اختار صالح محمود من مصر، وعبد اللطيف خالد من السودان، السفر للهند للدراسة في معهد دلهي للعلوم والأبحاث الصيدلانية وكلية الأمين للصيدلة بجامعة بنغالور، على الترتيب. ويعد الشابان من بين عدد من الطلاب الأجانب الذين وقع اختيارهم على الهند لدراسة الصيدلة.
من جهته، أعرب خالد عن ندمه لعدم سعيه للدراسة في الهند قبل ذلك، حيث أهدر عامين في انتظار الحصول على تأشيرة للدراسة في كندا والولايات المتحدة. وأضاف «نظرًا لأنني سوداني، ليس أمامي أمل في الدراسة في الغرب، لأننا من بين الدول الـ15 المحظورة».
أيضا، التحق سعيد خلف، الذي ولد لأسرة تمارس الصيدلة العربية التقليدية في تونس، بدورة لدراسة صناعة العقاقير التقليدية بالهند وتفهم كيفية صناعة تركيبات الأعشاب والنباتات الأخرى التي تستخدم كعقاقير في إطار «أيورفيدا» - الاسم الذي يطلق على الطب التقليدي الهندي. ويسعى سعيد لنيل درجة علمية بهذا المجال من المعهد الهندي للعلوم الصيدلانية الأيورفيدية بغوجارات.
وقد حث خلف أصدقاءه على الاحتذاء بحذوه، وعن ذلك قال «التعليم في الهند مفتوح أمام الجميع داخل مؤسسات عريقة. ونظرًا للشهرة التي بدأ تكتسبها التركيبات الصيدلانية لـ(أيورفيدا) في الغرب، فإن بمقدوري استغلال معرفة أسرتي بالعقاقير العشبية والدرجة العلمية التي نلتها في عقاقير (أيورفيدا) لتحقيق معجزات بمجالي المهني».
يذكر أن كليات الصيدلة الهندية نالت شهرة واسعة، مما زاد الطلب على الالتحاق بها. المعروف أن التعليم بمجال الصيدلة في الهند يركز اهتمامه على الصناعة والمنتجات. وعلى النقيض مما عليه الحال بدول متقدمة، فإن خريجي كليات الصيدلة في الهند يفضلون العمل داخل الصناعة الدوائية.
والملاحظ أن الصناعة الدوائية الهندية حققت إنجازا كبيرا في السنوات الأخيرة، حيث احتلت المرتبة الرابعة عالميًا من حيث الكمية والـ13 من حيث القيمة. وتقدر الصادرات الدوائية الهندية للولايات المتحدة بـ2.6 مليار دولار، إضافة لمبيعات هائلة بالسوق المحلية. والملاحظ أن الهند تتحرك سريعًا نحو التحول لعنصر رائد بالصناعة الدوائية العالمية، مما يتيح فرص عمل وفيرة للطلاب.
* تاريخ الصيدلة
تعد «أيورفيدا» و«سيدا» أقدم الأنظمة الدوائية التقليدية التي ظهرت بالهند. وانتقل «أوناني غريكو» - وهو نظام دوائي عربي - للهند من غرب آسيا. وجاءت الحقبة الاستعمارية حاملة معها نظاما دوائيا غربيا حديثا، ومهدت الطريق نحو ظهور مؤسسات الدواء في الهند. ورغم قدم ممارسة الصناعة الدوائية بالهند فإن الاعتراف بالصيدلة كمهنة جاء في القرن الـ18 فقط. وتعود جذور المؤسسات الصيدلانية الهندية إلى عام 1899 في مادراس، حيث تولت كلية الطب بولاية بنغال عام 1928 تدريب العاملين بمجال الصيدلة. وأطلق البروفسور إم إل شروف، الذي يعد بمثابة الأب الروحي لتعليم الصيدلة بالهند، برنامجًا لمنح درجات علمية بهذا المجال في جامعة باناراس هندو عام 1932. في ذلك الوقت، جرت صياغة المنهج الدراسي كمزيج بين الكيمياء الدوائية والكيمياء التحليلية والصيدلة، مما أعد الخريجين للعمل كخبراء بمجال السيطرة على الجودة ووضع المعايير المرتبطة بالعقاقير لشركات الأدوية، ولكن ليس لممارسة الصيدلة. وقبل نيل الهند استقلالها عام 1947، كانت هناك ثلاث مؤسسات تعليمية تمنح درجات بالصيدلة. ومن داخل هذه المؤسسات، انطلقت الرحلة الطويلة التي قطعتها هذه الصناعة.
عند الاستقلال عام 1947، ورثت الهند نظامًا لمهنة الصيدلة استقته من الحكام البريطانيين. وافتقر هذا النظام إلى التنظيم، ولم تتوافر في إطاره قيود قانونية على ممارسة الصيدلة.
وجاء التنظيم القانوني لمهنة الصيدلة بإقرار قانون الصيدلة عام 1948، وإنشاء مجلس الصيدلة الهندي عام 1949، تحت رئاسة وزارة الصحة، علاوة على إقرار أول تنظيمات تعليمية تتعلق بالصيدلة عام 1953، والتي جرى تعديلها مرارًا في أوقات لاحقة. ويتولى مجلس الصيدلة الهندي تنظيم التعليم والممارسة المهنية المرتبطة بالصيدلة داخل البلاد. ويشرع المجلس التنظيمات المرتبطة بالمستوى التعليمي الأدنى المسموح به للتأهل للعمل بمجال الصيدلة، علاوة على تحمله مسؤولية تسجيل الأفراد المؤهلين للعمل بالمجال وإصدار تصاريح عمل لهم.
* النظام الحديث للصيدلة
شكلت صناعة الأدوية والعقاقير التركيبية، أو الصيدلة، جزءًا من جميع الحضارات القديمة مثل الهند واليونان ومصر والصين واليابان. وتميز العامل بمجال الصيدلة دومًا بالمعرفة الواسعة بالنباتات الطبية والمعادن والسموم. وعلى الصعيد الاجتماعي كان يتمتع بمكانة رفيعة.
أما دارس الصيدلة في عصرنا الحديث فقد انتقل من الأدوار التقليدية وأصبح مؤهلا الآن لتوفير مدخلات حيوية في مجالات متنوعة - مثل الخدمات السريرية ومراجعة سلامة العقاقير وفاعليتها وتوفير معلومات بخصوص العقاقير وتصنيعها وتطوير إنتاجها وضمان جودتها والاضطلاع بالشؤون التنظيمية المرتبطة بها والتدريس بمجال الصيدلة.. إلخ. وترمي مناهج الصيدلة لتخريج خبراء بمجال العلاج الدوائي وتدريبهم لتعزيز الاستفادة من العقاقير لمصلحة المرضى.
* أبرز معاهد الصيدلة
حاليًا، هناك أكثر من 1500 مؤسسة تعليمية تدير برامج متنوعة لمنح شهادات علمية بمجال الصيدلة، وتضم بين جنباتها أكثر من مليون طالب. وتتمثل أبرز خمس مؤسسات في هذا المجال في:
* معهد دلهي للعلوم والأبحاث الصيدلانية، في نيودلهي.
* المعهد الوطني للتعليم والأبحاث الصيدلانية، موهالي.
* المعهد الهندي للتكنولوجيا - جامعة باناراس هندو، في فارانساي.
* جامعة بنجاب، في شانديغار.
* جامعة جادافبور، في كلكاتا.
بجانب الكثير من المؤسسات التعليمية الأخرى المنتشرة بصورة أساسية في جنوب الهند.
بإمكان الأجانب التقدم بطلبات للالتحاق بالمؤسسات التعليمية الصيدلانية الهندية في فئة الطلاب الدوليين. ويتولى مكتب الشؤون الدولية مسؤولية الرد على أي استفسارات بخصوص قبول طلاب دوليين أو برامج الدراسة بالخارج. ويمكن كذلك قبول الطلاب الأجانب تبعًا لبرامج البعثات التي تستوجب وجود مذكرة تفاهم من الدولة التي ينتمي إليها الطالب.
وتهتم المناهج التعليمية بالمؤسسات التعليمية الصيدلانية الهندية أكثر بالصناعة، وتركز بصورة أساسية على تلبية احتياجات الصناعة الدوائية. وتعد الإنجليزية اللغة الوحيدة المستخدمة في التدريس في جميع المؤسسات التعليمية الصيدلانية.
* البرامج التعليمية
تتوافر الدورات العلمية المرتبطة بالصيدلة في الهند لكل من طلاب ما قبل التخرج وما بعده. وتتميز الهند بالكثير من المؤسسات التعليمية الجيدة في هذا الصدد. وتتطلب ممارسة العمل كصيدلي في الهند الحصول على الأقل على دبلوما في الصيدلة. وبعد إنجاز الدراسة الثانوية في تخصص علمي، بمقدور الراغبين في العمل بمجال الصيدلة الالتحاق بالدراسة عامين للحصول على دبلوما في الصيدلة أو الدراسة أربع سنوات للحصول على درجة البكالوريوس. وتتوافر إمكانية الدراسة لنيل أي من الشهادتين بالكثير من المؤسسات التعليمية عبر مختلف أرجاء البلاد. وبإمكان حاملي الدبلومات العمل بقطاع بيع التجزئة أو العمل في الصيدلة في مستشفيات حكومية أو خاصة، أو بإمكانهم اختيار المضي في الدراسة للحصول على البكالوريوس عبر التقدم بطلب للالتحاق بالسنة الثانية من الدراسة للحصول على بكالوريوس الصيدلة.
يستلزم برنامج دبلوما الصيدلة الدراسة لعامين على الأقل، تليها 500 ساعة من التدريب العملي من المنتظر إنجازها في غضون 3 شهور. أما البكالوريوس فيتطلب الدراسة 4 سنوات داخل إحدى الجامعات. وبإمكان الحاصلين على البكالوريوس الحصول على الماجستير عبر الدراسة لعامين إضافيين، يخصص العام الثاني منهما للأبحاث التي تؤدي للتخصص في أي من مجالات الصيدلة. كما تتوافر دورات تعليمية على مستوى درجة الدكتوراه. كما أن هناك الكثير من الخيارات أمام الراغبين في الانضمام لدورات متخصصة، مثل الحصول على درجة الماجستير في الصيدلة أو إدارة الأعمال.
الملاحظ أن هناك طلبا كبيرا على الحاصلين على درجات علمية في ما بعد التخرج، وتعرض عليها الشركات مناصب جيدة بمجالات البحث والتنمية والتدريس.. إلخ. وغالبا ما يخوض الطلاب والمهنيون دورات قصيرة للحصول على دبلومات بمجالات مثل الشؤون التنظيمية وحقوق الملكية الفكرية كي يكتسبوا ميزة تنافسية ويتمكنوا من العمل بالمناصب الإدارية داخل المؤسسات البحثية والشركات.
بصورة عامة، هناك ستة معاهد وطنية لتعليم وأبحاث الصيدلة في الهند توفر إمكانية الحصول على درجات علمية رفيعة المستوى. وقد جرى إنشاء هذه المعاهد بهدف توفير أفضل مستويات التعليم بمجال الصيدلة.
ربما تتمتع الهند بأقدم وأوسع الأنظمة الدوائية. ويشير مصطلح النظام الدوائي إلى الأنظمة التي ظهرت بالهند والأخرى التي ظهرت خارجها وأصبحت متبعة داخل الهند بمرور الوقت. وتتمثل هذه الأنظمة في «أيورفيدا» و«سيدا» و«أوناي» و«هوميوباثي - المعالجة المثلية» و«يوغا» و«ناتشروباثي - المعالجة بالطبيعة». وتملك الهند إمكانات كبرى بهذا المجال نظرًا لمعرفتها التقليدية بمجال طب الأعشاب وتنوعها الحيوي الواسع.
ويقر النظام الهندي الدوائي استخدام أدوية خام يجري الحصول عليها من قرابة 2.400 نوع من أنواع النباتات. وتطرح بعض الكليات الهندية درجات علمية بمجال «أيورفيدا» والأنماط الدوائية الأخرى المشابهة.
ومن بين الدرجات العلمية بمجال «أيورفيدا»:
1. دبلوما في الصيدلة الأيورفيدية (عامان)
2. بكالوريوس في الصيدلة الأيورفيدية (4 أعوام)
3. ماجستير في الصيدلة الأيورفيدية (عامان)
4. ماجستير في النباتات الطبية (عامان)
5. دبلوما في معايير العقاقير الأيورفيدية (عام)
6. ماجستير إدارة الأعمال وهو «مصمم خصيصًا لدارسي الصيدلة» (عامان)
7. دورة بمجال مساحيق التجميل «أيد» (عام)