المتحدة إلى إعطاء مناطق أخرى من العالم أهمية متزايدة. فبينما ركّز الرئيس جورج بوش الابن على الشرق الأوسط، أعلن كل رئيس جاء بعده -حتى وإن لم يُنفَّذ الأمر بشكل كامل- سياسات تهدف إلى «التحوّل نحو آسيا». وفي عهد ترمب، أضيفت أميركا اللاتينية إلى آسيا، وما قاله الرجل عن بنما، وما يفعله حيال فنزويلا، وبدرجة أقل نحو كولومبيا خير دليل على ذلك.

*جيل أميركي مختلف

تُظهر التحوّلات الديموغرافية في الولايات المتحدة أنّ «جيل الحرب الباردة»، الذي كان يميل تلقائياً بشيء من الحنين إلى «الأطلسية»، والجسور الثقافية الممتدة إلى الجزر البريطانية، واليابسة الأوروبية، يقترب من «التقاعد»، ويحلّ محلّه جيلٌ أصغر سناً، وأكثر تنوّعاً من الناحية العرقية، ويعيد النظر في الدور الأميركي على مستوى العالم. ونظراً للحذر العميق الذي يعتمل في نفس ترمب حيال حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والاتحاد الأوروبي، كان طبيعياً أن يعمد في ولايته الثانية إلى إنزال أوروبا درجات في سلّم الأولويات، ومعها «الناتو» الذي أُنشئ عام 1949 للوقوف في وجه الاتحاد السوفياتي، ومنعه من مدّ نفوذه إلى أوروبا الغربية. فالتفاهم مع موسكو بشأن أوروبا ومناطق أخرى من الكوكب أفضل من إنفاق الأموال على حماية أوروبا «الاتكالية».

مبنى بيرلايمونت حيث مقر المفوضية الأوروبية في العاصمة البلجيكية بروكسل (أ.ف.ب)

خالف هذا التوجه تمسّك جميع الرؤساء الذين تولّوا الحكم في واشنطن بعد الحرب الباردة بالموقع الرئيس لأوروبا في الاستراتيجية الأميركية. فقد كانت أوروبا تُعدّ سوقاً رئيسة للبضائع، والخدمات الأميركية (خصوصاً الدفاعية)، وكان يمكن للحلفاء الأوروبيين أن يشكّلوا قوة مضاعِفة للنفوذ الأميركي في مناطق أخرى من العالم. وفي المقابل، كانت روسيا تهديداً لأمن أوروبا، وللنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، بما يشمل منطقة المحيط الهادئ، حيث تعمل موسكو على تعزيز مصالحها الخاصة، وتتماهى في مواقفها مع الصين.

*التحديات الثقيلة

جاء في وثيقة الاستراتيجية الأميركية أن «الركود الاقتصادي في أوروبا يقل أهمية عن الاحتمال الحقيقي والأكثر حدّة لحصول امّحاء حضاريّ».

وترى واشنطن أن أوروبا تضعف بسبب سياسات الهجرة التي تعتمدها، وتراجع معدلات الولادة، و«قمع حرية التعبير، وكبح المعارضة السياسية»، فضلاً عن «فقدان الهويات الوطنية، والثقة بالنفس».

تضيف الوثيقة: «إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فإن القارّة ستكون مختلفة تماماً في غضون 20 عاماً أو أقل. بالتالي، ليس من الواضح إطلاقاً ما إذا كانت بعض الدول الأوروبية ستملك اقتصادات وجيوشاً قوية بما يكفي لتبقى من الحلفاء الموثوقين (...). نحن نريد لأوروبا أن تبقى أوروبية، وأن تستعيد ثقتها الحضارية بنفسها».

إذا سلمنا بصحة هذا التصوّر، فإننا نستنتج فوراً أن على أوروبا أن تصدّ أو تلطّف تداعيات الخروج الأميركي المرجَّح من معمعة الحرب الروسية–الأوكرانية. فالقارة لا تملك القوة الكافية لرفد كييف بما يمكّنها من مواصلة الحرب، ومجاراة القوة العسكرية الروسية. ولا فائدة من رفع الإنفاق العسكري في دول أوروبية عديدة لإقامة توازن مستحيل مع القوة الروسية، في موازاة استنزاف اقتصادات متعثرة تعاني عجزاً هائلاً بـ«قيادة» ألمانيا التي يبلغ دينها العام 2.55 تريليون يورو، وهو ما يعادل نحو 62.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفرنسا (3.416 تريليون يورو، أي ما يعادل 115.8في المائة من الناتج المحلي).

لا شك في أنه يحق للاتحاد الأوروبي أن يشغل مقعداً إلى طاولة المفاوضات الجارية على قدم وساق بين واشنطن وموسكو لإنهاء الحرب في أوكرانيا التي تكتفي –رغم محاولات التجميل– بدور المتلقي. فالحرب مسرحها أوروبي، و«أهل الدار» معنيون بما يجري على أرضهم.

*التواصل أجدى من القطيعة

لن يتحقق المطلب الأوروبي إلا بإقامة خطوط اتصال بين بروكسل وموسكو، فبغير ذلك لا انخراط لأوروبا في صَوغ القرارات التي ستُتّخذ لإنهاء حرب أوكرانيا مع ما لذلك من انعكاسات على الأمن الأوروبي. وإن لم يحصل هذا الأمر فسيجد الأوروبيون أنفسهم يكتفون بردّ الفعل على تطوّرات تقودها واشنطن وموسكو، وبدرجة أقل كييف.

جنود من المشاة خلال تدريب عسكري فرنسي - بلجيكي مشترك في منطقة مفتوحة قرب بلدة سيسون بشمال شرقي فرنسا (أ.ف.ب)

أوروبا كبيرة، وغنية رغم العثرات الحالية، ومتقدمة تكنولوجياً. وهي تحتاج بالفعل إلى برنامج إعادة تسليح قوي يقنع موسكو -التي لا تريد حرباً مع أوروبا كما قال فلاديمير بوتين لكنها مستعدة لها– بالتفاوض الجدّي.

أما الورقة الثانية للإقناع فتكون بكسر الجمود بشأن الأصول الروسية المجمدة والمحتجَزة بموجب العقوبات التي أقرها الاتحاد الأوروبي على دفعات بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. فموسكو ستَنشد حلاً لتحرير أصولها الأوروبية التي تقدَّر قيمتها بـ210 مليارات دولار. أما الرأي الأوروبي القائل بضرورة استخدام هذه الأصول لدعم أوكرانيا، فمؤداه إطالة عمر الحرب، ووضع القارة في حالة مواجهة مع روسيا هي في غنى عنها.

ثمة من يقول إن الكرملين لا يفهم سوى لغة القوة، والبيت الأبيض لا يفهم سوى لغة الأعمال، وعلى أوروبا أن تتقن اللغتين. وثمة من يردّ على ذلك بالقول إن ما ورد عن البيت الأبيض صحيح، في حين أن ما ورد عن الكرملين مضلِّل.

ولعلّ الحقيقة أن كل هذه المعادلة لا ضرورة لها، وليس على أوروبا أن تتقن لغتين، بل عليها أن تُحسن إنجاب قادة حقيقيين يعرفون التاريخ ليضعوا رؤى لمستقبل يقيهم شرّ «الامّحاء الحضاري»، و«تلاشي الهويات»، فهل تتحقق «المعجزة»؟...


«الطاقة الذرية»: الدرع الواقية لمحطة تشرنوبل النووية تضررت

يُظهر منظر عام هيكل الاحتواء الآمن الجديد (NSC) فوق التابوت القديم الذي يغطي المفاعل الرابع التالف بمحطة تشرنوبل للطاقة النووية في تشرنوبل (رويترز)
يُظهر منظر عام هيكل الاحتواء الآمن الجديد (NSC) فوق التابوت القديم الذي يغطي المفاعل الرابع التالف بمحطة تشرنوبل للطاقة النووية في تشرنوبل (رويترز)
TT

«الطاقة الذرية»: الدرع الواقية لمحطة تشرنوبل النووية تضررت

يُظهر منظر عام هيكل الاحتواء الآمن الجديد (NSC) فوق التابوت القديم الذي يغطي المفاعل الرابع التالف بمحطة تشرنوبل للطاقة النووية في تشرنوبل (رويترز)
يُظهر منظر عام هيكل الاحتواء الآمن الجديد (NSC) فوق التابوت القديم الذي يغطي المفاعل الرابع التالف بمحطة تشرنوبل للطاقة النووية في تشرنوبل (رويترز)

أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة أمس (الجمعة)، أن الدرع الواقية في محطة تشرنوبل النووية بأوكرانيا، التي تم بناؤها لاحتواء المواد المشعة الناجمة عن كارثة 1986، لم تعد بإمكانها أداء وظيفتها الرئيسية للسلامة، بعد تعرضها لأضرار بسبب طائرة مسيرة، وهو ما اتهمت أوكرانيا روسيا بالمسؤولية عنه، بحسب «رويترز».

وقالت الوكالة إن عملية تفتيش الأسبوع الماضي لهيكل العزل الفولاذي الذي اكتمل في عام 2019، وجدت أن تأثير الطائرة المسيرة في فبراير (شباط)، أي بعد 3 سنوات من الصراع الروسي في أوكرانيا، أدى إلى تدهور الهيكل.

وقال رافائيل غروسي المدير العام للوكالة في بيان، إن «بعثة التفتيش أكدت أن (هيكل الحماية) فقد وظائف الأمان الأساسية، بما في ذلك القدرة على الاحتواء، ولكنها خلصت أيضاً إلى أنه لم يكن هناك أي ضرر دائم في هياكله الحاملة أو أنظمة المراقبة».

وأضاف غروسي أنه تم بالفعل إجراء إصلاحات «ولكن لا يزال الترميم الشامل ضرورياً لمنع مزيد من التدهور، وضمان السلامة النووية على المدى الطويل».

وذكرت الأمم المتحدة في 14 فبراير، أن السلطات الأوكرانية قالت إن طائرة مسيرة مزودة برأس حربي شديد الانفجار ضربت المحطة، وتسببت في نشوب حريق، وألحقت أضراراً بالكسوة الواقية حول المفاعل رقم 4 الذي دُمر في كارثة عام 1986.

وقالت السلطات الأوكرانية إن الطائرة المسيرة كانت روسية، ونفت موسكو أن تكون قد هاجمت المحطة.

وقالت الأمم المتحدة في فبراير، إن مستويات الإشعاع ظلت طبيعية ومستقرة، ولم ترد تقارير عن تسرب إشعاعي.

وتسبب انفجار تشرنوبل عام 1986 في انتشار الإشعاع بجميع أنحاء أوروبا، ودفع السلطات السوفياتية إلى حشد أعداد هائلة من الأفراد والمعدات للتعامل مع الحادث. وتم إغلاق آخر مفاعل يعمل بالمحطة في عام 2000.

واحتلت روسيا المحطة والمنطقة المحيطة بها لأكثر من شهر في الأسابيع الأولى من غزوها لأوكرانيا في فبراير 2022، حيث حاولت قواتها في البداية التقدم نحو العاصمة الأوكرانية كييف.

وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد أجرت التفتيش في الوقت نفسه الذي أجرت فيه مسحاً على مستوى البلاد للأضرار التي لحقت بمحطات الكهرباء الفرعية، بسبب الحرب التي دامت نحو 4 سنوات بين أوكرانيا وروسيا.