العلاقات السعودية الأميركية مرتكز أساسي لتعزيز أمن واقتصاد المنطقة والعالم

يشكل البلدان دوراً محورياً في جهود ترسيخ السلم الدولي

خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لدى لقائه الرئيس الأميركي جو بايدن في جدة (واس)
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لدى لقائه الرئيس الأميركي جو بايدن في جدة (واس)
TT

العلاقات السعودية الأميركية مرتكز أساسي لتعزيز أمن واقتصاد المنطقة والعالم

خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لدى لقائه الرئيس الأميركي جو بايدن في جدة (واس)
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لدى لقائه الرئيس الأميركي جو بايدن في جدة (واس)

ينظرُ العالم إلى العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة كمرتكز أساسي لتعزيز أمن واقتصاد المنطقة والعالم، لما يُشكله البلدان من دور محوري في جهود تعزيز الأمن والسلم الدوليين انطلاقاً من مكانتهما السياسية والأمنية والاقتصادية وعضويتهما في مجموعة الـG20.

علاقات راسخة
وترتكزُ العلاقاتُ الثنائية بين السعودية والولايات المتحدة على أسس راسخة مبنية على الاحترام والتعاون المتبادل والمصالح المشتركة، وتحظى بمكانة خاصة لدى الجانبين؛ نظراً لتاريخها الذي يعودُ إلى عام 1931م، عندما بدأت رحلة استكشاف وإنتاج النفط في المملكة بشكل تجاري، ومنح حينها المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن حق التنقيب عن النفط لشركة أميركية، تبعها توقيع اتفاقية تعاون بين البلدين عام 1933م دعمت هذا الجانب الاقتصادي المهم الذي أضحى قوة اقتصادية عالمية.
وأسس اللقاءُ التاريخي الذي جمع بين الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن، والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت على متن الطراد الأميركي (يو إس إس كونسي) في 14 فبراير (شباط) 1945م، لعقود من العلاقات والشراكة الاستراتيجية القائمة على الاحترام والثقة المتبادلة بين المملكة والولايات المتحدة.

وكان هذا اللقاء نقطة التحولِ في انتقال علاقات المملكة وأميركا إلى مرحلة جديدة في مختلف المجالات؛ ولتعمل المملكة بعدها على تسخير هذه العلاقة وغيرها من العلاقات الدولية في تلبية مصالحها الوطنية مع دول العالم بما فيها أميركا، وخدمة قضايا الأمتين العربية والإسلامية.
وحظيت المملكة باهتمامٍ عالمي عام واهتمام أميركي خاص؛ نتيجة مكانتها الإسلامية والسياسية والاقتصادية، ويسهمُ الدورُ القيادي للمملكة في العالمين العربي والإسلامي، وموقعها الاستراتيجي، في تعزيز العلاقة الثنائية مع الولايات المتحدة، والحفاظ على استقرار وأمن وازدهار منطقتي الخليج والشرق الأوسط، واستمرار التشاور حول العديد من القضايا الإقليمية والعالمية الحيوية للبلدين.

محطات مهمة
وبرزَتْ في تاريخ العلاقات السعودية الأميركية محطاتٌ مهمة عُدتْ مرتكزاً أساساً في دعم مسيرة العلاقات بين البلدين ومنها الزيارة التي قامَ بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في سبتمبر (أيلول) 2015، للولايات المتحدة؛ تلبية لدعوة من الرئيس الأميركي باراك أوباما، حيث شهدَ البيتُ الأبيضُ عقدَ جلسة مباحثات ثنائية، استعرضت خلالها العلاقات المتينة بين البلدين.
وأكد الملك سلمان في كلمة له خلال الزيارة متانة العلاقات السعودية الأميركية واصفاً إياها بالعلاقات التاريخية.

واستكمالاً لهذه العلاقات المتميزة بين البلدين، وبناءً على توجيهاتِ خادم الحرمين الشريفين، قامَ الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي، بزيارتين رسميتين إلى الولايات المتحدة، وذلك في عامي 2016 و2018.
وكان لهذه الزيارات دورٌ أساسي في تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن، انطلاقاً مما يجمع البلدين من مصالح مشتركة في مختلف مجالات التعاون.

توافق في الرؤى
وعلى الصعيد السياسي تشتركُ كل من السعودية والولايات المتحدة في رؤية متوافقة تجاه أهمية ردع سلوكيات إيران المُزعزعة لأمن واستقرار المنطقة والعالم، وتحييد خطر الميليشيات الإرهابية المدعومة من طهران، وهو ما يجعلُ من استمرارية التواصل والتنسيق على أعلى المستويات أمراً بالغ الأهمية في تعزيز الأمن والاستقرار.

وتؤمنُ الرياض وواشنطن بأهمية جعل منطقة الشرق الأوسط خالية تماماً من أسلحة الدمار الشامل، وهي الرؤية التي ينطلقُ منها البلدان في سعيهما بأن يضمنَ أي اتفاق نووي مع إيران عدم تمكنها من إنتاج قنبلة نووية، تجنيباً للمنطقة سباق تسلح سيكون الخاسرُ فيه أمنَ واستقرارَ المنطقة والعالم.
وفي الشأن اليمني، تؤيدُ الولاياتُ المتحدة جهودَ السعودية؛ لإيجاد حل سياسي شامل في اليمن يضمنُ تحقيقَ أمن واستقرار اليمن.
وتُعد مكافحة التطرف والإرهاب من أهم أوجه الشراكة الاستراتيجية بين السعودية والولايات المتحدة؛ وقد أسهمَ التعاونُ الثنائي المميزُ في هذا المجال في تحقيق العديد من المكتسبات المُهمة في دحر التنظيمات الإرهابية وتحييد خطرها على أمن واستقرار المنطقة والعالم.

ورحبَتِ الولاياتُ المتحدة بجهود السعودية في مكافحة التغير المناخي، وفي مقدمتها مبادرة الشرق الأوسط الأخضر التي أطلقَها ولي العهد السعودي، حيث أعلنَ إطلاقَ الحزمة الأولى من المبادرات البيئية التي تمثلُ استثماراتٍ بقيمة تزيد على 700 مليار ريالٍ.

علاقات اقتصادية قوية
وتربطُ السعودية وأميركا علاقات اقتصادية قوية ومثمرة، حيث يعملُ في السعودية نحو 742 شركة أميركية، في قطاعات مختلفة، وهناك أكثر من 21034 علامة تجارية أميركية في السوق السعودية حتى 2022.
وتُعَد الولاياتُ المتحدة الشريكَ التجاري الرابعَ للسعودية في حجم التجارة، والثاني في قيمة الواردات، والسادس في قيمة الصادرات، بينما تحتل المملكة المرتبة 28 كشريك تجاري لصادرات الولايات المتحدة للعالم، والمرتبة 31 كشريك تجاري لواردات الولايات المتحدة للعالم (2021).

«رؤية 2030» والفرص الواعدة
وتوفر برامج رؤية 2030 والمشروعات الكبرى في المملكة فرصاً واعدة للشركات الأميركية، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية التي تستهدفُها الرؤية، مثل التعدين، والبتروكيماويات، والتصنيع، والطاقة المتجددة، والسياحة، والخدمات المالية، والرعاية الصحية، والأدوية.
وتَتَمَتعُ الرياض وواشنطن بعلاقات ثقافية وتعليمية قوية، إذْ يبلغ عددُ الطلاب السعوديين المبتعثين إلى الولايات المتحدة 21035 طالباً (2022)، تم ابتعاثهم ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، الذي تجاوزَ عددُ المبتعثين السعوديين من خلاله للدراسة في الولايات المتحدة نصف مليون طالبٍ وطالبة منذ إطلاقه في عام 2006.
وسياحياً أسهم إطلاق وزارة السياحة السعودية التأشيرات السياحية في عام 2019 في جذب السياح من الولايات المتحدة الراغبين في استكشاف المملكة، وزيارة مواقعها التاريخية ومناطقها السياحية الفريدة، حيث بلغ إجمالي التأشيرات المصدرة لدخول المملكة من قبل الولايات المتحدة (140832) تأشيرة.

زيارة بايدن
وتأتي زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السعودية لتؤكدَ متانة وعمقَ العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، وأهمية تنسيقهما لمواجهة التحديات المشتركة على المستويين الإقليمي والدولي، وحرصَ الإدارة الأميركية على تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع الرياض، وتأكيداً على دور المملكة الريادي في نشر الأمن والاستقرار للمنطقة.
وتؤكد أن التباين في وجهات النظر بين السعودية والولايات المتحدة في بعض القضايا، لا يقف عائقاً أمام تطوير العلاقات الاستراتيجية بما يسهم في تقريب وجهات النظر بين البلدين. كما تعكسُ نجاحَ سياساتِها الخارجية التي حَددَ قواعدَها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، التي جَعَلَتْ للسعودية دوراً مهماً ومؤثراً في رسم مسار الأحداث الإقليمية والعالمية.
وتكتسبُ زيارة الرئيسِ الأميركية إلى السعودية أهمية خاصة كونها تأتي ضمن أول زيارة له لمنطقة الشرق الأوسط وتُعْقَدُ - خلالها في جدة - قمة سعودية أميركية وقمة خليجية أميركية بمشاركة العراق ومصر والأردن؛ وهو ما يعكسُ مكانة الرياض ودورَها المحوري في أمن واستقرار المنطقة، وحرصَ قيادتي البلدين على تعزيز الشراكة الاستراتيجية بينهما.

ويأتي انعقادُ هذه القمة المشتركة بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز؛ تأكيداً لدور المملكة الريادي، وثقلها ومكانتها العربية والإسلامية والدولية، واستشعاراً لثقلها الاقتصادي العالمي، وانطلاقاً من مسؤوليتها الإقليمية والدولية المترتبة على ذلك، ودورها المحوري في أمن واستقرار المنطقة.
وتهدفُ القمة المشتركة إلى تأكيد الشراكة التاريخية بين هذه الدول، وأهمية التعاون الوثيق والرؤى المشتركة حيال عددٍ من القضايا والأوضاع في المنطقة، وتعميق التعاون المشترك في مختلف المجالات، وأهمية تطوير سبل التعاون والتكامل فيما بين دول القمة، وبناء مشاريع مشتركة تسهمُ في تحقيق تنمية مستدامة في المنطقة، والتصدي الجماعي للتحديات البيئية، ومواجهة التغير المناخي، بما فيها مبادرة السعودية الخضراء ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر التي أعلنَ عنهما ولي العهد الأمير محمد بن سلمانَ، وتطوير مصادر متجددة للطاقة، والإشادة باتفاقيات الربط الكهربائي بين دول مجلس التعاون والعراق.


مقالات ذات صلة

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
الخليج السعودية تطلق خدمة التأشيرة الإلكترونية في 7 دول

السعودية تطلق خدمة التأشيرة الإلكترونية في 7 دول

أطلقت السعودية خدمة التأشيرة الإلكترونية كمرحلة أولى في 7 دول من خلال إلغاء لاصق التأشيرة على جواز سفر المستفيد والتحول إلى التأشيرة الإلكترونية وقراءة بياناتها عبر رمز الاستجابة السريعة «QR». وذكرت وزارة الخارجية السعودية أن المبادرة الجديدة تأتي في إطار استكمال إجراءات أتمتة ورفع جودة الخدمات القنصلية المقدمة من الوزارة بتطوير آلية منح تأشيرات «العمل والإقامة والزيارة». وأشارت الخارجية السعودية إلى تفعيل هذا الإجراء باعتباره مرحلة أولى في عددٍ من بعثات المملكة في الدول التالية: «الإمارات والأردن ومصر وبنغلاديش والهند وإندونيسيا والفلبين».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق «ملتقى النقد السينمائي» نظرة فاحصة على الأعمال السعودية

«ملتقى النقد السينمائي» نظرة فاحصة على الأعمال السعودية

تُنظم هيئة الأفلام السعودية، في مدينة الظهران، الجمعة، الجولة الثانية من ملتقى النقد السينمائي تحت شعار «السينما الوطنية»، بالشراكة مع مهرجان الأفلام السعودية ومركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء). ويأتي الملتقى في فضاءٍ واسع من الحوارات والتبادلات السينمائية؛ ليحل منصة عالمية تُعزز مفهوم النقد السينمائي بجميع أشكاله المختلفة بين النقاد والأكاديميين المتخصصين بالدراسات السينمائية، وصُناع الأفلام، والكُتَّاب، والفنانين، ومحبي السينما. وشدد المهندس عبد الله آل عياف، الرئيس التنفيذي للهيئة، على أهمية الملتقى في تسليط الضوء على مفهوم السينما الوطنية، والمفاهيم المرتبطة بها، في وقت تأخذ في

«الشرق الأوسط» (الظهران)
الاقتصاد مطارات السعودية تستقبل 11.5 مليون مسافر خلال رمضان والعيد

مطارات السعودية تستقبل 11.5 مليون مسافر خلال رمضان والعيد

تجاوز عدد المسافرين من مطارات السعودية وإليها منذ بداية شهر رمضان وحتى التاسع من شوال لهذا العام، 11.5 مليون مسافر، بزيادة تجاوزت 25% عن العام الماضي في نفس الفترة، وسط انسيابية ملحوظة وتكامل تشغيلي بين الجهات الحكومية والخاصة. وذكرت «هيئة الطيران المدني» أن العدد توزع على جميع مطارات السعودية عبر أكثر من 80 ألف رحلة و55 ناقلاً جوياً، حيث خدم مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة النسبة الأعلى من المسافرين بـ4,4 مليون، تلاه مطار الملك خالد الدولي في الرياض بـ3 ملايين، فيما خدم مطار الأمير محمد بن عبد العزيز الدولي بالمدينة المنورة قرابة المليون، بينما تم تجاوز هذا الرقم في شركة مطارات الدمام، وتوز

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم (الخميس)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف في السودان، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضه. وأكد الأمير فيصل بن فرحان، خلال اتصال هاتفي أجراه بغوتيريش، على استمرار السعودية في مساعيها الحميدة بالعمل على إجلاء رعايا الدول التي تقدمت بطلب مساعدة بشأن ذلك. واستعرض الجانبان أوجه التعاون بين السعودية والأمم المتحدة، كما ناقشا آخر المستجدات والتطورات الدولية، والجهود الحثيثة لتعزيز الأمن والسلم الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

غالبية أممية ساحقة تطالب بوقف فوري للنار في غزة

الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال التصويت على مشاريع قرارات بشأن القضية الفلسطينية (إ.ب.أ)
الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال التصويت على مشاريع قرارات بشأن القضية الفلسطينية (إ.ب.أ)
TT

غالبية أممية ساحقة تطالب بوقف فوري للنار في غزة

الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال التصويت على مشاريع قرارات بشأن القضية الفلسطينية (إ.ب.أ)
الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال التصويت على مشاريع قرارات بشأن القضية الفلسطينية (إ.ب.أ)

طالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأكثرية ساحقة، الأربعاء، بوقف فوري للنار في غزة، مؤكدة على دعم وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم في الشرق الأدنى «الأونروا»، في قرارين منفصلين تحركت إسرائيل بقوة لمنع صدورهما.

وصوتت غالبية 158 من الدول الـ193 الأعضاء في الجمعية العامة على قرار يطالب بوقف النار فوراً، فيما رفضت دول القرار تتقدمها الولايات المتحدة وإسرائيل، بالإضافة إلى الأرجنتين، وبابوا غينيا الجديدة، وباراغواي، وتونغا، مع امتناع 13 دولة عن التصويت. وكذلك صوتت غالبية 159 دولة على دعم «الأونروا»، مقابل اعتراض تسع دول، وامتناع 11 دولة عن التصويت.

وتوج التصويت يومين من الخطب التي دعت بأكثرية ساحقة إلى إنهاء الحرب المتواصلة منذ 14 شهراً في غزة بين إسرائيل و«حماس»، والمطالبة بالوصول إلى كل أنحاء القطاع لتوصيل المساعدات الإنسانية.

المندوب الدائم لدولة فلسطين المراقبة في الأمم المتحدة رياض منصور خلال التصويت على مشاريع قرارات بالجمعية العامة (إ.ب.أ)

وخلافاً لقرارات مجلس الأمن الملزمة قانوناً، فإن قرارات الجمعية العامة ليست ملزمة، رغم أنها تعكس الرأي العام العالمي. ولا يوجد حق النقض «الفيتو» في الجمعية العامة، التي لجأ إليها الفلسطينيون وأعضاء المجموعة العربية بعدما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد مشروع قرار عرض على مجلس الأمن في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة. وأيد النص 14 عضواً في المجلس، لكن الولايات المتحدة اعترضت؛ لأنه غير مرتبط بالإطلاق الفوري للرهائن الموجودين لدى «حماس» منذ هجومها في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 ضد إسرائيل، والذي أشعل فتيل الحرب.

الفلسطينيون ممتنون

وعبّر المندوب الدائم لدولة فلسطين المراقبة لدى الأمم المتحدة رياض منصور عن امتنانه للدعم الساحق لكلا القرارين، قائلاً إن التصويت «يعكس عزم وتصميم المجتمع الدولي». وأضاف: «سنستمر في طرق أبواب مجلس الأمن والجمعية العامة حتى نرى وقفاً لإطلاق نار بشكل فوري وغير مشروط، وحتى نرى توزيع المساعدات الإنسانية على نطاق واسع في كل أنحاء قطاع غزة».

وتطالب الجمعية العامة في القرار الأطراف بالامتثال الكامل لالتزاماتها بموجب القانون الدولي فيما يتعلق بالأشخاص الذين تحتجزهم، بما في ذلك الإفراج عن جميع المحتجزين تعسفاً، وعن رفات جميع المتوفين. كما تطالب بتمكين السكان المدنيين في قطاع غزة من الحصول فوراً على الخدمات الأساسية، والمساعدة الإنسانية التي لا غنى عنها، وترفض أي مسعى يستهدف تجويع الفلسطينيين، وتطالب بتيسير دخول المساعدات بتنسيق من الأمم المتحدة إلى غزة. وتشدد على ضرورة المساءلة، وتكرر تأكيد التزامها الراسخ برؤية حل الدولتين الذي يكون فيه قطاع غزة جزءاً من الدولة الفلسطينية، وتعيش بموجبه دولتان ديمقراطيتان، إسرائيل وفلسطين، جنباً إلى جنب في سلام وداخل حدود آمنة ومعترف بها بما يتوافق مع أحكام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. وترفض الجمعية العامة في هذا الصدد أي محاولة للتغيير الديموغرافي أو الإقليمي في قطاع غزة.

المندوب الأميركي البديل لدى الأمم المتحدة روبرت وود خلال إحدى الجلسات في مجلس الأمن (رويترز)

وتعكس لغة هذا القرار نص قرار المجلس الذي أسقطته الولايات المتحدة بحق النقض.

وهذه اللغة أقوى بكثير من قرارات الجمعية العامة التي جرى تبنيها في 27 أكتوبر 2023، والتي دعت إلى هدنة إنسانية فورية ومستدامة تؤدي إلى وقف الأعمال العدائية، وفي 12 ديسمبر (كانون الأول) 2023 طالبت «بوقف إطلاق نار إنساني فوري».

كما كان القرار الذي تم تبنيه، الأربعاء، هو المرة الأولى التي تصوت فيها ألمانيا وإيطاليا، اللتان امتنعتا عن التصويت في ديسمبر الماضي، لصالح وقف إطلاق النار في غزة. وترك دعمهما الولايات المتحدة بصفتها العضو الوحيد في «مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى» الذي لا يزال يعارض.

دعم «الأونروا»

أما القرار الثاني الذي يؤيد تفويض «الأونروا» فيعبر عن استيائه من القوانين التي تم تبنيها من قِبل الكنيست الإسرائيلية في 28 أكتوبر الماضي، والتي تحظر نشاطات الوكالة الأممية في الأراضي الفلسطينية، وهو الإجراء الذي من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ في غضون 90 يوماً.

فلسطيني يحمل جثة طفل قتل بغارة جوية إسرائيلية في مدينة غزة الخميس (أ.ف.ب)

ويؤكد القرار على تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بأن الأونروا هي «العمود الفقري» لجميع العمليات الإنسانية في غزة، ولا يمكن لأي منظمة أن تحل محلها. ويؤكد القرار على ضرورة استمرار «الأونروا» في «عملها دون عوائق».

ويدعو القرار الحكومة الإسرائيلية إلى «الالتزام بتعهداتها الدولية، واحترام امتيازات وحصانات (الأونروا)»، والتمسك بمسؤوليتها عن تسهيل تسليم المساعدات الإنسانية من دون عوائق في كل أنحاء قطاع غزة.

وكرّر المندوب الأميركي البديل لدى الأمم المتحدة روبرت وود معارضة بلاده لقرار وقف النار، وانتقد الفلسطينيين لفشلهم مرة أخرى في ذكر هجوم «حماس» على إسرائيل. وقال: «في الوقت الذي تشعر فيه (حماس) بالعزلة بسبب وقف النار في لبنان، فإن مشروع القرار بشأن وقف النار في غزة يخاطر بتوجيه رسالة خطيرة إلى (حماس) مفادها أنه لا توجد حاجة للتفاوض أو إطلاق الرهائن».

وكذلك أكد وود أن الولايات المتحدة ستواصل السعي إلى حل دبلوماسي للحرب، ووصف «الأونروا» بأنها «شريان حياة حاسم للشعب الفلسطيني»، لكنه استدرك أن قرار «الأونروا» فيه «عيوب خطيرة»؛ لأنه فشل في خلق مسار لاستعادة الثقة بين الوكالة وإسرائيل، رغم الجهود الأميركية في هذا الصدد.

وقبل التصويت مباشرة، اتهم سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون مؤيدي القرار بالتواطؤ مع «حماس» التي «تسللت بشكل يائس» إلى «الأونروا».