أيام لا تنسى على خط النار

لم أتردد في تلبية نداء الواجب الإعلامي

مراسل «الشرق الأوسط» محمد العايض على الخطوط الأمامية للحدود السعودية اليمنية («الشرق الأوسط»)
مراسل «الشرق الأوسط» محمد العايض على الخطوط الأمامية للحدود السعودية اليمنية («الشرق الأوسط»)
TT

أيام لا تنسى على خط النار

مراسل «الشرق الأوسط» محمد العايض على الخطوط الأمامية للحدود السعودية اليمنية («الشرق الأوسط»)
مراسل «الشرق الأوسط» محمد العايض على الخطوط الأمامية للحدود السعودية اليمنية («الشرق الأوسط»)

لولا أنها حرب؛ لقلت الله! ما أجملها من تجربة يا ليتها تعود مرة أخرى؛ لأستمتع بمغامراتها الصحافية وجولاتها الحربية. عملية «عاصفة الحزم»، التي شاركت في تغطيتها إعلاميا لصالح صحيفة «الشرق الأوسط»، مندوبا لها في الخطوط الأمامية وعلى خط النار فيما بين الحدود السعودية اليمنية، هي تجربة فريدة لا يمكن نسيانها، بما فيها من لحظات عصيبة متضاربة. فمشاعر التوجس والقلق من أصوات المدافع وأزير الطائرات، اختلطت مع عاطفة الحزن والألم على قتلى أبرياء من اليمنيين على يد المتمردين الحوثيين في اليمن ومن يدعهم من قوات المخلوع صالح.
العملية الحربية التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز تجاوبا مع استغاثة الشعب اليمني وحكومته، لم تكن فرصة سانحة لي كإعلامي سعودي للوقوف في جبهات القتال وميادين الحرب فحسب، بل كانت أيضا فرصة لا تقدر بثمن للإعلام الدولي بمختلف جنسياته وميوله، وخصوصا الغربي منه. يأتي ذلك الانطباع في ظل أن الحروب ليست كرنفالات سنوية، وليست احتفالات متكررة، يستطيع الإعلامي تعويض غيابه عن دورة منها بحضور أخرى، وإنما أحداث انفجارية فجائية دون سابق إنذار في أحيان كثيرة.
الحروب التي ندعو ألا تتكرر، مناسبات استثنائية ووجود الإعلامي بها حدث فريد بالغ الأهمية بالنسبة له؛ لذلك يضع (جنود) الإعلام على مستوى العالم أرواحهم فداء للمشاركة بها، ولنا في الصحافية الأميركية ماري كولفين التي كانت تعمل لحساب صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية على مدى عقدين من الزمن، وضحت بعينها اليمنى خلال تغطيتها لأحداث في سيرلانكا عام 2001، ولم يزدها ذلك إلا إصرارًا على المشاركة في تغطيات مواقع الصراعات والنزاعات، قبل أن تضحي بجسدها كله في فبراير (شباط) عام 2012 خلال قصف الجيش السوري على مدينة حمص. وغير ماري الكثير، رأيت منهم عدة أثناء جولتي على الشريط الحدودي السعودي اليمني بداية من منطقة جازان ومرورا بمنطقة عسير وانتهاء بمنطقة نجران.
تكليفي بالمهمة على خط النار أتاني بغتة باتصال من مدير التحرير، كما باغتت في ليل عملية (عاصفة الحزم)، وقوات التحالف بقيادة السعودية ميلشيات الحوثية وصالح، بغارات جوية مدمرة. لم تزد إجابتي لتلبية نداء الواجب الإعلامي. وتحتم علي إثر ذلك أن أصنع في مخيلتي خريطة ذهنية رئيسية على أساسها أتحرك في مهمتي، فوضعت نصب عيني نقل صورة الأحداث الحالية على الحدود فيما يتعلق بالجانب العسكري فحسب، سواء بريا أو بحريا أو جويا، وتقنين الجوانب الأخرى المتعلقة بالاستعدادات الأمنية أو المدنية الأخرى داخل المناطق كونها جوانب تقليدية. وفي الجانب الكتابي أو التحريري، كنت أميل كثيرا لكتابة التقارير؛ لإيماني أنها قصة الخبر، معتمدا على السؤال ماذا حدث؟ لتأتي إجاباته وصف وتفصيل الأحداث من على خط النار على شكل تقارير يومية.
وجود وسائل إعلام أخرى أسرع في النقل كالتلفاز والإذاعة والصحف الإلكترونية، لم يقلل ثقتي في قدرة «الشرق الأوسط» على المنافسة وربما التميز؛ ليقيني أن الصحافة الورقية ستظل تحتفظ بميزة التفاصيل، تميزها عن غيرها، وأعني بذلك مهمة (تفسير) الأحداث التي تجيدها الصحف الورقية أكثر من غيرها، وما يؤكد ذلك أن المتلقي رغم معرفته بالأخبار سلفا من وسائل الإعلام الأخرى إلا أنه يحرص كثيرا على العودة مجددا للصحيفة الورقية للبحث عن إجابات تفسيرية للأسئلة التي تدور في ذهنه، وغالبا ما تنجح الصحف الورقية في تحقيق مبتغى قرائها. بعد وضع هذه اللبنة من الأفكار والخرائط الذهنية كتوطئة ومدخل لي، بدأ عملي الميداني من على خط النار.
بدأت مهمتي الأولى بزيارة ميدانية إلى جبل دخان بمنطقة جازان الذي يبلغ ارتفاعه 500 متر ويطل على القرى اليمنية. قبل وصولنا حرصت القوات السعودية على أخذ بعض الإجراءات الاحترازية، لكن هذه الاحتياطات دبت الرعب في قلوب أعضاء البعثة الإعلامية التي شملتني ومراسلين أميركيين يعملان لصالح قناة الـ«بي بي سي» البريطانية. في البداية أشار الضابط المرافق إلى أننا سنصعد عربات مصفحة تحسبا لأي طلق ناري من الجوار اليمني الذي لا يفصلنا عنه سوى مئات الأمتار، في الوقت الذي ألزمنا فيها بلبس خوذة لوقاية الرأس، وواقي جسم يزن قرابة 5 كلم، كل تلك الاحترازات، أعطت إيحاءات بأن الوضع محفوف بالمخاطر، خصوصا وأننا كنا نشاهد بالمناظير تحركات عدد من أفراد المتمردين الحوثيين في قرية صعدة اليمنية التي ينتمون لها.
ممثلو وسائل الإعلام الغربي رغم الحذر المخيم عليهم - كونها، أولا وأخيرا، حربًا - كان الحماس يكسوهم وهم يتنقلون في الأماكن الوعرة في المناطق الحدودية في جنوب السعودية، كما هو الحال مع جبال فيفا في منطقة جازان. أتذكر الصحافية الفرنسية كلارونس رودريغيز مراسلة قناة «فرانس 24» التي كانت لافتة بمنظرها وهي تتنقل بخفة بين المواقع، بل عندما اضطررنا للسير قرابة 30 دقيقة وسط مناطق رملية قريبة من صحراء الربع الخالي في قطاع خباش الحدودي بمنطقة نجران، كانت من الأوائل الذين قبلوا بالتحرك سيرا على الأقدام، وفق احتياطات أمنية أشار لها أفراد القوات البرية لنا ونحن هناك. ورغم حماسها الكبير أسرّت كلارونس أن لحظات الرعب مرت عليها في أكثر من موقع أثناء الجولات الميدانية، كما هو الحال مع عدد من نظرائها الغربيين من مراسلي الصحف والقنوات الحاضرين للتغطية.
وبدا ذلك واضحا على الجميع أثناء وجودنا وقت إطلاق المدفعية السعودية لصواريخ على أهداف حوثية حاولت الاقتراب من الحدود السعودية، وعلى أثر قوة المدافع انفجر الكيس الهوائي في إحدى العربات المقلة للإعلاميين على أحد الموجودين بها ليتعرض على أثرها لبعض الإصابات، ليدب القلق في نفوس الجميع. في ذلك الموقف وغيره من رحلتي في الخطوط الأمامية على الحدود السعودية اليمنية شعرت أنها الوهلة الأولى التي تعلمت وسمعت فيها بعبارات تتحدث عن الصحافة على غرار (مهنة المتاعب، السلطة الرابعة وغيرها).
من المواقف والقصص المتفرقة التي ستظل عالقة في ذهني القصة المؤلمة التي نشرناها من على منفذ الطوال الحدودي لمواطن مصري، قتل الحوثيون شقيقه، وطلبه منه اتهام قوات التحالف بجريمة القتل، من خلال تسجيل تلفزيوني بعد أن أخذوا منه مبلغا من المال مقابل تسليم جثة شقيقه دون كفن أو نعش، وانتظرنا على الحدود مع شقيق الضحية قرابة 15 ساعة قبل دخوله المنفذ ومن ثم مستشفى الطوال. ولا أنسى أيضا رحلتي مع القوات البحرية لجزيرة العاشق السعودية وكيف يبقى الجنود السعوديون أمام مرمى النيران لأسابيع بعيدا عن أسرهم، في سبيل حماية أمن بلدهم، ومساعدة أشقائهم في اليمن. أما عن الحرب المتكاملة العدة والعتاد فقد سنحت الفرصة لـ«الشرق الأوسط» كصحيفة وحيدة بدخول تدريب «الصمصام 5» الذي يجمع الجيش السعودي بنظيره الباكستاني، وشاركت فيه أجهزة عسكرية متنوعة ومعدات متنوعة طائرات أباتشي ودبابات وعربات ورأيت القصف بأنواع مختلفة من الأسلحة، فتمثل أمامي المعنى المرعب للحرب، وهي مواقف سبق وأن تكررت كما حدث أثناء مشاهدتي لأرتال القوات البرية السعودية، وهي في اتجاهها للحد الجنوبي لإغاثة اليمنيين وتأمين المواقع على الحدود، كل تلك التجربة جعلتني أخرج بقناعة بأن الصحافيين جنود أكفانهم بين يديهم؛ كون الحرب ليست بالسلاح الحي، وإنما بسلاح القلم أيضا، ولذلك هناك ضرورة ملحة لتأهيل مزيد من المراسلين الحربيين، فلا أحد يعلم ما نحن مقبلون عليه في منطقة الشرق الأوسط الأكثر التهابا.



جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
TT

جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)

بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير الذكاء الاصطناعي ضمان الموضوعية مع التدفّق المعلوماتي المتسارع والمتزايد عبر شبكة الإنترنت، واستخدام وسائل عديدة لضخ مختلف المعطيات والمعلومات، بات من الصعب على المتلقي التمييز بين الحقيقة والدعاية من جهة وبين الإعلام الموضوعي والتأطير المتحيّز من جهة ثانية.

وهكذا، تتأكد أكثر فأكثر أهمية وجود تقنيات التحليل والكشف وتصفية (أو «فلترة») هذا الكم الهائل من المعطيات، توصلاً إلى وقف سيل المعلومات المضللة وإبعاد الإشاعات و«الأخبار المزيّفة»، وجعل شبكة الإنترنت مكاناً آمناً لنقل المعلومات والأخبار الصحيحة وتداولها. والواقع أنه مع التحول الرقمي المتسارع وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، غدت «الأخبار المزيّفة» واحدة من أبرز التحديات التي تهدد المجتمعات حول العالم؛ إذ يجري تداول ملايين الأخبار والمعلومات يومياً، ما يجعل من الصعب على الأفراد - بل وحتى المؤسسات الإعلامية - التمييز بين ما هو صحيح وما هو مزيّف أو مضلِّل، وفي هذا السياق برزت تقنيات الذكاء الاصطناعي كأداة مبتكرة وفعّالة للكشف عن «الأخبار المزيفة» وتحليلها.

تُعرَّف «الأخبار المزيّفة» بأنها محتوى إعلامي يُنشأ ويُنشر بهدف التضليل أو التلاعب بالرأي العام، وغالباً ما يصار إلى استخدامه لتحقيق غايات سياسية واقتصادية أو اجتماعية. وتتنوّع تقنيات إنشاء «الأخبار المزيّفة» بين التلاعب البسيط بالمعلومات... واستخدام تقنيات متقدمة مثل التزييف العميق، الأمر الذي يزيد من تعقيد اكتشافها.

جهود مبتكرة

من هذا المنطلق والمبدأ، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، يقود الدكتور بريسلاف ناكوف، أستاذ ورئيس قسم معالجة اللغة الطبيعية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، جهوداً مبتكرة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وخصوصاً تحليل الطرق المستخدمة في الإعلام للتأثير على الرأي العام. ويبرز ضمن أبرز إسهامات ناكوف تطوير تطبيق «فرابيه - FRAPPE»، وهو أداة تفاعلية مصممة لتحليل الأخبار عالمياً، حيث يقدم التطبيق رؤية شاملة حول أساليب الإقناع والخطاب المستخدمة في المقالات الإخبارية، ما يمكّن المستخدمين من فهم أعمق للسياقات الإعلامية المختلفة. ويشير ناكوف إلى أن «فرابيه» يساعد المستخدمين على تحديد كيفية صياغة الأخبار وتأطيرها في بلدان مختلفة، ما يتيح رؤية واضحة لتباينات السرد الإعلامي.

تحليل أساليب الإقناع

مع أن دراسة أساليب الإقناع لها جذور قديمة تعود إلى الفيلسوف الإغريقي القديم أرسطو، الذي أسس لمفاهيم الأخلاق والعاطفة والمنطق كأساس للإقناع، فإن فريق ناكوف أضاف تطويرات جديدة لهذا المجال.

وعبر تحليل 23 تقنية مختلفة للإقناع، مثل الإحالة إلى السلطة، واللعب على العواطف، وتبسيط الأمور بشكل مفرط، يُسهم «فرابيه» في كشف أساليب الدعاية وتأثيرها على القراء. وتُظهر هذه الأساليب كيف يمكن للإعلام أن يختار كلمات أو صوراً معينة لتوجيه فهم الجمهور. وكمثال، يمكن تأطير قضية تغيّر المناخ كمشكلة اقتصادية أو أمنية أو سياسية، حسب الإطار الذي تختاره الوسيلة الإعلامية.

التشديد على أهمية تقنيات التحليل والكشف و"فلترة" المعلومات لجعل شبكة الانترنت مكاناً آمناً. (رويترز)

تقنية التأطير الإعلامي

أيضاً من الخواص التي يستخدمها تطبيق «فرابيه» تحليل أساليب التأطير الإعلامي، وهنا يوضح ناكوف أن التطبيق يمكّن المستخدمين من مقارنة كيفية تناول وسائل الإعلام للقضايا المختلفة؛ إذ يستطيع التطبيق أن يُظهر كيف تركّز وسيلة إعلامية في بلد معيّن على الجوانب الاقتصادية لتغير المناخ، بينما قد تركز وسيلة إعلامية في بلد آخر على الجوانب السياسية أو الاجتماعية.

وفي هذا السياق، يعتمد التطبيق على بيانات متقدّمة مثل قاعدة بيانات «SemEval-2023 Task 3»، التي تحتوي على مقالات بأكثر من 6 لغات، ما يجعل «فرابيه» قادراً على تحليل محتوى إعلامي عالمي متنوع. ويستخدم التطبيق الذكاء الاصطناعي لتحديد الإطارات السائدة في الأخبار، كالهوية الثقافية أو العدالة أو المساواة ما يساهم في تقديم صورة أوضح للسياق الإعلامي.

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية في تطبيق «فرابيه»؛ إذ إنه يتيح للتطبيق تحليل الأنماط اللغوية التي تؤثر على آراء القراء. وهنا يقول ناكوف، خلال حواره مع «الشرق الأوسط» عن قدرات التطبيق: «يُعد الذكاء الاصطناعي في (فرابيه) عنصراً أساسياً في تحليل وتصنيف واكتشاف الأنماط اللغوية المعقّدة التي تؤثر على آراء القراء وعواطفهم». ويضيف أن هذا التطبيق «يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، مثل الشتائم ولغة الترهيب، والتنمّر والمبالغة والتكرار. ولقد جرى تدريب النظام على التعرّف على 23 تقنية مختلفة غالباً ما تكون دقيقة ومعقّدة في محتوى الوسائط في العالم الحقيقي».

ويتابع ناكوف شرحه: «... ويستخدم التطبيق أيضاً الذكاء الاصطناعي لإجراء تحليل التأطير، أي لتوصيف وجهات النظر الرئيسة التي تُناقش قضية ما من خلالها مثل الأخلاق والعدالة والمساواة والهوية السياسية والثقافية وما إلى ذلك. ويسمح هذا للتطبيق بتمييز الإطارات الأساسية التي تؤثّر على كيفية سرد القصص وإدراكها، وتسليط الضوء على الإطارات المهيمنة في المقالة ومقارنتها عبر مصادر الوسائط والبلدان واللغات».

التحيزات الإعلامية

من جهة ثانية، بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ضمان الموضوعية والتقليل من التحيّز. وفي هذا الجانب، يوضح ناكوف أن «فرابيه» يركّز على تحليل اللغة المستخدمة في المقالات وليس على تقييم صحتها أو موقفها السياسي، وكذلك يعتمد التطبيق على تصنيفات موضوعية وضعها صحافيون محترفون لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، ما يقلل من مخاطر التحيّز.

وبالفعل، تمكن «فرابيه»، حتى الآن، من تحليل أكثر من مليوني مقالة تتعلق بمواضيع مثل الحرب الروسية الأوكرانية وتغير المناخ. ويدعم التطبيق راهناً تحليل المحتوى بـ100 لغة، ويخطط الفريق لتوسيع نطاقه ليشمل لغات إضافية وتحسين دقة التحليل، ما سيعزّز قدرة التطبيق على فهم الأنماط الإعلامية عالمياً.

وفي حين يأمل الباحثون أن يصبح هذا التطبيق أداة أساسية للصحافيين والأكاديميين لفهم أساليب الإقناع والدعاية، يشير ناكوف إلى أهمية تطوير مثل هذه التقنيات لمساعدة الناس على التمييز بين الحقائق والدعاية، خاصة في عصر تزايد استخدام المحتوى «المؤتمت» والمعلومات المضللة. وبالتوازي، يسهم «فرابيه» بدور حيوي في تمكين الجمهور من تحليل الأخبار بطريقة أكثر وعياً وموضوعية، ووفق ناكوف: «في عصرنا الحالي، يمكن أن تُستخدم أساليب الإقناع لتضليل الناس؛ ولهذا السبب نحتاج إلى أدوات تساعد في فهم اللغة التي تشكّل أفكارنا». وبالتالي، من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يصبح «فرابيه» نموذجاً لتطبيقات مستقبلية تسعى لتعزيز الشفافية في الإعلام وتقليل تأثير التضليل الإعلامي.

مكافحة «الأخبار المزيّفة»

في سياق متصل، تمثل خوارزميات الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في مكافحة «الأخبار المزيّفة»؛ حيث تعتمد على تقنيات متقدمة لتحليل النصوص والصور ومقاطع الفيديو.

ومن بين أبرز التقنيات المستخدمة في هذا المجال يمكن أيضاً تحليل النصوص؛ إذ تعتمد خوارزميات معالجة اللغة الطبيعية على تحليل لغة المقالات والتحقق من الأسلوب، واكتشاف المؤشرات اللغوية التي قد تشير إلى التضليل.

كذلك تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي على التحقّق من المصادر، وبالأخص من موثوقية المصادر الإعلامية من خلال تحليل تاريخ النشر والتكرار والمصداقية، والتعرف على التزييف البصري عن طريق استخدام تقنيات التعلم العميق للكشف عن الصور أو الفيديوهات المزيفة باستخدام خوارزميات يمكنها تحديد التلاعبات البصرية الدقيقة.

التحديات المستقبلية

ولكن، على الرغم من النجاح الكبير للذكاء الاصطناعي في هذا المجال، لا بد من القول إن التحديات لا تزال قائمة. من هذه التحديات تزايد تعقيد تقنيات التزييف، بما في ذلك عبر تطوّر تقنيات مثل «التزييف العميق» الذي يزيد مهمة كشف «الأخبار المزيّفة» صعوبة. وأيضاً ثمة مشكلة «تحيّز البيانات (أو المعطيات)» حيث يمكن أن تتأثر خوارزميات الذكاء الاصطناعي ببيانات التدريب، ما قد يؤدي إلى نتائج قليلة الدقة أو متحيزة. وبالطبع، لا ننسى أيضاً إشكالية التنظيم القانوني مع طرح استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا السياق تساؤلات حول الخصوصية والموثوقية والمسؤولية القانونية.