بعد مرور 15 سنة، على إطلاق موقع فيسبوك خدمة «موجز الأخبار»، حذف الموقع الأشهر عالمياً كلمة «الأخبار» مع الإبقاء على كلمة «الموجز» فقط، بحسب ما أعلنته الشركة في فبراير (شباط) الماضي عبر مدونتها الخاصة. وجاء هذا التحديث بعد أربعة أشهر فقط من تغيير الشركة الأم اسمها لتصبح «ميتا»، ما اعتبره مختصون حلقات في سلسلة من التغييرات تعكس استراتيجية الشركة العملاقة للعام الجاري.
«فيسبوك» اعتبر هذه الخطوة مجرد تغيير في الاسم يعكس بشكل أفضل المحتوى المتنوع الذي يراه الأشخاص على واجهة حساباتهم، من دون أي تأثير على تجربة التطبيق. وللعلم عد News Feed إحدى علامات التبويب الراسخة منذ ظهور المنصة، وتمكن المستخدمون من معرفة آخر الأخبار الصادرة عن الحسابات أو الصفحات التي يتابعونها.
ولكن رغم توضيحات «فيسبوك»، فإن حذف كلمة «أخبار» أثار تساؤلات عدة تتعلق بتقليص المحتوى الإخباري على المنصة، وتنظيم علاقتها بالصحف أو الكيانات المسؤولة عن تداول المعلومات. وفي هذا الشأن أرجع مهران كيالي، مستشار الإعلام الرقمي ورئيس قسم التواصل الاجتماعي في صحيفة «الرؤية» بدولة الإمارات العربية المتحدة، قرار «فيسبوك» إلى سببين. إذ قال في لقاء مع «الشرق الأوسط» إن «السبب الأول يعود إلى أن الشركة قررت الاستثمار في مجال جديد بعيداً عن وسائل التواصل الاجتماعي التقليدية. والثاني الذي لم يعلن عنه، أن الشركة المالكة للمنصة كانت تعاني من تراجع الأرباح وتراجع ثقة المستخدمين، لا سيما فيما يخص منصة فيسبوك. ولذا قررت أن تخرج للعالم بمسمى آخر ومنتجات جديدة، لعل وعسى أن ينقذها من خسائرها». على حد تعبيره.
كيالي يرى أن تداول الأخبار على منصة «فيسبوك» ترك أثراً إيجابيا في بادئ الأمر، لكنه شهد تبعات سلبية متتالية، بسبب تأخر المنصة في خلق آلية لتنظيم الأخبار المتوافرة من خلالها، بل بالعكس سمحت لأي شخص، بأن يكون مصدراً للأخبار بغض النظر عن مصداقيته. وهنا استشهد ببعض حوادث القتل التي غطيت بشكل مباشر عبر المنصة، بالإضافة إلى تغطية مأساة الطفل المغربي ريان.
من جانبه، قال الصحافي المصري محمد فتحي، مسؤول الوسائط المتعددة في صحيفة «المصري اليوم» المصرية، إن تغيير اسم خدمة الأخبار هو إحد تبعات تغيير فيسبوك لاسمه وتحوله إلى «ميتا». وأردف لـ«الشرق الأوسط» أنها «محاولة للهروب من الملاحقات القضائية، لا سيما المرتبطة بالاحتكار، لأن الشركة باتت متهمة بالاستحواذ، إذ فرض العديد من الغرامات المالية ضدها، فضلا عن بعض الاتهامات التي تتعلق بدعم سياسيين في الانتخابات الأميركية». وذكر بأن «الشركة قررت فصل اسم الشركة الأم، التي تضم عدداً من المنصات على غرار واتساب وإنستغرام وفيسبوك وهو ما يضمن لها أن تبقى هذه الكيانات بعيدة عن الملاحقات القضائية ما يحمي وجودها التجاري».
غير أن «فيسبوك» يريد الآن تحويل انتباه المستخدم بعيداً عن القصص الإخبارية. ووفقاً لبحث أجرته جامعة نيويورك، ونشرت نتائجه في سبتمبر (أيلول) 2021، أظهر الباحثون في التقرير أن «الأخبار المزيفة تثير تفاعلاً أكثر من الأخبار الرسمية على المنصة». ويعلق كيالي على هذه الجزئية بالقول «بالطبع منصة فيسبوك لاحظت الإحصائيات وقرأت التحليلات، التي تؤكد خسارتها للمستخدمين، وعليه تحاول أن تمحو تاريخها من الأخبار المضللة، أو المحتوى الموجه لأغراض سياسية غير معلنة».
وهو ما يتفق معه فتحي إذ يرى أن «قرار فيسبوك يمكن تفسيره، وكأنه يقول للعالم: لم أعد معنيا بتداول الأخبار، بينما بات الترفيه والتجارة هي الأهداف الأبرز في المرحلة القادمة. ومن هنا يعيد فيسبوك تقديم نفسه بعيداً عن السؤال الذي يقول: ماذا يحدث الآن؟ إلى: بماذا تفكر الآن؟... وهذا من شأنه تعزيز العلاقة الشخصية والمباشرة بين المنصة والمستخدم».
بحسب فتحي، فإن «فيسبوك» يحاول ألا يدفع فاتورة ما تنشره الصحف من معلومات مضللة أو أخبار تحمل رسائل عنف وإثارة وتحض على الكراهية، لأن هذا من شأنه تعريض المنصة للمساءلة القانونية، لا سيما أن صد المعلومات المضللة مهمة تكاد تكون مستحيلة. ورغم أن الدستور الأميركي يحمي فيسبوك من تبعات نشر هذه الأخبار، فإن الشركة أمام مسؤولية رقابية لذلك تورطت في عدد من القضايا».
إلى ذلك، يحاول موقع «فيسبوك» ترسيخ نفسه ككيان يستهدف الترفيه، عبر الاهتمام بخدمة «المشاهدة» المنافسة لـ«يوتيوب»، ورغم أن الخدمة المذكورة لا تهدد مكانة «يوتيوب» حالياً، فإنها منطلقة بقوة. وهنا يلفت فتحي إلى أن خدمات البث المباشر التي يوفرها فيسبوك، تخطت الخدمة ذاتها التي يوفرها «يوتيوب»، لأنه يوفر ربحا أكبر. ثم إن «فيسبوك» بات ينافس كذلك في مجال التسويق، منافساً لشركة التسوق العملاقة أمازون، وهذا يعني أن كل هذه الخدمات تستحوذ على مساحة من قطاع الأخبار، ولكن مع ذلك فإنه لن تلغى خدمة الأخبار، بل سيصار إلى تقنينها عبر توفيرها بمساحة مستقلة.
من ناحية أخرى، عن تأثير حذف مسمى الأخبار من واجهة «فيسبوك» على الصحف والمؤسسات الإعلامية بشكل عام، يرى كيالي أن «المشكلة التي ستواجه موقع فيسبوك في هذا التحول وتقليص الأخبار بالمنصة، هو أن معظم وسائل الإعلام باتت تعتمد على فيسبوك بشكل أساسي لنشر أخبارها. وفي المقابل فإن فيسبوك يعتمد بشكل جيد على الأرباح التي تأتي من الإعلانات من قبل الوسائل الإعلامية، لذلك سيكون من الصعب الوصول إلى المعادلة المثالية للموازنة بين تخفيف الأخبار واستمرار الأرباح».
ويتوقع كيالي «أن فيسبوك لن يستطيع التخلي عن المحتوى الإخباري، على المدى القصير»، مشيراً إلى أن «هذا المشروع بدأ فيه فيسبوك منذ نحو سنتين، عندما بدأ بفصل المحتوى الإخباري، عن المحتوى الاجتماعي، لكنه فشل في ذلك».
بينما يرى فتحي أن «تأثير تلك الخطوة على الصحف آت لا محالة... إجراءات فيسبوك السابقة ستؤثر بشكل أو بآخر على الصحف، والتأثير الأولي سيكون من خلال عدد المستخدمين الذين يصلهم المنشورات، كذلك باتت فيسبوك تفرض قيودا على ما تنشره الصحف، لذلك على الصحف أن يكون لديها خطة بديلة لتتكيف مع تحديثات فيسبوك».
«فيسبوك» يُكرس الترفيه ويتنصل من «الأخبار المُضللة»
«فيسبوك» يُكرس الترفيه ويتنصل من «الأخبار المُضللة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة