المخرجون العشرة العرب الأكثر نجاحًا اليوم

مفهوم العالمية مختلف.. كذلك عناصر النجاح

TT

المخرجون العشرة العرب الأكثر نجاحًا اليوم

النجاح العالمي الذي ينشده مئات المخرجين حول العالم لا يأتي بسهولة. ليس نتاج خطّة محكمة، ولا يحدث بالصدفة، ولا ينتمي إلى عنصر واحد محدد. المسألة كلها هي رؤية فنية جيّدة مع طموح عالٍ وسعي لا يتوقف.. لكن هذه بدورها لا تضمن الوصول، ولو أن كل من وصل من الهند إلى الدنمارك ومن السعودية إلى فرنسا إلى قدر من العالمية عمل بجهد على احتواء الرؤية والطموح والبذل في سبيل الوصول.
العالمية كلمة مطّاطة جدًا. تتسع للكثير من التفسيرات والتأويلات. هي هوليوود وحدها عند البعض وأفلام المهرجانات عند البعض الآخر. وبما أن الوصول إلى هوليوود مستحيل حتى لأوروبيين، فإن الأمل لدى البعض الثالث هو الفوز بجائزة من مهرجان كبير. إن لم يكن فبجائزة من مهرجان صغير أو، في أضعف الحالات، شهادة تقدير من أي محفل. المهم هو أن يصبح الاسم مطروحًا ومعروفًا و15 دقيقة من الشهرة أفضل من لا شهرة على الإطلاق.
في المطلق وفي عالمنا العربي، العالمية تصل عبر بضعة مسارات: مسار يوسف شاهين الذي كانت لديه علاقة قوية مع منتجين فرنسيين، ومسار تراكمي يفرض نفسه عبر السنوات، كذلك الذي حظي به التونسي رضا الباهي ولا يزال يحظى به المخرج المصري محمد خان، أو ذلك المسار الذي يقع فجأة ويضع الجميع أمام اكتشافات كما فعل المخرج الكويتي الرائد خالد الصديق، أو كما فعلت هيفاء المنصور وهاني أبو أسعد في السنوات الأخيرة.
اعتماد قائمة أنجح المخرجين العرب، ليس نتاج أهواء خاصة ولا إعجاب نقدي، وبالتأكيد لا علاقة لها بجنسية المخرج وموطنه. في السينما تتساوى الجنسيات كما لو كانت أفق المحيط. وبما أن الحديث عن إنجاز الوصول، أو - بالأحرى - قدر من الوصول، إلى العالمية (بصرف النظر عن المفهوم بحد ذاته، الذي يحتمل أكثر مما ورد أعلاه من تحليل) لمخرجين عرب حققوا أفلاما استثنائية غالبًا لا علاقة له بالموقف النقدي بحد ذاته، فإن العناصر المعتمدة لاختيار العشرة التالية أسماؤهم، هي التالية:
> إنتاج عالمي أو عالمي مشترك جيد.
> موضوع خاص يتميّز برؤية ولغة عرض يمكن معهما نيل إعجاب وفهم الآخرين خارج الحدود.
> عروض في مهرجانات دولية أو إقليمية جادة.
> معالجة تعرف كيف تطرح نفسها وكيف تتواصل مع الآخر.
> وترحيب نقدي عام من قِبل الإعلام في المواقع التي تم عرض الفيلم فيها.
كان يمكن، لو كانت حالة الفيلم العربي مزدهرة، إضافة عنصر العروض التجارية. لكن إذا ما فعلنا ذلك، فإن القائمة سوف تضمحل لما دون الخمسة أشخاص.
القائمة، بالتالي، تقوم على أي فيلم للمخرج الوارد اسمه هنا، استطاع احتواء أكبر عدد من هذه العناصر الخمسة أعلاه. بما أنها المرّة الأولى التي نقدم فيها (والصحافة العربية أساسًا) على مثل هذا المنوال، فإن الإنتاجات ليست بالضرورة حديثة جدًا. يكفي أن تكون من أعمال الأعوام الثلاثة الأخيرة.

هيفاء المنصور (السعودية)
منذ أن حققت فيلمها الروائي الطويل الأول «وجدة»، وهي ما زالت تحلّق على جناحيه. آخر محطاتها كانت الاشتراك في لجنة تحكيم «نظرة ما» في مهرجان «كان» الأخير. ذلك الفيلم تميّز بنجاح تمويله وبموضوعه وقدرته على الطرح والتواصل كما على العروض العالمية التي شملت كل أركان الأرض. النجاح الذي حققته بين المهرجانات الدولية وفي العروض التجارية في غير مكان يكمل المسببات التي من أجلها ما زالت المخرجة السعودية قادرة على التربّع فوق هذه القمّة.

هاني أبو أسعد (فلسطين)
وصل فيلم أبو أسعد الثاني «عمر» إلى الترشيحات النهائية للأوسكار في العام الماضي، وبذلك يكون هذا المخرج الفلسطيني هو العربي الوحيد الذي حقق الوصول إلى هذه المرتبة مرّتين (الأولى سنة 2005). علاوة على ذلك، أنجز ثماني جوائز خارج العالم العربي بدأت في مهرجان «كان» قبل عامين بحصوله على جائزة لجنة التحكيم الخاصة (في تظاهرة «نظرة ما»). كثيرة هي الأفلام التي تدور عن فلسطين، لكن أبو أسعد من بين القلّة التي تجعل الحديث في الموضوع جديدا ومثيرا للنقاش.

عبد الرحمن سيساكو (موريتانيا)
مخرج «تومبكتو» الذي حقق نجاحات نقدية مهمّة عبر العالم طوال العام الماضي ومطلع هذه السنة، مركز اهتمام كل من رغب في مراجعة أعمال وإنجازات السينما الأفريقية. فيلمه هذا كان فرصة للإدلاء بشهادة ضد ما يقع في أفريقيا من حالات تطرّف وإظهار إسلام مختلف، إن لم يكن في الفيلم، ففي شخصية مخرجه، منجزًا 17 جائزة عالمية من بينها «سيزار» الفرنسي لأفضل فيلم.

ناجي أبو نوّار (الأردن)
كان نجاح «ذيب» مفاجئًا: هذا فيلم أول لمخرج جديد قرر أن يدخل العمل بحكاية أردنية صميمة تقع أحداثها خلال رحى التجاذب البريطاني - العثماني على الشرق الأوسط. وقرر أنه يستطيع الاستفادة من تضاريس الصحراء ومكان التصوير بقدر ما يستطيع استثمار موضوعه لفتح نافذة شبه مغلقة على هذه الفترة من أيام «لورنس العرب» (ومن قبل «ملكة الصحراء» الأخير). حقق المخرج النجاح في كل هذه المسافات، وما لبث الفيلم أن قصد المهرجانات العالمية من فينسيا إلى تورنتو ولندن وأبوظبي وسنغافورا وبالم سبرينغز وميامي وسياتل وسيدني من بين أخرى.

جيهان نجيم (أميركية - مصرية)
مخرجة طموحة وتعرف ما تريد الوصول إليه وتحققه. فيلمها «الميدان» (أحد الترشيحات الرسمية لأوسكار أفضل فيلم تسجيلي) ربما أفلت قليلاً من يدها، حيث لم يعرض الصورة حول ثورة الربيع المصرية متوازنة، لكنه اختيار صائب لموضوع آني شهد التفافًا واهتماما عالميًا من حوله. من بين 15 جائزة دولية، نالت جائزة أفضل فيلم تسجيلي لدى جمهور مهرجان تورنتو.

نجوم الغانم
(الإمارات العربية المتحدة)
عربيًا، باتت نجوم الغانم على قدر كبير من الشهرة وسط السينمائيات العربيات العاملات في المجال التسجيلي. هذا تم عبر عدد متراكم ومتواصل من الأعمال التي أحسنت إخراجها من ناحية، والتزمت عبرها بطرح قضايا نسائية تبدو على الورق صعبة، وهي قد تكون، لكنها تتمتع بحسن التنفيذ وآخرها «سماء قريبة». عالميًا، لم تحقق النقلة كاملة بعد لكن بعض المقوّمات والعناصر محتشدة لديها بانتظار خطوتها المقبلة.

محمد خان (مصر)
عبر فيلمه الأخير «فتاة المصنع»، استرد المخرج الدؤوب محمد خان الاهتمام الذي انحسر عنه في السنوات الأخيرة. طبعًا هناك الغياب والتغييب، لكن ذروة أعمال هذا المخرج كانت في الثمانينات عندما أنجز شهرة رديفة لشهرة يوسف شاهين إنما في السينما المستقلة (التي لا تنتمي إنتاجات شاهين إليها). «فتاة المصنع» عرض مصريًا وعربيًا على نطاق واسع وبفضل مهرجان مالماو الدنماركي حط في 12 صالة هناك.

رشيد بوشارب
(فرنسي - جزائري)
فيلمه الأخير «رجلان في المدينة» (تم تصويره في أميركا) استقبل باهتمام أكثر مما استقبل باستحسان. على ذلك بوشارب هو أحد أبرز المخرجين ذوي الأصول العربية العاملين في السينما العالمية اليوم.

وليد الشحي (الإمارات العربية المتحدة)
لو يرجع الزمن إلى الوراء لكان فيلم الشحي «دلافين» أكثر الأفلام العربية استحقاقًا للعروض العالمية، تمامًا كما كان حال فيلم خالد الصديق الأول «بس يا بحر» في السبعينات. فاز «دلافين» بذهبية مهرجان دبي عن جدارة ووضع المخرج على مستهل طريق ينتظر منه الكثير.

إيلي داغر (لبنان)
قد يبدو هذا الاختيار غريبًا، فالمخرج غير معروف لكنه برز إلى العناوين قبل أيام عندما فاز فيلمه «موج 98» بالسعفة الذهبية كأفضل فيلم قصير. هذا وحده يتيح له الانضمام إلى قائمتنا. البقاء فيها رهن المستقبل.



بشير الديك كتب للسينما البديلة والسائدة معاً

أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
TT

بشير الديك كتب للسينما البديلة والسائدة معاً

أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»

بشير الديك، كاتب القصّة والسيناريو لعدد كبير من الأفلام المصرية طوال العقود الأربعين الماضية، الذي توفي في اليوم الأخير من العام الراحل، 2024، كان أحد السينمائيين الخارجين عن قوانين السينما التقليدية في النصف الأول من سنوات مهنته. لكن على الرغم من أنه في النصف الثاني وقّع على أعمال كثيرة من التي يمكن وصفها بالتقليدية، ومن بينها 6 أفلام من بطولة نادية الجندي، فإنه واظب على معالجة نصوصه باحتراف يجمع بين حكايات تحمل مضامين تنتمي إلى نزعة جادة وتنشد ميزانيات كبيرة.

لعل حقيقة أن نادية الجندي كانت تصبو دوماً إلى أدوار تخلّدها وأفلام تحافظ عبرها على مكانتها لعب بشير الديك دوراً في تلبية هذه الرغبات عبر حكايات تشويقية في المقام الأول، وشخصية رئيسية مضخّمة وذلك في أفضل نصوص ممكنة ضمن التوليفة التجارية.

بدأ هذا التعاون على نحوٍ ثلاثي: بشير الديك يكتب، ونادر جلال يُخرِج ونادية الجندي تلعب دور البطولة. هذه الأفلام هي «الإرهاب» (1989)، و«شبكة الموت» (1990)، و«عصر القوّة» (1991)، ومن ثَمّ «مهمّة في تل أبيب» (1992)، و«الشطّار» (1993)، ولاحقاً «امرأة هزّت عرش مصر» (1995).

كمال الشناوي ونادية الجندي في «مهمّة في تل أبيب»

‫اتجاهان‬

بعد بدايات متفاوتة الأهمية من بينها «مع سبق الإصرار» لأشرف فهمي (1979)، و«دعوني أنتقم» لتيسير عبّود (1979)، و«الأبالسة» لعلي عبد الخالق (1980) التحق الديك ببدايات المخرج الراحل محمد خان عبر 6 أفلام هي «الرغبة» (1980)، و«موعد على العشاء» (1981)، و«طائر على الطريق» (1981)، و«نص أرنب» (1983)، و«يوسف وزينب» (1984) و«الحرّيف» (1984) وكلها من أفضل ما حققه خان.

تعامُل الديك مع الموضوعات الجادة التي عرفتها تلك الأفلام سمح له بكتابة واحد من أفضل أعماله وهو «سواق الأتوبيس»، الذي حققه الراحل عاطف الطيب سنة 1982، وكلاهما لاحقاً تعاونا على تحقيق فيلم مهم (أكثر مما كان جيداً) آخر هو «ناجي العلي» (1992). لجانبهما فيلم ثالث هو «ضد الحكومة» (1992) من بطولة أحمد زكي ولبلبة.

في تقييم كتابات بشير الديك تتداخل بعض العناصر التي يمكن إيجاز هذا التقييم عبرها.

من ناحية، حاول دوماً التطرّق صوب قضايا مهمّة تطرح قصصاً ذات جانبٍ وطني مثل «مهمّة في تل أبيب»، الذي دار حول جاسوسة مصرية تعمل لصالح إسرائيل، ومن ثَمّ تندم فتطلب منها الاستخبارات المصرية (ممثلة بكمال الشناوي)، العمل لحساب مصر وتنجح. «ناجي العلي» ينضم إلى هذا النحو من الأعمال.

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

في ناحية أخرى، لم يتأخر عن كتابة ما كان سائداً في الثمانينات والتسعينات من اتجاه صوب الحديث عن مراكز قوى في الشارع المصري والصراع بين الأخيار والأشرار. هذه الموجة لم تعرف بداية ونهاية محدودتين فتاريخها عريق يعود لعقود سابقة، لكنها عرفت في تلك الفترة تدافعاً بين المخرجين للحديث عن تلك المراكز في حارات القاهرة (في مقابل الكثير من صراع الخير والشر على ساحلَي بور سعيد والإسكندرية في أفلام الخمسينات والستينات) في أجواء ليست بعيدة عن الخط الذي وضعه نجيب محفوظ وشخصياته.

مخرجون عديدون حقّقوا هذه الأفلام التي شُكّلت حكاياتها من صراع القوى في الشارع المصري مثل أشرف فهمي («الأقوياء»، 1982)، وأحمد السبعاوي («السلخانة» 1982 و«برج المدابغ» 1983) وكمال صلاح الدين («جدعان باب الشعرية» 1983). لكن من مزايا ما كتبه بشير الديك في هذه الأعمال التي لاقت رواجاً جماهيرياً إنه كتب ما هو أعمق في دلالاته من قصص المعلّم الشرير ضد سكان منطقته وأزلامه الذين يتصدّون للأبرياء إلى أن يخرج من رحم تلك الحارة من يواجههم جميعاً.

بداية من «نصف أرنب» توّجه الديك إلى حكاية تشويقية ذات طابع بوليسي، وفي «سوّاق الأتوبيس» وقف مع ابن المدينة في موضوع حول تفتت المجتمع مادياً. أما في «الحرّيف» فنقل اهتمامه إلى الوسط المهمّش من سكان القاهرة وأحلامهم ومتاعبهم الشخصية.

‫هموم المجتمع‬

ما يجمع بين هذه الأعمال هموم تسلّلت إلى عدد كبير من كتابات بشير الديك السينمائية.

في مقابلة تمّت بين المخرج عاطف الطيب وبيني بعد مشاهدة فيلمه النيّر «سواق الأوتوبيس»، سألت المخرج عن كيف بدأ التفكير في تحقيق «سوّاق الأتوبيس». أجاب: «بدأت الفكرة في جلسة صداقة مع بشير الديك ومحمد خان. وكنا نتحدث بشأن همومنا وطموحنا الخاص لصنع سينما أخرى مختلفة، وكانت الظروف الحياتية نفسها تجمعنا كلنا تقريباً. فقد كنت أشعر في ذلك الوقت بالذنب إزاء فيلمي الأول (يقصد «الغيرة القاتلة»، 1982)، الذي اضطُرِرت فيه إلى الاعتماد على سيناريو مأخوذ عن أصل أدبي (أجنبي) رغم إيماني الدائم بضرورة الكتابة المباشرة للسينما. اقترح محمد خان وبشير الديك فكرة وُضع لها عنوان: (حطمت قيودي)، تدور حول عائلة مهدّدة بالضياع نتيجة فقدان الأب للورشة التي أسسها وبحْثُ الابن، سائق الأتوبيس، عن مخرج من الأزمة بلا جدوى وأعجبتني الفكرة، خصوصاً أنني أميل كثيراً إلى الدراما التي تدور في نطاق عائلة. وبدأنا بالفعل في تطوير الفكرة خلال الكتابة وتبادل الآراء. وكنا كلما نتعمق في الموضوع تتضح لنا أهمية الفكرة التي نريد التعبير عنها. في الكتابة الثانية للسيناريو، وصل الفيلم إلى ما أصبح عليه».

كتب بشير الديك نحو 60 فيلماً ومسلسلاً تلفزيونياً، معظمها جمع هذه الصفات المجتمعية على نحو سائد أو مخفف. هذا ما جعله أحد أبرز كتاب السيناريو في مصر في حقبة كان للسينما البديلة والمستقلة عن السائد دور فاعل في نهضة الفيلم المصري عموماً.

مع الطيّب وخان ورضوان الكاشف ورؤوف توفيق وخيري بشارة ورأفت الميهي وسواهم، ساهم بشير الديك في منح تلك الفترة مكانتها الساطعة التي لا تغيب.