دفعت الاستعدادات لإجراء الانتخابات النيابية المقبلة، بمعظم الاستحقاقات اللبنانية للتأجيل إلى مرحلة ما بعد الاستحقاق المزمع إجراؤه في 15 مايو (أيار) المقبل؛ لتجنب أن تشكل تلك الملفات أي مادة خلافية بين القوى السياسية نفسها، أو بين السلطة وقواعدها الشعبية، باستثناء ملف التفاوض مع صندوق النقد الدولي الذي «يسير على نار حامية»، إلى جانب الملفات المتصلة به، حسب ما تؤكد مصادر نيابية مواكبة للملف.
ويحتّم ضغط الأزمات والمهل القانونية لإنجاز بعض الاستحقاقات، حراكاً استثنائياً من الحكومة ومجلس النواب لإعلان موازنة المالية العامة وتلبية مطالب المجتمع العربي الذي يشترط الإصلاحات مقابل مساعدة البلاد الغارقة في أزماتها، لكن مسار الأمور يوحي بأن إقرار الموازنة «بات صعباً جداً قبل الانتخابات»، حسب ما تقول مصادر نيابية مواكبة لـ«الشرق الأوسط»، لكنها تؤكد في الوقت نفسه، أن ملف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي «يسير على نار حامية»، متوقعة تحقيق اختراق مهم خلال أسبوعين.
مفاوضات صندوق النقد
وبدأ وفد من صندوق النقد يوم الأربعاء الماضي، جولة جديدة من المحادثات مع المسؤولين اللبنانيين تمتد لـ15 يوماً، وأفادت الرئاسة اللبنانية بعد لقاء الرئيس ميشال عون مع الوفد، بأن الأخير «لاحظ تقدماً في مسار المفاوضات من شأنه أن يؤدي إلى توقيع أولي على مذكرة تفاهم قبل التوقيع على العقد النهائي».
واستكمل الوفد جولاته على المسؤولين اللبنانيين خلال اليومين الماضيين. وقالت المصادر النيابية، إن الملفات المتصلة بالمفاوضات مع صندوق النقد «تسير جميعها على السكة الصحيحة»، في إشارة إلى ملف خطة التعافي المالي والاقتصادي، وإقرار قانون «الكابيتال كونترول»، موضحة أنه «إذا أُنجزت كل الترتيبات بعد إقرار مشروع القانون في الحكومة، فمن الممكن أن تُعقد جلسة نيابية لإقراره في البرلمان بعد منتصف هذا الشهر»، مؤكدة أن أهمية الإسراع بإنجاز هذا الملف تأتي من كونه «يتصل بملف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي». ويبقى إنجاز القانون مرهوناً بالترتيبات القانونية؛ إذ ينتظر مشروع القانون إرساله إلى الهيئة العامة لمجلس النواب وفق الأصول القانونية، ويحيله رئيس المجلس بدوره، وفق القانون، إلى اللجان النيابية المختصة لدراسته وإقراره ورفعه بعدها إلى الهيئة العامة للمجلس لتقرّه بدورها.
ولا يُنظر إلى ملاحظات وزراء «الثنائي الشيعي» المتمثل بـ«حركة أمل» و«حزب الله» على أنها عائق أمام إقرار القانون؛ إذ تقول مصادر مقربة من الثنائي لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك معارضة لبعض التفاصيل في المشروع، «وسيتم بحثها في اللجان النيابية وفي البرلمان لتصحيحها».
أولوية الانتخابات
وبينما تتعامل السلطات مع هذه الملفات المترابطة بـ«جدية مطلقة»، بالنظر إلى أن «الحكومة تعمل بأقصى جهدها لإنجاز المطلوب منها»، كما يكرر وزراؤها، إلا أن ملفات أخرى تشهد مراوحة لا تبعث على اليقين بأن إنجازها سيكون محتوماً قبل الانتخابات. وتتعامل بعض القوى السياسية مع إجراء الانتخابات في موعدها «كأولوية مطلقة»، حسب ما تقول مصادر قريبة من «حركة أمل» لـ«الشرق الأوسط»، مشددة على أن الأولوية الآن «لسد أي ثغرة ممكن تطيح بالاستحقاق أو تؤجله».
وينسحب الأمر على قوى سياسية أخرى تعطي الانتخابات أولوية؛ وهو ما ينعكس على إنجاز استحقاقات أخرى مطلوبة مثل ملف موازنة المالية العامة التي تُدرس بشكل مستفيض في لجنة المال والموازنة في البرلمان. وتشكك مصادر نيابية منخرطة بعمل اللجنة بأن تُنجز الموازنة بسرعة؛ كونها «تحتاج إلى دراسة لمجمل التفاصيل»، علماً بأن مصادر معارضة ترى بأن إقرارها سيعرّض القوى السياسية لانتقادات شعبية، بالنظر إلى أن الموازنة تتضمن رسوماً إضافياً ستزيد من معاناة اللبنانيين الذي تدهورت قدراتهم الشرائية. ومن المزمع أن تستأنف لجنة المال والموازنة اجتماعاتها الثلاثاء المقبل.
الكهرباء وترسيم الحدود
وبينما يسير هذا الملف على خط تهدئة أي توتر مع القواعد الشعبية، تظهر مؤشرات أخرى على تعثر دولي في إنجاز ملفات لبنانية تنخرط بها، مثل ملف استجرار الكهرباء والغاز من الأردن ومصر بتمويل من البنك الدولي، وهو ملف يراوح الآن من دون أن يطرأ عليه أي خرق، علماً بأن وزارة الطاقة اللبنانية أنجزت كل ما هو مطلوب منها، حسب ما تقول مصادرها، بانتظار تحديد موعد لتوقيع العقد في مصر لاستجرار الغاز، وإشارة من البنك الدولي للشروع بالضخ؛ كون البنك الدولي هو من يتولى تمويل هذا الغاز لتوليد الطاقة في شمال لبنان. وفي الموازاة، أظهرت المؤشرات خلال الأسابيع الماضية، أن ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل لم يُنجز بفعل التطورات الدولية.
لكن هناك إشارات جديدة بدأت تظهر الآن، على أن الملف لم يُجمّد بالكامل. وقالت مصادر لبنانية مطلعة على مباحثات هذا الملف لـ«الشرق الأوسط»، إن السفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا «تقوم بحراك في داخل لبنان، يسعى لإعادة تحريك الملف»، موضحة أنها «تتحرك ضمن مهمّة لإنضاج المفاوضات واستكمالها»، نافية في الوقت نفسه أن يكون الملف سُحب من التداول أو جُمّد البحث فيه.
وكان لبنان أبدى تمسكه بالوساطة الأميركية وضرورة استكمالها على ضوء اقتراحات تقدم بها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين. وقالت المصادر اللبنانية، إن الجانب الأميركي الذي يلعب دور الوسيط والمسهل، كما الأمم المتحدة، «لا يعارضان اتفاق الإطار الذي أعلن عنه، وعاد لبنان ليتمسك به في الجولات الجديدة من المفاوضات»، مضيفة، أن «مجرد العودة إلى اتفاق الإطار، يؤكد أن مفاوضات الترسيم لا تزال في سياقها الطبيعي كون الاتفاق هو الآلية الوحيدة المتاحة لترسيم الحدود»، فضلاً عن أن ترسيم الحدود واستخراج الغاز اللبناني «بات حاجة أوروبية وأميركية في هذه الظروف».