«تطهير»... رؤية فنية توظف «المكانس» لتنقية البشرية

فنانة سعودية تشارك به في معرض «أماكن» وتتحدث في «جاكس للفنون»

جانب من أعمال الفنانة بشائر هوساوي  -  الفنانة السعودية بشائر هوساوي
جانب من أعمال الفنانة بشائر هوساوي - الفنانة السعودية بشائر هوساوي
TT

«تطهير»... رؤية فنية توظف «المكانس» لتنقية البشرية

جانب من أعمال الفنانة بشائر هوساوي  -  الفنانة السعودية بشائر هوساوي
جانب من أعمال الفنانة بشائر هوساوي - الفنانة السعودية بشائر هوساوي

مفردة «الطهارة» هي ضد «الدنس»، وتشير للشيء الملطخ بالأوساخ؛ بيد أن هذه الكلمة تقفز من حقول اللغة إلى عوالم الفن المعاصر، من خلال عمل فني مكون من 5 قطع، شكلته الفنانة السعودية بشائر هوساوي، من المكانس والأقمشة المستلهمة من عدة ثقافات عالمية، واختارت له اسم «تطهير»، في رمزية لتطهير البشر من الدنس وإسباغ طابع النقاء عليهم.
ويلفت هذا العمل زوار معرض «أماكن» المقام حالياً في مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) في الظهران، إلى جانب حديث الفنانة عنه خلال استضافتها في جلسة حوارية بـ«مهرجان جاكس للفنون» في الدرعية، مساء يوم الجمعة، وهو عمل تركيبي يجسد العلاقة التي تربط مدينة جدة، مقر رأس الفنانة، بالعالم الخارجي، وتلعب المنسوجات فيه دور الوسيط السردي الذي تستند إليه رؤية الفنانة، علاوة على إشارتها إلى المكانة التي يشغلها النسيج في التجارة الدولية.
وثمة عنصر لافت في العمل، وهي المكانس الحمراء المثبتة على الأقمشة الملونة، لترمز إلى إزالة كل ما هو غير مرغوب، على سبيل التطهير والتعقيم، وتشير هوساوي إلى أن المكانس ارتبطت بذكرياتها في مراحل الطفولة المبكرة لوجودها الدائم في المنزل، واهتمام عائلتها بالتنظيف والتعزيل المنزلي.
تتحدث هوساوي لـ«الشرق الأوسط» قائلة: «التحدي الذي واجهته يكمن في عملية دمج الأقمشة مع المكانس، لتكوين لغة بصرية أستطيع أن أشرح من خلالها فكرتي الفنية». وبسؤالها عن مصادر إلهامها، تشير لحرصها على زيارة أماكن الخردة التي تُشعل داخلها فضول الاكتشاف، مما ألهمها إتمام هذا العمل الذي ترتكز فكرته على تطهير الأرواح والبحث عن النقاء.
- تكوين المكانس
العمل الذي تأتي قطعه مُجتمعة لتكون قصة فنية واحدة مشتركة، تبدو فيه المكانس الحمراء مختلفة من حيث التكوين والاتجاه، في كل قطعة، وبسؤال الفنانة عن ذلك، توضح أن له دلالات ورموزاً معينة، حيث بدأت أول عمل في مشروعها بمكانس متعاكسة، تعبيراً عن الخجل والخوف وعدم الرغبة في المواجهة. وتضيف هوساوي: «في العمل الثاني وضعت المكانس على ظهرها إلى الأمام، دلالة عن الشجاعة والرغبة بالمواجهة، وفي عمل آخر جاءت مضمومة وكأنها تحتضن ذاتها، في إشارة لرغبة الإنسان الساعي للتطهير في اعتزال الناس». وتبدو فلسفة الفنانة لافتة أكثر في النظر لمحاولاتها الدمج بين ثقافات عالمية مختلفة، ليشعر أي إنسان على كوكب الأرض أن هذا العمل يحاكيه، عن ذلك تقول «الثقافات المختلفة تجعلني غنية أكثر بتجارب لم أعتد عليها، ودمج ثقافتي، أو أكثر، يعطي رؤية جديدة وغنية».
- مفهوم الطهارة
تقول هوساوي، «لقد انطلقت من مفهوم الطهارة، الذي يحمل معنى المحو والإماطة أو الإزالة، وهو مفهوم منوط بطقس الحج في تطهير أرواح الحجيج». وهكذا توسعت فكرتها حتى بلغت معاني أخرى، مضيفة: «عثرت من خلال هذه الصيرورة على مكاني، الذي عبرت عنه ذكرى دار جدتي حيث كنت أراقب فيه الحجيج يرتدون أثواباً تعبر عما يتوقون إليه من ألفة وأمن، إبان مكوثهم في مكة».
وتشير إلى أن عائلتها هم من المطوفين، ممن يناط بهم خدمة الحجيج الوافدين إلى مكة، الذين يجلبون أقمشة معهم على سبيل الهدية، ومن مظاهر موسم الحج، في عرف يعود إلى قرون مضت، تبرز أسواق النسيج، والمنسوجات التي تضمنها هي خير تعبير عن الصلات التي تربط العالم الحديث الذي غزته العولمة، إلى جانب المعنى الروحاني الذي تحمله، ويعود منه زوار مكة المكرمة، والذي ترتكز عليه فكرة هوساوي.
- قصة الأقمشة
في البداية، عمدت الفنانة لعمل بحث ومسح شامل يسبق إنجاز مشروعها الفني، حيث ترددت على متاجر الأقمشة في مدينة جدة، لا سيما في البلد، حيث الأقمشة من شتى أرجاء المعمورة، من الهند وأفريقيا والصين وغيرها، قائلة، «اجتذبتني الأقطان المطبوعة بالشمع على وجه الخصوص، التي تحمل نقوشاً جريئة وألواناً فاقعة، تستخدم في صنع الملابس والمفروشات». وترى هوساوي أن هذه الأقمشة تمنحها ما كانت تفتش عنه، قائلة: «إن اقتران القماش والمكانس هو ما ابتدعته على سبيل الخطاب»، مشيرة لكونها تستلهم من كتابات الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار، ومن ثم تختبر في أشغالها صلة عاطفية وروحانية بمفهوم المكان كما يصفه باشلار، حين قال في كتابه «شاعرية الفضاء» الصادر عام 1958، «لأن ذكرياتنا عن المساكن السابقة يتم إحياؤها كأحلام يقظة، فإن هذه المساكن من الماضي تبقى فينا طوال الوقت».
تجدر الإشارة إلى أن بشائر هوساوي، هي من مواليد 1992، وتعيش في جدة، وتسلط أعمالها الفنية الضوء على الطبيعة المتغيرة لواقعنا اليومي، وهي تبحث وتجرب باستخدام المواد التي تربط الثقافات والتعبيرات والعواطف والأفكار، وسبق أن شاركت في النسخة السابعة من معرض 21.39 لفنون جدة، بعنوان «أيتها الأرض».


مقالات ذات صلة

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

يوميات الشرق رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً. فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه.

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

زائرون يشاهدون عرضاً في معرض «أحلام الطبيعة - المناظر الطبيعية التوليدية»، بمتحف «كونستبلاست للفنون»، في دوسلدورف، بألمانيا. وكان الفنان التركي رفيق أنادول قد استخدم إطار التعلم الآلي للسماح للذكاء الصناعي باستخدام 1.3 مليون صورة للحدائق والعجائب الطبيعية لإنشاء مناظر طبيعية جديدة. (أ ب)

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

«نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

ستُطرح رواية غير منشورة للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز في الأسواق عام 2024 لمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الروائي الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1982، على ما أعلنت دار النشر «راندوم هاوس» أمس (الجمعة). وأشارت الدار في بيان، إلى أنّ الكتاب الجديد لمؤلف «مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا» سيكون مُتاحاً «عام 2024 في أسواق مختلف البلدان الناطقة بالإسبانية باستثناء المكسيك» و«سيشكل نشره بالتأكيد الحدث الأدبي الأهم لسنة 2024».

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)

«ميدان الثقافة» بوابة تربط بين الماضي والحاضر في جدة التاريخية

يأتي المشروع في إطار جهود تعزيز الفنون والثقافة من خلال مراكز متخصصة في مختلف المجالات (واس)
يأتي المشروع في إطار جهود تعزيز الفنون والثقافة من خلال مراكز متخصصة في مختلف المجالات (واس)
TT

«ميدان الثقافة» بوابة تربط بين الماضي والحاضر في جدة التاريخية

يأتي المشروع في إطار جهود تعزيز الفنون والثقافة من خلال مراكز متخصصة في مختلف المجالات (واس)
يأتي المشروع في إطار جهود تعزيز الفنون والثقافة من خلال مراكز متخصصة في مختلف المجالات (واس)

يشكل «ميدان الثقافة» الذي أطلقه «برنامج جدة التاريخية»، التابع لوزارة الثقافة السعودية، بوابةً تربط بين الماضي والحاضر من خلال موقعه المميز الذي عكس تصميمه ووظائفه هذه الثنائية الزمنية ليمثل معلماً حضارياً كبيراً كإحدى الوجهات الثقافية المهمة بالمدينة الساحلية جدة (غرب السعودية).

ويأتي المشروع في إطار جهود إعادة إحياء المنطقة التاريخية، وتعزيز الفنون والثقافة من خلال مراكز متخصصة في مختلف المجالات الفنية والثقافية، وبما يوفر تجارب ثقافية وفنية ثرية متنوعة، تعزز من تجربة الزوار، وتسهم في جعل المنطقة وجهةً سياحيةً عالميةً، وذلك تماشياً مع «رؤية المملكة 2030».

يعد متحف «تيم لاب» الأول من نوعه ويقام وبشكل دائم في منطقة الشرق الأوسط (واس)

ويقع «ميدان الثقافة» الذي يضم مركز الفنون المسرحية (مسرح وسينما)، ومتحف الفنون الرقمية «تيم لاب بلا حدود» (حاصل على جائزة مكة للتميز في فرع التميز الثقافي)، على ضفاف بحيرة الأربعين، ويطل على منطقة جدة التاريخية.

ويقدم مركز الفنون المسرحية فعاليات ثقافية متنوعة تشمل عروضاً مسرحيةً، ومهرجانات عالمية، ودور سينما، وجلسات تجسد أجواء «المركاز»، إلى جانب مطاعم ومقاهٍ تمثل نقاط تجمع وحوار، أما متحف «تيم لاب بلا حدود» فيُبرز الطابع الحديث للثقافة، الذي يجمع بين الفن والعلم والتكنولوجيا. وفي قلب هذا المشهد الثقافي، يبرز «بيت أمير البحر» التاريخي متوسطاً مركز الفنون المسرحية ومتحف «تيم لاب بلا حدود»، ومطلاً على «شارع حمزة شحاتة» (الشاعر السعودي الراحل)، ليعكس الثراء الثقافي المتأصل في الموقع. وقد قام البرنامج وفي إطار جهوده للحفاظ على تراث المنطقة المعماري والثقافي بترميم «البيت» وإعادة تأهيله. ويتميز «بيت أمير البحر» بتصميمه المعماري الفريد، إذ يأتي على شكل هندسي ثماني، ويتكون من دور واحد، وهو محاط بنوافذ كبيرة على شكل أقواس، وقد استُخدم في الماضي مناراً لإرشاد السفن.

مشروع «إعادة إحياء جدة التاريخية» جعل المنطقة مقصداً للزوار من مختلف أنحاء العالم (واس)

ويجسد مشروع «ميدان الثقافة» الهندسة المعمارية التي تعكس القيم الجوهرية لجدة التاريخية، مع رؤية تجديدية دمجت بين الماضي والمستقبل في تناغم فريد، إذ مزج التصميم بين التراث المعماري الغني والنسيج الحضري المترابط، في استمرارية لهوية المنطقة وثقافتها. وفي الوقت ذاته تماشى التصميم مع فلسفة متحف «تيم لاب» التي تقوم على الانسجام بين الزائر والأعمال الفنية، وهو ما يظهر بوضوح في سطح المبنى المائل نحو المسطحات المحيطة، مما يعزز من فكرة الاندماج والانسجام.

ويشتمل «ميدان الثقافة» على مبنيين رئيسيين، بإجمالي مساحة بناء تبلغ حوالي 26 ألف متر مربع ويمتد مركز الفنون المسرحية والسينما على مساحة 16 ألف متر مربع، ويضم مقر مهرجان البحر الأحمر السينمائي، ويتكون من مدخل رئيسي (الردهة)، وقاعة مسرح رئيسية بسعة 868 مقعداً، بالإضافة إلى خمس قاعات سينما بسعة 564 مقعداً، وردهة داخلية (غرفة متعددة الأغراض)، وتسع قاعات للجلسات الحوارية، و«سينماتيك»، ومطعم وثلاثة مقاهٍ.

الممثل ويل سميث يوثق زيارته للمنطقة التي تشهد إقبالاً من الزوار على مدار العام (جدة التاريخية)

فيما تبلغ مساحة متحف «تيم لاب بلا حدود» 10 آلاف متر مربع، ويضم قرابة 80 عملاً مستقلاً ومترابطاً، تُجسِد عالماً واحداً بلا حدود. ويجمع المتحف بين الفنون والتكنولوجيا والطبيعة في مساحة إبداعية مبتكرة، ويُشكل إضافة نوعية للمشهد الثقافي في المملكة.

وكان الحفاظ على الصحة العامة وتعزيز الاستدامة البيئية من الأهداف المهمة التي سعى إليها برنامج جدة التاريخية في تصميم وتنفيذ مشروع «ميدان الثقافة»، إذ تم استخدام وحدات تكييف عالية الجودة، مُجهزة بتقنية تُنقي الهواء بنسبة 100 في المائة، بالإضافة إلى تركيب مصاعد تعمل بدون لمس، وسلالم كهربائية مُزودة بتقنية تعقيم بالأشعة فوق البنفسجية، وذلك للحد من انتقال الفيروسات والجراثيم المسببة للأمراض.

ديفيد فيا نجم الكرة الإسباني خلال زيارة سابقة للمنطقة (برنامج جدة التاريخية)

كما اهتم البرنامج بالحفاظ على الموارد المائية من خلال استخدام نظام يعيد تدوير مياه التكثيف الناتجة عن وحدات التبريد لتلبية احتياجات الري، وهو ما يعزز من كفاءة استهلاك الموارد ويساهم في الحفاظ على البيئة.

وجاء مشروع «ميدان الثقافة» ضمن جهود برنامج جدة التاريخية في إعادة إحياء المنطقة، والحفاظ على تراثها المادي وغير المادي، وإثراء تجربة الزوار، ويعد الميدان معلماً حضارياً وبصرياً متميزاً في جدة، بتصميمه الذي راعى الحفاظ على النسيج الحضري في المنطقة، وجمع بين استخدام الهندسة المعمارية المعاصرة في بنائه، والحفاظ على الطابع المعماري التراثي الذي يستلهم من المباني التاريخية في المنطقة، ويأتي ضمن استثمار تاريخ المنطقة وعناصرها الثقافية المميزة وتحويلها إلى روافد اقتصادية، وجعل المنطقة وجهة مميزة على خريطة السياحة العالمية.