عمدة بالتيمور تتخذ سياسة حذرة في المدينة المنقسمة

انتقادات حاسمة لرولينغز بليك عقب مقتل شاب أميركي من أصول أفريقية

عمدة بالتيمور تزور إحدى مدارس الحي الذي شهد اضطرابات (نيويورك تايمز)
عمدة بالتيمور تزور إحدى مدارس الحي الذي شهد اضطرابات (نيويورك تايمز)
TT

عمدة بالتيمور تتخذ سياسة حذرة في المدينة المنقسمة

عمدة بالتيمور تزور إحدى مدارس الحي الذي شهد اضطرابات (نيويورك تايمز)
عمدة بالتيمور تزور إحدى مدارس الحي الذي شهد اضطرابات (نيويورك تايمز)

مع اندلاع النيران في المباني وانتشار اللصوص في شوارع المدينة، ليل الأحد الماضي، واجهت عمدة مدينة بالتيمور، ستيفاني رولينغز بليك، كاميرات التلفاز، مساء الاثنين الماضي، ونددت بشدة بمثيري الشغب ووصفتهم بالبلطجية. وفي اليوم التالي، ومع اللغط الذي أثارته كلمتها وسط بعض السكان السود بالمدينة الذين وصفوها بالعنصرية، عمدت السيدة بليك إلى سحب كلمتها.
حيث قالت عمدة المدينة، وهي أميركية من أصول أفريقية، داخل الكنيسة حيث تقابلت مع أعضاء من رجال الدين: «لا يوجد بلطجية في بالتيمور. بل أحيانا، يحصل مترجم الغضب الخاص بي بأفضل ما عندي».
ويعكس ذلك المشهد الخط الرفيع للغاية الذي تنتهجه السيدة رولينغز بليك، التي تبلغ 45 عاما، أثناء محاولة قيادة مدينة بالتيمور، ذات الأغلبية السوداء، مما أسمته «أحد أحلك أيامها قاطبة». وبعد التذكرة الواقعية بأن وجود عمدة من أصول أفريقية، ومفوض الشرطة من أصول أفريقية كذلك، لا يضمن وجود الرابطة أو التوافق مع الفقراء من السكان السود في المدينة، ولا يساعد في تهدئة مدينة تخوض غمار ذلك القدر من الاضطرابات القاسية مثل بالتيمور.
ويواجه أي عمدة بالتأكيد قدرا من التحديات في ظل تلك الظروف. وبالنسبة لرولينغز بليك، فإن التحديات صارمة وحادة بصورة خاصة، فعليها أن تجمع قسمين من مدينة بالتيمور في حين أنها لا تنتمي لأي منهما: بالتيمور الأرستقراطية من الميناء الداخلي وساحات «كامدن»، مع بالتيمور السوداء ذات الدخول المتدنية بمنازلها الفقيرة المكتظة.
وفي مدن أميركية أخرى مثل فيرغسون بولاية ميسوري، ونيويورك، التي ماجت بالاحتجاجات إثر معاملة الشرطة القاسية للمواطنين السود، تصارع رؤساء البلديات البيض مع شكاوى السكان السود الكثيرة.
وبهذا المعنى، تعتبر مدينة بالتيمور قضية مختلفة. وحاولت رولينغز بليك، أول من أمس، في ظل حالة من الهدوء المؤقت، إخماد التوقعات بأن شرطة المدينة ستعلن على اليوم نتائج التحقيقات حول مصرع غراي.
ومع نشأتها الراقية حيث كانت والدتها طبيبة، ووالدها كان أحد أقوى السياسيين في ولاية ماريلاند، ونمطها السياسي المحافظ والصارم، فإن رولينغز بليك لم تتودد بنفسها إلى أهالي وسكان الأحياء الفقيرة من بالتيمور، ويعتبرونها بعيدة المنال ولا يمكن الوصول إليها. وكشف مصرع غراي عن تلك التوترات، ولم يحدث هذا من قبل.
وتقول زميلة غراي بالمدرسة الثانوية، ياسمين سكويرل: «إن كثيرين منا لا يحبونها، إنها لا تفعل كثيرا لأجل مدينتنا، والبلدة الداخلية، والمدارس والشباب. إننا لا نرى وجهها في مجتمعاتنا، والمرة الوحيدة التي شاهدناها كانت في الوقت الذي اقتربت فيه مواعيد الانتخابات».
وكانت رولينغز بليك تتجول، أول من أمس، في أحياء المدينة حيث ظهرت مرتدية سترة أنيقة من ثلاث قطع بلون أزرق زاه وحذاء جلدي من ألوان متشابهة، في مدرسة في حي ساندتاون وينشستر بغرب بالتيمور، وهو المكان الذي نشأ فيه غراي، ثم التقت في وقت لاحق مع قادة المجتمع المدني في كنيسة شيلوه المعمدانية، التي أقام بها جنازة غراي.
وفي المؤتمر الصحافي بمجلس المدينة، قالت عمدة المدينة إنها «تشعر بتأثير بالغ إزاء معاناة الناس في البلدة، وإن لم يكن من واقع تجربتها الذاتية فمن واقع تجربة عائلتها من قبل».
وأعربت: «هناك كثير من الآلام في مدينتنا، وحينما تعتلي منصبا كمنصبي، ينصب كثير من الإحباط عليك بشكل منصف أو غير منصف كما تعلمون. نشأ والدي في بالتيمور، كما نشأت فيها أيضا. ولدي من أبناء عمومتي من يقبعون في السجون، مدمنون للمخدرات، وشقيقي تعرض للقتل، كما لدي أبناء عمومة من الناجحين للغاية، ولدي من أفراد عائلتي ممن هم بلا عمل. لقد خضنا الأمرين، كما أنني أتفهم وأدرك المشكلات تماما. ولا يمكنني لوم أي شخص على عدم تفهمه لما يدور بقلبي».
ونشأت السيدة رولينغز بليك في محيط السياسة والحقوق المدنية. فوالدها، هوارد رولينغز، كان من نشطاء الحقوق المدنية الذي صار أول رجل أسود يتولى رئاسة لجنة الاعتمادات القوية في مجلس نواب ولاية ماريلاند.
وبمساعدة من والدها صارت رولينغز بليك، عندما بلغت 25 عاما، أصغر عضو في مجلس المدينة في تاريخ بالتيمور، وارتقت لترأس مجلس المدينة. وفي عام 2010، حينما أجبرت شيلا ديكسون، السابقة عليها، على الاستقالة إثر فضحية نالت منها، اعتلت السيدة رولينغز بليك منصب رئيس مجلس المدينة بدلا منها. حيث فازت بالانتخابات خلال العام التالي، وهي تستعد لإعادة الانتخاب في عام 2016.
أما السيدة ديكسون، صاحبة الشعبية الكبيرة وسط السكان السود بالمدينة، فتلقي بالتلميحات حول خوض الانتخابات ضدها في الدورة المقبلة.
وفي جنازة غراي، يوم الاثنين الماضي، وبعد تقديم رولينغز بليك للحضور، تبع ذلك تصفيق مهذب من ناحيتهم، ولكن عند تقديم السيدة ديكسون للحضور، علا صياح الحاضرين بحماس بالغ، وصاحت إحدى النساء من شرفتها تقول: «نحن نحبك يا شيلا».
وعلى المشهد السياسي الوطني، ظل نجم رولينغز بليك في ارتفاع، حيث تولت مناصب رفيعة المستوى في مؤتمر عمداء الولايات المتحدة واللجنة الديمقراطية الوطنية، ورشحت، ولكنها رفضت الترشيح، لمقعد النائب بمجلس الشيوخ الذي خلا عقب تقاعد النائبة باربرا ميكولسكي. كما يعتبرها البعض حاكما محتملا للولاية.
وسواء سيشهد ذلك تغييرا إثر مصرع غراي من عدمه، فلا تزال النتيجة غير معلومة. كان كارل ستوكس، وهو أحد أعضاء مجلس المدينة، من بين أولئك المنتقدين للعمدة لاستخدامها لفظة «البلطجية».
وربط ذلك، في مقابلة على شبكة «سي إن إن» الإخبارية الأميركية، بلفظة «زنجي»، حيث قال ستوكس إن رولينغز بليك «لا تستمع إلى آلام الناس»، كما أنها تولي اهتماما بالغا بالمستثمرين أكثر من السكان المحليين.
ويقول مساعدو العمدة إنها عملت بجد من أجل تحسين الظروف المعيشية في الأحياء الفقيرة مثل الذي نشأ فيه غراي. كما يقولون إنها تبني مراكز ترفيهية جديدة للسكان، وأحدها قد افتتح العام الماضي ويخطط لافتتاح اثنين آخرين قريبا، وتم هدم أو إصلاح 3 آلاف منزل تحت إشرافها الشخصي، كما أنها احتجزت مليار دولار من الجمعية العامة بالمدينة لإصلاح أو استبدال المدارس القديمة، كما قالوا.
ويقول مؤيدو العمدة: «إنها تتلقى اللوم بشكل غير منصف بسبب مشكلات تعود لعقود طويلة من الزمن».
*خدمة: «نيويورك تايمز»



ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
TT

ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)

دفع تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً» إلى تساؤلات حول تأثير القرار على مستقبل التنظيم وعناصره. يأتي هذا في ظل تصاعد الصراع بين «قيادات (الإخوان) في الخارج» حول قيادة التنظيم. وقال باحثون في الحركات المتطرفة والإرهاب إن «قرار باراغواي أشار إلى ارتباط (الإخوان) بـ(تنظيمات الإرهاب)، وقد يدفع القرار دولاً أخرى إلى أن تتخذ قرارات مماثلة ضد التنظيم».
ووافقت اللجنة الدائمة بكونغرس باراغواي على «اعتبار (الإخوان) (تنظيماً إرهابياً) يهدد الأمن والاستقرار الدوليين، ويشكل انتهاكاً خطيراً لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة». جاء ذلك في مشروع قرار تقدمت به ليليان سامانيغو، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس المكوّن من 45 عضواً. وقال البرلمان في بيان نشره عبر موقعه الإلكتروني (مساء الخميس) إن «تنظيم (الإخوان) الذي تأسس في مصر عام 1928، يقدم المساعدة الآيديولوجية لمن يستخدم (العنف) ويهدد الاستقرار والأمن في كل من الشرق والغرب». وأضاف البيان أن «باراغواي ترفض رفضاً قاطعاً جميع الأعمال والأساليب والممارسات (الإرهابية)».
ووفق تقارير محلية في باراغواي، فإن باراغواي رأت في وقت سابق أن «(حزب الله)، و(القاعدة)، و(داعش) وغيرها، منظمات (إرهابية)، في إطار مشاركتها في الحرب على (الإرهاب)». وقالت التقارير إن «تصنيف (الإخوان) من شأنه أن يحدّ من قدرة هذه الجماعات على التخطيط لهجمات (إرهابية) وزعزعة استقرار الدول». كما تحدثت التقارير عن دول أخرى أقرت خطوات مماثلة ضد «الإخوان» من بينها، روسيا، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين.
وتصنف دول عربية عدة «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً». وعدّت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية التنظيم «جماعة إرهابية منحرفة» لا تمثل منهج الإسلام. وذكرت الهيئة في بيان لها، نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2020، أن «(الإخوان) جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفُرقة، وإثارة الفتنة، والعنف، والإرهاب». وحذّرت حينها من «الانتماء إلى (الإخوان) أو التعاطف مع التنظيم».
كذلك أكد مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي أن كل مجموعة أو تنظيم يسعى للفتنة أو يمارس العنف أو يحرّض عليه، هو تنظيم إرهابي مهما كان اسمه أو دعوته، معتبراً «(الإخوان) تنظيماً (إرهابياً)».
وتحظر الحكومة المصرية «الإخوان» منذ عام 2014، وقد عدّته «تنظيماً إرهابياً». ويخضع مئات من قادة وأنصار التنظيم حالياً، وعلى رأسهم المرشد العام محمد بديع، لمحاكمات في قضايا يتعلق معظمها بـ«التحريض على العنف»، صدرت في بعضها أحكام بالإعدام، والسجن «المشدد والمؤبد».
وحسب الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، فإن «تصنيف باراغواي (الإخوان) يؤكد الاتهامات التي توجَّه إلى التنظيم، بأن تنظيمات العنف خرجت من رحم (الإخوان)، أو أنها نهلت من أفكار التنظيم»، لافتاً إلى أن «قرار باراغواي أشار إلى أن (الإخوان) وفّر الحماية لتنظيمات التطرف التي نشأت في الشرق والغرب». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «قرار بعض الدول العربية في وقت سابق حظر (الإخوان) يعود إلى أمرين؛ الأول أن التنظيم مارس العنف، والآخر أن التنظيم وفّر الحماية لجماعات الإرهاب».
وفي وقت سابق أكدت وزارة الأوقاف المصرية «حُرمة الانضمام لـ(الإخوان)»، مشيرةً إلى أن التنظيم يمثل «الخطر الأكبر على الأمن القومي العربي». وفي فبراير (شباط) 2022 قالت دار الإفتاء المصرية إن «جميع الجماعات الإرهابية خرجت من عباءة (الإخوان)». وفي مايو (أيار) الماضي، قام مفتي مصر شوقي علام، بتوزيع تقرير «موثق» باللغة الإنجليزية على أعضاء البرلمان البريطاني يكشف منهج «الإخوان» منذ نشأة التنظيم وارتباطه بـ«التنظيمات الإرهابية». وقدم التقرير كثيراً من الأدلة على علاقة «الإخوان» بـ«داعش» و«القاعدة»، وانضمام عدد كبير من أعضاء «الإخوان» لصفوف «داعش» عقب عزل محمد مرسي عن السلطة في مصر عام 2013، كما لفت إلى أذرع «الإخوان» من الحركات المسلحة مثل «لواء الثورة» و«حسم».
وحول تأثير قرار تصنيف باراغواي «الإخوان» على «قيادات التنظيم في الخارج»، أكد الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، أن «قرار باراغواي سوف يؤثر بالقطع على عناصر التنظيم في الخارج، لأن التنظيم يزعم أنه ينتشر في دول كثيرة حول العالم، ومثل هذا القرار يؤثر على عناصر (الإخوان) الموجودة في باراغواي وفي الدول المجاورة لها، كما أن القرار قد يدفع دولاً أخرى إلى اتخاذ قرار مماثل ضد (الإخوان)».
يأتي قرار باراغواي في وقت يتواصل الصراع بين «قيادات الإخوان في الخارج» حول منصب القائم بأعمال مرشد التنظيم. ويرى مراقبون أن «محاولات الصلح بين جبهتي (لندن) و(إسطنبول) لحسم الخلافات لم تنجح لعدم وجود توافق حول ملامح مستقبل التنظيم». والصراع بين جبهتي «لندن» و«إسطنبول» على منصب القائم بأعمال المرشد، سبقته خلافات كثيرة خلال الأشهر الماضية، عقب قيام إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد «الإخوان» السابق، بحلّ المكتب الإداري لشؤون التنظيم في تركيا، وقيامه بتشكيل «هيئة عليا» بديلة عن «مكتب إرشاد الإخوان». وتبع ذلك تشكيل «جبهة لندن»، «مجلس شورى» جديداً، وإعفاء أعضاء «مجلس شورى إسطنبول» الستة، ومحمود حسين (الذي يقود «جبهة إسطنبول»)، من مناصبهم.


بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.


واشنطن: مادورو غير شرعي

نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)
نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)
TT

واشنطن: مادورو غير شرعي

نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)
نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)

قالت الولايات المتحدة اليوم (الثلاثاء)، إنها ما زالت ترفض اعتبار نيكولاس مادورو الرئيس الشرعي لفنزويلا، وتعترف بسلطة الجمعية الوطنية المُشَكَّلة عام 2015 بعد أن حلت المعارضة «حكومتها المؤقتة».
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس للصحافيين: «نهجنا تجاه نيكولاس مادورو لا يتغير. إنه ليس الرئيس الشرعي لفنزويلا. نعترف بالجمعية الوطنية المُشَكَّلة عام 2015»، وفق ما أفادت به وكالة الصحافة الفرنسية.
ولدى سؤاله عن الأصول الفنزويلية، ولا سيما شركة النفط الفنزويلية في الولايات المتحدة، قال برايس إن «عقوباتنا الشاملة المتعلقة بفنزويلا والقيود ذات الصلة تبقى سارية. أفهم أن أعضاء الجمعية الوطنية يناقشون كيف سيشرفون على هذه الأصول الخارجية».