الجمعية الأميركية لعلم النفس دعمت برنامج التعذيب الذي تطبقه «سي آي إيه»

تعاونت سرًا مع إدارة الرئيس السابق بوش الابن من أجل دعم المبرر القانوني والأخلاقي لتعذيب السجناء

إجراءات أمنية مشددة حول سجن أبو غريب في العراق الذي تعرض فيه معتقلون لانتهاكات على أيدي أفراد في الجيش الأميركي (نيويورك تايمز)
إجراءات أمنية مشددة حول سجن أبو غريب في العراق الذي تعرض فيه معتقلون لانتهاكات على أيدي أفراد في الجيش الأميركي (نيويورك تايمز)
TT

الجمعية الأميركية لعلم النفس دعمت برنامج التعذيب الذي تطبقه «سي آي إيه»

إجراءات أمنية مشددة حول سجن أبو غريب في العراق الذي تعرض فيه معتقلون لانتهاكات على أيدي أفراد في الجيش الأميركي (نيويورك تايمز)
إجراءات أمنية مشددة حول سجن أبو غريب في العراق الذي تعرض فيه معتقلون لانتهاكات على أيدي أفراد في الجيش الأميركي (نيويورك تايمز)

تعاونت الجمعية الأميركية لعلم النفس سرا مع إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن من أجل دعم المبرر القانوني والأخلاقي لتعذيب السجناء في إطار الحرب على الإرهاب بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، وذلك بحسب ما ذكر تقرير إخباري نشره متخصصون معارضون في مجال الطب والصحة، ونشطاء في مجال حقوق الإنسان. ويعد هذا التقرير هو الأول من نوعه الذي يكشف دور الجمعية في برنامج التحقيق. ويشير التقرير من خلال رسائل بالبريد الإلكتروني تم الكشف عنها مؤخرًا إلى تزامن قيام الجمعية بإشراك علماء نفس في برنامج التعذيب مع محاولات مسؤولين رفيعي المستوى في إدارة بوش إنقاذ البرنامج بعد فضح أمره عام 2004 من خلال نشر صور توضح الانتهاكات التي تعرض لها معتقلون في سجن أبو غريب في العراق على أيدي أفراد في الجيش الأميركي. وخلص مؤلفو التقرير إلى أن: «الجمعية نسقت سرا مع مسؤولين في الاستخبارات المركزية، والبيت الأبيض، ووزارة الدفاع، من أجل وضع سياسة أخلاقية بشأن تحقيقات الأمن القومي، التي تمت في إطار تعليمات قانونية كانت سرية آنذاك، تسمح للاستخبارات المركزية بممارسة التعذيب».
كانت مشاركة متخصصين في مجال الطب في برنامج التحقيق خلال فترة إدارة بوش، أمرا مهما، لأنها أتاحت لوزارة العدل القول، عند التعبير سرًا عن الآراء، إن البرنامج قانوني ولا يصنف كتعذيب، حيث كان هناك متخصصون في الطب يشرفون على التحقيقات من أجل ضمان سلامة المتهمين. وتم إلغاء برنامج التحقيق، وأصدرت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ خلال العام الماضي، تقريرًا مفصلا وصف البرنامج بأنه غير فعال ويمثل انتهاكا للحقوق. وأنكرت ريا فاربرمان، متحدثة باسم الجمعية الأميركية لعلم النفس، قيام الجمعية بالتنسيق مع الحكومة. وقالت: «لم يكن هناك أي تنسيق بين الجمعية وإدارة بوش فيما يتعلق بموقف الجمعية تجاه الجدل الدائر بشأن دور علماء النفس في برنامج التحقيقات».
واعتمدت إدارة بوش على علماء النفس بشكل أكبر من اعتمادها على أطباء النفس، أو المتخصصين الآخرين في مجال الطب، في الإشراف على كثير من التحقيقات؛ ومن أسباب ذلك دعم الجمعية لمشاركة علماء نفس في التحقيقات، وذلك بحسب ما أوضح مسؤول رفيع المستوى في وزارة الدفاع عام 2006.
وقال دكتور ويليام وينكينويردير، الذي كان مساعد وزير الدفاع لشؤون الصحة آنذاك، إن الجمعية الأميركية لعلم النفس «تدعم بوضوح دور علماء النفس في طريقة عمل مستشاري العلوم السلوكية» وذلك في سياق الحديث مع صحافيين بشأن سبب الاعتماد على علماء النفس على نحو أكبر من الاعتماد على أطباء النفس في معتقل غوانتانامو في كوبا. وأضاف: «على الجانب الآخر، أعتقد أن الجمعية قد شهدت جدلا كبيرا بشأن هذا الأمر، ولم يكن البعض يشعر بالارتياح تجاه هذا الأمر».
وبحلول يونيو (حزيران) عام 2004، بدأ برنامج التعذيب، الذي طبقته إدارة بوش، يواجه مشكلات. وأثار نشر صور توضح الانتهاكات، التي تعرض لها معتقلو سجن أبو غريب في وقت مبكر من ذلك العام، جدلا بشأن طريقة تعامل السلطات الأميركية مع المعتقلين في إطار الحرب العالمية على الإرهاب، مما أدى إلى تشديد الرقابة على ما يسمى ببرنامج التحقيق المشدد، الذي تضمن الحرمان من النوم، والإيهام بالغرق.
وبدأ كل من الكونغرس ووسائل الإعلام طرح تساؤلات وساورتهم شكوك جديدة بشأن مدى قانونية البرنامج. وفي 4 يونيو عام 2004، وقع جورج تينيت، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية آنذاك، اتفاقا سريا يقضي بمنع استخدام الاستخبارات المركزية لتلك الطرق في التحقيق، وطلب مراجعة السياسات من أجل ضمان أن إدارة بوش لا تزال تدعم البرنامج. وكتب تينيت في مذكرة تم الكشف عنها: «أعتقد كثيرا أن الإدارة بحاجة الآن إلى مراجعة وضعها القانوني والسياسي فيما يتعلق بالمعتقلين من أجل ضمان أننا جميعا نتحدث بصوت واحد لا لبس فيه عن حكمة وفعالية تلك المواقف في ضوء الجدل الحالي».
في تلك اللحظة الحرجة، اتخذت الجمعية موقفا جعل منتقدوها يقولون إنها ساعدت في تعرض برنامج التحقيق لمشكلات. وفي بداية يونيو عام 2004، دعا مسؤول بارز في الجمعية الأميركية لعلم النفس، التي تعد أكبر مؤسسة مهنية بالنسبة لعلماء النفس، إلى اختيار مجموعة من علماء النفس، وعلماء السلوك، داخل الحكومة لحضور اجتماع خاص من أجل مناقشة الأزمة ودور علماء النفس في برنامج التحقيق. والتقى علماء نفس من الاستخبارات المركزية الأميركية وأجهزة أخرى بمسؤولين في الجمعية خلال شهر يوليو (تموز)، وبحلول العام التالي أصدرت الجمعية إرشادات أكدت مرة أخرى على قبول أعضائها المشاركة في برنامج التحقيق. وهل هناك أي مؤسسة أكاديمية أو شركة إعلام أو مؤسسة إخبارية تعارض الإدارة الأميركية؟ الكل أياديه ملوثة.
وللتأكيد على اقتراب الجمعية من برنامج التحقيق، أشار التقرير الجديد، الذي أصدره المنتقدون، إلى رسالة بالبريد الإلكتروني عام 2003 من عالم نفس بارز في الاستخبارات المركزية إلى مسؤول رفيع المستوى في الجمعية. وأوضحت تلك الرسالة أن عالم النفس، الذي يعمل لدى الاستخبارات المركزية، أخبر المسؤول بعمل جيمس ميتشيل، وبروس جيسين، المتعاقدين اللذين وضعا برنامج التحقيق المشدد، وساعدا في توجيهه داخل السجون التابعة للاستخبارات المركزية الأميركية السرية حول العالم. وبعد ما يزيد على عشر سنوات من توقيع تينيت على الاتفاق السري، الذي يقضي بمنع استخدام وسائل التحقيق المشدد، أصبحت الجمعية تحت الرقابة والتدقيق. وخلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أصدر مجلس إدارة الجمعية أمرا بعمل مراجعة مستقلة لدور المؤسسة في برنامج التحقيق. ويشرف ديفيد هوفمان، محامي في شيكاغو، حاليًا على هذه المراجعة.
وقال هوفمان: «لقد أوكلت الجمعية إلينا مهمة مستقلة، وهذه هي الطريقة التي نجري بها التحقيق في الأمر، ونحن ما زلنا في مرحلة جمع الأدلة، والحديث مع الشهود، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من التحقيق في وقت لاحق من فصل الربيع». وظل نشطاء حقوق الإنسان، ومنتقدون في مجال الصحة النفسية، لسنوات، يرددون تساؤلات بشأن دور علماء النفس، وعلماء السلوك، في تطوير واستخدام برنامج التحقيق خلال فترة إدارة بوش. وانتقد البعض كثيرا ما توصلت إليه «اللجنة الرئاسية عن الأخلاقيات النفسية والأمن القومي» وهو أن مشاركة علماء النفس في التحقيقات أمر مناسب من أجل ضمان سلامة المحتجزين، والوضع القانوني، والأخلاقي، للتحقيقات فضلا عن ضمان فعاليتها. وأثار تقرير اللجنة في النهاية كثيرا من الانتقادات في دوائر علم النفس، مما أدى إلى تراجع الجمعية عن الإرشادات التي تسمح بذلك الأمر.

* «نيويورك تايمز»



ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
TT

ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)

دفع تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً» إلى تساؤلات حول تأثير القرار على مستقبل التنظيم وعناصره. يأتي هذا في ظل تصاعد الصراع بين «قيادات (الإخوان) في الخارج» حول قيادة التنظيم. وقال باحثون في الحركات المتطرفة والإرهاب إن «قرار باراغواي أشار إلى ارتباط (الإخوان) بـ(تنظيمات الإرهاب)، وقد يدفع القرار دولاً أخرى إلى أن تتخذ قرارات مماثلة ضد التنظيم».
ووافقت اللجنة الدائمة بكونغرس باراغواي على «اعتبار (الإخوان) (تنظيماً إرهابياً) يهدد الأمن والاستقرار الدوليين، ويشكل انتهاكاً خطيراً لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة». جاء ذلك في مشروع قرار تقدمت به ليليان سامانيغو، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس المكوّن من 45 عضواً. وقال البرلمان في بيان نشره عبر موقعه الإلكتروني (مساء الخميس) إن «تنظيم (الإخوان) الذي تأسس في مصر عام 1928، يقدم المساعدة الآيديولوجية لمن يستخدم (العنف) ويهدد الاستقرار والأمن في كل من الشرق والغرب». وأضاف البيان أن «باراغواي ترفض رفضاً قاطعاً جميع الأعمال والأساليب والممارسات (الإرهابية)».
ووفق تقارير محلية في باراغواي، فإن باراغواي رأت في وقت سابق أن «(حزب الله)، و(القاعدة)، و(داعش) وغيرها، منظمات (إرهابية)، في إطار مشاركتها في الحرب على (الإرهاب)». وقالت التقارير إن «تصنيف (الإخوان) من شأنه أن يحدّ من قدرة هذه الجماعات على التخطيط لهجمات (إرهابية) وزعزعة استقرار الدول». كما تحدثت التقارير عن دول أخرى أقرت خطوات مماثلة ضد «الإخوان» من بينها، روسيا، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين.
وتصنف دول عربية عدة «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً». وعدّت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية التنظيم «جماعة إرهابية منحرفة» لا تمثل منهج الإسلام. وذكرت الهيئة في بيان لها، نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2020، أن «(الإخوان) جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفُرقة، وإثارة الفتنة، والعنف، والإرهاب». وحذّرت حينها من «الانتماء إلى (الإخوان) أو التعاطف مع التنظيم».
كذلك أكد مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي أن كل مجموعة أو تنظيم يسعى للفتنة أو يمارس العنف أو يحرّض عليه، هو تنظيم إرهابي مهما كان اسمه أو دعوته، معتبراً «(الإخوان) تنظيماً (إرهابياً)».
وتحظر الحكومة المصرية «الإخوان» منذ عام 2014، وقد عدّته «تنظيماً إرهابياً». ويخضع مئات من قادة وأنصار التنظيم حالياً، وعلى رأسهم المرشد العام محمد بديع، لمحاكمات في قضايا يتعلق معظمها بـ«التحريض على العنف»، صدرت في بعضها أحكام بالإعدام، والسجن «المشدد والمؤبد».
وحسب الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، فإن «تصنيف باراغواي (الإخوان) يؤكد الاتهامات التي توجَّه إلى التنظيم، بأن تنظيمات العنف خرجت من رحم (الإخوان)، أو أنها نهلت من أفكار التنظيم»، لافتاً إلى أن «قرار باراغواي أشار إلى أن (الإخوان) وفّر الحماية لتنظيمات التطرف التي نشأت في الشرق والغرب». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «قرار بعض الدول العربية في وقت سابق حظر (الإخوان) يعود إلى أمرين؛ الأول أن التنظيم مارس العنف، والآخر أن التنظيم وفّر الحماية لجماعات الإرهاب».
وفي وقت سابق أكدت وزارة الأوقاف المصرية «حُرمة الانضمام لـ(الإخوان)»، مشيرةً إلى أن التنظيم يمثل «الخطر الأكبر على الأمن القومي العربي». وفي فبراير (شباط) 2022 قالت دار الإفتاء المصرية إن «جميع الجماعات الإرهابية خرجت من عباءة (الإخوان)». وفي مايو (أيار) الماضي، قام مفتي مصر شوقي علام، بتوزيع تقرير «موثق» باللغة الإنجليزية على أعضاء البرلمان البريطاني يكشف منهج «الإخوان» منذ نشأة التنظيم وارتباطه بـ«التنظيمات الإرهابية». وقدم التقرير كثيراً من الأدلة على علاقة «الإخوان» بـ«داعش» و«القاعدة»، وانضمام عدد كبير من أعضاء «الإخوان» لصفوف «داعش» عقب عزل محمد مرسي عن السلطة في مصر عام 2013، كما لفت إلى أذرع «الإخوان» من الحركات المسلحة مثل «لواء الثورة» و«حسم».
وحول تأثير قرار تصنيف باراغواي «الإخوان» على «قيادات التنظيم في الخارج»، أكد الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، أن «قرار باراغواي سوف يؤثر بالقطع على عناصر التنظيم في الخارج، لأن التنظيم يزعم أنه ينتشر في دول كثيرة حول العالم، ومثل هذا القرار يؤثر على عناصر (الإخوان) الموجودة في باراغواي وفي الدول المجاورة لها، كما أن القرار قد يدفع دولاً أخرى إلى اتخاذ قرار مماثل ضد (الإخوان)».
يأتي قرار باراغواي في وقت يتواصل الصراع بين «قيادات الإخوان في الخارج» حول منصب القائم بأعمال مرشد التنظيم. ويرى مراقبون أن «محاولات الصلح بين جبهتي (لندن) و(إسطنبول) لحسم الخلافات لم تنجح لعدم وجود توافق حول ملامح مستقبل التنظيم». والصراع بين جبهتي «لندن» و«إسطنبول» على منصب القائم بأعمال المرشد، سبقته خلافات كثيرة خلال الأشهر الماضية، عقب قيام إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد «الإخوان» السابق، بحلّ المكتب الإداري لشؤون التنظيم في تركيا، وقيامه بتشكيل «هيئة عليا» بديلة عن «مكتب إرشاد الإخوان». وتبع ذلك تشكيل «جبهة لندن»، «مجلس شورى» جديداً، وإعفاء أعضاء «مجلس شورى إسطنبول» الستة، ومحمود حسين (الذي يقود «جبهة إسطنبول»)، من مناصبهم.


بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.


واشنطن: مادورو غير شرعي

نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)
نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)
TT

واشنطن: مادورو غير شرعي

نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)
نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)

قالت الولايات المتحدة اليوم (الثلاثاء)، إنها ما زالت ترفض اعتبار نيكولاس مادورو الرئيس الشرعي لفنزويلا، وتعترف بسلطة الجمعية الوطنية المُشَكَّلة عام 2015 بعد أن حلت المعارضة «حكومتها المؤقتة».
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس للصحافيين: «نهجنا تجاه نيكولاس مادورو لا يتغير. إنه ليس الرئيس الشرعي لفنزويلا. نعترف بالجمعية الوطنية المُشَكَّلة عام 2015»، وفق ما أفادت به وكالة الصحافة الفرنسية.
ولدى سؤاله عن الأصول الفنزويلية، ولا سيما شركة النفط الفنزويلية في الولايات المتحدة، قال برايس إن «عقوباتنا الشاملة المتعلقة بفنزويلا والقيود ذات الصلة تبقى سارية. أفهم أن أعضاء الجمعية الوطنية يناقشون كيف سيشرفون على هذه الأصول الخارجية».