كيف تتعاملون مع أصحاب السلوك السلبي ـ العدائي؟

التعالي وإلقاء اللوم وإنكار الغضب أهم سماته

كيف تتعاملون مع أصحاب السلوك السلبي ـ العدائي؟
TT

كيف تتعاملون مع أصحاب السلوك السلبي ـ العدائي؟

كيف تتعاملون مع أصحاب السلوك السلبي ـ العدائي؟

* رد الفعل يكون اندفاعياً وتلقائياً في حين أن الاستجابة يمكن التحكم فيها... لذا تغاضوا عن الإساءة في وقت حدوثها ولكن لا تتجاهلوها
* إذا كنتم مستائين من وضعٍ ما في العمل، فيمكنكم أحياناً اللجوء إلى خيار المواجهة المباشرة. وقد تبدو لكم هذه الطريقة الأسرع لحل الخلاف، ولكن أشخاصاً كثيرين يطبقون تكتيكاً مختلفاً في حالة كهذه: أنهم يلجأون إلى «الوضعية السلبية العدائية (passive aggression)» أو إطلاق التعليقات المواربة (المخادعة) للتنفيس عن الغضب والإحباط.
سلوك سلبي عدائي
يشير استطلاع للرأي أجرته منصّة «بريبلاي» لتعلّم اللغات إلى أنّ 73 في المائة من العاملين في الولايات المتّحدة يتعرضون إلى سلوك سلبي وعدائي في مكان العمل، فيما يقر 52 في المائة بممارسة سلوك سلبي وعدائي في العمل، ويشعر 38 في المائة أنّ مكان العمل يحفّز التواصل السلبي العدائي.
ووجد الاستطلاع أيضاً أنّ أسوأ أنواع السلبية العدائية هو إلقاء اللوم، والتعالي، وإنكار الغضب. يتجلّى السلوك السلبي العدائي في بعض الجمل؛ أسوأها:
* «كما تعلمون، بلا شك،...».
* «للمراجعة المستقبلية».
* «تذكير ودّي».
* «أُدرج ربّ العمل في البريد الإلكتروني للتوضيح».
* «حسب مضمون رسالتي الإلكترونية الأخيرة».
يقول سلمان رازا، استشاري المهارات الشخصية وصاحب كتاب «لايفز نون كونفورميتيز (عدم التوافق في الحياة)»، إنّ «جميعنا أشخاص طيّبون في جوهرنا، لذا نحجم عن التعبير عن عدم رضانا من باب التهذيب. يؤدي هذا الأمر إلى تراكم الانزعاج في داخلنا، مما قد ينعكس في تغييرات سلوكية تبدأ باختيار كلمات مختلفة واستخدام التعليقات الساخرة».
يعدّ رازا أنّه في حال كنتم أنتم الجانب المتلقّي للتعليقات السلبية العدائية من زميل أو ربّ العمل، فتكون الخطوة الأولى بتعريف قوّة هذه الحالة وتسميتها: هل أنا منزعج أم غاضب؟ ويلفت إلى أنّ «تحديد تأثير وقوّة هذا الشعور المزعج يجب أن يُستتبع بإيجاد طريقة لمواجهته».
ويشدّد الاستشاري على ضرورة عدم ربط هذا الشعور بالذات، مثلاً: «لا تقل: (أنا غاضب)، بل قل لنفسك: (في داخلي غضب)؛ لأنّ الأمرين مختلفان. فعندما يكون الغضب داخل الإنسان ويحتاج إلى التخلّص منه، يبدأ الدماغ بالاعتراف بوجود شعور غير مريح لا يعكس أفضل ما في الشخص... وبعدها، تصبح عملية الانفصال عن هذا الشعور أسهل».
وعندما ينجح الشخص في الانفصال عن هذا الشعور، يصبح بإمكانه التخلّص منه. ولكن حتّى ذلك الوقت، يجب عدم إصدار ردّ فعل في لحظة الغضب أو الشعور السيئ، وترك الاستجابة إلى الوقت الذي تكون فيه المشاعر هادئة.
إساءات وردود
يقول رازا إنّ «ردّ الفعل يكون اندفاعياً وتلقائياً، في حين أنّ الاستجابة يمكن التحكم فيها، لذا، تغاضوا عن الإساءة في وقت حدوثها؛ ولكن لا تتجاهلوها».
عندما تقررون مفاتحة الشخص المسيء، ابدأوا المحادثة دون إلقاء اللوم، وعالجوا الحالة بسلوك واضح بدل الحديث بالعموميات. على سبيل المثال، يقترح رازا قول التالي: «عندما صدر عنكم هذا التعليق، تملكني هذا الشعور؛ ما أوحى لي بأنّكم لا تثقون بي». ويلفت الاستشاري إلى أن «هذا الشعور صحيح، ولكنّ ما تشعرون به حياله قد لا يكون واقعياً. قد يكون الأمر حقيقة بالنسبة إليكم، ولكنّه ليس كذلك بالنسبة إلى الطرف الآخر. تساعدكم هذه الفكرة في الحفاظ على إيجابية المحادثة والنبرة، وتقيكم لوم الآخر ووضعه في موقع يضطر فيه للدفاع عن نفسه».
ينبّه رازا إلى أنّ الطرف الآخر قد لا يكون واعياً لتعليقاته وتفسيراتها السلبية، وأنّ سلوكه السلبي والعدائي قد يكون ناتجاً عن وضعٍ يمرّ به لا علاقة له بكم. قد يكون الآخر تحت ضغط معيّن ولكنّه ينفس عنه في مكان خاطئ.
ويضيف أنّكم «عندما تجدون أنفسكم في موقع المحقق، قد تدركون أنّ الأمر ليس أمراً شخصياً، وأنّه ليس بسبب غضب هذا الشخص منكم؛ بل لأنّه يمرّ بشيء مختلف أو يعيش وضعاً صعباً في حياته يولّد هذا السلوك لديه. عندما تدركون أنّه لا علاقة للأمر بكم، يجب ألّا تشعروا أنكم في موقع الدفاع عن أنفسكم». ويدعو الاستشاري الأشخاص الذين يواجهون سلوكاً سلبياً وعدائياً في مكان العمل إلى تذكر كيف يتعاملون مع أبنائهم وبناتهم الشباب. يشعر الإنسان بحبّ غير مشروط تجاه أبنائه، مما يسهّل عليه التغاضي عن تعليقات جارحة قد تصدر عنهم. صحيح أنّ شعوركم تجاه الزميل أو ربّ العمل ليس نفسه، ولكن المبادئ واحدة وثابتة.
وأخيراً؛ يختم رازا بالقول إنّ «الأمر لن يتحقّق بين ليلة وضحاها، ويحتاج إلى العمل والمجهود. ولأنّ الدماغ البشري قابل للتعليم، فيمكننا أن ندرّب أنفسنا على الهدوء والسلام».

* «فاست كومباني»
ـ خدمات «تريبيون ميديا»



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً