على امتداد الجناح الإماراتي ببينالي فينيسيا تطالعنا أشكال مختلفة، صفوف غير منتظمة من أشكال ملونة، تحتار العين في تحديد هويتها، هل هي خيالات لأشجار أم كائنات خيالية؟ ندلف للداخل ونمر بتلك الصفوف من الأشكال الملونة، ونلاحظ تدرج الألوان من الألوان المشرقة في البداية لتدرجات الرمادي والأسود في عمق القاعة. العرض يحمل عنوان «محمد أحمد إبراهيم: بين الشروق والغروب»، هكذا يربط العنوان بين الفنان والعمل بشكل مباشر، ويختصر مسافات من التكهنات حول مضمون العمل.
محمد أحمد إبراهيم حاضر في هذا العمل بشخصه وبتأملاته وبأفكاره لكن العنوان يوحي بصلة أعمق من ذلك فهو يعبر عن بيئته المحلية خورفكان على الساحل الشرقي من إمارة الشارقة في دولة الإمارات والتي عبر عنها الفنان في عدد من أعماله السابقة، ويأتي عمله في بينالي البندقية ليستكمل رحلته مع خورفكان ينسج من خلالها العناصر المختلفة في أشكال يلونها ويركبها لتعبر عن تلك البيئة.
في عرضه يقدم الفنان تركيبا مكونا من عدة منحوتات بحجم الإنسان مصنوعة بأسلوب نحتي مجرد ومتناغم مستمد من الأشكال الطبيعية والعضوية.
سنحت لي الفرصة للحديث مع الفنان الذي تواجد في العرض خلال الأيام الأولى من افتتاح البينالي الشهر الماضي، يتحدث بهدوء عن رؤيته الفنية والتأثيرات التي تمثلها منطقة خورفكان على عمله، يقول «في هذا العمل تحديدا حاولت التعبير عن الفكرة التي كانت دائما تشغل بالي، وهي فكرة الغروب»، يوضح أكثر ويعود بنا للبدايات: «أعيش في منطقة خورفكان التي لا ترى الغروب لأن الشمس دائما تختفي خلف الجبل فحاولت أني أدرس هذه الحالة الزمنية من شروق الشمس لغروبها في الساحل الغربي من دولة الإمارات، فاكتشفت أن المسألة ليست فقط حالة زمنية بحتة. هناك تغير في الإضاءة والألوان والظلال ساعة الغروب». نتخيل المنظر الذي يصفه الفنان والحالة الوجدانية التي تصاحبه ونستمع له يصفها قائلا: «هناك منطقة طبيعية جغرافية تبدأ من ساحل رماله سوداء تقريبا تتدرج إلى مزارع النخيل الخضراء لتبدأ مرحلة الجبال، بعدها منطقة السهول ثم نلتقي بالصحراء حتى نصل للساحل الغربي».
يشير إلى أن المنطقة بها تنوع جغرافي واجتماعي أيضاً «هناك أناس يعيشون في هذه المساحة بين الساحل والساحل ولهم عادات ولهجات مختلفة».
يحيرني الوصف فالمنطقة الجغرافية التي يصفها لا تبدو شاسعة وأسأله عن ذلك ويجيبني قائلا: «نعم هناك فرق فأهل المنطقة الشرقية عندهم لكنة مختلفة عن أهل الجبال، ونفس الوقت أهل الصحراء عندهم لكنة مختلفة وسكان الساحل الغربي كذلك».
تتضح صورة العمل أكثر فالتنوع في الأشكال والألوان والتدرجات المختلفة لا تعبر فقط عن حالة غروب الشمس في تلك المنطقة، بل أيضاً تعبر عن تنوع واختلاف اجتماعي تمر عليه الشمس كل يوم، تلقي بضوئها على تضاريسه وتسحب الظلال معها للمغيب.
ألوان محمد أحمد إبراهيم لها وقع خاص، وتدرجاتها تلمس شيء في النفس، أسأله إن كانت التدرجات اللونية تتحدث عن التنوع الجغرافي وعن مشهد الغروب أيضا؟
يقول: «نعم، التدرج اللوني هو نفس التدرج الزمني (الغروب) من بداية شروق الشمس إلى غروبها حيث تتغير الألوان في الساحة الجغرافية. في خورفكان عندما نصل لمرحلة الغروب (ما عندنا غروب فالشمس تسقط خلف الجبل) فتسقط نوع من الظلال اللي يمتد لفترة طويلة حتى فترة المغرب فيكون هناك نوع من الضوء الذي لا ترينه في أي مكان آخر وهذا نوع من الضوء أنا تربيت عليه، من هنا حاولنا أن أستمد التدرج اللوني للعمل».
الأشكال التي أمامنا مصنوعة من مواد قريبة من الفنان، «يعرفها جيدا» كما يصفها لي: «أنا دائما أستخدم المواد الطبيعية البيئية بالذات الورق المعجون (بابيير ماشيه) ودائما أستخدم المواد المعروفة بالنسبة لي، أقصد اللي بينها وبيني علاقة يعني العلب اللي أشتريها، الكراتين اللي أشتريها ولها علاقة بي وأعرف تاريخها». يستخدم الفنان أكثر من الورق المعجون والكراتين بل هو يستخدم أجزاء من أشجار حديقته ويستخرج ألوانه من بقايا الشاي والقهوة التي يستخدمها أيضاً.
ولكن ما هذه الأشكال التي تنعكس عليها كل التنوعات اللونية لمشهد الغروب، لا تبدو محددة، وأسأله إن كان لها إيحاءات بيئية أو من الخيال؟ يجيب «أنا لا أتحكم بالشكل وإنما أدع العمل يتحكم بشكله، أنا أتعامل مع مواد رطبة، الورق والطين والعجين، وأتركها تتعامل مع الجو الخارجي ودرجة الحرارة وتكون شكلها. هناك أعمال آخذها للخارج فتجف بسرعة في الشمس عن الأعمال التي أتركها داخل الاستوديو. هناك عوامل كثيرة مؤثرة مثل الحرارة والشمس والضوء والمطر، هذا كله له علاقة بتكوين شكل العمل».
«محمد أحمد إبراهيم: بين الشروق والغروب» يمثل المشاركة السابعة لدولة الإمارات في بينالي البندقية وهو تحت إشراف القيمة مايا أليسون، المدير التنفيذي لرواق الفن ورئيس القيمين الفنيين في جامعة نيويورك أبوظبي.