القهوة... مذاق يتجدد وثقافة تتطور

وسائل جذب حديثة تستقطب جيل الكافيين

نكهات حبوب القهوة تجذب إليها مستهلكين جدداً بشكل يومي  -  حبوب القهوة تتنافس على جذب محبيها
نكهات حبوب القهوة تجذب إليها مستهلكين جدداً بشكل يومي - حبوب القهوة تتنافس على جذب محبيها
TT

القهوة... مذاق يتجدد وثقافة تتطور

نكهات حبوب القهوة تجذب إليها مستهلكين جدداً بشكل يومي  -  حبوب القهوة تتنافس على جذب محبيها
نكهات حبوب القهوة تجذب إليها مستهلكين جدداً بشكل يومي - حبوب القهوة تتنافس على جذب محبيها

في رحلة يومية، ينغمس الملايين على وجه الأرض في عالم قهوتهم المفضلة، مدفوعين إليها بفعل رائحتها المميزة ومذاقها المحبب وخلطاتها المتنوعة ونكهة حبوبها المحمصة بدرجات تلبّي نداءات أمزجتهم.
ومع ما تشير إليه التقارير عن تزايد مستهلكي القهوة حول العالم، تتعدد الطرق التي يتناولون بها الناس قهوتهم، لكن يسبق ذلك رحلة طويلة من اختيار نوعية حبوب القهوة ودرجة تحميصها، تمتد إلى أن تبدأ بطريقة زراعة الحبوب وطريقة تجفيفها.
ومع عالمنا الذي يغمره الكافيين، لا تزال القهوة تبوح بأسرارها، جاذبةً إليها عشاقاً جدداً بشكل يومي؛ وذلك مع منتجاتها القادرة على التسلل إلى قلوبهم وثقافة احتسائها التي تتطور وتنتشر، ما جعلها مشروباً يُعتمد عليه بقوة ويُستهلك على نطاق واسع.
أمام هذا الانتشار؛ يؤكد أحمد جمال، أحد الاختصاصيين في مجال التسويق ومُنظم مهرجانات القهوة في مصر، لـ«الشرق الأوسط»: «القهوة لم تعد فنجاناً نحتسيه في المقهى ثم نغادر، فالأمر أصبح أكبر من ذلك بكثير، أعداد عشاق القهوة حول العالم تزايدت خلال السنوات الماضية، وأُرجع ذلك لأسباب كثيرة، حيث تطورت القهوة كثقافة تضم الكثير من التفاصيل مقارنةً بمشروب الشاي على سبيل المثال».
ولفت إلى أن انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وتغلغلها في المجتمعات العربية عمل على زيادة هذه الثقافة، بما أتاحته من تشجيع على التجريب لمختلف الأنواع وشرح لطرق تصنيعها وانفتاح على كيفية أن يقوم الفرد بنفسه بطحن الحبوب واختيار الخلطة (Blend) الخاصة به.
ويتابع: «ثم كان انتشار جائحة فيروس كورونا قبل 3 سنوات عاملاً آخر لزيادة الإقبال على القهوة، بعد أن أغلقت المقاهي والكافيهات أبوابها، فكان البديل هو أن يقوم الفرد بإعداد فنجانه بنفسه، ما جعلها ثقافة تنتشر عبر اختيار النوع المناسب والإضافات للمذاق وفق الرغبة وطرق التحضير».
ويلفت جمال إلى أن فنجان القهوة أصبحت تقف وراءه زراعة وتجارة وصناعة ضخمة، فهناك دول تزرع البن وأخرى تقوم بعمليات التصنيع التالية وعمليات تصدير واستيراد، وبالتالي هي مجال أوسع من الناحية الاقتصادية مقارنةً بمشروبات أخرى.
نفس الأسباب تؤكدها الدكتورة أميرة عبد الباري، الأستاذة بكلية الزراعة جامعة صنعاء مدير فرع «coffee pearl» في اليمن، حيث تقول لـ«الشرق الأوسط»: «ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير ومؤثر خصوصاً بين فئة الشباب في انتشار تناول القهوة، حيث أتاحت المتابعة والمشاهدة لكل ما هو جديد في صناعة القهوة وعملت على جذبهم في تجريب مذاقاتها الجديدة، كما أن تناول القهوة أصبح ثقافة لديهم لأنها تشبع الحاجة في الترويح عن النفس بطرق مناسبة وتجدد نشاطهم بسبب ضغوط الحياة، إلى جانب تنامي ثقافة المقاهي عربياً وارتياد الشباب لها بأعداد كبيرة».
مع هذا التطور هل صعدت أنواع بعينها لدى المستهلك العربي، أم ما زالت الأنواع التقليدية لها الأفضلية؟ يعود جمال للحديث مُجيباً: «أذواق المستهلك اختلفت في الفترة الأخيرة، فنجد أن الإسبريسو والكابتشينو والقهوة الإيطالية بشكل عام اجتذبت شريحة أكبر من الناس ونالت مساحة كبيرة من الاهتمام خصوصاً لدى الشباب بعد أن انتقلت ثقافتها من خلال السوشيال ميديا بعد أن زاد الوعي بنوع القهوة الصحي عن غير الصحي وما يفيد وما يضر منها، حيث أصبح التوجه هو الإقبال على احتساء نوع القهوة المفيد الذي يعطي كامل الفائدة وليس مجرد التذوق فقط وهذا ناتج من أنه كلما زاد الفهم زادت حرية الاختيار».
تؤكد ذلك أميرة التي ترى تنوع مسميات القهوة ومنتجاتها في السنوات الأخيرة، لافتةً إلى أنه إلى جانب اللاتيه والكابتشينو والماكياتو والإسبريسو أصبحت القهوة ثقافة منتشرة في كثير من الدول العربية، بتنوع الطرق في تحضيرها وتقديمها، إلى جانب ما يصاحب احتساءها خصوصاً في دول الخليج العربي من تقاليد وطقوس.
وتستطرد: «أما على مستوى نوع البن والكافيين فنجد أيضاً تنوعاً، فعلى سبيل المثال حبوب القهوة التي تُستخدم في صنع الإسبريسو تكون محمصة بدرجة متوسطة إلى غامقة، أما لو أراد المستهلك كمية زائدة من الكافيين فيجب أن يكون تحميص حبوب القهوة خفيفاً، كما أنه مع وجود 4 أنواع رئيسية للبن حول العالم (أرابيكا، روبوستا، ليبيركا، إكسيلسا)، نجد أنه في بلد منتج للبن مثل اليمن يعد نوع أرابيكا هو السائد والمتداول داخل اليمن بجميع أنواعه من البن الحرازي والخولاني والمطري والحيمي، بينما تتنوع الأصناف الأخرى من روبوستا وليبيركا في الدول العربية غير المنتجة للبن مثل مصر وتونس والسودان وغيرها».
واكب انتشار ثقافة احتساء القهوة قيام الشركات المنتجة للبن بتطوير منتجاتها ومذاقتها، «حيث قامت الشركات بتنويع طرق تقديم القهوة والأصناف التي تعتمد على نوع واحد من الحبوب (سينجل أوريجين)، أو التي تقدم القهوة المتخصصة والتي تستخدم فيها حبوب قهوة ذات جودة عالية (Specialty Coffee)» وفق كلمات الدكتورة أميرة، التي تضيف: «تتنوع وسائل الجذب للمستهلك بتنويع المنتجات المقدمة في السوق والتي تستهدف مختلف رغبات المشتري، وتقدم الكثير من الأنواع والنكهات المختلفة إدخال التحسينات عليها مثل الكاكاو أو الورد أو الهيل في القهوة الساخنة وحتى المثلجة منها، إلى جانب أنواع القهوة التي تؤثر إيجابياً على الصحة، مثل ما يتوفر حالياً من حبوب أو كبسولات القهوة الخضراء التي تستخدم للتخسيس».
يقول جمال: «تزامن مع تطوير القهوة ابتكار المذاقات، وتوسعت الشركات في جلب حبوب البن من مصادر وأماكن الزراعة المختلفة، فكل مكان مذاق وجودة وأسعار، في مصر على سبيل المثال التي ينمو فيها الطلب على القهوة بوتيرة كبيرة، نرى الكثير من الخلطات والتحويجات، حيث دأبت الشركات على وضع الإضافات والخروج بأفكار جديدة تصب في صالح المذاق، بما يلائم كل رغبات المستهلكين».
لذا أصبح من المألوف رؤية الكثير من المطاحن ومحلات بيع القهوة في الشوارع والميادين العربية خلال السنوات الأخيرة، بل أصبح إعداد القهوة مشروعاً صغيراً يعتمد عليه البعض لا سيما الشباب في كثير من البلدان، كما تتبارى علامات القهوة العالمية ورواد صناعتها لتلبية طلب المستهلكين بالوجود في المراكز التجارية وفي محطات الوقود ومواقف السيارات وغيرها.


مقالات ذات صلة

8 فوائد صحية للقهوة السوداء

صحتك فنجان من القهوة السوداء (أرشيفية - رويترز)

8 فوائد صحية للقهوة السوداء

تشير الأبحاث إلى أن تناول القهوة السوداء قد يكون مفيداً للصحة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك رجل يحضّر فنجانين من القهوة بمقهى في كولومبيا (أرشيفية - إ.ب.أ)

ما أفضل وقت لتناول القهوة لحياة أطول؟... دراسة تجيب

أشارت دراسة جديدة إلى أن تحديد توقيت تناول القهوة يومياً قد يؤثر بشكل كبير على فوائدها الصحية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك أظهرت الدراسة أن الأشخاص الذين يتناولون أربعة فناجين من القهوة يومياً تتراجع احتمالات إصابتهم بسرطان الرأس والعنق بشكل عام (رويترز)

دراسة: تناول الشاي والقهوة يقلل مخاطر الإصابة بسرطان الرأس والعنق

كشفت دراسة علمية أن تناول بعض المشروبات الساخنة في الصباح مثل الشاي والقهوة ربما يقلل الإصابة ببعض أنواع السرطان التي تصيب منطقة الرأس والعنق.

«الشرق الأوسط» (سان فرنسيسكو)
صحتك فنجان قهوة (أ.ب)

شرب القهوة قد يضيف عامين إلى عمرك

كشفت دراسة علمية جديدة، عن أن شرب القهوة قد يطيل العمر، حيث يضيف عامين تقريباً إلى العمر.

«الشرق الأوسط» (لشبونة)
صحتك شرب القهوة يزيد من تنوع ميكروبيوم الأمعاء (إ.ب.أ)

كيف تؤثر القهوة في أمعائك؟

كشفت دراسة جديدة عن أن شرب القهوة يزيد من تنوع ميكروبيوم الأمعاء ويعزز نمو البكتيريا المفيد بها، الأمر الذي يؤثر بالإيجاب في صحتنا ككل.

«الشرق الأوسط» (لندن)

المطبخ العراقي على لسان السفراء الأجانب

الطريقة التقليدية لطهي سمك المسكوف (أ.ف.ب)
الطريقة التقليدية لطهي سمك المسكوف (أ.ف.ب)
TT

المطبخ العراقي على لسان السفراء الأجانب

الطريقة التقليدية لطهي سمك المسكوف (أ.ف.ب)
الطريقة التقليدية لطهي سمك المسكوف (أ.ف.ب)

في مقطع فيديو ظهر السفير البريطاني لدى العراق ستيفن هيتش الذي يجيد ليس اللغة العربية فقط، بل اللهجة المحلية العراقية ظهر مع وزيرة الداخلية البريطانية إيفت كوبر في شارع المتنبي وسط العاصمة العراقية بغداد. وشارع المتنبي الذي تعرض للتفجير عام 2006 أيام الحرب الأهلية في العراق أعيد بناؤه بمبادرة من الرئيس العراقي السابق برهم صالح أيام كان نائباً لرئيس الوزراء العراقي عام 2006 بحيث بدا في حلة جديدة تماماً، يجمع بين بيع الكتب وكل أنواع لوازم الثقافة والكتابة، بما في ذلك انتشار عدد من دور النشر والتوزيع فيه إلى انتشار المطاعم والكافيهات والمقاهي وأشهرها المقهى المعروف بمقهى «الشابندر». وهذا الشارع غالباً ما يكون من بين أحد محطات الزوار العرب والأجانب الذي يقومون بزيارات رسمية أو سياحية إلى العراق. ومع أن وسائل الإعلام العراقية تولي أهمية خاصة لهذا الشارع كل يوم جمعة، حيث يزدحم بالزوار والمتبضعين، وذلك للقيام بقصص إخبارية عنه بما في ذلك الفعاليات الثقافية والفنية التي تقام فيه، لكن ما يقوم به بعض السفراء الأجانب لدى العراق ومنهم السفير البريطاني يعد أمراً لافتاً جداً ولا ينافسه في ذلك سوى السفير الياباني الذي غالباً ما يرتدي في بعض المناسبات الشماغ، والعقال العراقي.

ومع كل ما يمكن أن تمثله مظاهر الحياة في العراق بوصفها مادة لوسائل الإعلام وبخاصة العربية والعالمية، لكن غالباً ما يكون المطبخ العراقي هو القاسم المشترك في علاقة السفراء الأجانب في العراق.

دولمة عراقية (أدوبي ستوك)

«لبلبي» في شارع المتنبي

وبالتزامن مع ظهور السفير الياباني لدى العراق فوتوشو ماتسوتو مؤخراً وهو يؤدي النشيد الوطني العراقي مرتدياً الشماغ العراقي كان السفير البريطاني لدى العراق ستيفن هيتش يصطحب وزيرة الداخلية البريطانية إيفت كوبر التي كانت تقوم بزيارة إلى العراق في شارع المتنبي. الوزيرة البريطانية التي كانت تتجول مع السفير بكل حرية في هذا الشارع عبرت عن إعجابها بأكلة شعبية عراقية هي «اللبلبي» وهو الحمص المسلوق بالماء الحار مع إضافة بعض البهارات إليه، مما يعطيه نكهة خاصة. وبعد تناولها هذه الأكلة الشتوية في هذا الشارع العريق عبرت عن حبها لباقي الأكلات العراقية دون أن تشير إليها قبل أن يطلب منها السفير الدخول إلى أحد أشهر المقاهي البغدادية في شارع المتنبي وهو «مقهى الشابندر» لتناول الشاي العراقي المعروف بمذاقه الخاص. ومن الشاي إلى باقي الأكلات التي يشتهر بها المطبخ العراقي مثل أنواع الحلويات التي تشتهر بها بغداد ومحافظات إقليم كردستان، لا سيما ما يعرف بـ«المن والسلوى»، وهو من بين أشهر الحلويات التي كثيراً ما تكون مادة دسمة في التقارير الإخبارية التلفزيونية، فضلاً عن أنواع أخرى من الحلويات وتعرف بـ«الدهين»، التي تشتهر بها كل من مدينتي النجف وكربلاء، وغالباً ما تكون هذه الحلويات من بين أبرز ما يأتي الزوار لتناوله في هاتين المدينتين.

الكبة على الطريقة العراقية (أدوبي ستوك)

«دهين» جينين بلاسخارت

غير أن من أبرز زوار هاتين المدينتين من الزوار الأجانب ممن يترددون عليهما بكثرة للقاء كبار المراجع ورجال الدين هي السفيرة السابقة لبعثة الأمم المتحدة لدى العراق «يونامي» جينين بلاسخارت التي انتهت مهمتها في العراق قبل شهور. ومع أن السفيرة الأميركية إلينا رومانسكي انتهت مدتها في العراق مؤخراً فإنها عبرت عن حبها لنمط آخر من الأكلات العراقية وهي من صلب المطبخ العراقي وهما «الدولما والسمك المسكوف». الممثلة الأممية بلاسخارت كان يطلق عليه لقب «الحجية»، كونها كانت ترتدي أحياناً غطاء الرأس، خصوصاً عندما تلتقي بعض كبار رجال الدين في البلاد. وكونها كانت كثيرة التحرك والسفر بين المحافظات فمن بين المدن التي تتحرك فيها كثيراً مدينتا النجف وكربلاء، وهو ما جعلها شديدة الإعجاب بأكلة «الدهينة».

رومانسكي أعلنت أنها سوف تتذكر من بين ما تتذكره عن العراق أكلتي «السمك المسكوف» و«الدولما» وهما من أشهر أكلات المطبخ العراقي.