«جدري القرود»... رسائل مطمئنة لا تغني عن الحذر

«الصحة» العالمية: 80 حالة مؤكدة من المرض

كلمة «جدري القرود» وشعار منظمة الصحة العالمية على شاشة جوال (د.ب.أ)
كلمة «جدري القرود» وشعار منظمة الصحة العالمية على شاشة جوال (د.ب.أ)
TT

«جدري القرود»... رسائل مطمئنة لا تغني عن الحذر

كلمة «جدري القرود» وشعار منظمة الصحة العالمية على شاشة جوال (د.ب.أ)
كلمة «جدري القرود» وشعار منظمة الصحة العالمية على شاشة جوال (د.ب.أ)

بينما لا يزال العالم يعاني من جائحة «كوفيد-19»، ظهرت على السطح بوادر خطر آخر يهدد البشرية، وهو «جدري القرود»؛ حيث يشير بيان صادر أول من أمس، عن منظمة الصحة العالمية، إلى «وجود 80 حالة مؤكدة حتى الآن، و50 أخرى قيد التحقيق، مع توقعات بالإبلاغ عن مزيد من الحالات مع توسع المراقبة».
وعندما تعلم أن اسم هذا الفيروس الذي تصدر نشرات الإخبار خلال اليومين الماضيين، ليس جديداً، وتم تسجيله لأول مرة عام 1970 في الكونغو الديمقراطية، يصبح السؤال المنطقي الآن هو: لماذا هذا الاهتمام... هل هناك ما يدعو للقلق؟... أم أن السلطات الصحية حول العالم تعلمت درس «كوفيد-19»، وأصبحت أكثر حرصاً تجاه أي خطر محتمل؟
الإجابة على هذه التساؤلات تدور حول حقيقة أن الفيروس في حد ذاته ليس مقلقاً؛ لأن سلوكه ومادته الجينية وطريقة انتشاره تختلف عن «كوفيد-19»، هذا فضلاً عن وجود لقاح وعلاج له، ولكن القلق والحذر يأتي في ظل وجود سؤال بلا إجابة حتى الآن، وهو: كيف انتقلت الإصابات إلى 11 دولة جديدة؟ أي أنها إصابات «غير نمطية»، كما وصفها بيان منظمة الصحة العالمية.
ومنذ عام 1970، تم الإبلاغ عن حالات إصابة بشرية بجدري القرود في 11 دولة أفريقية من دول غرب ووسط أفريقيا، كما تم الإبلاغ قبل ذلك عن أعداد صغيرة من الحالات في أماكن أخرى من العالم من قبل، بما في ذلك المملكة المتحدة، ولكن جميعها تم ربطها على الفور بشخص سافر إلى بلد مصاب وعاد حاملاً الفيروس.
ولكن الجديد هذه المرة، أن يتم العثور على الفيروس في أشخاص ليست لديهم صلة واضحة بغرب ووسط أفريقيا، فكيف حدث ذلك؟ هذا ما تسعى منظمة الصحة العالمية للإجابة عنه، كما قالت في بيانها.
والفيروس مستوطن في بعض مجموعات الحيوانات في بلدان غرب ووسط أفريقيا، مما يؤدي إلى تفشي المرض في بعض الأحيان بين السكان المحليين والمسافرين لتلك البلدان، غير أن الإصابات الأخيرة التي تم الإبلاغ عنها في 11 دولة حتى الآن «غير نمطية»؛ لأنها تحدث في البلدان غير الموبوءة.
وأوضحت المنظمة في بيانها أنها «ستعمل مع شركائها على فهم أفضل لأسباب الانتشار الحالي؛ لأنه يحدث بشكل غير نمطي في بلدان غير موبوءة». وقبل أن تعلن المنظمة عن الأسباب التي أدت للانتشار الحالي، والتي سيتحدد على أثرها حجم الخطر، يقول الخبراء إن هناك خيارين: أحدهما أن الفيروس قد تغير، أو أن الفيروس القديم قد وجد نفسه في المكان المناسب في الوقت المناسب لينمو.
و«جدري القرود» هو أحد فيروسات الحمض النووي (دي إن إيه)، وليس حمضاً نووياً ريبوزياً (آر إن إيه) مثل «كوفيد» أو «الإنفلونزا»، لذا فهو لا يتحور بالسرعة نفسها.
ويشير التحليل الجيني المبكر جداً إلى أن الحالات الحالية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأشكال الفيروس التي شوهدت في 2018 و2019، وبالتالي لا يوجد في الوقت الحالي دليل على أننا أمام متحور جديد.
ويقول آدم كوتشارسكي، من كلية لندن للصحة والطب الاستوائي، في تقرير نشرته أمس شبكة «بي بي سي»، إنه «كما تعلمنا من تفشٍّ كبير غير متوقع لفيروس (إيبولا) وفيروس (زيكا) في العقد الماضي، فإنه لا يتعين على الفيروس أن يتغير من أجل الاستفادة من فرصة ما، وسيساعد فهم كيفية بدء تفشي المرض في التنبؤ بما سيحدث بعد ذلك».
ولأن العديد من الحالات المصابة لا توجد صلة تربطها، فهناك رابط مفقود، حاول هيو أدلر من مدرسة ليفربول للطب الاستوائي، توقعه؛ حيث قال في التقرير نفسه: «يمكن مثلاً أن يكون قد حدث تجمع شارك فيه عدد كبير من الناس، وأصيبوا بجدري القرود في المكان نفسه، ثم نقلوه إلى بلدان مختلفة. والتفسير البديل هو أن الفيروس كان يتدفق بالفعل دون أن يلاحظه أحد لبعض الوقت، وتسبب في عدوى كثير من الناس».
ويدعو بيتر هوربي، مدير معهد علوم الأوبئة بجامعة أكسفورد، إلى ضرورة حسم الإجابة على السؤال، حتى تساعد تفاصيلها في منع الفيروس من الحصول على موطئ قدم؛ لأن هذا «شيء نريد حقاً تجنبه».
وحتى يحدث ذلك، لا ترى منظمة الصحة العالمية في بيانها أن «هناك ما يدعو لاتخاذ قرارات استثنائية؛ لأن جدري القرود ينتشر بشكل مختلف عن (كوفيد-19)». وقالت إنه ينتشر عن طريق الاتصال الوثيق، لذلك يجب أن تركز الاستجابة على الأشخاص المتضررين وعلى اتصالاتهم الوثيقة، أي الأشخاص الذين يتعاملون بشكل وثيق مع شخص مُعدٍ، وهذا يشمل العاملين الصحيين وأفراد الأسرة والشركاء الجنسيين. وشددت على أنه «لا يُقبل على الإطلاق وصم مجموعات من الناس بسبب المرض؛ لأن ذلك يمكن أن يكون عائقاً أمام إنهاء تفشي المرض؛ حيث قد يمنع الناس من التماس الرعاية، ويؤدي إلى انتشار غير مكتشف للمرض».
ويؤكد جيمي ويتوورث، أستاذ الصحة العامة الدولية في مدرسة لندن للصحة العامة وطب المناطق الحارة، على الرسالة نفسها، في تقرير شبكة «بي بي سي»: «لا أعتقد أن عامة الناس بحاجة إلى القلق في هذه المرحلة، فنحن لسنا في الموقف نفسه الذي كنا عليه مع (كوفيد-19)».
ويعد «جدري القرود» فيروساً معروفاً وليس جديداً، ولدينا بالفعل لقاحات وعلاجات له؛ حيث ثبت من خلال عديد من الدراسات القائمة على الملاحظة، أن التطعيم ضد الجدري يكون فعالاً بنسبة 85 في المائة في الوقاية من «جدري القرود»، وبالتالي، قد يؤدي التطعيم المسبق ضد الجدري إلى مرض أكثر اعتدالاً، كما تمت الموافقة في عام 2019 على لقاح جديد قائم على فيروس لقاح موهن معدل للوقاية من «جدري القرود»، وتم ترخيص العامل المضاد للفيروسات المعروف باسم «تيكوفورمات» الذي تم تطويره لمرض الجدري من قبل الجمعية الطبية الأوروبية (EMA) لجدري القرود في عام 2022، بناء على بيانات من الدراسات التي أجريت على الحيوانات والبشر.
إضافة لذلك، غالباً ما تكون الإصابات بالمرض خفيفة، على الرغم من أنه يمكن أن يكون أكثر خطورة عند الأطفال الصغار والنساء الحوامل والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة. كما أنه ينتشر بشكل أبطأ من «كوفيد-19»، والطفح الجلدي المميز والمؤلم الذي يسببه يجعل من الصعب تجاهله، بينما السعال الذي يسببه «كوفيد–19» يمكن أن يرجعه المريض لأسباب أخرى، وهذا يجعل مهمة العثور على الأشخاص الذين قد يكونون مصابين سهلة، وتطعيم أولئك المعرضين لخطر الإصابة به أسهل.


مقالات ذات صلة

الصحة العالمية: حظر «الأونروا» لن يعزّز أمن إسرائيل

المشرق العربي أشخاص ينتظرون للحصول على أكياس الدقيق في مركز توزيع مساعدات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بدير البلح... 4 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

الصحة العالمية: حظر «الأونروا» لن يعزّز أمن إسرائيل

ندّد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الاثنين، بقرار إسرائيل حظر التعامل مع «الأونروا»، قائلاً: إن ذلك لن يجعل إسرائيل أكثر أماناً.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي طفل فلسطيني يتلقى لقاحاً ضد شلل الأطفال في «مستشفى الرنتيسي» بغزة (أ.ف.ب)

الجيش الإسرائيلي ينفي قصف مركز للتطعيم ضد شلل الأطفال في غزة

نفى الجيش الإسرائيلي أن يكون قد قصف مركزاً طبياً في شمال قطاع غزة، كانت الفرق الطبية توزع فيه جرعات للتطعيم ضد شلل الأطفال.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
آسيا دراجات نارية وسط الجو الملوّث في لاهور (أ.ف.ب)

الضباب الدخاني «يخنق» لاهور ثانية مدن باكستان

تجاوز تلوث الهواء في لاهور، ثاني مدينة في باكستان، السبت بأكثر من 80 مرة المستوى الذي تصنّفه منظمة الصحة العالمية مقبولاً.

«الشرق الأوسط» (لاهور)
المشرق العربي المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس (رويترز)

«الصحة العالمية»: لا بديل عن «الأونروا» وحظرها لن يجعل إسرائيل أكثر أمناً

أكد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أن حظر عمل وكالة «أونروا» «لن يجعل إسرائيل أكثر أمناً».

المشرق العربي مصابون فلسطينيون في مستشفى كمال عدوان بعد انسحاب القوات الإسرائيلية منه (رويترز)

مدير منظمة الصحة العالمية: الوضع في شمال قطاع غزة «كارثي»

حذّر مدير منظمة الصحة العالمية، السبت، من أن الوضع «كارثي» في شمال قطاع غزة الذي دمّرته الحرب، مع «عمليات عسكرية كثيفة تحصل داخل مؤسسات صحية وحولها».

«الشرق الأوسط» (جنيف)

«الخطوط الفرنسية» تعلق رحلاتها فوق البحر الأحمر «احترازياً»

«الخطوط الفرنسية» تعلق رحلاتها فوق البحر الأحمر «احترازياً»
TT

«الخطوط الفرنسية» تعلق رحلاتها فوق البحر الأحمر «احترازياً»

«الخطوط الفرنسية» تعلق رحلاتها فوق البحر الأحمر «احترازياً»

أعلنت شركة «الخطوط الجوية الفرنسية»، أمس (الأحد)، أنها علّقت «حتى إشعار آخر» رحلاتها فوق منطقة البحر الأحمر، وذلك «في إجراء احترازي» بعد أن أبلغ طاقمها عن وجود «جسم مضيء» فوق السودان، وفق ما أوردته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقالت الشركة في بيان: «تؤكد الخطوط الجوية الفرنسية (إير فرانس) أنها قررت، في إجراء احترازي، أن تُعلّق التحليق فوق منطقة البحر الأحمر حتى إشعار آخر».

وأضاف البيان أن هذا القرار اتُخذ عقب «رصد جسم مضيء على ارتفاع عالٍ في السودان».

وذكرت الشركة أن خط سير بعض رحلاتها قد تغيّر وأن بعض الطائرات قد عادت أدراجها نحو المطارات التي أقلعت منها.

وشددت على أن سلامة عملائها وأطقمها «هي ضرورة مطلقة»، مشيرة إلى أنها تراقب باستمرار تطور الوضع الجيوسياسي في المناطق التي تخدمها طائراتها وتحلّق فوقها «من أجل ضمان أعلى مستوى من السلامة والأمن للرحلات الجوية».

وقال مصدر في مجال الطيران للوكالة إن الخطوط الفرنسية هي شركة الطيران الوحيدة التي اتخذت هذا الإجراء الاحترازي، مضيفاً أن المجال الجوي فوق المنطقة لم يتم إغلاقه.

وبدعم من إيران، يشن الحوثيون هجمات صاروخية وبمسيَّرات منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 على السفن التي يعتبرونها مرتبطة بإسرائيل، تضامناً مع الفلسطينيين.

وأدت الهجمات التي وقعت في البحر الأحمر وخليج عدن إلى تعطيل حركة الملاحة البحرية بشكل كبير في هذه المنطقة الأساسية للتجارة العالمية.