خيبة جديدة أصيب بها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بسبب تردد حلف شمال الأطلسي (الناتو) بالتعهد علنا بتقديم المزيد من الأسلحة الهجومية التي يقول إن بلاده بحاجة إليها لردع روسيا. ورغم تكرار الزعماء الغربيين في بروكسل وحلف شمال الاطلسي دعمهم لكييف والتزامهم بتقديم المزيد من المساعدات العسكرية لها لتمكينها من الدفاع عن نفسها، فإن التعهدات هذه لم ترق لتلك التي تطالب بها أوكرانيا.
- خيبة أمل أوكرانية
وبعد أن كان زيلينسكي قد عبر في الماضي عن إحباطه من عدم تجاوب الناتو مع طلبات بلاده المتكررة للانضمام للحلف، عاد أمس لينتقد الحلف خلال توجهه بكلمة مسجلة مسبقا عبر دائرة الفيديو في بداية اجتماع قادته في بروكسل. ودعا الرئيس الأوكراني أعضاء الناتو لزيادة دعمهم العسكري ولتقديم أسلحة «هجومية وليس فقط دفاعية ومن دون أي قيود». وقال زيلينسكي متوجها لرؤساء ورؤساء وزراء دول الناتو الذين حضروا جميعا إلى بروكسل في ذكرى مرور شهر تحديدا على بدء روسيا حربها على أوكرانيا: «يمكنكم أن تبذلوا المزيد لحماية الأوكرانيين من القنابل الروسية ومن الاحتلال الروسي بإعطائنا أسلحة نحن بحاجة إليها من دون أي قيود»، مطالبا بـ«واحد في المائة من الطائرات والدبابات» التي يملكها الحلف. وأشار الرئيس الأوكراني إلى أنه تقدم بطلب للناتو للحصول على 200 دبابة من أصل 26 ألف دبابة يملكها الناتو، مضيفا أن بلاده أبدت استعدادها لدفع ثمن مقابل حصولها على تلك الدبابات، «ولكنها لم تحصل على رد واضح بعد». وتابع يقول إنه تقدم بطلب مماثل للحصول على طائرات وأنظمة صواريخ دفاعية، وكان الرد كذلك «غير واضح».
ورغم تقديم الدول الغربية مساعدات عسكرية لأوكرانيا، فإن الأسلحة المقدمة في معظمها دفاعية. وترفض دول الناتو مدّ كييف بمقاتلات رغم اقتراح بولندا ذلك، خوفا من رد روسيا. وحتى إن بولندا نقلت قبل أسبوعين مقاتلات لها إلى ثكنات عسكرية أميركية في ألمانيا بهدف نقلها إلى أوكرانيا، إلا أن الولايات المتحدة رفضت ذلك وقالت إن نقل تلك المقاتلات قد يعرضها لخطر المواجهة المباشرة مع موسكو.
وبدا الخوف من هذه المواجهة المباشرة المحتملة، مسيطرا على النقاشات أمس في بروكسل التي شهدت 3 اجتماعات رفيعة المستوى في يوم واحد بمشاركة الرئيس الأميركي جو بايدن، هي قمة الناتو وقمة مجموعة السبع وقمة أوروبية.
- تأكيد على الوحدة
وأكد بايدن على ضرورة أن تبقى الأطراف الغربية «موحدة» في الأشهر المقبلة في مواجهة روسيا. وبدا بايدن صريحا في مؤتمر صحافي عقده مساء، قال فيه إن العقوبات «لن تردع» روسيا وإنه «لا عقوبات تشكل رادعا ولكنها تزيد من الألم الذي يمكن أن نلحقه بروسيا». وأضاف: «الأهم أن نبقى موحدين وألا نفقد ذلك بعد شهر أو عام من الآن». وأشار بايدن إلى طرحه تعليق عضوية روسيا من قمة العشرين، ولكنه أضاف معترفا بأن هذه الخطوة قد لا تحصل بسبب معارضة دول في المجموعة، مضيفا أنه اقترح مشاركة أوكرانيا في أعمال المجموعة «كي يكون هناك توازن». وكرر بايدن التأكيد على استمرار تقديم الدعم العسكري اللازم لأوكرانيا من دون التورط في الصراع مباشرة، وقال ردا على سؤال حول ما إذا كان الناتو سيرد في حال استخدمت روسيا أسحلة بيولوجية في أوكرنيا «نتخذ القرار في حينه».
بدوره، كرر أمين عام الناتو أكثر من مرة أن الحلف أمامه «مسؤولية» للحرص على عدم توسع الصراع أكثر، وقال ينس ستولتنبيرغ: «لقد استمعنا جيدا إلى مطالب الرئيس زيلينسكي… ونحن نقدم دعما كبيرا لأوكرانيا ونزودها بأسلحة وأنظمة متقدمة تساعد على إسقاط طائرات ومهاجمة دبابات ونقدم لها أيضا طائرات مسيرة لكي نمكنها من الدفاع عن نفسها. ولكن في الوقت نفسه، أمامنا مسؤولية بأن نحرص على ألا يتمدد الصراع إلى خارج أوكرانيا وألا يصبح صراعا بين روسيا وأوروبا».
ولكن اختلاف الرؤى كان واضحا بين الأطراف الغربية والرئيس الأوكراني الذي حذر من أن هذه المواجهة تحديدا ستحدث لو لم يرفع الغربيون من دعمهم لبلاده، وقال إن روسيا لن تتوقف عند حدود بلاده، «بل تريد أن تتقدم نحو دول البلطيق وبولندا وهي دول أعضاء في حلف الناتو». واتهم زيلينسكي روسيا باستخدام أسلحة فوسفورية ضد المدنيين في أوكرانيا، داعيا حلف الأطلسي «لبذل المزيد» لحماية الأوكرانيين.
- تهديد الأسلحة الكيماوية
في إشارة إلى ازدياد القلق الغربي من إمكانية استخدام روسيا لأسلحة بيولوجية أو كيماوية في أوكرانيا، أعلن حلف الناتو عن تقديم مساعدات من معدات طبية وتدريب لأوكرانيا لمواجهة أي اعتداء بيولوجي محتمل. وقال ستولتنبيرغ إن «هناك إشارات توحي بأن روسيا قد تكون تحضر الأرضية» لهذا الهجوم من خلال اتهامها لواشنطن والغرب بتمويل مختبرات بيولوجية في أوكرانيا. ونفى أمين عام الناتو هذه الاتهامات، مكررا أن استخدام هذا النوع من الأسلحة «سيغير من طبيعة الصراع»، وأنه سيكون له تأثير مباشر على دول جوار أوكرانيا التي تنتمي للناتو.
- دعوة بريطانية
ووسط تردد معظم الدول الأعضاء في حلف الناتو بتزويد أوكرانيا بأسلحة قتالية، برزت دعوة رئيس الحكومة البريطاني بورس جونسون لتقديم «أسلحة فتاكة» لكييف. وقال إن الدول الأعضاء في الحلف «لديها القدرة على تزويد أكرانيا بأسلحة فتاكة، وأوكرانيا تحتاج لهذا النوع من الأسلحة». ونقلت صحيفة «غارديان» أن جونسون أبلغ نظراءه في الناتو بأن الغرب «لا يمكنه أن يعتمد على أي تراجع لروسيا، وأن التاريخ سيحكم علينا إذا لم نقدم مساعدة كافية لأوكرانيا». ونقلت الصحيفة عن مصادر في الحكومة البريطانية أن جونسون أبلغ قادة الناتو أن الجميع يأمل بأن «يعود بوتين إلى صوابه ويسحب دباباته، ولكنه سيكمل بهجومه إلى الأمام». وأضاف جونسون أن «مقاومة أوكرانيا» لروسيا غيّرت بشكل جوهري مفاهيم أوروبا الجيوسياسية، وأصبحت هذه المفاهيم بحاجة إلى إعادة تقييم لنوع الدعم الذي يقدمه الغرب لأوكرانيا.
ولكن تقييم جونسون لم يحظ بدعم من الأطراف الغربية الأساسية المتخوفة من التورط بشكل مباشر في الصراع. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مؤتمر صحافي عقده بعد قمة الناتو واجتماع مجموعة السبع إن الأطراف الغربية «مستمرة بتقديم الدعم العسكري والسياسي والإنساني لروسيا». وأضاف في تعليق على المساعدات العسكرية التي طلبها الرئيس الأوكراني: «نريد بالطبع أن نكون فعالين، ولكن لا نريد أن نكون طرفا مقاتلا في النزاع ولا نريد إعطاء روسيا أي حجة للقول بأننا تسببنا بالتصعيد». وتابع ماكرون يقول: «نريد وضع حد لهذه الحرب من دون أن ندخل في قتال مباشر مع روسيا».
- إعادة الانتشار
ورغم رفض حلف شمال الأطلسي التجاوب مع طلبات أوكرانيا لفرض حظر جوي أو تقديم مقاتلات أو حتى أسلحة قتالية، فقد بدأ تطبيق خطة إعادة انتشار تعكس واقع أوروبا والمخاوف الجديدة التي رسمتها روسيا في حربها على أوكرانيا.
وأعلن ستولتنبيرغ عن تكوين 4 وحدات قتالية جديدة ستنتشر في 4 دول شرق أوروبية، هي هنغاريا وبلغاريا ورومانيا وسلوفاكيا، ما يرفع عدد الوحدات المقاتلة المنتشرة في الشرق إلى 8 بعد نشر وحدات شبيهة في دول البلطيق وبولندا. واتفق زعماء الحلف كذلك على تسريع الدول في الوصول إلى الإنفاق الدفاعي الذي يوصي به الناتو لأعضائه والذي يصل إلى 2 في المائة من قيمة الناتج الإجمالي. وقد أعلنت ألمانيا بعد أيام قليلة من بدء العملية العسكرية الروسية، أنها سترفع إنفاقها العسكري ليصل إلى 2 في المائة بعد مقاومتها ذلك لسنوات. وقال أمين عام الناتو الذي أعلن أمس أنه باق في منصبه لعام إضافي رغم انتهاء ولايته بسبب الحرب في أوكرانيا، أن الحلف سيبحث تفاصيل زيادة التمويل في القمة المقبلة التي ستعقد في مدريد في يونيو (حزيران) المقبل.
وكان مسؤول ألماني قد قال عشية قمة الناتو إن اجتماع بروكسل سيضع الأرضية لنقاش يستكمل في مدريد حول «إعادة تنظيم انتشار قوات الحلف» وتركيزها بشكل أساسي في الدول الشرقية، مشيرا إلى حاجة أن يبحث حلف الناتو الآن باسترتيجية جديدة للمستقبل لمواجهة التهديدات الجديدة القادمة من روسيا. وتحدث المسؤول عن «نقاش خلال الأسابيع المقبلة» حول كيفية تقديم دعم أفضل للدول التي تقع «على أطراف الحرب» في أوكرانيا.
- دور الصين
صدرت دعوة موحدة من كامل دول الناتو في بيان بعد اجتماعهم، حثت الصين على عدم دعم روسيا لا عسكريا ولا اقتصاديا. وجاء في البيان أن دول الناتو «تحث بكين على احترام مبادئ القانون الدولي والامتناع عن دعم جهود روسيا الحرب بأي شكل من الأشكال والامتناع كذلك عن اتخاذ خطوات لتخفيف عبء العقوبات على روسيا». ودعت دول الناتو الصين عوضا عن ذلك إلى استخدام علاقتها مع موسكو للترويج للسلام وإنهاء الحرب في أوكرانيا.
وعلق ماكرون في مؤتمر صحافي عقده لاحقا على دور الصين في الأزمة، وقال إن الرئيس الصيني شي جينبينغ «يشاطر» الدول الغربية رفضهم للحرب في أوكرانيا. وأضاف أنه سيبقى على تواصل مستمر مع الرئيس تشي «وبقدر ما يقتضي الحال» لوقف هذه الحرب. ورفض ماكرون الرد على سؤال حول ما إذا كان سيؤيد مد العقوبات لتطال الصين في حال قدمت الدعم الاقتصادي لروسيا، وقال: «أريد أن أبقى مقتنعا بأن الصين ستلعب دورا إيجابيا» في هذه الأزمة و«تعمل على إقناع روسيا» بوقف علمياتها العسكرية في أوكرانيا.
وبدا المسؤولون الغربيون حريصين أمس على «كسب» الصين إلى جانبهم، في وقت يحضر فيه الاتحاد الأوروبي لقمة مشتركة مع بكين في الأول من أبريل (نيسان) المقبل في بروكسل لبحث الحرب في أوكرانيا. وعكست رئيسة وزراء فنلندا القلق الأوروبي من «خسارة» الصين لصالح روسيا، وقالت في تصريحات للصحافيين: «إذا ساعدت الصين روسيا، فعندها لن تعود العقوبات التي فرضناها تعمل بالشكل الصحيح»، مضيفة أن «الصين لاعب كبير ونريد التأكد من أنها ستكون على الجانب الصحيح من التاريخ».
ورغم فرض واشنطن أمس لعقوبات جديدة على روسيا طالت بشكل أساسي أعضاء مجلس الدوما الروسي، رفض الأوروبيون مناقشة فرض المزيد من العقوبات على روسيا أمس. وقال ماكرون إن العقوبات الحالية «غير المسبوقة» وضعت «الاقتصاد الروسي تحت ضغط كبير وجعلت منها دولة معزولة».
- قطاع الطاقة
كرر المستشار الالماني أولاف شولتز رفضه مناقشة حظر على الغاز والنفط الروسيين، وقال في مؤتمر صحافي عقده بعد قمتي الناتو ومجموعة السبع: «نقيم الآن العقوبات الأكثر فاعلية، وما هي التي تحدث ضررا على الاقتصاد الروسي، وهذه الإجراءات فعالة جدا ونحن مستمرون بسد الثغرات لمنع أي التفاف على هذه العقوبات». وعلق شولتز على طلب موسكو الدفع بالروبل مقابل الغاز الروسي بالقول إن هذه المسألة تحددها عقود بين شركات خاصة تستورد الغاز والنفط الروسيين، وبحسب العقود فإن الدفع يحصل باليورو أو الدولار.
وصدر بيان عن قمة السبع يعلن فيها عن تنسيق مشترك بين الدول المنتمية للمجموعة، لتطبيق أفضل للعقوبات المفروضة على روسيا، على أن يحصل التنسيق على مستوى وزراء المالية والاقتصاد. وحذرت المجموعة روسيا من استخدام الأسلحة الكيماوية أو البيولوجية والنووية، وعبرت كذلك عن مخاوفها من أزمة غذاء عالمية بسبب الحرب في أوكرانيا وغياب المحاصيل الزراعية وتأثير الحرب على حركة نقل البضائع. وقالت المجوعة إنها ستبقى تراقب الوضع للتحرك قبل تفاقمه. وتحدث كذلك قادة مجموعة السبع عن مصادر بديلة للطاقة الروسية في أوروبا، وأكدت المجموعة أنها اتخذت خطوات «لتقليل الاعتماد على الطاقة الروسية والتأكد من وجود بدائل آمنة».