الائتلاف السوري يعرض وثيقة انتقالية تبقي مؤسسات الدولة

مشاورات مكثفة في جنيف قبل اجتماع دولي ثلاثي

عناصر من البحرية الروسية قرب سفينتهم الحربية المكلفة تأمين نقل الكيماوي السوري في ميناء ليماسول بقبرص أمس (أ.ف.ب)
عناصر من البحرية الروسية قرب سفينتهم الحربية المكلفة تأمين نقل الكيماوي السوري في ميناء ليماسول بقبرص أمس (أ.ف.ب)
TT

الائتلاف السوري يعرض وثيقة انتقالية تبقي مؤسسات الدولة

عناصر من البحرية الروسية قرب سفينتهم الحربية المكلفة تأمين نقل الكيماوي السوري في ميناء ليماسول بقبرص أمس (أ.ف.ب)
عناصر من البحرية الروسية قرب سفينتهم الحربية المكلفة تأمين نقل الكيماوي السوري في ميناء ليماسول بقبرص أمس (أ.ف.ب)

بعد أن تعثرت المفاوضات بين وفدي النظام والمعارضة السورية في اليوم الثالث من الجولة الثانية، تتجه الأنظار إلى الجهود الدبلوماسية لدفع عملية التفاوض للتعامل مع الواقع السياسي والأمني في سوريا. ويجتمع ممثل الأمم المتحدة والجامعة العربية الأخضر الإبراهيمي مع وكيل وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف ووكيلة وزير الخارجية الأميركية ويندي شيرمان اليوم، بعد أن اجتمع الإبراهيمي بغاتيلوف صباح أمس. ومنذ وصول وكيل وزير الخارجية الروسي إلى جنيف الليلة قبل الماضية، أجرى مشاورات مكثفة مع وفد الحكومة السورية والإبراهيمي ودبلوماسيين في جنيف، بينما كانت المعارضة تتطلع إلى اجتماع مع غاتيلوف ولكن حتى مساء أمس لم يحدد موعد لذلك.
وعقد الإبراهيمي جلسة تفاوض صباح أمس استمرت حوالي ساعتين مع وفدي النظام والمعارضة من دون إحراز تقدم بين الطرفين، إذ كان هدف جلسة أمس بحث آلية العمل على هيئة الحكم الانتقالي وهي القضية الجوهرية التي ذكرت في دعوة الأمم المتحدة للطرفين للتفاوض، مع العمل على وقف العنف في البلاد. إلا أن وكيل وزير الخارجية السوري فيصل مقداد كرر رفض حكومته بحث قضية هيئة الحكم الانتقالي في الوقت الراهن. وقال مقداد: «العمل على وضع حد للإرهاب سيستغرق المزيد من الوقت»، مضيفا في تصريحات للصحافيين بعد إنهاء جلسة أمس أن «عدم الالتزام بتسلسل بنود بيان جنيف سيشكل كارثة»، في إشارة إلى أن بيان جنيف يذكر هيئة الحكم الانتقالي في الفقرة السابعة من بيان جنيف، على الرغم من أن الدعوة لمفاوضات جنيف تشير إلى «اتخاذ خطوات أساسية بدءا بهيئة الحكم الانتقالي» لإنهاء الصراع في البلاد. واعتبر المقداد أن التفاوض بالتوازي حول مكافحة الإرهاب وهيئة الحكم الانتقالي «فكرة وهمية ولا يمكن أن تقود إلى أي تفاهم أو حل، الحل هو بالتسلسل في بيان جنيف وأي ابتعاد عن هذا التسلسل هو وصفة لقتل محادثات جنيف». ولكن الإبراهيمي كان قد طرح آلية التفاوض بالتوازي بدلا من الالتزام بقضية واحدة للتفاوض.
وعبر المقداد عن موقف الحكومة السورية الرافض للتفاوض حول هيئة الحكم الانتقالي مما يعثر المفاوضات، بينما قدم الائتلاف الوطني السوري وثيقة توضح رؤيته السياسية لهيئة الحكم الانتقالي في سوريا في جلسة التفاوض مع الإبراهيمي ووفد النظام أمس. ولم تقدم الحكومة السورية رؤيتها على الرغم من أن ذلك كان مطلب الإبراهيمي لاجتماع اليوم. وأفادت عضوة الوفد المعارض ريما فليحان لـ«الشرق الأوسط» أن الإبراهيمي تسلم وثيقة «بيان المبادئ الأساسية لاتفاق التسوية السياسية لمؤتمر جنيف للسلام وقبلها ولكن لم نستمع إلى أي رد من النظام السوري». وأضافت أن «النظام أصر على مواصلة الحديث عن الإرهاب ولم يطرح أي وثائق». وكان رئيس الوفد السوري بشار الجعفري منفعلا خلال الجلسة واتهم المعارضة بـ«الكذب» في الوثيقة التي قدمها قبل يومين وعددت المجازر التي ارتكبتها قوات تابعة للحكومة السورية ودونت من قبل منظمات دولية منها الأمم المتحدة.
ووصف مصدر دبلوماسي غربي مطلع على سير المفاوضات الوضع بأنه «مسدود، ولكن التحركات الدبلوماسية هدفها الآن فتحها من جديد». وبعد أن كان اللقاء الثلاثي بين الإبراهيمي وشيرمان وغاتيلوف مجدولا ليوم غد (الجمعة)، قدم إلى اليوم (الخميس) بهدف الاتفاق على بعض النقاط الأساسية والضغط على وفد النظام للتفاوض الجدي قبل انتهاء الجولة الحالية من المفاوضات السبت. كما أن روسيا حريصة على دفع المفاوضات قبل بدء مشاورات مجلس الأمن اليوم حول قرار ملزم للحكومة السورية للسماح بدخول المساعدات الإنسانية. وكرر غاتيلوف موقف بلاده أمس بـ«رفض أي قرار» حول فرض قرار دولي لإدخال المساعدات الإنسانية. وتقدم وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة فاليري أموس تقييمها للوضع الإنساني لمجلس الأمن اليوم مما يتوقع أن يضمن انتقادا للحكومة السورية والجماعات المسلحة لمنع دخول المساعدات.
ومن جهة أخرى، طرح الائتلاف السوري أمس وثيقة متكاملة لتصوره لمبادئ الحل السياسي في سورية. وطالب وفد المعارضة باعتبار «اتفاق التسوية السياسية المتوافق عليه بين الطرفين السوريين المشاركين في مؤتمر جنيف الثاني للسلام، يعد بمثابة إعلان دستوري مؤقت» وهي النقطة الأولى من بيان المبادئ الأساسية التي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها.
وتشدد الوثيقة على ضرورة حماية مؤسسات الدولة السورية، إذ تشير إلى أن «هيئة الحكم الانتقالي ستحافظ على سيادة واستقلال الدولة السورية ووحدة، وسلامة الأراضي السورية بشكل كامل.. واتخاذ ما يلزم من قرارات وإجراءات تفضي إلى انسحاب كافة الجهات العسكرية الخارجية والمقاتلين الأجانب من كافة الأراضي السورية». وتضيف الوثيقة «أهمية استمرار المؤسسات الحكومية والموظفين من ذوي الكفاءات، فمن الواجب المحافظة على خدمات المؤسسات العامة وإعادة تقييم دورها ووضع خطط للرقي بها وفق المعايير المهنية العالمية والمعايير الدولية لحقوق الإنسان وقوانين العمل والعمال، وعبر دراسة وإصلاح بناها التنظيمية ومهامها ويشمل ذلك الجيش والقوات المسلحة وهيئات وأفرع الاستخبارات ودوائر الأمن وكمبدأ عام يحتفظ بكافة موظفي الدولة والقطاع العام وإعادة التقييم المهني لهم وتأمين برامج التدريب وإعادة التأهيل للرقي بإمكاناتهم أن لزم». وكان من اللافت الإشارة إلى دوائر الأمن والاستخبارات في الوثيقة، من دون الإشارة إلى محاسبة من تلطخت أيديهم بالدم أو ثبتت الجرائم عليهم. ولكن تفيد الوثيقة بأنه «على كافة المؤسسات الحكومية بما فيها الجيش والقوات المسلحة والاستخبارات ودوائر الأمن أن تؤدي عملها تحت سيادة القانون وبما يتماشى مع معايير حقوق الإنسان والمعايير المهنية العالمية، وأن تعمل تحت قيادة عليا تكون محل ثقة الشعب وتخضع كاملا لسلطة هيئة الحكم الانتقالي».
يذكر أن المذكرة لا تشير إلى مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد أو حزب البعث، ولم يذكرا في الوثيقة، سعيا من المعارضة إلى عدم استفزاز وفد النظام أو مؤيديه وبحثا عن أرضية مشتركة لدفع العملية السياسية. وتشير الوثيقة إلى أن «هيئة الحكم الانتقالي هي الهيئة الشرعية الوحيدة المعبرة عن سيادة واستقلال الدولة السورية وهي المخولة فقط بتمثيل الدولة»، مضيفة أن «المهمة الرئيسة لهيئة الحكم الانتقالي هي خلق بيئة محايدة يمكن لعملية الانتقال السياسي التي تلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري».

* لقطات من جنيف

* الإبراهيمي لم يعقد مؤتمرا صحافيا أمس، ليكون اليوم الثاني الذي لا يعقد فيه مؤتمرا صحافيا خلال الجولة الثانية من المفاوضات، بعد أن كان يعقد مؤتمرا صحافيا يوميا خلال الجولة الأولى من المفاوضات. وأوضح المبعوث الدولي أنه لن يعقد مؤتمرات صحافية إذا لم يكن لديه من جديد ليعلن عنه.
* من المتوقع أن تنتهي الجولة الثانية من المفاوضات السورية السبت المقبل، وقال أعضاء من وفد المعارضة إنهم يتوقعون المغادرة في ذلك اليوم، بينما أفاد أعضاء من وفد الحكومة أنهم ينون المغادرة الأحد. وحتى مساء أمس، لم يحدد الإبراهيمي موعدا لانتهاء الجولة الثانية من المفاوضات.
* عضو من وفد المعارضة السورية وصف جلسات المفاوضات بـ«جلسات وثائق»؛ إذ يطرح الطرفان وثائق من دون أن يناقشها أحد.
* بعد انتهاء جلسة التفاوض ظهر أمس، توجه أعضاء من وفدي الحكومة والمعارضة السورية لموقع تجمع الإعلاميين، وتحدثا مع الإعلاميين في مواقع مختلفة من الحديقة الخلفية لمقر الأمم المتحدة. وعادة ما يفضل الوفدان الالتقاء بالصحافيين على حدة، ولكن هذه المرة كانت مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان ووزير الإعلام السوري عمران الزعبي يتحدثان مع إعلاميين، غالبيتهم أجانب.. بينما أعضاء الائتلاف الوطني السوري أنس العبدة وأحمد الجقل وغيرهما تحدثا مع إعلاميين على الطرف الآخر من الحديقة.
* لوحظ زيادة عدد رجال الشرطة المحيطين بنائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد خلال مؤتمره الصحافي أمس، وهو الوحيد الذي يكون بالقرب منه رجال شرطة من قوات الأمم المتحدة خلال التحدث مع الصحافيين، بينما باقي أعضاء الوفد السوري الذين يتحدثون للإعلام عادة ما يكون معهم مرافقون سوريون ضمن الوفد الرسمي.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».