ألوان غنية، وأصوات متداخلة، وفلسفات متنوعة... بهذه القوالب جاءت أعمال ملتقى «الفيديو آرت» الدولي، الذي افتتح دورته الرابعة مساء أول من أمس، بتنظيم جمعية الثقافة والفنون بالدمام، تحت شعار «تأمّل الضوء... انطلق نحو الخيال»، وبمشاركة 49 عملاً فنياً من 23 دولة، إذ توقف الزوار طويلاً أمام الأعمال، في رحلة تأمل عميقة لاستيعاب هذا الفن الحديث.
وتأتي الأعمال في شاشات إلكترونية، بعضها مرفق بسماعات تساعد المتلقي على سماع الأصوات المتنوعة، لعيش الحالة الكاملة التي صنعها الفنان، في استعراض بصري يعتمد على عُنصري الخيال والضوء. كما يبدو لافتاً أن هذا الفن جذب الفنانين التشكيليين نحوه، ممن لجأوا إليه كنمط فني جديد لجيل منبهر بالصورة، وشديد الالتصاق بالتقنيات الحديثة.
يصف يوسف الحربي، وهو مدير جمعية الثقافة والفنون بالدمام والمشرف العام على الملتقى، هذه الدورة، قائلاً: «هي انعكاس نضج ثلاث دورات سابقة كان فيها التحدي الأكبر لنا هو نشر (الفيديو آرت) والتعريف به وبالتجارب المحلية والدولية، وتعريف التجارب السعودية على هذا الفن من خلال البرامج والأنشطة والندوات، وهو ما مكّننا من كسب الثقة والتعاون وفسح المجال نحو التجريب والمشاركة».
ويرى الحربي أن هذه الدورة تأتي كهمزة وصل بين مرحلتين: مرحلة ما قبل «كورونا» وما بعدها، خصوصاً مع التحوّل مجدداً نحو النشاط المباشرة والتواصل الحقيقي بين البشر، مضيفاً: «هذه الدورة بمثابة المرصد الموجّه لوعينا ونضجنا وحركتنا لمدى تأملنا للضوء وانطلاقنا بمحبة وشغف نحو الخيال».
يركز فن «الفيديو آرت» على الإبهار البصري
التجارب السعودية
بسؤال الحربي عن تجارب الفنانين السعوديين في «الفيديو آرت»، يجيب: «التجارب السعودية ومنذ انطلاقنا في ترسيخ الملتقى -كتظاهرة سنوية- هي عبارة عن تجارب لافتة أسلوباً وتقنية ومحتوى، إذ نجد أنها على مستوى بصري عالٍ وحضور استطاع أن يتملّك رؤية النقاد ودهشة المتابعين، خصوصاً أن التجارب لم تكتفِ بالتقليد العام للتجريب الغربي والتجارب العربية المختلفة، بل استطاعت أن تستحوذ على ذاتها بكل عمق وتعبّر عن خصوصياتها وهويتها بكل تفاعل وتأثير جمالي».
ورغم أنها تجارب متنوعة في التركيب والانستاليشن والوسائط المتعدّدة والأداء والأنيميشن والكرتون التجريبي وتنفيذ التعبيرية المعاصرة، فإنه يأتي السؤال: هل توازي جودة التجارب العالمية؟ هنا يقول الحربي بثقة: «نعم، التجارب السعودية قادرة على المنافسة العالمية لأنها في التجريب والتعبير استطاعت أن تفرض حضورها».
ويردف: «دور المنظمين هو توفير فضاءات عرض واستقبال معارض رقمية وبصرية معاصرة قادرة على احتواء التجارب السعودية وتقييمها، لأن التجربة السعودية مع عمقها تستحق الدعم والتشجيع والخوض الداخلي في التعريف والتجريب وتملّك روح الانتماء، فالكثير من التجارب السعودية في (الفيديو آرت)، متأثرة بأسماء عالمية مثل: ماثيو برناي، وبيل فيولا، ودان غراهام، وهذا التأثر لا يأتي ضمن التقليد، بل ضمن الابتكار والتمشي والتعلّم».
قصص متنوعة قدمها الفنانون في أعمالهم
«مفر»
وقوفاً على إحدى التجارب السعودية المشاركة في الملتقى، توضح الفنانة التشكيلية غادة باجنيد التي تشارك لأول مرة، أن تخصصها الجامعي في دراسة الفنون سهّل لها مهمة خوض هذه التجربة، وعن عملها تقول: «سمّيته (مفر)، وأجريت بحثاً علمياً حوله، تناول دمج فن الفيديو مع اللوحة التصويرية».
وتتابع حديثها لـ«الشرق الأوسط» بالقول: «العمل عبارة عن لوحة تصويرية مرسومة وجزء منها معروض كفيديو، تعبر فكرته عن فرار الإنسان من الواقع الذي يعيشه لرغبته في الرجوع للماضي والذكريات، ويبدو الواقع خلال العمل مملاً ومهمشاً، حيث يركز الفيديو على الماضي، بحيث إن الذكريات تمر بمرور الوقت، ونجد الإنسان يركز على جزء معين من ذكرياته».
«الجسر»
على شاشة ضخمة عُرض عمل «الجسر» للفنان الجزائري بوكاف محمد الطاهر، مدته خمس دقائق ونصف، حيث استوقف الزوار لكونه فيديو أنيميشن أُنتج منذ عام باستعمال الطرق التقليدية (اليدوية) في رسم الصور، بمجموع 700 رسمة باليد، مع استعمال نوع معين من أقلام الرصاص.
وفي هذا الفيلم، فإن صانعه هو نفسه الكاتب والمحرك والمطاف بكل ما هو تقني أو فني، حيث يحاكي الفيلم معاناة الطبقة الدنيا من مجتمعات العالم الثالث، وعلاقتها بالأنظمة السياسية السائدة فيها، إلى جانب مفاهيم الحق والقانون وغيرها، في قصة تروي رحلة أب لعلاج ابنه والبحث عن أقرب مستشفى، لكنه يفاجأ بنهاية غير متوقعة قبيل وصوله.
يجذب عمل «الجسر» زوار ملتقى «الفيديو آرت»
49 فناناً
الملتقى غنيٌّ بأسماء أخرى لافتة، إذ يتضمن مشاركة: عبدول درماني (من ألمانيا) في عمله «جائحة فيروس كورونا»، وأحمد محسن منصور ويارا مكاوي (من مصر) في عمل «لا تستسلم لضغوط الوضع الصعب»، وأندريه بريم (من البرازيل) في عمل «تفكيك قوس قزح»، وأغوسطو كالكادا (من البرازيل) في عمل «هل عالمك عالمي؟».
بالإضافة إلى برونو بافيتش (من كرواتيا) عن عمل «الصورة المقلقة لفنجان»، ودييغو برناتشينا (من شيلي) عن عمل «من دون عنوان»، وغادة باعوش (من السعودية) عن عملها «إنساني»، وهاجر أحمد الهادي (من مصر) عن عملها «صوت المدينة»، وهيرويا سوكاراي (من اليابان) عن عمله «التيار الحادي عشر»، وكواتشيليو باتيستا (من البرازيل) عن عمله «كيف تختفي من التطبيق؟».
كما يشارك يون يوهان يونغ (من تايوان) عن عمله «قطعة»، وخليل شريف (من البرازيل) عن عمله «تسارع»، وماركوس بوتويسون (من البرازيل) عن عمله «صور محروقة»، وميتاس شانتافونغس (من تايلاند) عن عمله «معاصر»، ومصطفى بن غرنوط (من الجزائر) عن عمله «فقط عرض»، وعلا عباس (من سوريا) عن عمله «مستقبل أوكلافا»، وبيير أجافون (من فرنسا) عن عمله «دموع الزجاج»، وروان الدهام (من السعودية) عن عملها «روتين»، وصفاء الفهدي (من عمان) عن عملها «لغة امرأة»، وسيرج بولات (من أميركا) عن عمله «اعتيادي»، وتومي (من أميركا) عن عمله «الذهاب في أي وقت مجدداً».