قواعد بوتين وبايدن في أوكرانيا (تحليل)

قواعد بوتين وبايدن في أوكرانيا (تحليل)
TT

قواعد بوتين وبايدن في أوكرانيا (تحليل)

قواعد بوتين وبايدن في أوكرانيا (تحليل)

حدّد المفكّر العسكري الروسي كارل فون كلوزفيتز طبيعة الحرب على أنها سياسيّة بامتياز. من هنا مقولته الشهيرة: «الحرب هي السياسة بوسائل أخرى».
إذن، ما هو المُتغيّر في الحرب؟
يقول المفكّر الأميركي - البريطاني الاستراتيجي كولن إس. غراي، إن المتغيّر في الحرب هي خصائصها الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة.
بكلام آخر، لا تزال الحرب أخطر وأدمى صدام اجتماعي بين البشر. يذهب المرء إلى الحرب مفترضاً الانتصار، وإلا لما ذهب إلى مشروع خاسر مسبقاً. فهل يُردّد الإنسان لنفسه ما يريد أن يسمعه؟ وهل يفتّش المرء عن كلّ الدلائل والمعطيات والحجج التي تدعم مشروعه، حتى ولو كانت كلّها خاطئة؟
مُعقّدة فعلاً هي الطبيعة البشريّة.
لكلّ حرب دروس تؤخذ منها، وكلّ حرب تُنتج جيلاً جديداً وتُهمّش الجيل الذي سبقه. فبدل الانتظار للتغيير التدريجي الطبيعيّ، تأتي الحرب بوزرها لتجرف ما كان، وتُنصّب فرسانها الجُدد. هكذا يحدث التغيير. وإذا قال كارل ماركس إن عامل (Agent) التغيير يتمثّل في قوة وزخم البروليتاريا الثائرة ضد الرأسماليين، فالحرب قد تكون وسيلة التغيير الأسرع. أليست الثورة هي التي تقتلع ما كان من جذوره، لتخلق واقعاً جديداً لا يمكن توقّعه أبداً؟ هكذا الحال مع الحرب... ما بعدها ليس كما قبلها. وتتشارك الحرب والثورة بأمور كثيرة. فالحرب قد تكون وسيلة الثورة، لكن المشترك بين الاثنتين هو العنف.
بعد كلّ حرب تبدأ الدراسات لمعرفة ما الجديد فيها. من السلاح، إلى الاستراتيجيّة، وحتى مستوى التكتيك. فبعد ابتكار المهماز مثلاً، تبدّلت حركيّة الحرب مع الحصان الذي كان يُعتبر قوّة الصدم لمدّة ألف سنة، وذلك قبل قدوم الدبابة التي أزاحته عن عرش قوة الصدم.
حلّت الدبابة مكان الحصان بعد ابتكار الأسلحة الناريّة، بدءاً من الحرب العالميّة الأولى.
في الحرب الأولى لم تكن المناورة هي أساس النصر، بل القوّة الناريّة وحرب الخنادق. فدار الحديث المتخصّص حول سيطرة سلاح المشاة على الحروب، وتراجع أهميّة الأسلحة الأخرى.
وبسبب دمويّة الحرب الأولى، بدأ الفكر الاستراتيجي البحث عن أفكار واستراتيجيّات تؤمن النصر بأقلّ الأثمان. فكان مبدأ المناورة والاقتراب غير المباشر مع المفكّر الإنجليزي ليدل هارت.
وتمثّلت المناورة أكثر ما تمثّلت في حرب الأيام الستّة، خصوصاً في صحراء سيناء. فكانت الدبابة المدعومة بالقوّة الجويّة هي العامل الحاسم في المعركة.
ردّ العرب في حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973. بفكر جديد ضرب عنصر المناورة الذي أعطى الإسرائيلي التفوّق سابقاً.
إذن، هناك الفعل وهناك ردّ الفعل، الأمر الذي يأخذنا إلى المعادلة التالية: «إذا لم يكن بإمكانك المشاركة بفعاليّة في لعبة ما تؤثّر عليك سلباً، فما عليك إلا تغيير قواعد اللعبة». والأمثلة كثيرة في هذا الإطار.
لكن، أين أوكرانيا اليوم من هذه المقاربة؟
في المرحلة الأولى لحرب بوتين على أوكرانيا، غيّر الأوكرانيّون قواعد اللعبة التي أراد الكرملين فرضها عليهم، فنجحوا بمنعه من تحقيق أهدافه. وبدوره، عاد الرئيس بوتين ليغيّر القواعد التي أرساها الجيش الأوكراني، فنقل المعركة إلى إقليم دونباس في الشرق الأوكراني. ومن الطبيعي أن يبني بوتين هذه القواعد على نقاط قوّته، أي القوة الناريّة والدبابة والصاروخ الباليستي والقوة الجويّة.
وبدأ الإعداد للمعركة الكبرى، وذلك تحت شعار: «لا يمكن لي أن أخسر مرّتين في ظرف شهرين».
فما هي استراتيجيّته؟
كان أمام الرئيس بوتين سلوكان ممكنان. الأولّ، القيام بهجوم كبير على إقليم دونباس بكلّ ما أوتي من قوّة، وذلك بسبب عدم جهوزيّة الجيش الأوكراني في هذا الإقليم. ولم يحصل حتى الآن هذا السيناريو، وقد يعود السبب لعدم جهوزيّة الجيش الروسي بعد الخسائر التي مني بها في حرب الشمال - كييف.
الثاني، اعتماد استراتيجيّة القضم والتقطيع لإقليم دونباس. لكن كيف؟
> تركيز قواعد لوجيستيّة قريبة من الحدود الأوكرانيّة، منها بلغورود.
> تعيين قائد عام واحد للمسرح الأوكراني ككل.
> اختيار محور أساسي - جهد رئيسي - والبناء عليه لتطويق نخبة الجيش الأوكراني وعددها نحو 40 ألف، والموجودة في إقليم دونباس منذ عام 2014.
وتمثّل هذا المحور الأساسي بالطريق M03 الذي يبدأ من مدينة خاركيف إلى مدينة أزيوم، وبعدها إلى كراماتورسك، العاصمة المؤقتة لإقليم دونيتسك.
> من هذا المحور، الانطلاق شرقاً وغرباً للسيطرة على البلدات حول الـM03 بهدف التقطيع.
> يظهر من هذه المقاربة أن الهدف هو تحقيق نجاحات تكتيكيّة في الريف، تهدف إلى تراكمات قد تعطي بعداً استراتيجيّاً.
> في الوقت نفسه، الاستمرار بقصف العمق الغربي لأوكرانيا لمنع وصول الإمدادات والدعم اللوجيستي إلى الشرق.
إذن، هذه هي القواعد التي أرادها الرئيس بوتين وينفّذها حالياً في المرحلة الثانية للحرب. وتمثّل هذه القواعد، وجهاً واحداً للعملة. فماذا عن الوجه الآخر الأوكرانيّ؟ وكيف تحضّر، خصوصاً في ظلّ تصريح وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أنه يريد أن تكون روسيا ضعيفة؟


مقالات ذات صلة

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أوروبا جندي أوكراني على خط المواجهة مع القوات الروسية في منطقة دونيتسك (رويترز)

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أعلنت روسيا، الأحد، أن قواتها سيطرت على بلدات في منطقتين رئيسيتين تقعان على خط الجبهة في شرق أوكرانيا، فيما يتقدم جيشها باتجاه مدينتين استراتيجيتين.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا أرشيفية لأحد مباني مدينة بيلغورود الروسية عقب استهدافها بمسيرة أوكرانية (إ.ب.أ)

 روسيا تعلن تدمير 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل

قالت وزارة الدفاع الروسية، اليوم (الأحد)، إن أنظمة الدفاع الجوي الروسية دمرت 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية قوات روسية بمنطقة كورسك على الحدود مع أوكرانيا (أ.ب)

زيلينسكي: هناك مزيد من الجنود الكوريين الشماليين يقاتلون في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن الجيش الروسي بدأ في نشر المزيد من الجنود الكوريين الشماليين خلال الهجمات على كورسك بالقرب من الحدود الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يصدر تعليمات لإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه أصدر تعليمات لحكومته بإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا بالتعاون مع المنظمات الدولية في أعقاب سقوط نظام الأسد.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عربة عسكرية أوكرانية تحمل أسرى يرتدون الزي العسكري الروسي بالقرب من الحدود مع روسيا (أ.ف.ب) play-circle 00:45

زيلينسكي: روسيا تنشر مزيداً من القوات الكورية الشمالية في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، إن موسكو بدأت إشراك «عدد ملحوظ» من القوات الكورية الشمالية.

«الشرق الأوسط» (كييف)

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

رجحت سلطات أرخبيل مايوت في المحيط الهندي، الأحد، مقتل «مئات» أو حتى «بضعة آلاف» من السكان جراء الإعصار شيدو الذي دمر في اليوم السابق قسماً كبيراً من المقاطعة الفرنسية الأفقر التي بدأت في تلقي المساعدات. وصرّح حاكم الأرخبيل، فرانسوا كزافييه بيوفيل، لقناة «مايوت لا بريميير» التلفزيونية: «أعتقد أنه سيكون هناك مئات بالتأكيد، وربما نقترب من ألف أو حتى بضعة آلاف» من القتلى، بعد أن دمر الإعصار إلى حد كبير الأحياء الفقيرة التي يعيش فيها نحو ثلث السكان، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أنه سيكون «من الصعب للغاية الوصول إلى حصيلة نهائية»، نظراً لأن «معظم السكان مسلمون ويدفنون موتاهم في غضون يوم من وفاتهم».

صور التقطتها الأقمار الاصطناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار «شيدو» فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وصباح الأحد، أفاد مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الإعصار الاستوائي الاستثنائي خلّف 14 قتيلاً في حصيلة أولية. كما قال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، إن «الأضرار طالت المستشفى والمدارس. ودمّرت منازل بالكامل. ولم يسلم شيء». وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، مما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل.

الأضرار التي سببها الإعصار «شيدو» في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

كانت سلطات مايوت، التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، قد فرضت حظر تجول، يوم السبت، مع اقتراب الإعصار «شيدو» من الجزر التي تبعد نحو 500 كيلومتر شرق موزمبيق، مصحوباً برياح تبلغ سرعتها 226 كيلومتراً في الساعة على الأقل. و«شيدو» هو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً، حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرانس-ميتيو). ويُرتقَب أن يزور وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، مايوت، يوم الاثنين. وما زالت المعلومات الواردة من الميدان جدّ شحيحة، إذ إن السّكان معزولون في منازلهم تحت الصدمة ومحرومون من المياه والكهرباء، حسبما أفاد مصدر مطلع على التطوّرات للوكالة الفرنسية.

آثار الدمار التي خلَّفها الإعصار (أ.ف.ب)

في الأثناء، أعلن إقليم لاريونيون الواقع أيضاً في المحيط الهندي ويبعد نحو 1400 كيلومتر على الجانب الآخر من مدغشقر، أنه جرى نقل طواقم بشرية ومعدات الطبية اعتباراً من الأحد عن طريق الجو والبحر. وأعرب البابا فرنسيس خلال زيارته كورسيكا، الأحد، تضامنه «الروحي» مع ضحايا «هذه المأساة».

وخفّض مستوى الإنذار في الأرخبيل لتيسير حركة عناصر الإسعاف، لكنَّ السلطات طلبت من السكان ملازمة المنازل وإبداء «تضامن» في «هذه المحنة». واتّجه الإعصار «شيدو»، صباح الأحد، إلى شمال موزمبيق، ولم تسجَّل سوى أضرار بسيطة في جزر القمر المجاورة من دون سقوط أيّ ضحايا.