«من قلب النجع»... مهن شعبية في غياهب النسيان

تنوعت ما بين البهجة والتسلية والعلاج

TT

«من قلب النجع»... مهن شعبية في غياهب النسيان

تتعدد الفنون الشعبية في مصر وتتنوع من بيئة لأخرى، مثل مثيلاتها في بلدان العالم، وفي كتابه «من قلب النجع - فنون شعبية من صعيد مصر» الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب يرصد الباحث يسري أبو القاسم مفردات عالم من الحميمية والشجن يزخر به التراث الشعبي الذي انقرض تماما أو مهدد بالانقراض في جنوب البلاد، ساعيا لتوثيق بعض ملامح ثقافة شفاهية كاد أن يطويها النسيان في عصر التكنولوجيا والإنترنت.
يستهل الباحث كتابه بفصل عن المهن القديمة التي لم يعد لها وجود ومنها مهنة «المنادي».
كانت كلمات «المنادى» المصاحبة لطبلته الصغيرة تطرق أذنيك وأنت جالس في بيتك فتسترق السمع إليها لتتعرف على الشيء المفقود في القرية. وكانت شخصية المنادي تفرض نفسها بقوة في الصعيد «الجواني» فلكل قرية مناد تراه يتجول في دروبها حاملا طبلة مصنوعة من الفخار وجلد الأرنب.
ومن تلك المهن أيضا مهنة «المزين»، الذي كان له دور محوري في مجتمع القرية فما من بيت إلا وطأته قدماه وغالبا كان يتمرد على مهنته الرئيسية وهي قص شعر الفقراء والبسطاء نظير نقود زهيدة أو ما يعادلها من بيض أو حفنة من قمح أو ذرة أو شعير، إلى مهن أخرى تتطلب الدراسة في كلية الطب. أما كبراء القرية فكان المزين يذهب إليهم في بيوتهم وحين يفرغ من عمله يرجع إلى بيته ليستريح ويتناول وجبة الغداء. في المساء يخرج حاملا حقيبة صغيرة من القماش أو البلاستيك بها بعض المحاقن الزجاجية ليمارس مهنة الطب فيقوم بحقن المرضى من أهل القرية بعد تعقيم هذه المحاقن في الماء المغلي (قبل ظهور المحاقن البلاستيكية)، كما يقوم بتطهير الجروح بعد العمليات الجراحية بل كان المزين يجري بنفسه عملية جراحية مثل فتح الدمامل وتطهيرها.
ثم يتحول المزين من الطبيب الجراح إلى طبيب الأسنان فيخرج من جرابه آلة تشبه الكماشة كانوا يلقبونها في الصعيد بـ«الكلبة» ولا نعرف السر وراء تسميتها بهذا الاسم، ربما لأنها تشبه عضة الكلب في شدتها!
هناك أيضا مهنة «السقا»، ففي كل قرية بالصعيد كانت توجد عائلة تسمى «السقاقوة» تنحصر مهمتها في حمل الماء من نهر النيل إلى البيوت مقابل «الخينة» وتعني الحبوب سواء كانت قمحا أو شعيرا أو ذرة. وقبل أربعة قرون ظهرت الطلمبات فدخلت كل البيوت فلم يعد للسقا دور ولم تطأ قدمه بيوتات القرية التي كان يدخلها صباحا ومساء حيث كان أهلها ينتظرونه بفارغ الصبر فأضحت قربته المصنوعة من جلد الماعز تراثا معلقا على جدار بيته لتذكره بأيامه الخوالي، ولسان حاله يقول لابنه «أبوك السقا مات» على غرار المثل الشعبي الشهير.
ولمهنة «سيدة الوشم» طقوس خاصة، كما يذكر الكتاب، فهي امرأة عجوز تجلس القرفصاء ممسكة بإبرة تثقب بها كفا أو وجها أو ساق امرأة أو رجل أو طفل، لتجري عملية الوشم الذي كان ينقسم إلى قسمين، الأول للزينة أما الثاني فللعلاج، وإذا تفحصت أشخاصا تجاوزوا الأربعين من الصعيد فستجد وشما في عدد منهم فوق المعصم وحين تسأله عن سر هذا الوشم فسيخبرك بأن جدته وشمته من أجل الزينة والبهجة. هذا فيما يخص وشم الأطفال، أما وشم السيدات فكان يتمثل في رسم ثلاثة خطوط أسفل الفم أو على الجبهة وثلاث دوائر فوق المعصم، أما الوشم العلاجي فتجده فوق المفاصل مثل المعصمين والركبة أو الكعب. كانت عملية الوشم مؤلمة جدا حيث تقوم «سيدة الوشم» بثقب الجلد بإبرة حتى ينزف دما ثم تقوم بسكب لبن الماعز دون غيره على المكان المثقوب فيتحول مكان الجرح المخضب باللون الأحمر إلى اللون الأخضر ويبقى على هذه الحال حتى الموت ولا يمكن إزالته إلا بإجراء عملية جراحية. ورغم أن هذه المهنة اندثرت ببدائيتها، الى أنها عادت للظهور مع تطور التكنولوجيا، وأصبحت تشكل قاسما مشتركا لدى كثير من شعوب العالم.
ويعد «التحطيب» من الألعاب التقليدية الباقية في الصعيد وأصبحت من الفولكلور، حيث يتنافس رجلان كل منهما يحمل عصا ويحاول بها ضرب الآخر فيقوم بصدها، وهي لعبة تعتمد على سرعة البديهة و الحركة والهزيمة في عرفها تسمى «باب». ولم تكن اللعبة بهدف التسلية فقط بل كانت بهدف اكتساب مهارة تفادي الضرب بالعصا وقت المعركة الحقيقية. وكانت تستخدم بقصد التفاخر وإظهار الشجاعة والقوة فالفوز على الخصم يعد انتصارا معنويا كبيرا ويكون مثار حديث قد يمتد ﻷيام .
ويسهب المؤلف في الحديث عن ظاهرة «العديد» وهو نوع من أنواع الرثاء عبر شعر عامي بلهجة الصعيد الجواني التي يجتر أهلها الحزن، فما من بيت هناك إلا ودخله «العديد» بعد وفاة أحدهم بساعات. والعديد إبداع في نظمه ولحنه وغنائه وإن اختلف البعض معه لأنه يلهب المشاعر ويقلب المواجع ويضاعف الأحزان والهدف من حفظه وتدوينه ليس إحياءه بل رصده فقط. كما أنه رثاء نسائي لا يعرف الرجال عنه شيئا تنظمه النسوة في بيت الميت وقت العزاء وله طقوسه الخاصة.
ومن الأمثال الشعبية التي يتوقف عندها المؤلف «خد المجنونة وأمها عاقلة ومتاخدش (لا تأخذ) العاقلة وأمها مجنونة»، فهذا المثل عبارة عن وصية للراغب في الزواج حتى يحسن الاختيار ويتزوج من امرأة والدتها عاقلة، فإن غضبت أو جنحت في عصبيتها ردتها أمها إلى جادة الصواب، أما إن كانت الأمور على عكس ذلك فلن يسلم الزوج من تدخل الأم التي ستحرض ابنتها على افتعال المشكلات التي قد تؤدي إلى الطلاق!
ومن الأمثال التي تحض على التعامل بفطنة ووعي مع نوعية معينة من البشر مثل يقول «لا تعاتب العايب ولا ترقع الدايب» وهو أشبه بالمثل القائل «عتاب الندل جناية» لذا يجب الانصراف عنه، فلا جدوى من نصحه أو عتابه فهو كالثوب المهلهل ولن يفلح الرتق في إصلاحه .
يقع الكتاب في 166 صفحة من القطع الكبير وقد بذل المؤلف فيه جهدا واضحا، ومن الواضح أن خلفيته كمحرر صحفي وصعيدي ساعدت في أن تأتي لغة الكتاب سلسة بلا تعقيد.



أسواق 2024: الكتب الأكثر مبيعاً... الخاسرون والرابحون

 «من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر
«من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر
TT

أسواق 2024: الكتب الأكثر مبيعاً... الخاسرون والرابحون

 «من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر
«من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر

ككل نهاية سنة ينشر الإعلام الفرنسي قائمة بالكتب والإصدارات التي سجَّلت أقوى المبيعات على مدار السنة. النتائج تُنشر بناءً على أرقام معاهد الإحصاء المختصة، مثل «إيدستا» أو «داتاليب»، ولكن أيضاً انطلاقاً من الأرقام التي أعلنت عنها دور النشر، وهي لا تأخذ بعين الاعتبار القيمة الأدبية للإصدارات، بل النجاح التجاري فقط، حيث يحدث أن نجد في أسفل القائمة كتباً قيّمة لاقت ترحيب النقاد لكنَّ الإقبال الجماهيري عليها كان ضعيفاً.

من هذا المنظور تُوجت دار نشر «ألبان ميشال» هذه السنة «ملكة للمبيعات»، حيث سجلت بفضل غزارة ونوعية الأعمال التي أشرفت على نشرها هذه السنة، أكبر النجاحات. أول هذه الأعمال كانت رواية «من أجل عيون منى» للكاتب والباحث في تاريخ الفن توماس شيسلر، وهي الرواية التي فاقت منذ صدورها كل التوقعات، إذ حازت اهتماماً إعلامياً واسعاً، كما تُرجمت إلى 32 لغة بما فيها العربية، وبيعت بأكثر من 390 ألف نسخة (أرقام خاصة بفرنسا) وهي تروي قصّة «منى»، طفلة في العاشرة تصاب بتوقف تدريجي للبصر، فيقرر جدها معالجتها على طريقته الخاصة بأن يصطحبها في كل أسبوع إلى أكبر متاحف فرنسا لتتأمل روائع الفن العالمي.

«مذكرات» لجوردن بارديلا

من الأعمال الناجحة أيضاً الرواية الرابعة للكاتبة فاليري بيران «تاتا» وهي بوليسية نفسية تروي قصة كوليت، امرأة مختفية تقوم ابنة أختها بالتحقيق في سبب اختفائها لتكتشف أن لخالتها حياة مزدوجة. هذه الرواية بيعت بأكثر من 250 ألف نسخة وهو نفس الإنجاز الذي وصلت إليه رواية «نادل فندق الريتز» للكاتب فيليب كولين، وهي القّصة الحقيقية لفرانك مايير، أشهرا نادل في باريس إبان حقبة النظام الفيشي. «ألبان ميشال» كانت أيضاً المؤسسة التي نشرت السيرة الذاتية لرئيسة وزراء ألمانيا السابقة أنجيلا ميركل بعنوان «الحرية: الذكريات 1954 - 2021» التي تروي فيها مسيرتها السياسية عبر أكثر من 700 صفحة. ورغم أن الكتاب بيع منه نحو 350 ألف نسخة فإن الإنجاز لم يكن في مستوى توقعات وآمال الناشر على اعتبار أنه دفع أكثر من 400 ألف يورو في مزاد علني خاص (حسب مصادر مجلة «لكسبرس») مقابل الحصول على حقوق النشر، ناهيك بمصاريف الترجمة والدعاية والتوزيع، خصوصاً إذا ما قورن بما حققته دار نشر «فايار» مع الطبعة الفرنسية لمذكرات ميشال أوباما مثلاً، التي بيع منها داخل فرنسا 500 ألف نسخة وأكثر من عشرة ملايين في العالم. سنة 2024 أكدت أيضاً صحة الآراء التي ترى أن الجوائز تسهم في الترويج للكتب ورفع المبيعات، فعلى الرغم من الجدل الكبير بخصوص قضية نشر قصّة سعادة عربان البطلة الحقيقية لـ«الحوريات» لكمال داود دون إذنها، فإن الرواية تمكنت من تحقيق نجاح تجاري كبير منذ صدورها في 15 أغسطس (آب)، إذ بيع منها حتى الآن أكثر من 390 ألف نسخة، متبوعة برواية «جاكاراندا» التي يواصل فيها الكاتب غاييل فاي استكشاف إشكالات المنفى والذاكرة والهويات المتعددة من موطنه رواندا. هذه الرواية كانت تنافس «الحوريات» على جائزة «غونكور» لكنها ختمت السنة بجائزة «رونودو»، وبيع منها أكثر من 250 ألف نسخة، وهي الثانية لفاي بعد ثماني سنوات على صدور عمله الروائي الأول «البلد الصغير». أقل منهما حظاً الكاتبة هيلين غودي، فرغم ترحيب النقاد بعملها وترشحها للقائمة الصغيرة لـ«غونكور» فإن عملها الروائي لم يلقَ الرواج المتوقَّع، حيث لم تَبِعْ من روايتها «الأرخبيل» سوى 4000 نسخة منذ صدورها.

«تاتا» لفاليري بيرن

سنة 2024 تميزت أيضاً بنجاح الكتب السياسية لشخصيات من اليمين المتطرف، أهمها إصدارات تابعة لدار نشر «فايار» التي أصبحت مِلك رجل الأعمال فنسان بولوري المعروف بقربه من تيار اليمين المتطرف. أهم هذه الإصدارات السيرة الذاتية لجوردان برديلا، رئيس حزب التجمع الوطني، وهي بعنوان «عن ماذا أبحث؟»، حيث لاقت إقبالاً كبيراً وبيع منها 150 ألف نسخة، إضافةً إلى كتاب فيليب دو فيليي، وهو شخصية سياسية محافظة من اليمين المتطرف سجّل كتابه «مبيد الذاكرة» أكثر من 140 ألف نسخة، في الوقت الذي سجلت فيه كتب الشخصيات اليسارية أمثال الرئيس السابق فرانسوا هولاند، وآن هيدالغو، عمدة باريس، فشلاً ذريعاً، حيث بيع من عمل الرئيس السابق 6000 نسخة، و السيدة هيدالغو 250 نسخة فقط.

على أن روايات الجريمة والتشويق تبقى الأكثر شعبية.

على رأس القائمة الرواية البوليسية «حيوان متوحش» للكاتب السويسري جويل ديكير وهي من نوع المغامرات البوليسية، وحازت رواجاً شعبياً كبيراً وبيعت بأكثر من 420 ألف نسخة. تليها الرواية الجديدة لغيوم ميسو «شخص آخر»، وهي من النوع البوليسي أيضاً وبيع منها 390 ألف نسخة.

«فادي الأخ المسروق» لرياض سطوف

ودائماً في عالم الجريمة تَحوَّل الطبيب الشرعي البلجيكي فيليب بوكسو إلى نجم المكتبات الفرانكوفونية بفضل كتب استلهمها من خبرته في تشريح الجثث وأسلوبه المتسم بروح الفكاهة اللاذعة. وقُدرت مبيعات كتابه الأخير «في مواجهة الموت» بـ300 ألف نسخة.

والجديد هذه المرة اقتحام القصص المصوَّرة وسلاسل المانغا بقوة سوق الكتب. حيث نقلت وسائل الإعلام الفرنسية النجاح الساحق الذي سجَّله المؤثر الشاب «أنوكس تاغ» بسلسلة المانغا «الغريزة» أو «أنستا»، (دار نشر «ميشال لافون»)، التي بيع منها 265 ألف نسخة بعد شهرين فقط من صدورها، إضافةً إلى سلسلة الرسوم المصّورة: «أنا فادي... الابن المسروق» للرسّام السوري الفرنسي رياض سطّوف الذي يعد من الأسماء المتعودة على احتلال صدارة قوائم الكتب الأكثر مبيعاً (بيست سيلرز) في فئة القصّص المصورة (بي دي)، فهو معروف بسلسلة «عربي من المستقبل» التي أصدر منها 6 مجلدات، وهي سيرة ذاتية هزلية عن حياته من الطفولة في سوريا وليبيا إلى حياته في المهجر. «عربي من المستقبل» كانت قد حازت بها عدة جوائز منها «الجائزة الكبرى لمهرجان أنغولام» أما السلسلة الجديدة فقد بيع منها أكثر من 350 ألف نسخة.