جوزيب بوريل... قائد الدبلوماسية الأوروبية في زمن تحديات «الكبار» وطموحاتهم

سياسي وتكنوقراطي اشتراكي إسباني في واجهة الأحداث

جوزيب بوريل... قائد الدبلوماسية الأوروبية في زمن تحديات «الكبار» وطموحاتهم
TT

جوزيب بوريل... قائد الدبلوماسية الأوروبية في زمن تحديات «الكبار» وطموحاتهم

جوزيب بوريل... قائد الدبلوماسية الأوروبية في زمن تحديات «الكبار» وطموحاتهم

في أول تصريح أدلى به جوزيب بورّيل، عقب تعيينه الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، في معرض التعليق على تهديدات إدارة دونالد ترمب بالتدخل عسكرياً في الأزمة الفنزويلية، قال: «لا يجوز اللجوء إلى سياسة رعاة البقر، والتهديد بشهر السلاح لمعالجة هذه الأزمة المعقدة». يومذاك، كان بورّيل لا يزال يشغل منصب وزير خارجية الحكومة الاشتراكية الإسبانية. ولقد استدعى كلامه احتجاجاً شديداً من واشنطن وإسراعاً أوروبياً لاحتواء التوتّر الذي كان بدأ يخيّم على العلاقات مع الولايات المتحدة، ثم إنه، يومذاك، ذكّر خصوم بورّيل، الذين يأخذون عليه اندفاعه المفرط في التصريح ومقاربة القضايا الحسّاسة، بما كان ورد على لسانه في خطاب تسلّمه رئاسة البرلمان الأوروبي، حين قال إن «الأزمات الجيوسياسية التي تعصف اليوم بالعالم تفرض على الاتحاد الأوروبي تحديد موقعه بوضوح على الساحة الدولية التي تسيطر عليها سياسة القوة الصمّاء، حيث نرى بعض القادة لا يتورّعون عن اللجوء إلى استخدام القوة أو التهديد باستخدامها، وحيث تتحوّل الأدوات الاقتصادية إلى أسلحة فتّاكة».

عندما تكلّم جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، يوم الأربعاء الماضي، أمام البرلمان الأوروبي في إحاطة حول الأزمة الأوكرانية، لم يتردد في القول: «ما إن بلغني فجر ذلك اليوم المشؤوم أن القوات الروسية بدأت تقصف كييف، أدركت أننا طوينا صفحة من التاريخ، وأصبحنا على عتبة مرحلة جديدة تقتضي منا، نحن الأوروبيين، أن نكون جاهزين لهذا التحدي الذي وضعتنا أمامه روسيا. في عالم تحكمه القوة، علينا أن نكون مستعدين لتطوير قدراتنا الدفاعية والوسائل العسكرية اللازمة». وأردف: «ما حصل في الأيام القليلة الماضية كان أكثر مما حصل في أوروبا خلال العقود الماضية. إنها قفزة نوعيّة في مسار المشروع الأوروبي، انتقلت به ليصبح كتلة متراصة تعي بوضوح الأخطار التي تتعرّض لها، وقادرة على اتخاذ موقف سريع وموحّد لدرئها، ومستعدة لتمويل عمليات عسكرية وقتالية خارج حدودها».
لكن من هو الرجل الذي لم تنظر واشنطن بعين الرضا إلى تعيينه، والذي احتجت عليه إسرائيل رسمياً، والذي يقول معاونون إنه جاء ليهزّ شجرة السياسة الخارجية الأوروبية التي «تتراوح بين العقم والخمول»، على حد قوله، والذي لم يعد سرّاً أن الدوائر العليا في الاتحاد تجهد لاحتواء اندفاعه والحد من صلاحياته؟

النشأة والمسيرة
وُلد جوزيب بورّيل عام 1947 في بلدة بويبلا دي سيغور، من أعمال إقليم كاتالونيا (شمال شرقي إسبانيا)، في كنف عائلة ناضلت سياسياً ونقابياً ضد ديكتاتورية الجنرال فرنشيسكو فرنكو. ولقد استهل دراسته الجامعية في العاصمة الكتالونية برشلونة، حيث التحق بكلية الهندسة الصناعية، لينتقل بعد تخرّجه هناك إلى جامعة مدريد التقنية، حيث تخصص في العلوم الجوية والبحرية، ثم تابع تحصيله في الخارج حيث نال شهادة عليا في البحوث التطبيقية من جامعة ستانفورد الأميركية المرموقة، ثم في اقتصاد الطاقة من المعهد الفرنسي الأعلى للبترول، قبل أن يعود إلى مدريد حيث نال شهادة الدكتوراه في العلوم الاقتصادية من جامعة مدريد «الكومبلوتنسية»، وأصبح استاذاً للتحليل الاقتصادي والرياضيات التجارية.
في عام 1974، انتسب بورّيل إلى الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، حيث تدرّج بسرعة ليتولّى بعد خمس سنوات الإشراف على السياسة المالية في حكومة مدريد الإقليمية. وعندما حقق الاشتراكيون فوزهم التاريخي الكاسح في انتخابات عام 1982، بقيادة فيليبي غونزاليس، عيّن بورّيل أميناً عاماً لوزارة الاقتصاد والمال، ثم كلّف الإشراف على برنامج مكافحة الفساد الضريبي برتبة وزير دولة، ثم انتخب نائباً في البرلمان عن إقليم برشلونة.
بعدها، عندما أجرى غونزاليس تعديلاً واسعاً على حكومته في عام 1991 تولّى بورّيل حقيبة وزارة الأشغال العامة والنقل، ثم حقيبة السياحة والبيئة في الحكومة التالية، بعدما جدّدت ولايته في البرلمان. وعندما فاز الحزب الشعبي المحافظ في انتخابات عام 1996، أصبح بورّيل عضواً في اللجنة التنفيذية للحزب الاشتراكي الذي كان غونزاليس استقال من أمانته العامة. ثم فاجأ الجميع عندما انتخبته قاعدة الحزب أميناً عاماً ومرشحاً لرئاسة الحكومة، غير أنه اضطر للاستقالة بعد ثلاث سنوات تحت وطأة الصراعات الداخلية، وبسبب فضيحة مالية طالت اثنين من معاونيه السابقين في وزارة المالية.
مع هذا، عام 2004، ترأس بورّيل اللائحة الاشتراكية لانتخابات البرلمان الأوروبي الذي تولّى رئاسته بغالبية ساحقة في ذلك العام. وبعد انتهاء ولايته في رئاسة البرلمان الأوروبي، تولّى إدارة المعهد الجامعي الأوروبي الشهير في مدينة فلورنسا الإيطالية الذي يُعتبر من أهم المعاقل الفكرية في الاتحاد الأوروبي.

ضد انفصال كاتالونيا
مع اندلاع الأزمة الانفصالية في كاتالونيا، إثر الاستفتاء على الاستقلال الذي دعت إليه الحكومة الإقليمية في خريف عام 2007، أعلن بورّيل رفضه الانفصال وشنّ حملة قاسية مدعومة بالحجج الاقتصادية الدامغة على القوى الانفصالية التي أعلنته ألدّ خصومها. وما يُذكر أن قيادة الحزب الاشتراكي تبنّت تصوّر بوريل لمعالجة الأزمة الانفصالية قبل أن يكلّفه بيدرو سانتشيز حقيبة وزارة الخارجية في الحكومة الإسبانية، التي شكّلها بعد سقوط حكومة ماريانو راخوي اليمينية.
وخلال القمة التي عقدها رؤساء الدول والحكومات في الاتحاد الأوروبي، مطلع يوليو (تموز) 2019، عيّن بورّيل ممثلاً أعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية خلفاً للإيطالية فيديريكا موغيريني، التي كانت قد تولّت المنصب لمدة 5 سنوات.
منذ اليوم الأول لتوليه مهام منصبه الجديد كان بوريل يشدّد على ضرورة أن «يغيّر الأوروبيون خرائطهم الذهنية للتعاطي مع العالم كما هو وليس كما نتمنّى أن يكون، كي لا تصبح أوروبا الخاسر الأول في التنافس المحتدم بين الصين والولايات المتحدة في جميع المجالات». وهو يرى أن الشرط الأساسي لذلك هو الخروج عن قاعدة الإجماع التي تحكم السياسة الخارجية الأوروبية وتصيبها بالشلل، وأن «تتعلّم أوروبا لغة السلطة وتتصرّف من موقعها كطرف جيوستراتيجي من الدرجة الأولى».
أيضاً، يدعو بورّيل إلى إسناد السياسة الخارجية الأوروبية إلى القدرات التجارية والاستثمارية الهائلة التي تتمتع بها بلدان الاتحاد، وإلى القوة المالية والانتشار الدبلوماسي الواسع، وأدوات الأمن والدفاع التي في متناول البلدان الأعضاء، من أجل أن يكون تأثيرها ونفوذها في مستوى حضورها العالمي وقوتها الاقتصادية. وهو يقول في هذا الصدد: «مشكلة أوروبا ليست افتقارها للقدرات، بل في انعدام وجود الإرادة السياسية الكافية لتفعيل هذه القدرات وتسخيرها في الاتجاه الصحيح».
يضع جوزيب بوريل في صدارة أولوياته الاهتمام بالأزمات في البلدان المحيطة بالاتحاد الأوروبي، والعمل على تهدئتها ومنع نشوب نزاعات جديدة، ووضع استراتيجية لشراكة عميقة مع أفريقيا، واعتماد سياسة واضحة للتعامل مع المثلّث الاستراتيجي الذي يسيطر على عالم اليوم: الولايات المتحدة والصين والاتحاد الروسي. وهو مؤمن بأن هذه القوى الثلاث، رغم اختلافها في أوجه عدة، تلتقي حول مبدأ إخضاع العلاقات السياسية لثقل القوة العسكرية والاقتصادية.

الملف النووي الإيراني
أما بشأن الملف النووي الإيراني والعلاقات مع دول الخليج، فإن بوريل يوليه اهتماماً خاصاً؛ إذ يعتبر «أن المنطقة التي يتدفّق منها أكثر من ربع الطاقة في العالم، تشكّل الشريان الأبهر للاقتصاد العالمي». ويدعو إلى «تجديد» الاتفاق النووي مع إيران الذي «ليست له صفة المعاهدة الدولية لأن الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما لم يكن قادراً على التعهد بمصادقة الكونغرس عليه في ذلك الحين». اقتصر على منع إيران من إنتاج القنبلة النووية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها، وذلك على «أن تنفتح إيران على العالم الخارجي ويتعزز موقع القوى المعتدلة داخلها، لكن النتيجة كانت أن إيران ازدادت عدوانية على الصعيد الإقليمي، خاصة في الأزمة السورية والأوضاع في العراق واليمن ولبنان، وذلك رغم تحالفها مع الغرب والولايات المتحدة لمحاربة تنظيم (داعش)، واستمرّت في خطابها المعادي للمملكة العربية السعودية ودول الخليج».
في سياق موازٍ، يدافع بوريل بقوة عن النظام الدولي متعدد الأطراف ومنظمة الأمم المتحدة، التي يعتبر أن بعض الإصلاحات الجذرية في أجهزتها أصبحت ضرورة ملحّة في ضوء التطورات الدولية الأخيرة، خصوصاً في مجلس الأمن الذي لم يعد يعكس التوزيع الراهن للموازين الاقتصادية والديموغرافية في العالم. ذلك أنه يرى أنها أصبحت تختلف كثيراً عما كانت عليه في أعقاب الحرب العالمية الثانية. ولذا، فهو يدعو إلى إعادة النظر في شروط استخدام حق النقض «الفيتو» داخل مجلس الأمن، للحد من هيمنة الدول الكبرى على قراراته.

غزو أوكرانيا
على صعيد آخر، يرى بوريل أن الأزمة الأوكرانية «تحمل كل البذور الكفيلة باندلاع حرب عالمية ثالثة»، وأنها أعادت السياسة الخارجية الأوروبية إلى دائرة الضوء بعد ردة الفعل السريعة والموحدة لبلدان الاتحاد الأوروبي في مواجهة الغزو الروسي. وكان بوريل قد فرغ في خريف العام الماضي من وضع وثيقة يعمل على إعدادها منذ توليه منصبه، وهي تلخّص تصوره لما يجب أن تكون عليه السياسة الخارجية الأوروبية في العقود المقبلة.
وخلال عرضه للوثيقة التي تحمل عنوان «البوصلة الاستراتيجية»، أواخر السنة الماضية، أمام المفوضية الأوروبية، قال الممثل الأعلى: «إننا نعيش في محيط استراتيجي بالغ التعقيد والخطورة، وهو لا يشبه في شيء ما كان عليه في العقود الماضية. إنه محيط أكثر عدوانية من أي وقت قريب مضى، حيث يتعرّض الأمن الاقتصادي والاستراتيجي الأوروبي للهجوم كل يوم، في حين يتدهور المشهد السياسي باطراد داخل الاتحاد. إن من واجبنا التأهب لمواجهة هذا الواقع الجديد، بدءاً بتطوير قدراتنا العسكرية بما يمكننا من نشر قواتنا ميدانياً بما يتناسب مع التهديد الذي تتعرّض له الأراضي الأوروبية، بالتعاون والتنسيق الوثيق مع الحلف الأطلسي الذي يبقى عماد الدفاع المشترك الذي لا بديل له».
وبالذات، عن الغزو الروسي لأوكرانيا، يقول بوريل: «نحن الآن في حرب، لأن رؤية بوتين للتاريخ تختلف جذرياً عن رؤيتنا عالمه الفكري لا يشبه عالمنا. علينا أن نتصدّى له بكل الوسائل، مدركين أنه أخطأ في حساباته وافتراضاته. لقد أعتقد أن أوكرانيا ضعيفة وخائفة، وأن أوروبا منقسمة على ذاتها وتحت رحمة الغاز الذي تمدّها به روسيا، وأن الولايات المتحدة شغلتها الصين عن بقية العالم، وأن جيشه سيسيطر على أوكرانيا في غضون أيام وينصّب في كييف نظاما خاضعاً له. لكن بوتين أخطأ في كل حساباته، وهذه الحرب ستدوم».
أخيراً، كان بوريل قد مهّد لوثيقته الاستراتيجية بملاحظة شخصية قال إنها غير قابلة للتفاوض، جاء فيها قوله: «إننا اليوم نعيش في عالم بات من الممكن أن يُستخدم أي شيء فيه كسلاح للاعتداء على الآخرين أو إخضاعهم. لم يعد كافياً أن يمارس الاتحاد الأوروبي (القوة الناعمة)، بواسطة السياسة التجارية وحقوق الإنسان».



أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».