نظرة إلى «دبلوماسية الديون» الصينية في جنوب آسيا

المشكّكون بنيّات بكين يعتبرونها فخاً

نظرة إلى «دبلوماسية الديون» الصينية في جنوب آسيا
TT

نظرة إلى «دبلوماسية الديون» الصينية في جنوب آسيا

نظرة إلى «دبلوماسية الديون» الصينية في جنوب آسيا

تحت أعباء مديونية غير مسبوقة، وجدت سريلانكا، الدولة الجزيرة الواقعة إلى جنوب الهند في المحيط الهندي، نفسها أمام أزمة كارثية على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. ما دفع حكومتها إلى إعلان حالة طوارئ عامة في عموم البلاد. فقد أثار نقص السلع الطبية والغذاء واستفحال أزمة الطاقة، حالة سخط واسعة النطاق وصلت إلى الشوارع. ومع استمرار المظاهرات ألقى المتظاهرون اللوم في الأزمة المعيشية الحادة على حكم رئيسي الحكومة والجمهورية «الشقيقين» ماهيندا وغوتابايا راجاباكسا، في حين ثمة تخوف من اندلاع أزمة دستورية في سريلانكا، ولا سيما بعدما لجأ النظام إلى نشر الجيش وتكليفه التعامل مع المظاهرات، بالتوازي مع استقالة مجلس الوزراء بأكمله تحت وطأة التطورات المتلاحقة.
أعلنت الحكومة السريلانكية
خلال الأسبوع الماضي، أنها بصورة مؤقتة، وللمرة الأولى في تاريخها بمجال الاقتراض، ستعجز عن سداد دين خارجي. واليوم، تعيش سريلانكا فعلياً على الدعم المالي الذي تقدمه لها الهند، بعد رفض الصين إعادة جدولة ديونها، واكتفائها بعرض دين جديد قد يدفع سريلانكا إلى بيع مزيد من الأصول الوطنية.
ما الذي دفع سريلانكا إلى هذه الحالة، وهي التي كان من المتوقع لها أن تحقق تعافياً طيباً بعد ثلاثة عقود من الصراعات العرقية؟ ويرى الكثير من المحللين، أن سريلانكا انزلقت إلى هذه الأزمة بسبب انجرارها وراء حلم الازدهار الصيني من خلال مبادرة «الحزام والطريق» وما تنطوي عليه من مشاريع بُنى تحتية. ويقال إن الصين قدمت على مدار السنوات لسريلانكا 12 مليار دولار أميركي.
مبادرة «الحزام والطريق»
كما هو معروف، سعت بكين وتسعى إلى توسيع نطاق نفوذها عالمياً من خلال «مبادرة الحزام والطريق»، التي خصصت لها مليارات عدة من الدولارات، وتقوم على فكرة تعزيز الاتصال بين مجموعة الدول المشاركة عبر سلسلة من مشاريع البُنى التحتية.
أعلنت بكين «مبادرة الحزام والطريق» عام 2013، وسرعان ما أصبحت البصمة المميّزة للرئيس الصيني شي جينبينغ على صعيد السياسة الخارجية. وعام 2017، أدمجت المبادرة في دستور الحزب الشيوعي الصيني، ووافقت 138 دولة و30 منظمة دولية على المشاركة فيها، مع الإعلان عن استثمارات لربط آسيا وأفريقيا وأوروبا.
من ناحية أخرى، أصدرت مؤسسة «إيد داتا» البحثية المعنية بشؤون التنمية الدولية تقريراً حديثاً خلص إلى أن إجمالي القروض الصينية في الخارج بلغت 843 مليار دولار، منها 385 مليار دولار «ديون لم يعلن عنها أو جرى التقليل من قيمتها».
على ذلك، يطلق المشككون بنيات بكين «دبلوماسية فخ الديون». وتوصلت الدراسة إلى أن 42 دولة تدين بأكثر عن 10 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي للصين. وحقاً، وقّعت ستة من أصل ثمانية دول بمنطقة جنوب آسيا ـ هي باكستان، وسريلانكا، وبنغلاديش، وأفغانستان، ونيبال، والمالديف ـ مذكرات تفاهم مع الصين بخصوص «مبادرة الحزام والطريق». إلا أنه في غضون سنوات قلائل، تحولت هذه الاستثمارات إلى مثال نموذجي لكيف يمكن أن تتخذ استثمارات ضخمة مساراً خاطئاً للدول المستضيفة.
في هذا الصدد، قال سيشادري تشاري، المحرّر الصحافي السابق «لسنوات، حاولت الصين كسر هيمنة الهند في المنطقة. ومنذ بداية الألفية الجديدة، حاولت إنجاز ذلك من خلال إغداق أكثر عن 80 مليار دولار على دول المنطقة - ما يعادل قرابة عشر إجمالي الإنفاق الذي أوردته بيانات (إيد داتا)».
في حين قال الكاتب الصحافي تريديفيش سنغ مايني معلقاً «يمكننا النظر إلى حدثين في جنوب آسيا: الأزمة الاقتصادية في سريلانكا وسقوط حكومة حركة الإنصاف الباكستانية بقيادة عمران خان في باكستان. وعند إمعان النظر إلى هذين الحدثين يتضح لنا أنه مع اقتراب الدولتين أكثر من الصين - كحال دول أخرى - فإن ثمة تداعيات بدأت سلبية تترتّب على الاعتماد المُفرط على بكين. مع العلم أن الدولتين تعرضتا، كغيرهما، لانتقادات على إفراطهما في الاعتماد على الصين، ما أسقطهما فيما أطلق عليه مسمى (فخ الديون). وهو أمر تتجاوز مخاطره الإفراط في الاتكالية الاقتصادية جراء الديون المتراكمة، بل تصل أيضاً إلى إملاء بكين خياراتها السياسية على الدول الأخرى».
حلم «الرخاء» الصيني
واقعياً، يرى كثيرون أن الأزمة الاقتصادية الراهنة في سريلانكا ليست سوى نتاج دبلوماسية «فخ الديون» التي تمارسها الصين، عبر الديون التي قدمتها إلى سريلانكا. وتبعاً لصحيفة «ساوث إيجان تريبيون»، فإن سريلانكا بعد خروجها من فترة الحرب الأهلية عام 2009، كانت متلهفة لاستعادة عافيتها الاقتصادية. وفي المقابل، سارعت بكين إلى محاولة استغلال هذه الفرصة، خاصة في ظل المساعدات العسكرية التي تقدمها لسلطات كولومبو.
وبالفعل، وفّرت الصين سياسياً الحماية لسريلانكا داخل الأمم المتحدة. واقتصادياً، تكشف الأرقام أنها بين عامي 2005 و2017 أمدت سريلانكا بمساعدات بلغت قيمتها 15 مليار دولار، بينها مجموعة من مشاريع البنى التحتية. أما تمويل معظم هذه المشاريع فسار على النهج الصيني الاستثماري المعتاد المتمثل بالاعتماد على قروض مرتفعة الفائدة ومقاولين وعمالة وتكنولوجيا صينية. وعليه، أصبحت الصين المصدر الأول للواردات السريلانكية، مع توجيه تمويل صيني لأكثر عن مشروع على مستوى سريلانكا.
من جهته، قال ساجيث بريماداسا، زعيم المعارضة المحافظة داخل البرلمان السريلانكي، في تصريحات صحافية، إنه «في ظل رئاسة ماهيندا راجاباسكا عام 2005، طمحت الحكومة لتحويل سريلانكا إلى سنغافورة جديدة من خلال بناء بنية تحتية وموانئ على أحدث الطراز. ونجحت الصين في إغواء سريلانكا بالمال من أجل إيجاد موطئ قدم لها داخل هذا البلد الذي كثيراً ما ينظر إليه باعتباره الفناء الخلفي للهند». وأردف «لقد حصلت سريلانكا على قروض من دول مختلفة، ما أدى لارتفاع هائل في الديون، وراهناً تأتي الصين في المرتبة الثانية بين أكثر الجهات إقراضاً لسريلانكا. وبحلول عام 2019، كان أكثر عن 10 في المائة من الديون الخارجية لسريلانكا من نصيب الصين».
في سياق متصل، بعث وزير التعليم السريلانكي السابق والعضو البرلماني عن الحزب الحاكم، واجياداسا راجاباكشي، يوم 3 يناير (كانون الثاني) 2022، خطاباً إلى الزعيم الصيني شي جينبينغ اتهم فيه الصين بدفع سريلانكا إلى هوة الإفلاس من خلال تقديم قروض ضخمة بمعدلات فائدة تجاوزت 6 في المائة مقارنة بقروض متاحة من كيانات دولية بأسعار فائدة تتراوح بين 0.01 في المائة و1 في المائة. هذا، ولدولة تعتمد بشدة على الواردات من إمدادات الطاقة والحبوب والسلع الأساسية والأدوية، فإن وجود احتياطي فيدرالي بقيمة 2.31 مليار دولار فقط يعد بمثابة كابوس. وبالتالي، تتعرض سريلانكا حالياً إلى ضغوط شديدة لسداد ديونها الخارجية البالغة 45 مليار دولار، منها 8 مليارات لحساب الصين، أي ما يعادل قرابة سدس إجمالي الديون الخارجية. وما زاد الوضع سوءاً، رفض الصين تقديم أي تنازلات فيما يتعلق بسداد الديون.
في هذا السياق، يرى المحلل برابهاش كيه. دوتا، أنه «لطالما كانت دبلوماسية الديون الصينية وسيلة لكسب نفوذ سياسي وأمني في مواجهة الهند وتأمين مصالحها داخل منطقة المحيط الهندي، الذي يمر من خلاله القدر الأكبر من إمدادات الطاقة الصينية». ويضيف «المعتقد أن آلام سريلانكا الاقتصادية ستسهم في فتح أعين أي دولة جنوب آسيوية لا تزال تظن أن مبادرة (الحزام والطريق) الصينية والقروض الضخمة يمكن أن تقودها إلى الرخاء. لقد تنامت المخاوف بشدة داخل سريلانكا إزاء القروض الصينية، خاصة في ظل إجبار البلاد في وقت سابق على وضع مشاريع استراتيجية، مثل ميناء هامبانتوتا، تحت السيطرة الصينية على سبيل الإيجار بسبب عجز سريلانكا عن سدد القروض».
ويُعد ميناء هامبانتوتا، في جنوب، ثالا كلاسيكيا على عبء الديون الصينية. وللعلم، فإن مدينة هامبانتوتا هي معقل الرئيس غوتابايا راجاباكسا ورئيس الوزراء ماهيندا راجاباكسا الذي كان رئيس البلاد عندما وقعت مع الصين عقد استئجار ميناء المدينة عام 2007، وبلغت تكلفة مشروع الميناء عدة مليارات وفّرت من خلال قروض من جانب الصين. وجرى تمويل المشروع من خلال منح عقود لتطوير الميناء لمقاولين صينيين. لكن سريلانكا عجزت عن سداد الفائدة والديون، ما أجبرها على الموافقة على منح شركة «تشاينا ميرتشانتس» المملوكة للدولة، إدارة ميناء هامبانتوتا بناءً على عقد إيجار لمدة 99 سنة مقابل مزيد من القروض.
«الممر الاقتصادي» الصيني الباكستاني
دولة أخرى داخل الجوار الهندي، هي باكستان، وقّعت اتفاقاً مع الصين بخصوص مشروع «الممر الاقتصادي الصيني ـ الباكستاني»، الذي تولّت الصين تحت مظلته تمويل مشاريع بنى تحتية ضخمة. وهكذا انزلقت باكستان إلى أزمة اقتصادية، وتمرّ معها بحالة من الفوضى السياسية في الوقت الراهن. ويقدر إجمالي استثمارات الصين في مشروع «الممر الاقتصادي» بينها وبين باكستان، بـ64 مليار دولار أميركي. ويذكر، أن أقل عن ثلث مشاريع «الممر الاقتصادي» المعلن عنها، أنجزت بالفعل خلال السنوات الثماني الأخيرة، وفق الحكومة الباكستانية.
على صعيد ثانٍ، بينما تروّج الصين لمشروع «الممر الاقتصادي» باعتباره محاولة من جانب الرئيس شي جينبينغ لتعزيز الروابط الصينية - الباكستانية، فإن دلالاته الاستراتيجية تبدو واضحة: إذ ستيسر هذه الاستثمارات الوجود العسكري الصيني داخل باكستان وبحر العرب، حيث يمكنه تهديد واردات الهند من النفط والغاز الطبيعي. ثم إنها ستمنح الصين وباكستان الفرصة للعب دور أكبر داخل أفغانستان خاصة، وآسيا الوسطى عامة، ما قد يضر بالمصالح الاستراتيجية والاقتصادية الهندية على المدى الطويل.
في الوقت الحاضر، تعمد بكين إلى توريط إسلام آباد في مصيدة الديون من خلال معدلات الفائدة المرتفعة وشروط السداد الصارمة وغياب الشفافية. وقد أعلن البنك المركزي الباكستاني عن تدفق مبلغ ضخم بقيمة 2.9 مليار دولار على البلاد، وفق صحيفة «دون». كذلك أعلن البنك عن تراجع احتياطيات النقد الأجنبي إلى 12.047 مليار دولار خلال مارس (آذار) بسبب إجراءات سداد كبرى لديون صينية. وأوضح البنك «هذا التراجع يعكس سداد ديون خارجية، بينها قرض كبير من الصين. وفي هذا الشأن، كان صندوق النقد الدولي قد ذكر أخيراً أن باكستان تدين بـ18.4 مليار دولار أو خمس ديونها الخارجية للصين، في حين تقدر إسلام آباد الرقم بنحو 14 مليار دولار.
في أي حال، قال المعلق الباكستاني قمر شيما «أصبحت إسلام آباد معتمدة على نحو متزايد على الصين خلال السنوات الأخيرة - خاصة نتيجة تردي علاقات إسلام آباد مع واشنطن، وكذلك مشروع (الممر الاقتصادي الصيني ـ الباكستاني)». أما نموذج القروض الصيني فبسيط: تتودد الصين من بلد مضطرب وتعرض عليه المال ليس على سبيل المساعدة، وإنما كقرض تجاري، وتذهب العقود إلى شركات صينية، ويتحمل بلد يعاني ظروفاً اقتصادية صعبة عبء الديون، ويجري وضع المال في حساب أوفشور تملكه الصين، وإذا تعذّر سداد الفائدة أو تسديد الدين، تستحوذ الصين على الأصول، كما حدث مع الكثير من الطرق والمطارات وعدد من الأصول المهمة الأخرى جرى رهنها للصين.
ومع ذلك، فإنه بفضل الدروس المستفادة من انهيار اقتصادي سريلانكا ونيبال، اللذين تهيمن عليهما الصين، ألغت حكومة شهباز شريف الباكستانية الجديدة «هيئة مشروع الممر الاقتصادي»، سعياً لوقف انزلاق باكستان نحو مصير مماثل. ومن المقرر حاليا إعادة هيكلة «الهيئة» التي يهيمن عليها الجيش الباكستاني، ودمجها في وزارة التخطيط والتنمية.

تجاوب سريع للهند إزاء التطورات
> تحركت الهند بسرعة كبيرة، وأيضاً بحذر، لإنقاذ الدول المجاورة لها المطلة على المحيط الهادي والتي تحمل أهمية استراتيجية كبيرة لها.
عام 2018، واجهت المالديف أزمة اقتصادية حادة والآن في عام 2022، تشهد سريلانكا وضعاً مشابهاً. ولقد جاءت الهند لإنقاذ المالديف من المحنة، وقدمت على الفور حزمة مساعدات اقتصادية بقيمة 1.4 مليار دولار في شكل دعم للميزانية، واتفاقيات مبادلة العملات، وخطوط ائتمان ميسّرة. وحول ما هو حاصل صرح المحلل الأمني الهندي براكاش مينون بأن «المالديف تمثّل أهمية استراتيجية للهند، فبينما يُعدّ المحيط الهندي الطريق السريعة الرئيسية للتجارة العالمية وتدفق الطاقة، فإن جزر المالديف تقف فعلياً كبوابة رسوم. بالإضافة إلى ذلك، تعد المالديف شريكاً مهماً في دور الهند كعنصر أمان الشبكة المحيطة بالهند في منطقة المحيط الهندي».
وبالنسبة لسريلانكا، وسعياً للمساعدة في التخفيف من الوضع الاقتصادي المتأزم، قدمت الهند لها مساعدات بقيمة 2.5 مليار دولار أميركي خلال الأشهر الثلاثة الماضية، منها 1.9 مليار دولار في شكل قروض وخطوط ائتمان ومقايضات عملة. كذلك سعت سريلانكا للحصول على خط ائتمان آخر بقيمة 500 مليون دولار للوقود، وأرسلت الهند إلى «جارتها» سفناً محملة بالسكر والأرز والقمح. وعلاوة على ذلك، حثت الحكومة الهندية صندوق النقد الدولي على تقديم مساعدة مالية عاجلة لسريلانكا من أجل مساعدتها على التعامل مع أسوأ أزمة اقتصادية عاشتها منذ عقود. وهنا يشرح سيشداري شاري قائلاً «من مصلحة الهند مساعدة جيرانها. خطر الديون الصينية قد يؤدي إلى انهيار الآلية الدستورية وسيادة القانون، ويحرك العناصر المعادية للمجتمع التي يمكن أن تخدم قوى معادية للمصالح الأمنية للهند في المحيط الهندي. وقد تتسبب الأزمة الاقتصادية في حدوث نزوح جماعي من الناس إلى الهند، ويمكن أن يتطور هذا التدفق إلى طوفان من اللاجئين الذين سيتعين إيواؤهم بناءً على اعتبارات إنسانية».

بعد درسي سريلانكا وباكستان... انسحابات إقليمية بالجملة
> بسبب الأزمة التي بدأت تتكشف ملامحها في باكستان وسريلانكا، بدأت دول مثل المالديف ونيبال وبنغلاديش تعبد النظر في القروض الصينية لمشاريع البنى التحتية ومسألة المشاركة في «مبادرة الحزام والطريق». وكانت نيبال والصين قد وقّعتا اتفاق تعاون تحت مظلة «مبادرة الحزام والطريق» عام 2017 وسط مساعي نيبال لأن تصبح من بين الدول ذات الدخل المتوسط بحلول عام 2030. ويذكر أن نيبال - الواقعة بين الهند والصين وكثيراً ما تجد نفسها في قلب حروب النفوذ بين البلدين - عاينت سخاءً خاصاً من جانب بكين في السنوات الأخيرة.
وخلال زيارة رئيس الوزراء النيبالي شير باهادور ديوبا الأخيرة للهند هذا الشهر، تحدث بصورة غير رسمية عن زيارة وزير خارجية الصين لنيبال أواخر مارس (آذار). وأبلغ رئيس الوزراء النيبالي الوزير الصيني، بأن بلاده لن تقبل سوى المنح من بكين، وليس القروض الموجهة لمشاريع البنى التحتية.
أما بنغلاديش، فكانت قد أقرّت وجودها في «مبادرة الحزام والطريق» عام 2016، أثناء زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ لها. وتعد الصين راهناً الشريك التجاري الأكبر لبنغلاديش. ومن المقرر أن تستقبل بنغلاديش استثمارات صينية تتجاوز 40 مليار دولار أميركي في ظل الشراكة بين البلدين. لكن اللافت أن بنغلاديش أبدت حذراً واضحاً تجاه الاقتراض وتجنبت الاعتماد المفرط على القروض الصينية من خلال محاولة تحقيق توازن من خلال الاستعانة بدعم مالي هندي وياباني وخبرتهما بمجال التشييد والبناء. بخلاف الحال مع باكستان وسريلانكا، حرصت بنغلاديش على إدارة اقتصادها بحرص كي تتجنب السقوط في «فخ الديون» الصيني. وبذا لم تسمح للاستثمارات الصينية بدخول موانئ عميقة تصلح مستقبلا لوجود قطع من البحرية الصينية، وألغت مشروع «سوناديا” في أعماق البحر تحت مظلة «مبادرة الحزام والطريق»، وكانت الصين حريصة للغاية على إنجازه، وكما كان من المفترض تمويل المشروع بالاعتماد على قروض صينية وأن تبلغ قيمة الاستثمارات به 14 مليار دولار.
وأما عن المالديف، وبينما تدين سريلانكا بأكثر عن 10 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي لديها للصين، ترتفع هذه النسبة في هذه الدولة - الأرخبيل الصغيرة على نحو هائل لتصل إلى 40 في المائة. وتشير بعض التقديرات إلى أن المالديف تدين للصين بما يتراوح بين 1.1 مليار و1.4 مليار دولار، ما يعد مبلغاً هائلاً بالنسبة لها. جدير بالذكر، أن إجمالي الناتج الداخلي للمالديف يبلغ قرابة 4.9 مليار دولار أميركي. وإذا اعتمدنا على الأرقام الرسمية، فإن هذا يعني أن الديون تتجاوز نصف الإنتاج الاقتصادي السنوي للبلاد.



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.