رهانات على قمتي «الأوروبي» و«الأطلسي» لتوحيد مواقف الغرب من أوكرانيا

مساعٍ للتركيز على الجهود المشتركة الرامية لوقف الحرب

شولتس وماكرون يقفان أمام «بوابة براندنبيرغ» المضاءة بألوان العلم الأوكراني، 9 مايو (أ.ب)
شولتس وماكرون يقفان أمام «بوابة براندنبيرغ» المضاءة بألوان العلم الأوكراني، 9 مايو (أ.ب)
TT

رهانات على قمتي «الأوروبي» و«الأطلسي» لتوحيد مواقف الغرب من أوكرانيا

شولتس وماكرون يقفان أمام «بوابة براندنبيرغ» المضاءة بألوان العلم الأوكراني، 9 مايو (أ.ب)
شولتس وماكرون يقفان أمام «بوابة براندنبيرغ» المضاءة بألوان العلم الأوكراني، 9 مايو (أ.ب)

لم يكن رد الفعل العنيف لكبار المسؤولين في كييف على دعوة الرئيس الفرنسي إلى «عدم إذلال روسيا» للمحافظة على «خط الرجعة» معها حينما يأتي زمن المفاوضات، سوى تعبير عن عمق الخلافات بين باريس وكييف وداخل الاتحاد الأوروبي ومع الولايات المتحدة حول أهداف الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا التي انطلقت منذ أكثر من مائة يوم. والسؤال المركزي المطروح الذي يشكل شرخاً داخل المعسكر الغربي اليوم، وعلى ضوء مجريات الميدان يمكن صياغته كالتالي: متى يمكن العودة إلى طاولة المفاوضات التي توقفت منذ أسابيع عديدة ووفق أي شروط؟
هذا السؤال سيكون مطروحاً في استحقاقين رئيسيين خلال الشهر الحالي. الأول، في بروكسل بمناسبة قمة الاتحاد الأوروبي، والآخر خلال القمة الأطلسية المنتظرة في مدريد، نهاية يونيو (حزيران). وثمة مخاوف من أن تبرز الانقسامات الأوروبية والغربية بوضوح في هاتين المناسبتين. من هنا، فإن مجموعة من الاتصالات عالية المستوى ستحصل في الأيام القليلة المقبلة لغرض التركيز على القواسم المشتركة التي حافظ عليها الغربيون حتى اليوم، ومنها الاتفاق على فرض حزمة عقوبات سابعة على روسيا، تضمّنت وقف مشتريات النفط الروسي بنسبة 90 في المائة بحلول نهاية العام الحالي، والسعي للتخلص منه نهائياً لاحقاً، في حين مسألة مواصلة استيراد الغاز الروسي تبقى مؤجلة في الوقت الحاضر بانتظار توفير البدائل.
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لم يعد يتردد، وفق تصريحاته الأخيرة، في ربط استئناف المفاوضات بتحقيق قواته «انتصاراً» على القوات الروسية؛ ما يمكّنه عندها من التفاوض من موقع قوة ووفق شروط جديدة مختلفة تماماً عما كان قد عرضه في الأيام الأولى من الحرب، عندما قبل حياد بلاده وعدم انضمامها إلى الحلف الأطلسي، ومناقشة «وضع خاص» للجمهوريتين الانفصاليتين في منطقة الدونباس. وأقصى ما يمكن أن يقبله أن تعود المفاوضات بعد أن تكون القوات الروسية قد أرغمت على العودة إلى المواقع التي كانت عندها قبل 24 فبراير (شباط) الماضي.
أما وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا، فقال، إن بلاده ليست في حاجة إلى اتفاق سلام يجمّد الصراع الراهن، أو لا يأخذ بعين الاعتبار مصالح البلاد. ونقلت وكالة «بلومبرغ» للأنباء عن كوليبا القول لصحافيين في كييف، إنه لن يتم الالتفات لأي اتفاقيات لا تلبي مصالح أوكرانيا. وقال، إن «أوكرانيا ليست في حاجة إلى مينسك3»، في إشارة إلى اتفاق سلام سابق. وأضاف، أنه لن يتم القبول «بخطوط تقسيم أو وقف لإطلاق النار يجمد الوضع لسنوات ويزيد أمد الألم والمعاناة».
وثمة من لا يتردد في المزايدة على زيلينسكي من داخل مجموعة بلدان البلطيق الثلاثة (أستونيا ولتونيا ولاتفيا)، إضافة إلى الولايات المتحدة وبريطانيا. وآخر ما جاء على لسان رئيسة وزراء أستونيا كاجا كالاس، التي تعكس وجهة نظر جماعية، وفق ما نقلت عنها صحيفة «لو موند» الفرنسية في عددها ليوم أمس، اعتبارها أن الدعوات لوقف إطلاق النار اليوم «مبكرة»، وأن الأولوية تكمن في «تحطيم الآلة العسكرية الروسية».
وبحسب مصادر أوروبية في باريس، فإن مجموعة «الصقور» تذهب أبعد من ذلك؛ إذ تعتبر أن الحرب يجب أن تنتهي ليس فقط بطرد القوات الروسية من منطقة الدونباس ومن المناطق التي احتلّتها جنوب البلاد بفضل العمليات العسكرية الأخيرة، ولكن أيضاً استرجاع أوكرانيا شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في العام 2014. ويراهن أصحاب هذا التيار على وصول المزيد من الأسلحة المتطورة من الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض البلدان الأوروبية الأخرى لتمكين القوات المسلحة الأوكرانية من وقف تقدم القوات الروسية، ودفعها لاحقاً إلى التراجع. وما تريده دول البلطيق لا يختلف كثيراً عما يسعى إليه الطرف الغربي الأقوى، أي الولايات المتحدة، التي كشف وزير دفاعها الجنرال لويد أوستن، عن أن غرض الحرب هو «إضعاف القوات الروسية»، إضافة إلى منعها من أن تكرّر في مكان آخر ما تقوم به في أوكرانيا. وصدرت تصريحات أخرى من مسؤولين أميركيين كبار تذهب في الاتجاه عينه.
بيد أن هذه المقاربة تبدو، بالنسبة لأطراف أوروبية رئيسية مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا وغيرها من البلدان مثل بلجيكا واليونان والمجر، محفوفة بالمخاطر. وبحسب المصادر المشار إليها، فإن خطرها الأول يكمن في أن الحرب ستطول انطلاقاً من اعتبار أن الميزان العسكري يميل، حتى اليوم، إلى جانب القوات الروسية رغم المقاومة الشرسة التي تبديها القوات الأوكرانية. والاعتبار الثاني أن الرئيس بوتين الذي تراجعت قواته من محيط العاصمة كييف ومدينة خاركيف، ثاني أكبر المدن الأوكرانية، أفقد الجيش الروسي الكثير من هيبته بحيث بانت نقاط ضعفه التي يتعين طمسها من خلال النجاحات المرتقبة أكان في وضع اليد تماماً على منطقة الدونباس بحدودها الإدارية أو السيطرة على مناطق إضافية جنوب البلاد.
ورغم أن هذه المصادر تعترف أن لا أحد اليوم قادر على التنبؤ بخطط بوتين وبأهدافه الحقيقية، فإنها لا تستبعد أن سيطرة قواته على الدونباس هي «المدخل» للعودة إلى جولة من المفاوضات الجدية التي سيسبقها وقف لإطلاق النار. وترى مصادر فرنسية، أن المفاوضات السابقة التي جرت في بيلاروسيا أو في تركيا أو عن بعد «لم تكن جدية؛ لأنها حصلت على أصوات المدافع والقصف. وبالتالي لا يمكن توقع قيام مفاوضات من نوع آخر بعيداً عن وقف إطلاق النار». وتشير هذه المصادر إلى ما جاء الأسبوع الماضي على لسان الناطق باسم الرئاسة الروسية بيسكوف، الذي قال، إن بلاده «حققت بعض النتائج» في الحرب الدائرة؛ ما يمكن فهمه على أنها قادمة على تحقيق ما بقي لها من أهداف.
ولذا؛ فإن الأطراف الأوروبية «المعتدلة» التي تقف إلى جانب أوكرانيا وتوفر لها السلاح، ولكن ليس بقدر ما توفره واشنطن وتسعى لتعزيز وضعها العسكري وتراكم العقوبات الاقتصادية والمالية على روسيا، ترى أن الأولوية اليوم هي لوقف إطلاق النار ثم الجلوس إلى طاولة المفاوضات. وتدفع هذه الأطراف عن نفسها تهمة «السذاجة» في التعاطي مع روسيا ومع الرئيس بوتين التي تريد إبقاء قناة اتصال قائمة معه من أجل تشجيعه على الحوار وعلى قبول وقف لإطلاق النار وما يستتبعه. ثم إذا كان هدف الحرب إلحاق الهزيمة بالرئيس الروسي، فإنها قد حصلت في ضواحي كييف وفي الخسائر الكبيرة التي أصابت قواته وفي استحالة تنفيذ أهدافه الأولى من الحرب التي كانت تشمل إسقاط النظام واجتثاث «النازية» وفرض الاعتراف بسيادة روسيا على شبه جزيرة القرم واستقلال جمهوريتي الدونباس.
يبقى السؤال: هل ستنجح قمتا بروكسل ومدريد في ردم الهوة بين فريقين متناقضين، أم أن مواقفهما غير قابلة للتجسير؟ الجواب في المقبل من الأيام.


مقالات ذات صلة

زيلينسكي يدعو إلى  تحرك غربي ضد روسيا بعد الهجمات الأخيرة

أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يدعو إلى  تحرك غربي ضد روسيا بعد الهجمات الأخيرة

دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الغرب إلى التحرك في أعقاب هجوم صاروخي جديد وهجوم بالمسيرات شنتهما روسيا على بلاده

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)

الكرملين: التصريح الأخير لترمب بشأن أوكرانيا «يتماشى تماماً» مع الموقف الروسي

نوّه الكرملين الجمعة بالتصريح الأخير لدونالد ترمب الذي اعترض فيه على استخدام أوكرانيا صواريخ أميركية لاستهداف مناطق روسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا القوات الأوكرانية تقصف مواقع روسية على خط المواجهة في منطقة خاركيف (أ.ب)

مسؤول كبير: أوكرانيا ليست مستعدة لإجراء محادثات مع روسيا

كشف أندريه يرماك رئيس مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقابلة أذيعت في وقت متأخر من مساء أمس (الخميس) إن كييف ليست مستعدة بعد لبدء محادثات مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عسكري أوكراني يحتمي أمام مبنى محترق تعرَّض لغارة جوية روسية في أفدييفكا (أ.ب)

قتال عنيف... القوات الروسية تقترب من مدينة رئيسية شرق أوكرانيا

أعلنت القيادة العسكرية في أوكرانيا أن هناك قتالاً «عنيفاً للغاية» يجري في محيط مدينة باكروفسك شرق أوكرانيا، التي تُعدّ نقطة استراتيجية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ تشمل المعدات المعلن عنها خصوصاً ذخيرة لأنظمة قاذفات صواريخ هيمارس وقذائف مدفعية (رويترز)

مساعدات عسكرية أميركية إضافية لأوكرانيا بقيمة 500 مليون دولار

أعلنت الولايات المتحدة أنها ستقدم معدات عسكرية تقدر قيمتها بنحو 500 مليون دولار لدعم أوكرانيا، قبل نحو شهر من تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».