شاشة الناقد

مشهد من «صالون هدى»
مشهد من «صالون هدى»
TT

شاشة الناقد

مشهد من «صالون هدى»
مشهد من «صالون هدى»

صالون هدى
■ إخراج: هاني أبو أسعد
■ مصر، فلسطين، هولندا (2022)
■ النوع: تشويق | عروض: تجارية
■ ★★★★: ممتاز
«صالون هدى» فاعل على جبهات عدّة. من ناحية، هو فيلم لمخرج مؤلّف يتّبع مبادئ الأسلوب السردي التابع لـ«جَنر» معيّن هو التشويقي (ِثريلر)، كما كان حال أفلام هيتشكوك مثلاً. على جبهة أخرى، هو فيلم ذو قضية إنسانية وأخرى سياسية تؤلّفان وجهَي عملة واحدة. ومن ناحية ثالثة، هو فيلم تشويقي حول شغل المخابرات على طرفي النزاع: الفلسطيني والإسرائيلي. يبدأ كل شيء في صالون نسائي تملكه وتديره هدى (منال عوض). تقوم بغسل شعر زبونتها ريم (ميساء عبد الهادي) وتتجاذب أطراف الحديث معها. «قهوة؟»، تسألها. توافق ريم. نرى هدى وهي تضع مسحوقاً في الفنجان. هذه المرأة تحيك مكيدة كبيرة. لقد علمت من زبونتها أن زوجها (جلال مصاروة) يغير عليها. هي، بالتالي، زبونة مُثالية لما ستقدم عليه وهو تنويمها ثم خلع ثيابها وتصويرها كما كانت في وضع ساخن مع شاب (يعمل لهذه الغاية).
الذي يتبدّى سريعاً أن هدى تعمل لصالح مخابرات العدو. وهي تنتظر استيقاظ ريم من نومها لتبتزها عبر هذه الصورة لتجبرها على التجسس والعمالة. تخرج ريم سريعاً وهي مضطربة ويلاحظ عليها زوجها هذا الاضطراب، لكنها لا تستطيع البوح بشيء. في هذا الوقت، يتم للمخابرات الفلسطينية إلقاء القبض على هدى وشغيلها (يتم إعدامه رغم توسله) ونقلها إلى غرفة التحقيق. من هنا الفيلم فيلمان: واحد عن ريم التي لا تدري كيف ستنفذ من هذه المعضلة (كذلك عن زوجها الشكّاك وطفلها الذي تكاد لا تتركه من يديها) وهدى التي تواجه نفسها والمحققين (يقودهم علي سليمان) والتي ستعترف بمسؤوليّتها، لكنها لن تبوح بأسماء من جنّدتهن من الزبائن. هذا إلى حين تتبدل الوجهات قليلاً ويصل الفيلم إلى الفصل الأخير الذي على كل شيء أن يرقد في نهايته المناسبة.
فيلم هاني أبو أسعد (خامس فيلم له يتعامل وأحداث فلسطينية) ليس عن قضية حق وباطل وعودة أو لا عودة. هو فيلم صراع بين جهازين حتى مع تغييب الجهاز الإسرائيلي من الصورة (نسمع صوته فقط في مشهدين لأحقين) يتصدّره وضع امرأتين إحداهما جلاّدة والأخرى ضحية وكلتاهما تقع في براثن ما ارتكبته عن عمد أو من دون عمد. وفي حين يفرد المخرج هاني أبو أسعد مساحة كافية لتصوير اضطراب بيت ريم (زوجها الغيور، مشهد الغداء المشحون بالتوتر، حيرة ريم وارتباكها حيال ما سيحدث لها ولطفلتها)، نواجه امرأة صلبة مجسّدة في شخصية هدى. هي ليست خائفة من الإعدام (تطلب فقط ألا يتم إطلاق النار على رأسها)، لكننا لن نتأكد إذا ما كان الإعدام ينتظرها فعلاً؛ فهي شجاعة وقادرة على استدراج المحقق للكشف عن جزء من حياته وخفض موقعه كمحقق إلى موقع موازٍ لها؛ إذ لكل منهما سبب فيما يقوم به. هناك مشاهد كثيرة تبرز قوة شخصية هدى. مُدانة لكنها لا تهاب الإدانة ولا ما سيليها. حين يشعل المحقق سيجارة تأخذ واحدة وتنتظر أن يقوم المحقق بإشعال سيجارتها كما لو كانا يجلسان في راحة مكان يتبادلان فيه الحديث عن مشروع عمل.
لا يتخلّى أبو أسعد عن ملكيّة الفيلم التشويقي. يعرف كيف يبنيه وكيف يصوّره. ما علينا إلا ملاحظة أن معظم حالات ريم المضطربة تقع في منزل العائلة ذي الغرف الضيّقة. هي حبيسة الوضع غير الطبيعي الذي وجدت نفسها فيه والبيت يرمز إليه. معظم مشاهد هدى، في المقابل، تقع في غرفة التحقيق الداكنة. إنهما متشابهتان في كل في قفص منفرد.
لا يعمل أبو أسعد على ترجيح كفّة دون أخرى. يترك للحكاية فعل ذلك بلقائها مع المُشاهد عبر ما تعرضه. دائماً ما يصطاد الوضع الذي يتجاوز الإدانة بذاتها (وهي موجودة مستترة غالباً) لينجز فيه الحديث عن الداخل والاختيارات الصعبة التي تواجه أبطاله. السياسة تكشف عن نفسها تلقائياً ومن دون خطب.

- ‫The Weekend Away ‬
‫■ إخراج: كيم فارانت.
■ بريطانيا (2022)
■ النوع: تشويق | عروض: نتفليكس
■ ★★: وسط
‫بلدة كرواتية ساحلية هي مسرح لمعظم ما يدور في هذا الفيلم القائم على سلسلة من الحبكات المتلاحقة. تصل بث، بطلة هذا الفيلم (ليتون ميستر)، إلى تلك البلدة الجميلة بعدما سبقتها صديقتها كايت (كريستينا وولف)‬ لتمضية ويك أند. تترك زوجها روب (لوك هاريس) في لندن وتنطلق مع كايت لتمضية الوقت في مرقص. هناك تحاول صديقتها إقناعها بالنوم مع شاب، لكنها ترفض. في اليوم التالي تجد نفسها وحيدة في المنزل. بعد ثلاثة أيام ما زالت وحيدة والبوليس لا يصدّق ما تقوله ثم يتهمها هي بقتل كايت التي انتشلت جثتها من البحر. المؤامرات تدور من حولها وهي لا تعرف كيف تتجه وماذا تفعل. ليس هناك من أحد بجانبها سوى عربي اسمه زين (زياد بكري) يقود سيارة أجرة (في الواقع ينطق - في المشهد الأول - بأول عبارة نسمعها في الفيلم).
زين هو الصادق الوحيد بين الكرواتيين لكن بث بدأت ترتاب في الجميع هذا قبل أن يتبيّن للبوليس من القاتل. حين تعود بث إلى لندن تكتشف أن ذلك الشخص (وأنا أحاول أن لا أفسد المشاهدة) ليس القاتل، بل شخص آخر. التركيبة من نوع السيناريو الذي لا يكلّ. تنتقل بث من اكتشاف لآخر وفي كل مرّة تذرف دموعاً وتبحث عن مَخرج. هي في وضع غريب من كثرة تداعياته الفوضوية والسيناريو الذي يقفز فوق الثغرات المبعثرة فيه. مأخوذ عن رواية وضعتها سارا ألدرسن التي حشدت حول بطلتها مجموعة من الرجال السيئين باستثناء زين. لكن الصورة الإيجابية لزين مقنعة كون زين لا يستطيع المخاطرة بفقدان تصريح إقامته وإلا لوجد نفسه في حلب التي جاء منها.
هناك التواءات أكثر من المطلوب في هذا السيناريو ما يؤدي إلى عكس ما ترغب فيه المخرجة كيم فارانت من تشويق. شيء مثل كل ما زاد عن حدّه انقلب ضده.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★: ممتاز | ★★★★★: تحفة


مقالات ذات صلة

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق محمد سعد في العرض الخاص لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة للفيلم)

هل استعاد محمد سعد «توازنه» بفضل «الدشاش»؟

حقق فيلم «الدشاش» للفنان المصري محمد سعد الإيرادات اليومية لشباك التذاكر المصري منذ طرحه بدور العرض.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)

«صناعة الفخار»... وثائقي مصري يستدعي حرفة من زمن الفراعنة

يستدعي الفيلم الوثائقي «حرفة الفخار» تاريخ هذه الصناعة التي تحمل طابعاً فنياً في بعض جوانبها، على مدى التاريخ المصري القديم، منذ أيام الفراعنة.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من الفيلم تجمع «شاهيناز» وأولادها (الشركة المنتجة)

«المستريحة»... فيلم مصري يتناول النصّابين يمزج الكوميديا بالإثارة

تصدَّرت مجسّمات دعائية للأبطال دار العرض عبر لقطات من الفيلم تُعبّر عنهم، فظهرت ليلى علوي في مجسّم خشبيّ جالسةً على حافة حوض استحمام مليء بالدولارات.

انتصار دردير (القاهرة )

بشير الديك كتب للسينما البديلة والسائدة معاً

أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
TT

بشير الديك كتب للسينما البديلة والسائدة معاً

أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»

بشير الديك، كاتب القصّة والسيناريو لعدد كبير من الأفلام المصرية طوال العقود الأربعين الماضية، الذي توفي في اليوم الأخير من العام الراحل، 2024، كان أحد السينمائيين الخارجين عن قوانين السينما التقليدية في النصف الأول من سنوات مهنته. لكن على الرغم من أنه في النصف الثاني وقّع على أعمال كثيرة من التي يمكن وصفها بالتقليدية، ومن بينها 6 أفلام من بطولة نادية الجندي، فإنه واظب على معالجة نصوصه باحتراف يجمع بين حكايات تحمل مضامين تنتمي إلى نزعة جادة وتنشد ميزانيات كبيرة.

لعل حقيقة أن نادية الجندي كانت تصبو دوماً إلى أدوار تخلّدها وأفلام تحافظ عبرها على مكانتها لعب بشير الديك دوراً في تلبية هذه الرغبات عبر حكايات تشويقية في المقام الأول، وشخصية رئيسية مضخّمة وذلك في أفضل نصوص ممكنة ضمن التوليفة التجارية.

بدأ هذا التعاون على نحوٍ ثلاثي: بشير الديك يكتب، ونادر جلال يُخرِج ونادية الجندي تلعب دور البطولة. هذه الأفلام هي «الإرهاب» (1989)، و«شبكة الموت» (1990)، و«عصر القوّة» (1991)، ومن ثَمّ «مهمّة في تل أبيب» (1992)، و«الشطّار» (1993)، ولاحقاً «امرأة هزّت عرش مصر» (1995).

كمال الشناوي ونادية الجندي في «مهمّة في تل أبيب»

‫اتجاهان‬

بعد بدايات متفاوتة الأهمية من بينها «مع سبق الإصرار» لأشرف فهمي (1979)، و«دعوني أنتقم» لتيسير عبّود (1979)، و«الأبالسة» لعلي عبد الخالق (1980) التحق الديك ببدايات المخرج الراحل محمد خان عبر 6 أفلام هي «الرغبة» (1980)، و«موعد على العشاء» (1981)، و«طائر على الطريق» (1981)، و«نص أرنب» (1983)، و«يوسف وزينب» (1984) و«الحرّيف» (1984) وكلها من أفضل ما حققه خان.

تعامُل الديك مع الموضوعات الجادة التي عرفتها تلك الأفلام سمح له بكتابة واحد من أفضل أعماله وهو «سواق الأتوبيس»، الذي حققه الراحل عاطف الطيب سنة 1982، وكلاهما لاحقاً تعاونا على تحقيق فيلم مهم (أكثر مما كان جيداً) آخر هو «ناجي العلي» (1992). لجانبهما فيلم ثالث هو «ضد الحكومة» (1992) من بطولة أحمد زكي ولبلبة.

في تقييم كتابات بشير الديك تتداخل بعض العناصر التي يمكن إيجاز هذا التقييم عبرها.

من ناحية، حاول دوماً التطرّق صوب قضايا مهمّة تطرح قصصاً ذات جانبٍ وطني مثل «مهمّة في تل أبيب»، الذي دار حول جاسوسة مصرية تعمل لصالح إسرائيل، ومن ثَمّ تندم فتطلب منها الاستخبارات المصرية (ممثلة بكمال الشناوي)، العمل لحساب مصر وتنجح. «ناجي العلي» ينضم إلى هذا النحو من الأعمال.

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

في ناحية أخرى، لم يتأخر عن كتابة ما كان سائداً في الثمانينات والتسعينات من اتجاه صوب الحديث عن مراكز قوى في الشارع المصري والصراع بين الأخيار والأشرار. هذه الموجة لم تعرف بداية ونهاية محدودتين فتاريخها عريق يعود لعقود سابقة، لكنها عرفت في تلك الفترة تدافعاً بين المخرجين للحديث عن تلك المراكز في حارات القاهرة (في مقابل الكثير من صراع الخير والشر على ساحلَي بور سعيد والإسكندرية في أفلام الخمسينات والستينات) في أجواء ليست بعيدة عن الخط الذي وضعه نجيب محفوظ وشخصياته.

مخرجون عديدون حقّقوا هذه الأفلام التي شُكّلت حكاياتها من صراع القوى في الشارع المصري مثل أشرف فهمي («الأقوياء»، 1982)، وأحمد السبعاوي («السلخانة» 1982 و«برج المدابغ» 1983) وكمال صلاح الدين («جدعان باب الشعرية» 1983). لكن من مزايا ما كتبه بشير الديك في هذه الأعمال التي لاقت رواجاً جماهيرياً إنه كتب ما هو أعمق في دلالاته من قصص المعلّم الشرير ضد سكان منطقته وأزلامه الذين يتصدّون للأبرياء إلى أن يخرج من رحم تلك الحارة من يواجههم جميعاً.

بداية من «نصف أرنب» توّجه الديك إلى حكاية تشويقية ذات طابع بوليسي، وفي «سوّاق الأتوبيس» وقف مع ابن المدينة في موضوع حول تفتت المجتمع مادياً. أما في «الحرّيف» فنقل اهتمامه إلى الوسط المهمّش من سكان القاهرة وأحلامهم ومتاعبهم الشخصية.

‫هموم المجتمع‬

ما يجمع بين هذه الأعمال هموم تسلّلت إلى عدد كبير من كتابات بشير الديك السينمائية.

في مقابلة تمّت بين المخرج عاطف الطيب وبيني بعد مشاهدة فيلمه النيّر «سواق الأوتوبيس»، سألت المخرج عن كيف بدأ التفكير في تحقيق «سوّاق الأتوبيس». أجاب: «بدأت الفكرة في جلسة صداقة مع بشير الديك ومحمد خان. وكنا نتحدث بشأن همومنا وطموحنا الخاص لصنع سينما أخرى مختلفة، وكانت الظروف الحياتية نفسها تجمعنا كلنا تقريباً. فقد كنت أشعر في ذلك الوقت بالذنب إزاء فيلمي الأول (يقصد «الغيرة القاتلة»، 1982)، الذي اضطُرِرت فيه إلى الاعتماد على سيناريو مأخوذ عن أصل أدبي (أجنبي) رغم إيماني الدائم بضرورة الكتابة المباشرة للسينما. اقترح محمد خان وبشير الديك فكرة وُضع لها عنوان: (حطمت قيودي)، تدور حول عائلة مهدّدة بالضياع نتيجة فقدان الأب للورشة التي أسسها وبحْثُ الابن، سائق الأتوبيس، عن مخرج من الأزمة بلا جدوى وأعجبتني الفكرة، خصوصاً أنني أميل كثيراً إلى الدراما التي تدور في نطاق عائلة. وبدأنا بالفعل في تطوير الفكرة خلال الكتابة وتبادل الآراء. وكنا كلما نتعمق في الموضوع تتضح لنا أهمية الفكرة التي نريد التعبير عنها. في الكتابة الثانية للسيناريو، وصل الفيلم إلى ما أصبح عليه».

كتب بشير الديك نحو 60 فيلماً ومسلسلاً تلفزيونياً، معظمها جمع هذه الصفات المجتمعية على نحو سائد أو مخفف. هذا ما جعله أحد أبرز كتاب السيناريو في مصر في حقبة كان للسينما البديلة والمستقلة عن السائد دور فاعل في نهضة الفيلم المصري عموماً.

مع الطيّب وخان ورضوان الكاشف ورؤوف توفيق وخيري بشارة ورأفت الميهي وسواهم، ساهم بشير الديك في منح تلك الفترة مكانتها الساطعة التي لا تغيب.