هناك لغز محير للغاية فيما يتعلق بمسيرة بول بوغبا المخيبة للآمال مع مانشستر يونايتد، بعد 6 سنوات للاعب الفرنسي في «أولد ترافورد». لقد انضم بوغبا إلى مانشستر يونايتد مقابل 93.2 مليون جنيه إسترليني، كأغلى صفقة في إنجلترا في ذلك الوقت، وهي الصفقة التي وُصفت بأنها «انقلاب» لمانشستر يونايتد، عندما انضم للنادي في صيف عام 2016.
من المؤكد أن اللاعب الفرنسي يمتلك قدرات وفنيات هائلة، كما انضم إلى مانشستر يونايتد وهو يملك خبرات وبطولات كثيرة بالفعل؛ حيث كان قد حصل على لقب الدوري الإيطالي الممتاز 4 مرات، ووصل إلى المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا مع يوفنتوس، كما وصل إلى المباراة النهائية لكأس الأمم الأوروبية 2016 مع منتخب فرنسا.
وبعد انتقاله إلى مانشستر يونايتد بعامين، قاد منتخب بلاده للفوز بكأس العالم، وأحرز هدفاً رائعاً بالقدم اليسرى في المباراة النهائية للمونديال، وهي المباراة التي فازت فيها فرنسا على كرواتيا بأربعة أهداف مقابل هدفين، كما تم تداول لقطات له قبل المباراة النهائية وهو يتحدث ببراعة، ويحفز زملاءه على تقديم أفضل ما لديهم داخل الملعب، وهو ما يُظهر أنه يمتلك الصفات والمؤهلات التي تجعله قائداً حقيقياً.
لكنه لم يُظهر هذه القدرات والإمكانيات الكبيرة إلا على فترات متباعدة ومحدودة، وبالتالي فإن «الانقلاب» الذي كان متوقعاً عند انضمامه إلى مانشستر يونايتد لم يحدث أبداً! لقد فشل بوغبا في تقديم مستويات جيدة بشكل مستمر، بالشكل الذي نراه مثلاً مع كيفن دي بروين أو برناردو سيلفا مع مانشستر سيتي. وفي حقبة ما بعد السير أليكس فيرغسون، كان مانشستر يونايتد دائماً في حاجة ماسة إلى لاعب كرة قدم من الطراز الرفيع، يكون قادراً على رفع مستوى زملائه من حوله، والوصول بهم إلى المستوى المطلوب. لكن توقعات ما كان يمكن أن يقدمه بوغبا مع مانشستر يونايتد كانت سخيفة وغير منطقية في حقيقة الأمر، كما لو أن بوغبا كان يمكنه أن يلعب الدور نفسه الذي لعبه النجم الأرجنتيني الراحل دييغو أرماندو مارادونا مع نابولي الإيطالي، خلال الفترة بين عامي 1984 و1991، ويمكنه بمفرده تحويل مانشستر يونايتد إلى فريق قادر على حصد البطولات والألقاب بشكل متواصل.
كلما كان يُنظر إلى بوغبا على أنه المنقذ، كان يبدو مخيباً للآمال (غيتي)
لكن العكس هو ما حدث في واقع الأمر. وكلما كان يُنظر إلى بوغبا على أنه المنقذ، كان يبدو مخيباً للآمال بشكل أكبر. وكان مانشستر يونايتد يعاني من فوضى كبيرة داخل وخارج الملعب، ولم يكن بوغبا يقدم مستويات جيدة إلا على فترات متباعدة، فما السبب في ذلك؟ السبب الرئيسي في ذلك هو أن بوغبا كان يلعب بجوار لاعبين متوسطي المستوى. ففي أول موسم له في الدوري الإنجليزي الممتاز، كان زميله في خط الوسط هو باستيان شفاينشتايغر البالغ من العمر 32 عاماً الذي كان قد تراجع مستواه بشكل ملحوظ منذ فترة طويلة ثم تم استبعاده بعد ذلك من قبل المدير الفني البرتغالي جوزيه مورينيو. أما اللاعب الآخر في وسط الملعب آنذاك، وهو مورغان شنايدرلين، فلم يلعب في ذلك الموسم سوى 3 مباريات فقط كبديل في الدوري الإنجليزي الممتاز. وكان المهاجم السويدي زلاتان إبراهيموفيتش يبلغ من العمر 34 عاماً؛ لكنه ساهم بـ17 هدفاً في الدوري. وكان ثاني أكثر اللاعبين مساهمة في إحراز الأهداف هو خوان ماتا بستة أهداف، ثم بوغبا في المركز الثالث بخمسة أهداف.
فهل كانت وظيفة بوغبا الأساسية هي إحراز أهداف أكثر؟ وهل كان من نوعية اللاعبين الذين يمكنهم اختراق دفاعات الفرق المنافسة، أم كان من نوعية اللاعبين الذين يلعبون من منطقة جزاء فريقهم حتى منطقة جزاء الفريق المنافس، ويقومون بأدوارهم الدفاعية والهجومية على النحو الأمثل؟ أم كان يمكنه التحرك بسهولة على طريقة ديفيد سيلفا مع مانشستر سيتي؟
يبدو أنه لم يكن هناك أحد في مانشستر يونايتد يعرف إجابات على هذه الأسئلة بالضبط! وينطبق الأمر نفسه أيضاً على المشجعين والنقاد؛ لكن المفارقة الغريبة تكمن الآن في أن بوغبا يرحل في التوقيت نفسه الذي يأتي فيه المدير الفني الهولندي إيريك تن هاغ الذي يبحث عن لاعب خط وسط بقدرات معينة يملكها بوغبا، عندما يكون في أفضل حالاته!
وتتمثل أولوية تن هاغ الأولى في تحسين مستوى خط الوسط، والفريق كله. فلو كان بوغبا يلعب في مانشستر سيتي مثلا، فإنه كان سيلعب إلى جوار كوكبة من النجوم، مثل كيفن دي بروين، وبرناردو سيلفا، ورودري، وفيل فودين، وكايل ووكر، وروبين دياز، وآخرين، وهو ما يعني أن التركيز عليه لن يكون كبيراً، وهو ما يساعده على التألق بشكل أكبر. ولو كان بوغبا يلعب لأي فريق آخر غير مانشستر يونايتد، وأصبح متاحاً في سوق الانتقالات في صفقة انتقال حر، فمن المؤكد أن تن هاغ كان سيطلب من مدير الكرة بمانشستر يونايتد، جون مورتوغ، وضع اللاعب البالغ من العمر 29 عاماً ضمن القائمة المختصرة التي تضم اللاعبين الذين يسعى النادي لضمهم، جنباً إلى جنب مع لاعب خط وسط برشلونة فرينكي دي يونغ!
لكن بوغبا يرحل الآن عن مانشستر يونايتد، بعدما تعرض لانتقادات لاذعة من الجمهور والخبراء ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين يُبرر انتقادهم الشديد له عدم قدرتهم على فهم الفارق الدقيق في الأسباب وراء «فشله» في ملعب «أولد ترافورد».
لقد تحول بوغبا إلى ضحية لنادٍ يعاني من سوء الإدارة بشكل هزلي، وفشل في الحصول على أي لقب للدوري منذ وصول اللاعب الفرنسي إلى «أولد ترافورد» أو في المواسم الثلاثة السابقة لذلك. كان من المفترض أن ينهي بوغبا هذه السنوات العجاف؛ لكن اتضح أن هذا كان دائماً حلماً بعيد المنال. وبدلاً من ذلك، تعرض النجم الفرنسي لانتقادات وضغوط هائلة، ربما بسبب قصات الشعر ذات الألوان المختلفة وابتسامته الدائمة! إنه لم يسيطر على خط الوسط أو يتفوق على الفرق المنافسة وهو يلعب في مركز الجناح الأيسر أو صانع الألعاب، تحت قيادة مورينيو وأولي غونار سولسكاير ورالف رانغنيك. 3 مديرين فنيين اعتقدوا أنه قادر على القيام بهذا الدور؛ لكنهم أصيبوا بخيبة أمل. وعندما تولى رانغنيك القيادة الفنية للفريق في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كان بوغبا يعاني من الإصابة التي أبعدته عن الملاعب حتى أوائل فبراير (شباط). ومع اقتراب عقد اللاعب من نهايته وعدم رغبته في التوقيع على عقد جديد، كان رانغنيك رافضاً لذلك، وقال: «لن أقول إنه لا يستحق الاحتفاظ به؛ لكن يتعين على اللاعبين أن تكون لديهم رغبة في اللعب لنادٍ كبير مثل مانشستر يونايتد».
ويمكننا أن نقرأ من بين هذه السطور أن بوغبا لم يعد يرى مانشستر يونايتد «نادياً كبيراً» يمكنه الفوز بالبطولات والألقاب، والتي كان آخرها الدوري الأوروبي عام 2017، والتي سجل بوغبا في المباراة النهائية لها. كان رانغنيك قد أدلى بهذه التصريحات في ديسمبر (كانون الأول)، وبحلول فبراير تغيرت طريقته في الحديث، ربما بعدما أدرك خلال التدريبات أن بوغبا أفضل من بقية لاعبي الفريق؛ حيث قال المدير الفني المؤقت: «سأكون متحمساً لرؤية كيف يعمل بول بوغبا. يمكنه أن يرينا ويري الفريق والمشجعين والجميع في إنجلترا ما هو المستوى العالي الذي يمكنه تقديمه».
لكن ذلك لم يحدث قط؛ حيث كان الهدف الذي أحرزه في مرمى أياكس في المباراة النهائية للدوري الأوروبي التي فاز فيها مانشستر يونايتد بهدفين دون رد، مجرد لمحة لا نراها إلا كل فترة طويلة، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق أيضاً على اختياره ضمن فريق العام لرابطة اللاعبين المحترفين لموسم 2018-2019 (الموسم الذي سجل فيه بوغبا 13 هدفاً كأكثر لاعبي خط الوسط تسجيلاً للأهداف في الدوري). وكان بوغبا هو اللاعب الوحيد من خارج مانشستر سيتي الفائز باللقب، أو ليفربول صاحب المركز الثاني، الذي صوت له زملاؤه لإدراجه في التشكيلة المثالية للموسم.
وقال بوغبا على «إنستغرام» يوم الأربعاء: «أشعر بالفخر لأنني لعبت لهذا النادي. لدي عديد من اللحظات والذكريات الجميلة؛ لكن الأهم من ذلك هو الدعم غير المشروط الذي حصلت عليه من الجماهير. شكراً لكم».
والآن، يرحل بوغبا كما جاء: لاعب كرة قدم يمتلك إمكانيات وقدرات هائلة؛ لكنه يبحث عن فريق يناسبه!
بوغبا: ضحية نادٍ يعاني من سوء الإدارة
اللاعب رحل كما جاء إلى مانشستر يونايتد... موهوب يبحث عن فريق يناسبه!
بوغبا: ضحية نادٍ يعاني من سوء الإدارة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة