تفاصيل جديدة عن المفاعل النووي «لافيزان3» وسط مخاوف دولية من نيات إيران

لم تتطرق إليه المفاوضات.. أقامته شركتا «كالاي» و«حراء» أسفل قاعدة عسكرية قرب طهران.. ويستخدم أجهزة حديثة لتخصيب اليورانيوم

عامل إيرني يمر بدراجته بجانب كفاعل بوشهر النووي خارج مدينة بوشهر الجنوبية (أ.ب)
عامل إيرني يمر بدراجته بجانب كفاعل بوشهر النووي خارج مدينة بوشهر الجنوبية (أ.ب)
TT

تفاصيل جديدة عن المفاعل النووي «لافيزان3» وسط مخاوف دولية من نيات إيران

عامل إيرني يمر بدراجته بجانب كفاعل بوشهر النووي خارج مدينة بوشهر الجنوبية (أ.ب)
عامل إيرني يمر بدراجته بجانب كفاعل بوشهر النووي خارج مدينة بوشهر الجنوبية (أ.ب)

وسط مخاوف دولية من نيات إيران الوصول إلى تصنيع القنبلة النووية، تكشف تفاصيل جديدة بشأن مفاعلها النووي «لافيزان3» أنه أقيم أسفل قاعدة عسكرية قرب طهران بواسطة شركات محلية منها «كالاي» و«حراء»، ويستخدم أجهزة حديثة لتخصيب اليورانيوم، ولا يمكن الوصول إليه إلا عبر شبكة أنفاق تقع تحت مجمع لسكن ضباط بالجيش يطل على شارع «شاهمرادي». وبينما كانت المفاوضات تدور بين إيران التي تعاني صعوبات اقتصادية والدول الكبرى المتشككة حيال طموحها في التصنيع العسكري النووي، من أجل التوصل لاتفاق بهذا الخصوص بين الطرفين، جرى التحذير للمرة الأولى، في أواخر فبراير (شباط) الماضي، من وجود مفاعل سري لم تتطرق إليه المفاوضات، يحمل اسم «لافيزان3»، وذلك حين أعلنت مجموعة إيرانية معارضة، في واشنطن، وجود هذا الموقع «السري»، قائلة إنه يعد انتهاكا للمفاوضات الحالية مع الدول العظمى.

وجرى في الأيام الأخيرة تسريب تقرير يقع في 11 صفحة لمسؤولين في الولايات المتحدة الأميركية وعدة بلدان أوروبية يتضمن تفاصيل جديدة عن المفاعل السري المشار إليه، بالتزامن مع الاتفاق السياسي الذي توصلت إليه طهران مطلع الشهر الحالي مع مجموعة الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن إضافة لألمانيا، بشأن برنامجها النووي، تمهيدا للتوصل لاتفاق شامل ونهائي، قبل يوليو (تموز) المقبل.
وينظر الكثير من المراقبين الغربيين بتشكك إلى نيات طهران وطموحاتها في استخدام برنامجها النووي في أغراض عسكرية لفرض الهيمنة بمنطقة الشرق الأوسط الملتهبة أصلا، بينما يرى معارضون إيرانيون أن نظام طهران لم يعد لديه خيارات كثيرة بعد أن تورط في تمويل الحروب ونشر الفوضى في عدة بلدان عربية، وأصبح يسعى لإنقاذ نفسه من شبح الأزمة الاقتصادية التي تخنق قطاعات واسعة من فئات الشعب.
على خلفية مثل هذه التفاصيل التي تخص الأنشطة السرية النووية في إيران ووقوفها وراء الحروب في بعض بلاد المنطقة، يقول ستروان إستيونسن، الرئيس السابق لوفد البرلمان الأوروبي للعلاقات مع العراق، لـ«الشرق الأوسط»، إنه لا ينبغي الوثوق في سياسات طهران في ما يتعلق ببرنامجها النووي.. «النظام الإيراني خدع العالم على مدى أربعة عقود في ما يتعلق بسياساته الدولية أو في المنطقة».
وفي رده على أسئلة «الشرق الأوسط» أيضا يؤكد النائب الاشتراكي السابق في البرلمان الفرنسي، فرنسوا كلكومبه، أن حصول إيران على السلاح النووي، حتى ولو كان في الأمد البعيد، يعد من أكثر الأمور مبعثا للقلق خلال الأعوام المقبلة، واصفا سياسات كل من روسيا والصين والولايات المتحدة (الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن) تجاه هذه القضية بأنها الأسوأ.. «لا توجد ضمانة للحيلولة دون سعي إيران لامتلاك القنبلة الذرية».
ومن بين محاولاتها لصرف الأنظار عن مشاريعها المقلقة للمنطقة والمجتمع الدولي، يقول معارضون إيرانيون وساسة غربيون، إن طهران تعمل على خلق بؤر توتر وحروب بالوكالة بعيدا عن أراضيها، مثلما يجري في العراق وسوريا واليمن. وتشير دولت نوروزي، وهي معارضة إيرانية تقيم في بريطانيا، خلال إجابتها عن أسئلة «الشرق الأوسط» بهذا الخصوص، إلى أن نظام طهران لم يجلب طوال سنوات حكمه (منذ 1979) سوى «البلاء والمصائب للشعب ولدول المنطقة، وللأسف يستغل الدين في ذلك».
التقرير الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه يشير إلى أنه رغم ادعاءات طهران بأن جميع الأنشطة الخاصة بتخصيب اليورانيوم، شفافة وتجري تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن النظام، في واقع الأمر، اضطلع بجهود البحث والتطوير لأجهزة الطرد المركزية المتقدمة في المنشأة النووية السرية التي تحمل اسم «لافيزان3».
تمكن معارضون إيرانيون ينشطون في الولايات المتحدة وأوروبا، بالتعاون مع زملاء لهم في الداخل الإيراني، من جمع كمية من المعلومات التفصيلية عن المفاعل الجديد. ورغم أنه لم يجر التحقق من مصدر محايد بعد، بشأن ما ورد في التقرير، فإن مصادر غربية تشير إلى أن المجموعة التي أعدته تتمتع، على ما يبدو بمصداقية، من خلال تعاملاتهم، عبر سنوات، مع أسرار تتعلق بالبرنامج النووي في بلادهم.
على مدار العشرين سنة الماضية تمكن قادة مما أصبح يعرف بـ«المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية»، من تأسيس مكاتب في أوروبا وأميركا تمثل قطاعات من المعارضة التاريخية لنظام رجال الدين في طهران. أحد فروع هذه المكاتب يقع في مبنى يحمل رقم 1747 في بنسلفانيا قرب العاصمة الأميركية. وفي يوم 24 فبراير عرض مساعد مدير الفرع، علي رضا جعفر زادة، ولأول مرة، صورا ملتقطة بالأقمار الصناعية، لموقع «لافيزان3»، لكن التفاصيل الدقيقة لهذه المنشأة، وفقا للتقرير، تبدو أكثر أهمية وإثارة للقلق.
لماذا؟ يجيب أحد النواب الأوروبيين، قائلا إن نفس الجهة التي قدمت هذه المعلومات، سبق وكشفت عن تفاصيل سرية خطيرة أصابت النظام الإيراني بالغضب، عن أنشطته النووية المثيرة للريبة في مواقع «ناتانز» و«أراك» عام 2002، وعن شركة «كالاي» وموقع «لافيزان شيان» في 2003، وغيرها، ولذلك حين نجد حديثا عن موقع نووي جديد فلا بد من الانتباه.. لقد ثبت على سبيل المثال أن «كالاي»، وهي شركة كهرباء بالأساس لها مقر في طهران، تسهم في تجارب على أجهزة الطرد المركزي والبحوث النووية.
السيد إستيونسن الذي يشغل أيضا رئاسة الرابطة الأوروبية لحرية العراق (EIFA)، يقول في إجابته عن أسئلة «الشرق الأوسط» عما إذا كانت إيران تسعى لمراوغة الغرب حول أنشطتها النووية: «بالتأكيد.. إنهم كانوا يخدعون ويراوغون الغرب في مجال برنامجهم النووي طيلة 30 بل 40 عاما. يبدو الأمر اليوم وكأنهم نجحوا في ذلك، إلا إذا استيقظنا أمام هذا الخطر الداهم للسلاح النووي الذي يتسلح به النظام الإيراني».
منشأة «لافيزان3» تقع بالقرب من موقع النشاط القديم لشركة «كالاي» التي تشرف عليها أيضا، وهي واحدة من ثلاث شركات إيرانية جمدت وزارة الخزانة الأميركية أصولها المالية منذ نحو سبع سنوات للاشتباه في دعمها لانتشار أسلحة الدمار الشامل‏ في هذا البلد الواقع على الخليج.‏ حاولت «الشرق الأوسط» الحصول على تعليق من هذه الشركة التي تتبع في الأساس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، لكن لم يتسن إجراء اتصال مباشر بها، في حين ينفي المسؤولون الإيرانيون توجيه «البرنامج النووي السلمي لأغراض عسكرية».
ويشبه أحد السياسيين الغربيين الأمر بلعبة عض الأصابع. فإيران تريد أن تفلت من العقوبات الاقتصادية الدولية التي أرهقت كاهلها، بالتوصل إلى الاتفاق النووي، لكن الدول الكبرى تخشى أيضا من أن تترك هذا البلد الذي تشتبه في تمويله لحركات التطرف في المنطقة لامتلاك أسلحة الدمار الشامل.
يعرب السيد إستيونسن عن مخاوفه من «تركيبة نظام الحكم في إيران»، ويقول صراحة: «إنني أرى أن النظام المتطرف الذي أسسه آية الله الخميني أصر على أن يصوغ الدستور الجديد لنظامه بحيث يتضمن الخلافة.. ما فعله النظام الإيراني من الناحية السياسية لم يكن خارج إطار إقامة مثل هذه الخلافة تماما كما يدعي ذلك حاليا تنظيم داعش.. نحن جميعنا في الغرب نتحسس لذلك».
ويضيف: «نحن نشاهد كيف أن حكام طهران يوسعون نزعتهم الطائفية في أرجاء منطقة الشرق الأوسط.. نحن نرى كيف وصلت أذرعهم إلى داخل العراق وكيف أنهم يدعمون الطاغية بشار الأسد وكذلك حماس وحزب الله اللبناني والآن المتمردون الحوثيون في اليمن، ثم يلومون المملكة العربية السعودية لأنها نظمت تحالفا للوقف بوجههم».
ويشدد إستيونسن على أن التحالف الذي تقوده السعودية، و«للمرة الأولى، استطاع أن يوحد الدول العربية لمواجهة النظام الإيراني ليقول لهذا النظام كفى.. كفى. هذه الخطوة أخافت الملالي (رجال الدين الحكام في طهران)، حيث يشاهدون لأول مرة معارضة جادة حقيقية بوجههم وليس من جانب الغرب، بل من قبل دول الجوار العربي في الشرق الأوسط». وبينما تحاول إيران الإفلات من المراقبة على منشآتها النووية، يبدو أنه لم يعد أمامها خيار سوى محاولة «اللف والدوران» للوصول لاتفاق بأي وسيلة يخرجها من منظومة العقوبات الدولية. في منتصف هذا الشهر، وبعد مماطلة من جانب طهران، وصل مفتشون من الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقيق في موقع يشتبه في استخدامه في تطوير أسلحة نووية، لكن بهروز كمال، المتحدث باسم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية صرح بأن مفتشي الوكالة جاءوا لمناقشة موضوع يتعلق بموقع عسكري في مدينة مريوان في غرب البلاد.
بحسب المصادر فقد بدأت الولايات المتحدة الأميركية في وضع «تفاصيل» تتعلق بالاتفاق مع إيران، أسرع من باقي البلدان الشريكة في المفاوضات، خاصة فرنسا وروسيا. التفاصيل الأميركية حتى الآن تتعلق بمفاعل «أراك» النووي الموجود كذلك قرب طهران. تعد البنود حول هذا المفاعل من القضايا الحساسة في محادثات إيران مع الدول الكبرى، وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.
مع ذلك لا أحد يعرف إن كانت منشأة «لافيزان3» ستدخل في بنود الاتفاق من عدمه، خصوصا أن الكشف عنها وتمرير المعلومات التفصيلية الخاصة بها، تعد حديثة العهد ولاحقة لعملية بدء التفاوض. يقول التقرير عن هذه المنشأة، إن المهندس الذي يتولى إدارة جانب منها، يدعى مرتضى بهزاد، وهو مسؤول نووي بارز لعب دورا رئيسيا من قبل في تشغيل موقع «فوردو» المهم، لتخصيب اليورانيوم، والذي يقع تحت الأرض أيضا، أسفل جبل قرب «قم» على بعد نحو 100 كيلومتر جنوب طهران.
المهندس بهزاد، وفقا للتقرير، يعد همزة الوصل بين هيئة الطاقة الذرية الإيرانية ووزارة الدفاع، وكان من بين مديري موقع (لافيزان 3)، مشيرا إلى أن إقامة هذه المنشأة، ضمن عدة مجمعات بالمنطقة، جرت بناء على أوامر من العميد في الحرس الثوري الإيراني، سيد علي حسينيتاش، الذي تولى فيما بعد منصب نائب وزير الدفاع في البلاد.. «مهمة حسينيتاش كانت تكمن في متابعة بناء وصناعة الأسلحة النووية، ويشغل حاليا منصب نائب رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي».
يجري تخصيب اليورانيوم في «لافيزان3»، وبصورة سرية، باستخدام أجهزة الطرد المركزية الحديثة من طراز (IR - 2m)، و(IR - 3)، و(IR - 4). يبدو من التقرير أن الموقع يحظى باهتمام كبير من جانب الدولة. تشرف على مسؤولية حمايته بشكل مباشر وزارة الاستخبارات والأمن الوطني. ووفرت هذه الجهات «تمويها» بحيث يجري التعامل مع المنشأة على أنها «مركز تابع لوزارة الاستخبارات، وغير معني بالأنشطة النووية».
يمكن تحديد موقع «لافيزان3» ضمن الأحياء السكنية الخاصة بقادة الجيش التي تستلزم تصريحا خاصا للدخول إليها، وهي منطقة عسكرية تبعد نحو ثلاثة كيلومترات عن طريق الجيش (الذي كان يسمى في السابق «طريق لاشكاراك السريع)، شمال شرقي العاصمة. تبلغ مساحة المنطقة العسكرية هناك نحو ستين فدانا، يحدها من الشرق شارع «شاهمرادي»، ومن الغرب شارع «غامار بني هاشم»، أما في الجنوب فتقع شقق العاملين بالموقع وتسمى «خوشرو»، وهناك أيضا موقع يضم مجمعين هما «مجمع جمال»، و«شركة ماتيران». يخضع الموقع بالكامل لإشراف مديرية الشؤون الفنية التابعة للاستخبارات الإيرانية.
ونظرا لحساسية شارع «شاهمرادي»، جرى وضع بوابة كبيرة مغلقة دائما، ما حوله لشارع مسدود لا يسمح بعبوره إلا للأفراد العاملين في المراكز العسكرية، أو المدنيين القاطنين في نفس الشارع. يوجد بجوار منشأة «لافيزان3» المجمع السكني العسكري المعروف باسم «الوحدة 64»، وهناك أيضا حامية «باهارفار» التابعة للجيش، إلى جانب مصنع لقطع غيار الصناعات الإلكترونية تابع لوزارة الدفاع. وإلى الجنوب الشرقي من موقع «لافيزان3» نفسه يوجد مجمع مستقل، كما يقول التقرير، تبلغ مساحته 170 مترا في 170 مترا. في داخل هذا المجمع هناك مبنى آخر مكون من طابقين بمساحة 70 مترا في 70 مترا مشيد في المنتصف. يوجد في هذا المبنى أحد أبواب النفق الذي يؤدي إلى الموقع النووي الرئيسي تحت سطح الأرض في منظومة من الأنفاق والمنشآت التي تشغل مساحة تقدر بألفي متر مربع.
«للوصول إلى الموقع تحت سطح الأرض، عليك استقلال المصعد الذي ينزل إلى عدة طوابق في عمق الأرض، وينفتح باب المصعد على نفق بطول 200 متر. يؤدي النفق إلى أربع قاعات متوازية. ونظرا لأن طبيعة الأرض منحدرة، فإن تلك القاعات تغوص في عمق الأرض حتى مسافة 50 مترا تقريبا»، كما يقول التقرير.
تبلغ أبعاد كل قاعة من القاعات الموجودة تحت الأرض 40 مترا في 10 أمتار، أي بمساحة 400 متر مربع. وتبعد كل قاعة عن مثيلتها بمسافة 50 مترا. يبلغ سمك أبواب القاعات 3 أمتار في 3 أمتار، إضافة إلى 40 سنتيمترا من مادة الرصاص الواقية من الإشعاع. كما أن المنشآت تحت الأرض مزدوجة الطبقات للحيلولة دون تشرب الإشعاع والصوت.
«مجمع جمال» يتكون من عدة مبانٍ ومجمعات كبيرة. المبنى الرئيسي فيه عبارة عن بناية من ستة طوابق تقع إلى الشمال الشرقي من المنطقة. يتولى رجل اسمه «ثابتي» ويشغل موقع مدير وزارة الاستخبارات، مسؤولية الإشراف على المجمع. أما رئيس الأمن فيه فهو مسؤول يدعى «معظم». وتحتل شركة «ماتيران» الجزء الثاني من المجمع، وتقع إلى القسم الجنوبي من الموقع، وتستقل عن بقية المناطق بجدار فاصل.
يقول التقرير، إن «ماتيران» تعد جزءا من المديرية الفنية بوزارة الاستخبارات، وتعمل على إنتاج بطاقات الهوية الرقمية، وشهادات الميلاد الإلكترونية، وغير ذلك من البطاقات ذات الاستخدامات الأمنية. ويترأس هذه الشركة، المدعو حامد شعيبي، الذي يترأس أيضا «هيئة الوثائق الأمنية الوطنية»، أحد فروع الاستخبارات.
من بين الخبراء العاملين في «ماتيران»، هناك عدة أسماء وردت في التقرير من بينهم ماجد شافعي، مدير الإنتاج، ومسعود تاغيبور، من قسم التصميمات، وعباس خودافيردي، المسؤول الفني. ويبدو من التفاصيل أن السلطات الإيرانية أنفقت أموالا طائلة من أجل إنجاز موقع «لافيزان3» وملحقاته، حيث توجد بالمنشآت تحت الأرض نظم خاصة للتهوية التي تحول دون انبعاث الإشعاعات إلى الخارج، إضافة إلى توفير أنفاق محصنة وقادرة على دخول وخروج الروافع الشوكية، سواء لجلب المعدات الثقيلة أو تحريكها داخل السراديب.
شركة «حراء» الإيرانية لها نشاط في بناء المشروعات الدفاعية السرية، وهي جزء من حامية تابعة لقوات الحرس الثوري الإيراني، تعرف باسم «خاتم الأنبياء» وأشرفت على بناء أنفاق «لافيزان3» في الفترة من عام 2004 حتى عام 2008، حين كانت تحت مسؤولية العميد في الحرس الثوري، مهدي اعتصام. ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أصبح كريم غانجي، هو مسؤول إدارة «حراء».
يدعو التقرير الولايات المتحدة الأميركية التزام الجدية حيال منع النظام الإيراني من امتلاك الأسلحة النووية، وأنه «يتعين عليها إسناد مواصلة المحادثات على شرط التفتيش الفوري من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية على موقع لافيزان3 السري»، مشيرا إلى أنه بينما كان النظام الإيراني يخوض في جدل ومشاحنات مطولة مع مجموعة دول (5+1) حول عدد من أجهزة الطرد المركزية، كان في نفس الوقت يجري التجارب والاختبارات سرا على طرز حديثة من ذات الأجهزة لمواصلة جهود تخصيب اليورانيوم.
ومع تزايد المخاوف من تلاعب إيران مع الغرب والاستمرار في أنشطتها النووية، وبالتزامن مع الأزمة الداخلية التي يواجهها نظام طهران، يضغط معارضون إيرانيون وساسة غربيون من أجل دق ناقوس الخطر قبل توقيع الاتفاق النووي. جرى في هذا السياق مواصلة عقد عدد من المؤتمرات الصحافية عبر الإنترنت، شارك فيها متابعون من بلدان مختلفة. وفي سؤال حول طهران والاتفاق النووي، يجيب السيد إستيونسن، من مقره في المملكة المتحدة، محذرا إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، بقوله إن سياسته للتهدئة ألحقت الضرر بشدة بقدرة الغرب على السيطرة على طهران.
ويتخوف مراقبون غربيون من بينهم ستيفنسون، من موافقة الدول الكبرى على طلب إيران بأن تكون مواقعها العسكرية خارج حدود المفتشين الدوليين «ما يخلق عائقا خطيرا في ضمان الامتثال (لشروط المراقبة)، لأن معظم مختبرات الأبحاث النووية الإيرانية كانت موجودة في منشآت عسكرية».
وتمثل نوروزي، المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في المملكة المتحدة. وأجابت عبر الإنترنت عن عدد من أسئلة «الشرق الأوسط» في ما يتعلق بالقضية الإيرانية الراهنة، سواء في الداخل أو ما يتعلق بالبرنامج النووي. وترى أن «النظام الديکتاتوري الديني» في طهران، ومن أجل تغطية أزماته التي تحاصره، يقوم بالتحرکات المطردة من أجل تصدير التطرف والإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.
تضيف أن النظام الإيراني «جلب البلاء والمصائب على الشعب الإيراني»، وقام أيضا بـ«تصدير المصائب والبلاء لبلدان مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها»، ولهذا تمثل «عاصفة الحزم» بقيادة السعودية، اتحادا من الدول العربية للوقوف بوجه تدخلات النظام في اليمن، مشيرة إلى أن انحسار الدور الإيراني في اليمن سيترك آثاره المباشرة في العراق وسوريا وحتى في لبنان أيضا.
ومن جانبه، يقول النائب الفرنسي السابق كلكومبه، وهو قاض، ويرأس حاليا مؤسسة دراسات الشرق الأوسط المعروفة باسم «FEMO»، إن النظام الإيراني لم يكن صادقا مع المجتمع الدولي بشأن البرنامج النووي، و«النظام الإيراني يمتلك إمكانيات الحصول على القنبلة الذرية، والبلدان العربية من حقها أن تشعر بالقلق لأن إيران تفصلها مسافة قصيرة عن هذه القنبلة ويجب أن يطالبوا باتفاق يطمئنهم».
وحمل السيد كلكومبه، وهو أيضا مؤسس اللجنة الفرنسية لـ«إيران ديمقراطية»، النظام الإيراني مسؤولية انتشار التطرف والإرهاب وحالة عدم الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط، ودعا بلاده إلى المساعدة في تشكيل «حكومة ثورية» في سوريا، و«يجب أن تعمل إلى جانب الدول العربية لمواجهة تطلعات النظام الإيراني للحصول على القنبلة الذرية».



نتنياهو يطالب الحكومات الغربية ببذل مزيد من الجهود لمكافحة معاداة السامية

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يلقي خطاباً خلال جلسة عامة للكنيست في القدس 8 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يلقي خطاباً خلال جلسة عامة للكنيست في القدس 8 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)
TT

نتنياهو يطالب الحكومات الغربية ببذل مزيد من الجهود لمكافحة معاداة السامية

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يلقي خطاباً خلال جلسة عامة للكنيست في القدس 8 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يلقي خطاباً خلال جلسة عامة للكنيست في القدس 8 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)

بعد ثلاثة أيام من الهجوم الإرهابي على شاطئ بونداي الذي أودى بحياة 15 شخصاً خلال احتفالات عيد الأنوار (حانوكا) في مدينة سيدني الأسترالية، طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحكومات الغربية ببذل مزيد من الجهود لحماية المجتمعات اليهودية في جميع أنحاء العالم ومكافحة معاداة السامية، وذلك في رسالة فيديو قصيرة نشرها مكتبه.

وقال نتنياهو في الفيديو: «أطالب الحكومات الغربية باتخاذ ما يلزم لمكافحة معاداة السامية وتوفير الأمن والحماية اللازمين للمجتمعات اليهودية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف: «من الأجدر بهم أن يصغوا إلى تحذيراتنا. أطالب باتخاذ إجراءات فورية».


طهران تعلن توقيف مواطن سويدي الجنسية بتهمة التجسس لصالح إسرائيل

المتحدث باسم السلطة القضائية أصغر جهانغير خلال مؤتمر صحافي الثلاثاء (ميزان)
المتحدث باسم السلطة القضائية أصغر جهانغير خلال مؤتمر صحافي الثلاثاء (ميزان)
TT

طهران تعلن توقيف مواطن سويدي الجنسية بتهمة التجسس لصالح إسرائيل

المتحدث باسم السلطة القضائية أصغر جهانغير خلال مؤتمر صحافي الثلاثاء (ميزان)
المتحدث باسم السلطة القضائية أصغر جهانغير خلال مؤتمر صحافي الثلاثاء (ميزان)

أعلنت السلطة القضائية الإيرانية، الثلاثاء، أن مواطناً أُلقي القبض عليه خلال حرب الـ12 يوماً مع إسرائيل في يونيو (حزيران) الماضي، ويخضع حالياً للمحاكمة بتهمة التجسس، يحمل الجنسية السويدية.

وقال المتحدث باسم السلطة القضائية، أصغر جهانغير، في مؤتمر صحافي أسبوعي، إن «التحقيق أُنجز مؤخراً في قضية بمحافظة ألبرز تتعلق بجاسوس يحمل جنسية مزدوجة»، موضحاً أن المتهم «حصل على الجنسية السويدية عام 2020 وكان مقيماً هناك منذ ذلك الحين»، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية» عن وكالة «ميزان»، المنصة الإعلامية للسلطة القضائية الإيرانية.

وأفاد جهانغير بأن «هذا الشخص أُلقي القبض عليه بتهمة التجسس لصالح الكيان الصهيوني، خلال حرب الأيام الاثني عشر يوماً»، التي اندلعت في 13 يونيو الماضي، عقب غارات إسرائيلية على إيران، دون الكشف عن هوية المتهم.

وأوضح أن الموقوف «جُنّد من قِبل أجهزة الاستخبارات التابعة للكيان الصهيوني عام 2023»، مشيراً إلى أنه «التقى عناصر استخبارية إسرائيلية وتلقّى تدريبات في ست عواصم أوروبية». وأضاف أن المتهم «قام بعدة زيارات إلى إسرائيل، كان آخِرها قبل أسبوعين من دخوله إيران؛ أي قبل نحو شهر من اندلاع الحرب».

المتحدث باسم السلطة القضائية أصغر جهانغير خلال مؤتمر صحافي الثلاثاء (ميزان)

ووفق جهانغير، أقام المتهم في فيلا قرب مدينة كرج، غرب طهران، وكانت بحوزته «معدات تجسس إلكترونية»، مشيراً إلى أنه «اعترف بالتهم الموجهة إليه»، على أن يصدر الحكم بحقه قريباً.

وخلال حرب يونيو، أعلنت طهران اعتقال ثلاثة أوروبيين على الأقل، من بينهم سائح فرنسي-ألماني يبلغ 19 عاماً، أُفرج عنه في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

ومنذ انتهاء الحرب، تعهدت السلطات الإيرانية بإجراء محاكمات سريعة للموقوفين بشبهة التعاون مع إسرائيل، وأعلنت عن اعتقالات واسعة وإعدام تسعة أشخاص على الأقل بعد إدانتهم بالتعامل مع جهاز «الموساد»، جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي.

ولا تعترف إيران بازدواجية الجنسية، وتُخضع مواطنيها الحاملين لجنسيات أخرى لأحكام القوانين الإيرانية، التي تنص على عقوبة الإعدام بحق المُدانين بتهمة التجسس.

واحتجز «الحرس الثوري» الإيراني العشرات من مزدوجي الجنسية والأجانب في السنوات الأخيرة، ومعظمهم واجهوا تهماً تتعلق بالتجسس والأمن. وتنفي إيران اللجوء لمثل هذه الاعتقالات لتحقيق مكاسب دبلوماسية، بينما يتهم نشطاء حقوقيون إيران باعتقال مزدوجي الجنسية والأجانب بهدف الضغط على دول أخرى لتقديم تنازلات فيما بات يعرف بـ«دبلوماسية الرهائن».

ويطغى التوتر على العلاقات بين السويد وإيران، خصوصاً منذ سنوات؛ بسبب محاكمة الأولى مسؤولاً إيرانياً سابقاً بتهمة بارتكاب جرائم حرب على خلفية دوره المفترض في حملة تصفية معارضين عام 1988.

وأُوقف نوري في مطار أستوكهولم في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة في يوليو (تموز) 2022 على خلفية دوره في عمليات الإعدام الواسعة في السجون الإيرانية عام 1988.

وفي يونيو الماضي، أعلن البلدان تبادلاً للسجناء أُفرج في إطاره عن نوري في السويد مقابل الدبلوماسي في الاتحاد الأوروبي يوهان فلودروس، وسعيد عزيزي وهو مواطن سويدي أُوقف في إيران في نوفمبر 2023.

لكن الصفقة لم تتضمن الإفراج عن الأستاذ الجامعي الإيراني-السويدي أحمد رضا جلالي، المحكوم عليه بالإعدام في إيران منذ 2017 بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، الذي يخشى أن تُنفذ العقوبة بحقه.

وفي فبراير (شباط) الماضي، أصدرت السلطات السويدية أمراً بإغلاق مركز ثقافي ديني تابع للسفارة الإيرانية في أستوكهولم. وقالت الحكومة السويدية إن المركز «للتجسس ضد السويد والمغتربين الإيرانيين».


عراقجي في زيارة إلى موسكو والملف النووي على الطاولة

عراقجي يعقد اجتماعاً مع المشرعين الروس في مقر مجلس الدوما (الخارجية الإيرانية)
عراقجي يعقد اجتماعاً مع المشرعين الروس في مقر مجلس الدوما (الخارجية الإيرانية)
TT

عراقجي في زيارة إلى موسكو والملف النووي على الطاولة

عراقجي يعقد اجتماعاً مع المشرعين الروس في مقر مجلس الدوما (الخارجية الإيرانية)
عراقجي يعقد اجتماعاً مع المشرعين الروس في مقر مجلس الدوما (الخارجية الإيرانية)

وصل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى موسكو، الثلاثاء، في زيارة تأتي في ظل تصاعد الجدل بشأن مستقبل التعاون بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، واستمرار الخلافات حول الاتفاق النووي، وذلك بالتزامن مع تأكيد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ضرورة التزام الوكالة بالحياد في تعاملها مع إيران، معتبراً أن قصف منشآت خاضعة لرقابتها يشكل انتهاكاً صارخاً للقواعد الدولية.

وقبيل الزيارة، قال لافروف في مقابلة مطولة مع التلفزيون الرسمي الإيراني إن الوكالة التابعة للأمم المتحدة «يجب أن تلتزم بمبدأ الحياد» في تعاملها مع إيران. وأضاف أن قصف منشآت خاضعة لرقابة الوكالة يُعد «انتهاكاً صارخاً لجميع القواعد والإجراءات»، معتبراً أنه من «المفهوم تماماً» أن تكون طهران غير راضية عن عدم إدانة الوكالة التابعة للأمم المتحدة لتلك الضربات.

وشنَّت إسرائيل في 13 يونيو (حزيران) هجوماً غير مسبوق على منشآت استراتيجية في إيران، ما أسفر عن مقتل عشرات من قادة «الحرس الثوري»، الجهاز الموازي للجيش النظامي، إضافة إلى مسؤولين وعلماء في البرنامج النووي الإيراني. وأشعلت تلك الضربات حرباً استمرت 12 يوماً بين البلدين، شاركت خلالها الولايات المتحدة بقصف 3 مواقع نووية داخل إيران.

وعقب الهجمات، علقت إيران تعاونها مع «الوكالة الذرية»، وقيدت وصول مفتشيها إلى المواقع التي استهدفتها الضربات، منتقدةً امتناع الوكالة عن إدانة تلك الهجمات. كما ربط قانون أقره البرلمان الإيراني في يوليو (تموز) دخول المفتشين بالحصول على موافقات من مجلس الأمن القومي، الذي تطلبت قراراته مصادقة المرشد علي خامنئي.

وأشار لافروف إلى أن هذه المسألة ينبغي إحالتها إلى المدير العام للوكالة رافائيل غروسي وطاقمه، لضمان تطبيق مبدأ الحياد بشكل كامل، ومنع اتخاذ «خطوات ذات طابع سياسي» تخدم هذا الطرف أو ذاك. وأضاف أنه يتفهم صعوبة استئناف إيران حوارها مع الوكالة «وكأن شيئاً لم يحدث»، مؤكداً أن موسكو ستشجع استئناف التعاون بين الجانبين، شرط أن يكون «عادلاً» وقائماً على مبادئ تقبل بها طهران، وألا يتم انتهاكها.

وأكد لافروف أن روسيا دعمت إيران في جميع مراحل المفاوضات النووية، وشاركت، على مستوى الرئيس وفي مستويات مختلفة، في مشاورات مع طهران حول كيفية التعامل مع الوضع القائم وإمكانات استعادة العلاقات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والدول الغربية، مشدداً على أن «القرار النهائي يبقى، دون أدنى شك، بيد قادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية».

وجدد غروسي، في الأيام الأخيرة، ضغوطه على طهران للوصول إلى ثلاث منشآت رئيسية لتخصيب اليورانيوم، طالتها ضربات إسرائيلية وأميركية في يونيو.

وقال رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية، محمد إسلامي، الاثنين، إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية «لا يحق لها المطالبة بتفتيش المراكز النووية التي تعرضت لهجمات عسكرية»، مشددةً على ضرورة وجود «بروتوكولات واضحة» تتيح مثل هذا التفتيش قبل السماح به.

ملصق لمنشأة فوردو لتخصيب الوقود يُعرض عقب مؤتمر صحافي لوزير الدفاع الأميركي في واشنطن 26 يونيو 2025 (أ.ف.ب)

في سياق متصل، أفاد بيان لوزارة الخارجية المصرية بأن الوزير بدر عبد العاطي بحث، في اتصال هاتفي مع غروسي، استئناف الحوار والتوصل لاتفاق شامل للملف النووي الإيراني «لتحقيق الأمن الإقليمي ويأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف».

وأكد الوزير عبد العاطي أهمية مواصلة الجهود الرامية إلى بناء الثقة وتهيئة الظروف اللازمة لاستمرار التعاون بين إيران والوكالة، بما يتيح فرصة حقيقية للتوصل لحلول دبلوماسية.

في 9 سبتمبر (أيلول) الماضي، اتفقت إيران و«الوكالة الذرية» بوساطة مصرية على إطار عمل جديد للتعاون، غير أن طهران أعلنت لاحقاً اعتباره مُلغى بعد أن فعّلت بريطانيا وفرنسا وألمانيا مسار إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة التي رفعت بموجب الاتفاق النووي لعام 2015.

وخلال الأسابيع التالية، أجرى عبد العاطي اتصالات مع نظيره الإيراني ومدير الوكالة الذرية في محاولة لإحياء «تفاهم القاهرة» واحتواء التوتر، لكن إيران أعلنت رسمياً طي هذا المسار رداً على قرار مجلس محافظي الوكالة في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الذي دعاها إلى التعاون مع المفتشين الدوليين.

وقال غروسي لراديو فرنسا الدولي «آر إف آي»، الاثنين، إن «الاتصال مع إيران لا يزال قائماً. لم نتمكن حتى الآن من استعادة التعاون إلى المستوى المطلوب، لكنني أعتقد أن ذلك بالغ الأهمية».

ونوه بأن الحوار مستمر عبر «مفاوضات خلف الكواليس واتصالات سرية»، مشيراً إلى أنه «لا ينبغي أن ننسى أنه حتى لو تعرضت البنية التحتية المادية لإيران، ولا سيما في منشآت أصفهان ونطنز وفوردو، لأضرار جسيمة، فإن المواد النووية لا تزال موجودة». وتابع: «نحن نتحدث عن نحو 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60 في المائة، وهو ما يظل مصدر قلق كبير».

ومنتصف الشهر الماضي، أعلن كمال خرازي كبير مستشاري المرشد الإيراني في السياسة الخارجية أن طهران مستعدة لبحث مقترح وساطة من الصين وروسيا بهدف إحياء التعاون بين إيران و«الوكالة الذرية».

«قضايا ملحة»

وذكرت وكالة «تاس» الروسية أن عراقجي توجه إلى مجلس الدوما في مستهل زيارة العمل إلى موسكو. وقال خلال لقائه ليونيد سلوتسكي، رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي، إن العلاقات بين إيران وروسيا تتطور بشكل شامل وتشمل معظم مجالات التعاون.

وأضاف عراقجي، في كلمة له داخل مجلس الدوما، أن طهران وموسكو تتعاونان عملياً في مختلف المجالات، مشيراً إلى تنامي العلاقات البرلمانية بين البلدين.

ومن المقرر أن يجري محادثات مع لافروف، ونشرت لقطات لوصوله، مشيرة إلى أن السفير الإيراني لدى روسيا كاظم جلالي كان في استقباله في المطار. وكانت وزارة الخارجية الروسية أعلنت في وقت سابق أن وزيري خارجية البلدين يعتزمان إجراء محادثات مفصلة في موسكو حول «قضايا دولية ملحّة»، بما في ذلك الوضع المحيط بالبرنامج النووي الإيراني، إلى جانب تبادل وجهات النظر بشأن قضايا إقليمية ذات اهتمام مشترك.

عراقجي يصل إلى موسكو في زيارة عمل تستغرق يومين ويبدو خلفه السفير كاظم جلالي (الخارجية الإيرانية)

وقال السفير الإيراني لدى موسكو، كاظم جلالي، إن جدول أعمال المحادثات يشمل «طيفاً واسعاً من القضايا السياسية والمشاريع الاقتصادية». وأضاف، في بيان نقلته السفارة الإيرانية عبر قناتها على «تلغرام»، أن العلاقات بين إيران وروسيا «تزداد قوة» بفعل استمرار اللقاءات على مستويات عليا، مشيراً إلى أن زيارة عراقجي تأتي بعد مشاورات جرت الأسبوع الماضي بين رئيسي البلدين في عشق آباد.

وأوضح جلالي أن التعاون بين البلدين مستمر على المستويين الإقليمي والدولي، وأن المناقشات تهدف إلى تعزيز الأهداف المشتركة والارتقاء بالعلاقات الثنائية، في ظل استمرار التنسيق في الملفات ذات الاهتمام المتبادل.

وتتمتع موسكو بعلاقات وثيقة مع طهران، ونددت بالضربات الأميركية والإسرائيلية على المواقع النووية الإيرانية في وقت سابق من هذا العام، وقد كان هدفها المعلن منع طهران من امتلاك قنبلة نووية.

ووقَّع بوتين والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، اتفاقية شراكة استراتيجية في يناير (كانون الثاني)، إلا أن الاتفاقية لا تتضمن بنداً يتعلق بالدفاع المشترك. وتقول موسكو إنها تزود طهران بشكل قانوني بالمعدات العسكرية، بينما تزود إيران روسيا بطائرات مسيّرة لاستخدامها في حربها في أوكرانيا.

«سناب باك»

وكانت موسكو محور سجالات بين التيارين المؤيد والمعارض للاتفاق النووي، قبل أن يعيد مجلس الأمن العقوبات الأممية على طهران بموجب «آلية العودة السريعة» (سناب باك).

وانتقدت وسائل إعلام مقربة من الحكومة تمسك لافروف بروايته حول إدراج الآلية في نص الاتفاق النووي لعام 2015. وكتب موقع «خبر أونلاين»، المؤيد بشدة لحكومة مسعود بزشكيان، أن لافروف «اتهم المفاوضين الإيرانيين مرة أخرى بتصريحات غير واقعية بشأن آلية (سناب باك)».

محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني الأسبق يتحدث خلال منتدى دافوس يناير 2025 (أرشيفية - رويترز)

وفي جزء آخر من المقابلة مع التلفزيون الرسمي، تطرق لافروف إلى الاتفاق النووي والخلافات التي أحاطت به، مكرراً اتهامه للمفاوضين الإيرانيين بإدراج بند آلية «العودة السريعة» (سناب باك) في نص الاتفاق. ووجه انتقادات مباشرة إلى وزير الخارجية الإيراني الأسبق محمد جواد ظريف، معتبراً أنه يتحمل مسؤولية هذا البند.

وقال لافروف إن آلية «سناب باك»، رغم إدراجها ضمن الاتفاق النووي، جرى التوافق عليها مباشرة بين وزيري خارجية إيران والولايات المتحدة، من دون مشاركة روسيا أو الصين في صياغتها، واصفاً إياها بأنها آلية «غير مسبوقة في الممارسة الدولية»، تسمح بإعادة فرض العقوبات تلقائياً من دون إمكانية استخدام حق النقض.

وأضاف أن موسكو، عندما علمت بوجود هذه الآلية عام 2015، سألت الجانب الإيراني عما إذا كان متأكداً من قبولها، مشيراً إلى أن الإيرانيين أكدوا آنذاك أنهم لا ينوون خرق التزاماتهم. لكنه اعتبر أن انسحاب الولايات المتحدة لاحقاً من الاتفاق، بعد ثلاث سنوات من إقراره في مجلس الأمن، كان «تطوراً مؤسفاً للغاية»، موضحاً أن روسيا حاولت العمل مع الأوروبيين لإقناع واشنطن بالعودة إلى تنفيذ تعهداتها.

وكان لافروف قد دخل في سجال مع وزير الخارجية الإيراني الأسبق، محمد جواد ظريف، الذي اتهم روسيا بعرقلة المفاوضات حينذاك. ودافع الأخير عن إدراج آلية «سناب باك» في الاتفاق النووي، معتبراً أنها جاءت بديلاً عن مقترحات وصفها بـ«الأسوأ» كانت مطروحة آنذاك داخل مجلس الأمن. وقال ظريف إن الآلية كانت تهدف إلى تجنب العودة الدورية لملف إيران إلى تصويت مجلس الأمن كل ستة أشهر.

وبلغت الخلافات الداخلية بشأن موسكو ذروتها، ما دفع رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، إلى اتهام الرئيس الأسبق حسن روحاني وظريف، بوضع العصا في عجلة التعاون الاستراتيجي مع موسكو.

ممر الشمال - الجنوب

وفي موازاة التحركات الدبلوماسية في موسكو، استضافت طهران لقاءً بين أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني ونائب رئيس الوزراء الروسي فيتالي سافييف، ركز على تسريع تنفيذ ممر الشمال - الجنوب.

وأفاد التلفزيون الرسمي الإيراني بأن اللقاء عُقد في إطار تفاهمات سابقة بين قيادتي البلدين، حيث ناقش الجانبان سبل إزالة العقبات القائمة والدخول في المرحلة التنفيذية للتفاهمات الثنائية، وجرى تناول ممر الشمال - الجنوب بوصفه عنصراً محورياً في الجغرافيا السياسية للمنطقة.

صورة نشرها موقع لاريجاني الرسمي من لقائه مع نائب رئيس الوزراء الروسي فيتالي سافييف في طهران الثلاثاء

وقال لاريجاني إن طهران اتخذت قرارها بالمضي قدماً في تنفيذ المشروع، مشيراً إلى أن العوائق التنفيذية والمؤسسية سترفع خلال فترة قصيرة، مع إبرام الاتفاقيات اللازمة لتثبيت الإطارين القانوني والتنفيذي.

وأضاف أن الحكومة الإيرانية ستعمل، بمتابعة مباشرة من الرئيس مسعود بزشكيان، على استملاك جميع الأراضي الواقعة على مسار الممر حتى نهاية العام، بما يضمن تنفيذ المشروع دون توقف.

من جانبه، أعلن سافييف استعداد موسكو لتسريع وتيرة المشروع والبدء بالمرحلة التنفيذية، فيما شدد الطرفان في ختام اللقاء على استمرار التنسيق وتفعيل آليات متابعة منتظمة بين الجهات المعنية في البلدين.