«داعش» يستولي على تدمر الآثرية منتزعًا للمرة الأولى مدينة من الجيش النظامي

النظام قال إنه انسحب بعد إجلاء الأهالي.. والمعارضة تنفي وتحذر من استهدافها بالطيران

مقاتلو تنظيم «داعش» قبل ساعات من سيطرته على المدينة (أ.ب)
مقاتلو تنظيم «داعش» قبل ساعات من سيطرته على المدينة (أ.ب)
TT

«داعش» يستولي على تدمر الآثرية منتزعًا للمرة الأولى مدينة من الجيش النظامي

مقاتلو تنظيم «داعش» قبل ساعات من سيطرته على المدينة (أ.ب)
مقاتلو تنظيم «داعش» قبل ساعات من سيطرته على المدينة (أ.ب)

سيطر تنظيم «داعش» بالكامل على مدينة تدمر بوسط سوريا، بما في ذلك المنطقة الأثرية من المدينة، ما يفتح الطريق أمامه نحو البادية السورية الممتدة من محافظة حمص، حيث تقع تدمر، حتى الحدود العراقية شرقا. وبعد دخول التنظيم إلى تدمر بات القلق اليوم على «الحجر» و«البشر» في ظل الخوف على مصير آثار المدينة والعائلات المحتجزة فيها، والتي باتت تعاني من وضع إنساني صعب بعد أيام على المعارك بين قوات النظام والتنظيم.
وقال التنظيم في بيان نشر على موقع «تويتر» يوم أمس، إنه بات يسيطر بالكامل على مدينة تدمر السورية بما في ذلك المطار العسكري والسجن. وقال البيان: «بعد انهيار قوات النظام النصيري وفرارهم مخلفين وراءهم أعدادا كبيرة من القتلى ملأت ساحة المعركة، فلله الحمد والمنة».
وهذه هي المرة الأولى التي ينتزع فيها التنظيم مدينة بشكل مباشر من أيدي الجيش السوري والقوات المتحالفة معه، بعد أن انتزع الرقة وريف حلب وجزءا من دير الزور وريفه من يد المعارضة.
ووصف الناشط محمد حسن الحمصي المتحدر من تدمر ما حصل في تدمر بـ«انهيار قوات النظام التي انسحبت من دون مقاومة تذكر».
وأقر الإعلام الرسمي السوري من جهته بانسحاب قواته، وجاء في خبر لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا): «انسحبت قوات الدفاع الشعبي من أحياء تدمر بعد تأمين خروج معظم الأهالي واستقدام تنظيم داعش الإرهابي أعدادا كبيرة من إرهابييه». وفي حين أشار المرصد إلى أن «قسما من السكان نزح إلى حمص، بينما لازم آخرون منازلهم»، نفى ناشطون ما أعلنته وسائل إعلام النظام لجهة تأمين خروج المدنيين، وقالت «تنسيقية الثورة السورية في تدمر» على صفحتها، أمس: «ادعى إعلام النظام إخلاءه للمدنيين من سكان المدينة وترحيلهم إلى مناطق آمنة لحمايتهم من المعارك الدائرة في المدينة ومحيطها. وعليه ننوه بأن هذا الكلام غير صحيح إطلاقا، وأن النظام وشبيحته منعوا أهالي المدينة من مغادرتها حتى من حي إلى آخر في داخل المدينة»، معتبرة أنّ النظام يروّج هذه المسرحيات «لكي يبرر قصفه للمدينة وسكانها فيما بعد بحجة عدم وجود سكان».
كذلك، نفى المركز الإعلامي لمدينة تدمر، موضحا: «إذا كان النظام يتحدث عن عمليات إجلاء فإنه بالتأكيد يتحدث عن إجلاء للنخبة من ضباطه المقربين، بطائرات الهيلكوبتر من فرع الأمن العسكري في تدمر قبل ساعات من انسحابه من المدينة ليقصفها طيرانه بعدها».
وتقع مدينة تدمر بالقسم الشرقي لمحافظة حمص وتعتبر مدينة استراتيجية، حيث تقع في وسط البلاد وتتصل مع المنطقة الشرقية من سوريا (محافظة دير الزور، ومحافظة الرقة، ومحافظة الحسكة)، ويوجد فيها مراكز وفروع أمنية كثيرة والكثير من المخافر والأقسام الأمنية. ويوجد فيها السجن العسكري المعروف (بسجن تدمر العسكري)، إضافة إلى المطار العسكري المعروف باسم «مطار تدمر» الواقع شرق المدينة، حيث كانت تخرج منه طائرات الميغ لقصف حمص.
وسيطر التنظيم بشكل كامل على مدينة تدمر الأثرية في الصحراء السورية بعد منتصف ليل الأربعاء/ الخميس، ما يثير مخاوف جدية على الآثار القيمة الموجودة في المدينة والمدرجة على لائحة التراث العالمي، وخصوصا بعد أن دمر آثارا ومعالم قديمة في العراق. وقال مأمون عبد الكريم مدير عام المتاحف والآثار السورية لوكالة «رويترز»: «المجتمع الإنساني الحضاري خسر المعركة لصالح الهمجية».
وقال رامي عبد الرحمن مدير المرصد، إن الاشتباكات الدائرة في المنطقة منذ الأربعاء أسفرت عن مقتل مائة من المقاتلين الموالين للحكومة على الأقل.
والهجوم على المدينة الذي بدأ قبل أسبوع يأتي في إطار تقدم التنظيم نحو الغرب مما يزيد الضغط على القوات الحكومية المنهكة والقوات المتحالفة معها والتي منيت بخسائر أخيرا في الشمال الغربي والجنوب.
من جهتها، حذرت المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) الخميس من أن تدمير مدينة تدمر الأثرية السورية التي سيطر عليها متطرفو «داعش» سيشكل «خسارة هائلة للبشرية».
وقالت إيرينا بوكوفا في شريط فيديو نشر على موقع المنظمة الإلكتروني، إن «تدمر موقع تراث عالمي فريد في الصحراء، وأي تدمير لمدينة تدمر لن يكون جريمة حرب فحسب، وإنما أيضا خسارة هائلة للبشرية».
وعبرت عن «قلقها الشديد» إزاء الأحداث الأخيرة هناك، وكررت دعوتها إلى وقف إطلاق نار فوري وانسحاب القوات العسكرية. وأضافت بوكوفا، أنها «مهد الحضارة البشرية. إنها ملك للبشرية جمعاء، وأعتقد أن الجميع اليوم يجب أن يكونوا قلقين لما يحصل».
وحثت بوكوفا المجموعة الدولية وبينها مجلس الأمن الدولي والزعماء الدينيين على توجيه نداء لوقف العنف.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.