مشاهدات رحلة شاقة من خاركوف إلى الدار البيضاء

برد وهلع وانتظار

أم تعانق ابنها العائد من أوكرانيا في مطار الدار البيضاء (أ.ف.ب)
أم تعانق ابنها العائد من أوكرانيا في مطار الدار البيضاء (أ.ف.ب)
TT

مشاهدات رحلة شاقة من خاركوف إلى الدار البيضاء

أم تعانق ابنها العائد من أوكرانيا في مطار الدار البيضاء (أ.ف.ب)
أم تعانق ابنها العائد من أوكرانيا في مطار الدار البيضاء (أ.ف.ب)

كان المغربي عزيز، 24 عاما، يستعد لركوب طائرة الخطوط الملكية المغربية من العاصمة السلوفاكية براتسلافا في اتجاه مطار الدار البيضاء، أمس، حين اتصلت به «الشرق الأوسط» ليروي لها قصة فراره من الحرب.
عاش عزيز أياما قاسية بعد الهجوم الذي شنته روسيا على أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) الماضي، وما زال متواصلا إلى اليوم. كان عزيز يدرس في السنة الرابعة بكلية الطب في مدينة خاركوف الأوكرانية قبل أن تندلع الحرب. يقول «استيقظنا في الساعة الرابعة صباحا على أصوات القنابل والصواريخ وأصابنا الهلع». في البداية التزم عزيز وأصدقاؤه بتعليمات السلطات بالبقاء في البيوت لكن في اليوم الثالث من الحرب (السبت) قرر رفقة مجموعة من المغاربة المغادرة. يقول «أخذنا وثائقنا الشخصية وبعض الملابس، وتركنا وراءنا باقي أغراضنا. كان علينا ركوب سيارة للتوجه إلى محطة القطار وسط المدينة». بيد أنهم تمكنوا بصعوبة من الحصول على خدمة النقل إلى المحطة مقابل مبالغ مضاعفة. وبمجرد الوصول إليها، كان المشهد مثيرا، حيث توافد الآلاف من السكان لمحاولة ركوب القطار، والهروب من الحرب. أوكرانيون، عرب من جنسيات مختلفة، أفارقة، أطفال، نساء. يقول عزيز، الذي فضل عدم ذكر اسمه كاملا، إنه لم يكن سهلا الصعود للقطار بسبب الازدحام والفوضى واستعمال القوة من طرف بعض الأفراد. في النهاية تمكنت المجموعة التي تضم طالبات وطلبة مغاربة من الصعود إليه لتبدأ رحلة شاقة لا تنسى. استمرت الرحلة إلى مدينة «فوف» الأوكرانية القريبة من الحدود البولندية، 24 ساعة.
كان القطار مزدحما، والبرد قارسا، والأكل غير متوفر، ودورات المياه في القطار يصعب الوصول إليها.

طلبة مغاربة يعودون من أوكرانيا بسبب الحرب (أ.ف.ب)
يضيف عزيز «لكم أن تتصوروا كيف كان وضعنا خلال 24 ساعة في هذه الظروف التي لم نر فيها نوما». هذا مع العلم أن الرحلة من خاركوف إلى فوف، كانت في الفترات العادية تستغرق 14 ساعة. بعد الوصول إلى فوف، كان يجب على المجموعة العثور على سيارة لتنقلهم إلى الحدود البولندية.
«أسعار النقل جدا مرتفعة ومبالغ فيها»، ومع ذلك فإن هدف عزيز رفقة أصدقائه كان هو الوصول إلى الحدود، بيد أن معاناة أخرى بدأت هناك.
الكثير من الفارين من الحرب في أوكرانيا وصلوا في وقت سابق واصطفوا في صف طويل، في انتظار الإجراءات على الحدود. كان يجب الانتظار 20 ساعة أخرى قبل أن يتمكن عزيز ورفاقه من عبور الحدود، والتواصل مع السفارة المغربية في وارسو لترتيب النقل والإقامة ثم الاستعداد للعودة إلى المغرب عبر رحلات استثنائية للخطوط الملكية المغربية. وبخلاف عزيز، فإن محمد سعد الطليكي، وهو من مدينة أصيلة (شمال المغرب) كان أوفر حظا. إنه طالب في سلك الهندسة المدنية في مدينة أوديسا، إذ غادر أوكرانيا قبيل الحرب. قال الطليكي إنه بعد صدور بيان سفارة المغرب الذي حث المغاربة على المغادرة تمكن من السفر إلى تركيا رفقة مجموعة من الطلبة المغاربة الآخرين، وانتظروا هناك، تطورات الوضع. وزاد قائلا «وردت أخبار بأن كتيبة روسية انسحبت من الحدود الأوكرانية»، وانتشرت أخبار في وسائل الإعلام بأن روسيا لن تهاجم أوكرانيا. وهنا قرر مجموعة من الطلبة العودة إلى أوكرانيا، خاصةً أن الجامعات الأوكرانية هددت كل طالب غادر البلاد بالطرد من الدراسة. وصباح يوم الخميس 24 فبراير (شباط) الماضي، أغلق المجال الجوي الأوكراني، وبدأت الحرب، وكان الطليكي حينها يبحث عن تذكرة للعودة إلى أوكرانيا، لكن حين علم بالحرب قرر الرجوع إلى المغرب. وذكر الطليكي أنه كان على مشارف إنهاء دراسته والحصول على شهادة مهندس مدني هذا العام، قبل أن تندلع الحرب. وظل الطليكي على اتصال مع المغاربة العالقين هناك بحكم كونه «ممثلا للجالية المغربية في مجلس القوميات»، مشيرا إلى أنه يتواصل مع زملاء له من المغاربة في الحدود، ومع آخرين في مدن أوكرانية أخرى، مثل خاركيف. وذكر أن مستقبل هؤلاء الطلبة سيطرح فيما بعد خاصةً بعد تعرض الجامعات التي درسوا فيها للقصف. في مواقع التواصل الاجتماعي، هناك العديد من القصص لمغاربة عالقين، منهم حوالي 30 من الطلبة والطالبات في مدينة سومي، المحاصرة من طرف القوات الروسية، ونداءات استغاثة لمغاربة عالقين وسط الحرب منهم نداء للمغربي مهدي الداودي، الذي يقيم في منطقة بروفاري (شمال شرقي كييف)، والذي يقول في اتصال مع «الشرق الأوسط»، إن المنطقة التي يوجد فيها محاصرة، لأنها قريبة من الحدود البيلاروسية. مشيرا إلى أن البلدة شبه خالية، ومحطة القطار من دون قطارات، والطريق الوحيدة التي تؤدي إلى العاصمة غير آمنة بسبب القصف الروسي.
في مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً انتشرت صورته رفقة زوجته الأوكرانية وابنته ذات السنوات الأربع، وهم يطالبون بتوفير ممر آمن لهم للخروج رفقة بقية العائلات. وحسب وزارة الخارجية المغربية، فإن أزيد من 3000 طالب وطالبة مغربية عادوا قبل اندلاع الحرب، فيما نجح أزيد من 5000 آخرين في عبور الحدود الأوكرانية. وقالت السفارة المغربية في كييف، في بيان أمس إنه تم نقل السفارة من كييف إلى مدينة «لفيف» من أجل تقديم المساعدة للمواطنين المغاربة الموجودين فوق التراب الأوكراني. وأشار البيان إلى أن السفيرة المغربية في أوكرانيا، فوز العشابي، عقدت اجتماعا مع ممثل وزارة الشؤون الخارجية الأوكرانية وممثل الأمن والحدود بمدينة لفيف استعرضت خلاله الصعوبات التي يواجهها المواطنون المغاربة، مطالبة بتسهيل الإجراءات أمامهم من أجل تمكينهم من مغادرة الأراضي الأوكرانية في ظروف جيدة. وقالت السفارة المغربية إنها تراقب عن كثب أوضاع المغاربة الموجودين في مدن سومي وخاركيف وخيرسون وماريوبول، وتتواصل معهم باستمرار من أجل إيجاد حلول لوضعيتهم. وأنها تتواصل باستمرار مع خلية الأزمة المحدثة بوزارة الخارجية بالرباط بهدف تنسيق الإجراءات التي يجب اتخاذها، مع التبليغ عن الصعوبات التي يواجهها المواطنون المغاربة في بولونيا وسلوفاكيا ورومانيا وهنغاريا. وأفاد البيان أن الآلاف من المواطنين المغاربة تمكنوا من الاستفادة من مساعدة أعضاء السفارة من أجل مغادرة أوكرانيا. وتم استصدار أكثر من 150 «وثيقة مرور» من بينها 4 وثائق جرى استصدارها أمس لفائدة «أسرة مرفوقة بطفل صغير».



السيسي: الربط الكهربائي مع السعودية نموذج للتعاون الإقليمي

اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
TT

السيسي: الربط الكهربائي مع السعودية نموذج للتعاون الإقليمي

اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن مشروع الربط الكهربائي مع المملكة العربية السعودية نموذج لتكامل التعاون في مجال الطاقة على المستوى الإقليمي، وبين مصر والمملكة خصيصاً. وأضاف: «كما يعد المشروع نموذجاً يحتذى به في تنفيذ مشروعات مماثلة مستقبلاً للربط الكهربائي»، موجهاً بإجراء متابعة دقيقة لكافة تفاصيل مشروع الربط الكهربائي مع السعودية.

جاءت تأكيدات السيسي خلال اجتماع مع رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، ووزيري الكهرباء والطاقة المتجددة، محمود عصمت، والبترول والثروة المعدنية، كريم بدوي. وحسب إفادة لـ«الرئاسة المصرية»، الأحد، تناول الاجتماع الموقف الخاص بمشروعات الربط الكهربائي بين مصر والسعودية، في ظل ما تكتسبه مثل تلك المشروعات من أهمية لتعزيز فاعلية الشبكات الكهربائية ودعم استقرارها، والاستفادة من قدرات التوليد المتاحة خلال فترات ذروة الأحمال الكهربائية.

وكانت مصر والسعودية قد وقعتا اتفاق تعاون لإنشاء مشروع الربط الكهربائي في عام 2012، بتكلفة مليار و800 مليون دولار، يخصّ الجانب المصري منها 600 مليون دولار (الدولار يساوي 49.65 جنيه في البنوك المصرية). وقال رئيس مجلس الوزراء المصري، خلال اجتماع للحكومة، منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن خط الربط الكهربائي بين مصر والسعودية سيدخل الخدمة في مايو (أيار) أو يونيو (حزيران) المقبلين. وأضاف أنه من المقرر أن تكون قدرة المرحلة الأولى 1500 ميغاواط.

ويعد المشروع الأول من نوعه لتبادل تيار الجهد العالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من مدينة بدر في مصر إلى المدينة المنورة مروراً بمدينة تبوك في السعودية. كما أكد مدبولي، في تصريحات، نهاية الشهر الماضي، أن مشروع الربط الكهربائي مع السعودية، الذي يستهدف إنتاج 3000 ميغاواط من الكهرباء على مرحلتين، يعد أبرز ما توصلت إليه بلاده في مجال الطاقة.

وزير الطاقة السعودي يتوسط وزيري الكهرباء والبترول المصريين في الرياض يوليو الماضي (الشرق الأوسط)

فريق عمل

وفي يوليو (تموز) الماضي، قال وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري، خلال لقائه وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، في الرياض، إن «هناك جهوداً كبيرة من جميع الأطراف للانتهاء من مشروع الربط الكهربائي المصري - السعودي، وبدء التشغيل والربط على الشبكة الموحدة قبل بداية فصل الصيف المقبل، وفي سبيل تحقيق ذلك فإن هناك فريق عمل تم تشكيله لإنهاء أي مشكلة أو عقبة قد تطرأ».

وأوضحت وزارة الكهرباء المصرية حينها أن اللقاء الذي حضره أيضاً وزير البترول المصري ناقش عدة جوانب، من بينها مشروع الربط الكهربائي بين شبكتي الكهرباء في البلدين بهدف التبادل المشترك للطاقة في إطار الاستفادة من اختلاف أوقات الذروة وزيادة الأحمال في الدولتين، وكذلك تعظيم العوائد وحسن إدارة واستخدام الفائض الكهربائي وزيادة استقرار الشبكة الكهربائية في مصر والسعودية.

ووفق المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، محمد الشناوي، الأحد، فإن اجتماع السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول تضمن متابعة مستجدات الموقف التنفيذي لمحطة «الضبعة النووية»، في ظل ما يمثله المشروع من أهمية قصوى لعملية التنمية الشاملة بمصر، خصوصاً مع تبنى الدولة استراتيجية متكاملة ومستدامة للطاقة تهدف إلى تنويع مصادرها من الطاقة المتجددة والجديدة، بما يسهم في تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.

وأكد السيسي أهمية العمل على ضمان سرعة التنفيذ الفعال لمشروعات الطاقة المختلفة باعتبارها ركيزة ومحركاً أساسياً للتنمية في مصر، مشدداً على أهمية الالتزام بتنفيذ الأعمال في محطة «الضبعة النووية» وفقاً للخطة الزمنية المُحددة، مع ضمان أعلى درجات الكفاءة في التنفيذ، فضلاً عن الالتزام بأفضل مستوى من التدريب وتأهيل الكوادر البشرية للتشغيل والصيانة.

وتضم محطة الضبعة، التي تقام شمال مصر، 4 مفاعلات نووية، بقدرة إجمالية تبلغ 4800 ميغاوات، بواقع 1200 ميغاوات لكل مفاعل. ومن المقرّر أن يبدأ تشغيل المفاعل النووي الأول عام 2028، ثم تشغيل المفاعلات الأخرى تباعاً.

جانب من اجتماع حكومي سابق برئاسة مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء المصري)

تنويع مصادر الطاقة

وتعهدت الحكومة المصرية في وقت سابق بـ«تنفيذ التزاماتها الخاصة بالمشروع لإنجازه وفق مخططه الزمني»، وتستهدف مصر من المشروع تنويع مصادرها من الطاقة، وإنتاج الكهرباء، لسد العجز في الاستهلاك المحلي، وتوفير قيمة واردات الغاز والطاقة المستهلكة في تشغيل المحطات الكهربائية.

وعانت مصر من أزمة انقطاع للكهرباء خلال أشهر الصيف، توقفت في نهاية يوليو الماضي بعد توفير الوقود اللازم لتشغيل المحطات الكهربائية. واطلع السيسي خلال الاجتماع، الأحد، على خطة العمل الحكومية لضمان توفير احتياجات قطاع الكهرباء من المنتجات البترولية، وانتظام ضخ إمدادات الغاز للشبكة القومية للكهرباء، بما يحقق استدامة واستقرار التغذية الكهربائية على مستوى الجمهورية وخفض الفاقد.

ووجه بتكثيف الجهود الحكومية لتعزيز فرص جذب الاستثمارات لقطاع الطاقة، وتطوير منظومة إدارة وتشغيل الشبكة القومية للغاز، بما يضمن استدامة الإمدادات للشبكة القومية للكهرباء والقطاعات الصناعية والخدمية، وبتكثيف العمل بالمشروعات الجاري تنفيذها في مجال الطاقة المتجددة، بهدف تنويع مصادر إمدادات الطاقة، وإضافة قدرات جديدة للشبكة الكهربائية، بالإضافة إلى تطوير الشبكة من خلال العمل بأحدث التقنيات لاستيعاب ونقل الطاقة بأعلى كفاءة وأقل فقد.