تونس: المأزق الاقتصادي يعمّق الأزمة السياسية

بعد 7 أشهر من «الإجراءات الاستثنائية»

تونس: المأزق الاقتصادي يعمّق الأزمة السياسية
TT

تونس: المأزق الاقتصادي يعمّق الأزمة السياسية

تونس: المأزق الاقتصادي يعمّق الأزمة السياسية

بعد 7 أشهر من القرارات «الاستثنائية» التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيّد يوم 25 يوليو (تموز) 2021، وبرّرها أنصاره بـ«تصحيح مسار ثورة 2011»، تعمقت الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد. وأخذت بعض هذه الأزمات أبعاداً دولية خطيرة، فيما يجمع كل الخبراء على أن تونس ستكون من بين أكثر البلدان تضرراً من حرب أوكرانيا وروسيا ومن تضخم أسعار المحروقات عالمياً، في وقت تتعثر مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي والبنوك العالمية للحصول على قروض لا تقل عن 6 مليارات دولار أميركي تحتاجها تونس لتغطية عجز مالي غير مسبوق في موازنة الدولة للعام الحالي.
وفي حين تؤكد مصادر حكومية أن السلطات انتصرت سياسياً على معارضي الرئيس سعيّد «والإجراءات الاستثنائية»، تتعالى تحذيرات داخل البلاد وخارجها من سيناريوهات «إفلاس الدولة وآلاف الشركات الخاصة»، ومن انفجار سياسي أمني اجتماعي مجهول العواقب، و«انهيار بعض مؤسسات الدولة» ومؤسساتها المالية والسياسية. وفي موازاة ذلك، تزايدت الضغوط الأممية والدولية لدفع السلطات إلى العودة لـ«المسارين الديمقراطي والبرلماني واحترام استقلالية القضاء والحريات العامة والفردية».

كشف الخبير الاقتصادي والنقابي التونسي عبد الجليل البدوي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن الدراسة التي نشرها قبل أيام في كتاب حول الأبعاد الدولية لميزانية الحكومة عام 2022 تؤكد أن «المؤشرات التنموية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السلبية تجاوزت كل الخطوط الحمراء». وأضاف أن الأوضاع استفحلت خلال الأشهر القليلة الماضية، وتوشك أن تتطور إلى «انهيار شامل للدولة» وإلى «انتشار المجاعة داخل الفئات الفقيرة»، وإلى «مزيد من تدهور أوضاع الطبقات الوسطى والعاملين في الوظيفة العمومية».
البدوي توقع أيضاً أن تتزايد ضغوط صندوق النقد الدولي والخارج على السلطات التونسية بسبب ثغرات ميزانية 2022، بما يوشك أن يجعل من الدولة «رهينة لدى الصندوق». وهو ما يعني دفعها نحو «إحالة عشرات آلاف الموظفين على البطالة أو التقاعد المبكر وبيع المؤسسات العمومية المفلسة، مثل شركات النقل والكهرباء والغاز والنفط والحبوب والمواد الغذائية... إلخ».

نسب الفقر والبطالة
في الاتجاه نفسه، أورد مالك الزاهي، وزير الشؤون الاجتماعية والناطق الرسمي باسم الحكومة، قبل أيام أن 963 ألف عائلة تونسية تضم 4 ملايين مواطن، أي نحو ثلث الشعب، أصبحت تعاني من الفقر. وكشف الناطق باسم الحكومة أن الإخفاق المدرسي والاضطرابات في قطاع التعليم تسببا في ترفيع نسبة الأميين في البلاد من مليون قبل 10 سنوات إلى نحو مليونين حالياً. ومن جانبه، حمّل الخبير الاقتصادي الدولي والأكاديمي المستقل جمال الدين العويديدي مسؤولية هذه المؤشرات «لسياسات الحكومات المتعاقبة منذ مدة، وللحكومة الحالية».
وفي سياق متصل، أورد عبد الرحمن الهذيلي، رئيس «المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية»، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن دراسة أعدها خبراء مؤسسته كشفت أن عدد الإضرابات والاعتصامات والتحركات الاحتجاجية تجاوزت خلال شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) من العام الجاري الألفين، وأن عددها يوشك أن يتضاعف خلال الأشهر المقبلة بسبب غلاء الأسعار واستفحال مشكلات البطالة والفقر، وانسداد الآفاق السياسية والمهنية والثقافية لدى الشباب «الذي أصبح لا يثق في مؤسسات الدولة وفي قدرتها على توفير شغل لائق له». ولقد سجلت الدراسة عينها أن غالبية الاحتجاجات الشبابية والتحركات الاجتماعية والسياسية أصبحت منظمة ولم تعد تلقائية وفوضوية، وأنها انتشرت كذلك في العاصمة والجهات المهمشة وبين مئات الآلاف من أصحاب الشهادات العليا العاطلين عن العمل.
في هذه الأثناء، حذّر الزعيم المعارض والوزير السابق أحمد نجيب الشابي من استفحال الأوضاع الاجتماعية الاقتصادية بعد 7 أشهر مما وصفه بـ«الانقلاب على الدستور». كذلك، طالب البرلماني والخبير المالي عياض اللومي بإقالة حكومة «التكنوقراط» الحالية برئاسة نجلاء بودن، قائلاً إن فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية المعتمدة منذ «منعرج 25 يوليو» يذكّر بـ«حكومة هشام المشيشي التي أطاح بها الرئيس قيس سعيّد وعمرها 7 أشهر فقط واتهمها بالفشل والفساد».
وبينما حذّر رضا الشكندالي، أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية، من الأبعاد السياسية والأمنية والاجتماعية للتضخم المالي وارتفاع الأسعار، فإنه استدل بكون آخر تقارير المؤسسة الحكومية للإحصاء أوردت أن الأسعار ارتفعت بنسبة ناهزت 8 في المائة، فيما ناهزت نسب ارتفاع أسعار لحوم الدجاج 23 في المائة، وأسعار زيت الزيتون 22 في المائة، وأسعار البيض 16 في المائة، كما زادت أسعار الفواكه 17 في المائة، وأسعار الأسماك 10 في المائة.

قرارات رئاسية جديدة
من جهة أخرى، يتساءل مراقبون عن موقف الحكومة ورئاسة الجمهورية والأوساط المحسوبة عليها، وبينها «تنسيقيات قيس سعيّد» و«حراك 25 يوليو» من المتغيرات السلبية السريعة التي تربط المعارضة وبعض النقابات بينها وبين غلق البرلمان المنتخب وشلّ عدد من المؤسسات المنتخبة، من بينها المجلس الأعلى للقضاء.
الرئيس سعيّد والمقربون منه يردّون بالقول إن تسوية كل المشكلات تبدأ بـ«محاربة الفساد داخل قطاعات القضاء وعالم المال والأعمال»، وإن قصر قرطاج أصدر قرارات رئاسية بالجملة نصّت على عقوبات بالسجن وعقوبات مالية تشمل رجال الأعمال والتجار المتهمين بالاحتكار وترفيع الأسعار و«تجويع الشعب». كذلك أعلن الرئيس سعيّد خلال زيارات ليلية أداها إلى مقر وزارة الداخلية عن إجراءات أمنية حازمة بهدف «التصدي» لمن وصفهم بـ«المتآمرين والخونة والمتورّطين في تدمير الاقتصاد وترفيع الأسعار بهدف دفع الشعب نحو التجويع والتركيع».
لكن عدداً من الأكاديميين المستقلين مثل جمال الدين العويديدي، وبعض وزراء الشؤون الاقتصادية السابقين مثل توفيق الراجحي، يعتبرون أن الأزمة الاقتصادية السياسية الحالية، بأبعادها الوطنية والدولية، لا يمكن اختزالها في «إجراءات استثنائية أمنية» قد تبرّرها «مؤامرات بعض المتهمين بالاحتكار والتهريب والفساد المال»، بل تمتد إلى «أزمة بديل» أو «بدائل». وهنا أيضاً انتقد بعض الخبراء والإعلاميين، مثل الكاتب الصحافي حسان العيادي، «تقديم رئيس الدولة وبعض المقربين منه إجابات أمنية للأزمة السياسية والاقتصادية، وللعجز التجاري، ولفشل الحكومة في توفير الموارد المالية الأجنبية التي تستحقها ميزانية الدولة، والتي سوف تحتاجها في توريد حاجيات البلاد من المواد الغذائية والمحروقات والتجهيزات الضرورية».

تأثير الأزمة الأوكرانية
في هذه الأثناء، دعا بلاغ رسمي صدر عن رئاسة «المعهد العربي لرؤساء المؤسسات» بتونس الحكومة إلى التعجيل بتشكيل خلية أزمة لإيجاد بدائل تتصل بمصادر شراء القمح في ظل الحرب الدائرة في أوكرانيا التي تعد أول مزود لتونس بهذه المواد. وطالب خبراء «المعهد» في وثيقة أصدروها تحت عنوان «الحرب في أوكرانيا... التأثيرات المحتملة والإجراءات المطلوبة» بإيجاد آليات للتمويل، لأن تونس تقع حالياً تحت وطأة خطر مرتفع للتخلف عن سداد ديونها. إذ تعاني تونس، التي تستورد 84 في المائة من حاجياتها من القمح اللين و40 في المائة من القمح الصلب و50 في المائة من حاجاتها من الشعير العلفي، من نقص مزمن على مستوى قدراتها التخزينية التي تغطي 3 أشهر فقط. ويمكن أن تؤدي أسعار تداول الحبوب في السوق العالمية، حالياً، إلى أعباء إضافية لتناهز مليار دولار ونصف مليار. وقد تؤدي زيادات الأسعار الحالية للمحروقات وللحبوب في مضاعفة أعباء «صندوق الدعم» التي تضخمت خلال العشرية الماضية، واستفحلت منذ 7 أشهر.
في المقابل، برزت تباينات في تقييم السياسات المالية والبنكية والنقدية للسلطات منذ 7 أشهر، وذلك بعد تزايد تدخل الحكومة في قرارات البنك المركزي والبنوك. وهنا انتقد بعض السياسيين والنقابيين، مثل عبد الجليل البدوي، اعتماد «سياسة تضارب المصالح» بين رئاسة البنك المركزي من جهة، ووزارة المالية والحكومة من جهة أخرى. في حين كشف أحمد كرم، المدير العام لأحد البنوك التجارية والرئيس السابق للجمعية التونسية للبنوك والمؤسسات المالية التونسية، أن نسبة القروض والتمويلات التي توفرها البنوك التونسية للدولة ارتفعت من 6 في المائة عام 2010 إلى 22 في المائة حالياً. وأشار الناشط السياسي والخبير الاقتصادي الصادق جبنون إلى أن تدخل البنوك لتمويل المستثمرين والخواص تراجع بسبب رصد الأموال لدعم ميزانية الدولة والمؤسسات العمومية التي تواجه صعوبات بالجملة.
وبينما حذر زعماء نقابيون وسياسيون من «مغامرة توريط البنوك» في تحمل أعباء كل مخاطر الاقتصاد التونسي ومسؤولية تمويل الدولة ونفقاتها الاجتماعية والاستهلاكية، معتبرين أن هذه الوضعية قد تضر بقدرة البنوك على ممارسة نشاطها الأصلي والمساهمة في خلق الثروة في البلاد عبر تمويل المستثمرين ورجال الأعمال والخواص، رأى أحمد كرم أن الوضعية الاقتصادية والمالية والسياسية أصبحت حرجة جداً اليوم. وأردف أن الاستثمار وعالم الأعمال يتعثران ما يكثّف «ضبابية المستقبل السياسي والاقتصادي للبلاد». وتابع كرم أن أرباح البنوك التونسية انخفضت العام الماضي بـ30 في المائة. ورجح أن يتواصل هذا الانخفاض ما لم تتغير الأولويات السياسية والمالية لصناع القرار.

الأزمة السياسية
ما سبق كان حال الواقع الاقتصادي، ولكن ماذا عن الحصيلة السياسية للأشهر السبعة من «الإجراءات الاستثنائية» وغلق البرلمان وعدة مؤسسات دستورية وتجميد أغلب فصول الدستور؟
مؤيدو الرئيس سعيّد ينوهون رداً على هذا التساؤل بالإشارة إلى «شعبية قيس سعيّد المرتفعة»، بينما يصعّد خصومه السياسيون خطابهم، بمن فيهم بعض مَن كانوا من أكثر المقربين إليه، مثل قيادات «الكتلة الديمقراطية» وحزبي «التيار الديمقراطي» و«الشعب» بزعامة الوزراء السابقين محمد عبو وغازي الشواشي وسالم الأبيض. ولقد ساهمت استقالة بعض الوزراء والمستشارين في قصر قرطاج، من بينهم الوزيرة ومديرة مكتب الرئيس نادية عكاشة، في خلط الأوراق وتعقيد الموقف وسط ترويج الإعلام لـ«خلافات داخل السلطة» وخاصة بين وزير الداخلية توفيق شرف الدين وخصومه.
ثم إنه على الرغم من توقف المظاهرات المعارضة للسلطة التي نظمها كل من هيئة «مواطنون ضد الانقلاب» وأنصار «المبادرة الديمقراطية» و«الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية»، فإن جبهات سياسية بدأت تتشكل بزعامة شخصيات حقوقية وعلمانية وسياسيين لعبوا في العشرية الماضية مثل الوزراء السابقين رضا بالحاج وأحمد نجيب الشابي وعبد الرحمن الأدغم وعبد الرؤوف بالطبيب وزعماء «تنسيقية الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية» بزعامة غازي الشواشي وخليل الزاوية وعصام الشابي.
ودولياً، صعّد عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي والبرلمانات الأوروبية والدولية انتقاداتهم للنظام التونسي، بينما وجّه عدد من السفراء الأميركيين السابقين بتونس والدول العربية رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأميركي جو بايدن تطالبه بالتدخل «دعماً للاستثناء التونسي وللديمقراطية العربية الوحيدة التي نجحت ثم وقع الانقلاب عليها». وفي حين لوّح جوزيب بورّيل، الممثل الأعلى للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، بعقوبات اقتصادية ضد الحكومة التونسية، أعربت ميشيل باشيليه، مفوضة الأمم المتحدة السّامية لحقوق الإنسان، في كلمة لها بثّت على موقع المفوضية على اليوتيوب، عن «قلق عميق لاستمرار تعليق عمل مجلس نواب الشعب في تونس ولقرار حلّ المجلس الأعلى للقضاء ومضايقة المعارضين».
باشيليه، وهي الرئيسة السابقة لجمهورية تشيلي، رأت أن حل المجلس الأعلى للقضاء في تونس قرار يقوض سيادة القانون واستقلال القضاء والفصل بين السلطات في البلاد. كذلك، انتقدت مفوضية حقوق الإنسان الأممية والاتحادات الدولية للمحامين والبرلمانيين وحقوق الإنسان «محاكمة مدنيين أمام محاكم عسكرية».

انفراج سياسي واقتصادي
في المقابل، بادرت السلطات الأمنية والسياسية أخيراً إلى الإفراج عن البرلماني الوزير السابق للعدل نور الدين البحيري، أحد قياديي حزب «حركة النهضة»، وألغت قرار فرض الإقامة الجبرية الذي صدر ضده وضد عدد من السياسيين والبرلمانيين ورجال الأعمال. ولقد رحب نقيب المحامين إبراهيم بودربالة وعدد من زعماء المعارضة بالإفراج عن البحيري، وببوادر «الانفراج السياسي»، رغم انتقاداتهم لتوقيف نقيب المحامين السابق عبد الرزاق الكيلاني أخيراً من قبل محكمة عسكرية بسبب تصريح سياسي.
أخيراً، تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من انشغال العالم بالغزو الروسي لأوكرانيا والتصعيد بين روسيا وحلف شمال الأطلسي «ناتو»، حصلت تونس أخيراً على وعود من البنك العالمي والبنك الأفريقي للتنمية ومؤسسات مالية عالمية وإقليمية دعماً لبعض المشروعات التنموية والاجتماعية. وفي هذا الصدد، أعلنت وزارة الاقتصاد والتخطيط أن الوزير سمير سعيّد وقّع مع البنك الأفريقي للتنمية بتونس على اتفاقية القسط الثاني من القرض الممنوح من البنك لتونس لإنجاز المرحلة الثانية من برنامج تطوير البنية التحتية للطرقات بقيمة 104 ملايين يورو، أي ما يعادل 335 مليون دينار تونسي.



تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
TT

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد الخريجي، وترأس الجانب الصيني نظيره نائب الوزير دنغ لي. وبحث الجانبان تطوير العلاقات الثنائية، مع مناقشة المستجدات التي تهم الرياض وبكين. يذكر أن العلاقات السعودية الصينية شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، إذ تعززت الشراكة بين البلدين على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية. وتعود العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية إلى عام 1990، عندما افتتحت سفارتا البلدين رسمياً في العاصمتين بكين والرياض. مع أن علاقات التعاون والتبادل التجاري بين البلدين بدأت قبل عقود. وعام 1979، وقّع أول اتفاق تجاري بينهما، واضعاً الأساس لعلاقات قوية مستمرة حتى يومنا هذا.

 

تُعدّ الصين اليوم الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، وانعكست العلاقات المتنامية بين البلدين بشكل كبير على التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما؛ إذ أسهمت في وصول حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 100 مليار دولار أميركي في عام 2023. تستورد الصين النفط الخام من السعودية بشكل رئيسي، وتعدّ المملكة أكبر مورد للنفط إلى الصين، إذ تصدر ما يقرب من 1.7 مليون برميل يومياً. ولقد تجاوزت الاستثمارات الصينية في المملكة حاجز الـ55 مليار دولار. وبحسب تقرير لـ«edgemiddleeast»، ضخّت الصين 16.8 مليار دولار في المملكة في 2023 مقابل 1.5 مليار دولار ضختها خلال عام 2022، استناداً إلى بيانات بنك الإمارات دبي الوطني، وهي تغطي مشاريع في البنية التحتية والطاقة والصناعات البتروكيماوية. وفي المقابل، استثمرت المملكة في عدد من المشاريع داخل الصين، منها الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا والنقل. واستضافت الرياض أيضاً في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام «مؤتمر الأعمال العربي الصيني» الذي استقطب أكثر من 3600 مشارك. وبعد أسبوعين فقط، أرسلت السعودية وفداً كبيراً بقيادة وزير الاقتصاد السعودي إلى مؤتمر «دافوس الصيفي» في الصين. وبالإضافة إلى هذا الزخم الحاصل، دعت الصين المملكة العربية السعودية كضيف شرف إلى «معرض لانتشو الصيني للاستثمار والتجارة» الذي أقيم من 7 إلى 10 يوليو (تموز) من هذا العام. وكانت وزارة الاستثمار السعودية حثّت الشركات على المشاركة بفاعلية في المعرض، والجناح السعودي المعنون «استثمر في السعودية». كذلك وقّعت السعودية والصين اتفاقيات متعددة لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة، بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة. وتسعى المملكة لتحقيق «رؤية 2030» التي تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، في حين تسعى الصين إلى تأمين إمدادات الطاقة اللازمة لتنميتها الاقتصادية. وبالفعل، جرى أخيراً توقيع اتفاقية بين شركة «تي سي إل تشونغ هوان» لتكنولوجيا الطاقة المتجددة الصينية، وشركة توطين للطاقة المتجددة، وشركة «رؤية للصناعة» السعوديتين، لتأسيس شركة باستثمار مشترك، من شأنها دفع توطين إنتاج الرقائق الكهروضوئية في المملكة العربية السعودية. ووفقاً للاتفاقية، يبلغ إجمالي حجم الاستثمار في المشروع المشترك نحو 2.08 مليار دولار. التعاون السياسي والدبلوماسي تتعاون المملكة والصين على مستوى عالٍ في القضايا الدولية والإقليمية. وتستند العلاقات السياسية بين البلدين إلى احترام السيادة الوطنية والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية. كذلك تتبادل الدولتان الدعم في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، ولقد لعبت الصين دوراً محوَرياً في الوساطة بين السعودية وإيران، ما أدى إلى تحقيق نوع من التوافق بين البلدين، أسهم في توطيد الاستقرار، وقلّل من حدة التوترات، وعزّز من الأمن الإقليمي. الزيارات الرسمية والقمم المعروف أنه في مارس (آذار) 2017، قام الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة رسمية للصين حيث التقى الرئيس الصيني شي جينبينغ. وخلال الزيارة، وُقّعت 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تضمنت التعاون في مجالات الطاقة والاستثمارات والعلوم والتكنولوجيا. وفي وقت سابق، كان خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز قد زار الصين رسمياً عام 2006، كانت تلك الزيارة بمثابة نقطة تحوّل في تعزيز العلاقات الثنائية، وشملت مباحثات مع القيادة الصينية وشهدت توقيع اتفاقيات عدة في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار. كما زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الصين في فبراير (شباط) 2019 كجزء من جولته الآسيوية. خلال هذه الزيارة، وقّعت 35 اتفاقية تعاون بين البلدين بقيمة تجاوزت 28 مليار دولار، وشملت مجالات النفط والطاقة المتجددة والبتروكيماويات والنقل. بعدها، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بزيارة تاريخية إلى الرياض، حيث شارك في «قمة الرياض»، التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي والصين. وتركّزت هذه القمة على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين الجانبين، وخلالها وقّع العديد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا. من الزيارات البارزة الأخرى، زيارة وزير الخارجية الصيني إلى السعودية في مارس (آذار) 2021، حيث نوقش التعاون في مكافحة جائحة «كوفيد 19» وتعزيز العلاقات الاقتصادية،