دخان الحرب يفقد صنعاء ملامحها

أكثر ما يخيف سكانها.. «الراجع» من مضادات الطيران الأرضية

صبيان يمنيان في أحد الأنفاق التي تستعمل كملاجئ في صنعاء أمس (أ.ف.ب)
صبيان يمنيان في أحد الأنفاق التي تستعمل كملاجئ في صنعاء أمس (أ.ف.ب)
TT

دخان الحرب يفقد صنعاء ملامحها

صبيان يمنيان في أحد الأنفاق التي تستعمل كملاجئ في صنعاء أمس (أ.ف.ب)
صبيان يمنيان في أحد الأنفاق التي تستعمل كملاجئ في صنعاء أمس (أ.ف.ب)

لو قصدتَ شارع جمال عبد الناصر في وسط البلد، أحد أهم شوارع العاصمة صنعاء التجارية وأكثرها ازدحامًا وحيوية، بعد السابعة مساء، لن تصدق ما تراه عيناك. مظاهر الحياة تلاشت من هذا الشارع النابض على غير المعتاد. ذلك أن شارع جمال عبد الناصر في صنعاء يعادل شارع طلعت حرب في القاهرة، والحمراء في بيروت، والحبيب بورقيبة في تونس، لكنه منذ بدء الحرب بات أكثر سكونًا وكآبة من مقبرة، وأشبه ما يكون بمنطقة مهجورة. جميع المحلات التجارية مقفلة على طول الشارع لمسافة كيلو. ولا وجود للباعة المتجولين الذين يعرضون عادة بضائعهم في الرصيف على امتداد الشارع وجانبيه. وحدها بضائعهم في الشارع تنتظر عودة الحياة إلى طبيعتها، وقد ودّعها أصحابها مؤقتًا، وتركوها دون حراسة، ملفوفة بأغطية و«طرابيل» بلاستيكية ومحزومة بشكل جيّد بالحبال، في مشهد نادر الحدوث ولم يسبق من قبل.
لكن تلك الصورة ليست كاملة. أو هي، على الأقل، ترى المشهد من زاوية واحدة فحسب. على مسافة ليست ببعيدة (أكثر من كيلو) تبدو الحياة شبه اعتيادية في ميدان التحرير وشارع علي عبد المغني وحي المطاعم والعدل. باستثناء الذعر البادي على وجوه اليمنيين، وقلة حركة السير، وخلو معظم الشوارع من السيارات والمارة بسبب النزوح الجماعي من العاصمة، تبدو الحياة شبه اعتيادية في الكثير من مناطق وأحياء العاصمة صنعاء. يمكن القول إجمالاً إن مظاهر الخوف من الحرب تقلّ ويمارس السكان حياتهم بشكل روتيني في معظم الأحياء البعيدة عن محيط ثكنات الجيش، أو المقرات الأمنية، أو المؤسسات الحكومية السيادية، وتجمعات الحوثيين ومقارهم، والعكس. الأمر الذي يفسّر حالة الهلع السائدة في شارع جمال بسبب وجود القصر الجمهوري وخشية المواطنين من استهدافه بغارة جوية، رغم أن ذلك يبدو مستبعدًا.
بالنسبة لعلي محمد بائع الفاكهة ذي الأربعين عامًا لا شيء تغير على مستوى سلوكه اليومي منذ بدء الغارات الجوية، باستثناء أنه بات أكثر تجهمًا، وأن دخله اليومي قلّ بشكل كبير نتيجة ظروف الحرب. الأمر الذي انعكس بشكل سلبي وكارثي على القدرة الشرائية لدى المواطن وأمنه المعيشي ونفسيته، حتى بات يتمنى انتهاء الحرب بأي حال من الأحوال.
ورغم كل ذلك لم تؤثر الحرب وتداعياتها على حياة علي محمد وبرنامجه اليومي بشكل كبير. إنه يستيقظ باكرًا كعادته صباح كل يوم. يفتح دكانه في وسط العاصمة صنعاء بشارع العدل. في ساعات العصرية يمضغ القات ويتأمل المارة ثم يواصل يومه بشكل روتيني، بالكيفية التي يفعلها منذ عشر سنوات. ورغم محاولته التظاهر بالتماسك والمضي قدمًا فإن الكآبة البادية على وجهه تفصح، دون الحاجة إلى الكلام، عن القلق الذي يعيشه اليمنيون من أن تطول الحرب وتتردى الأوضاع الاقتصادية والإنسانية أكثر، خاصة في حال ساءت الأوضاع ولم تتوقف الحرب وتستأنف العملية السياسية.
الشيء الوحيد الذي تغير بالنسبة لعلي محمد أنه بات مضطرًا إلى إقفال محله، والعودة إلى منزله في الثامنة مساء، وهو وقت أبكر مما يفعل عادة في الأوضاع الاعتيادية. شأن كثير من اليمنيين، تخلو شوارع صنعاء من الحركة مع حلول المساء، لكون النسبة الكبرى من الغارات الجوية لطيران التحالف تتركز، وتبلغ ذروتها بين السابعة مساء حتى الساعات الأولى من شروق الشمس.
لدى اليمنيين قدرة هائلة على التكيف مع الحروب والنزاعات المسلحة. يقول علي لـ«الشرق الأوسط»: «سبق أن مررنا بما هو أسوأ»، قاصدًا مواجهات سبتمبر (أيلول) 2011 بين قوات الحرس الجمهوري والقوات المنشقة عن النظام والمنضمة إلى الثورة الفرقة أولى مدرع، التي أخذت طابع مواجهات الشوارع وحروب العصابات كما هي الحال في مدينتي تعز وعدن منذ أسابيع؛ إذ انقسمت العاصمة إلى نصفين متحاربين، وقطعت الشوارع وشلت الحركة، ونصب الجنود متاريسهم في داخل الحارات والأزقة، وتحولت الكثير من الأحياء الرئيسية الصاخبة بالحياة كشارع الزبيري أو هائل أو قاع اليهود إلى مناطق مهجورة خالية من الحركة كليًا. وهذا ما يخشاه السكان المحليون في حال تطورت الحرب إلى مواجهات برية.
ومن المفارقات العجيبة أن أكثر ما يخشاه سكان صنعاء، التي يقطنها 3 ملايين نسمة، أن يكونوا ضحايا ما يرتد من السماء من أعيرة المضادات الدفاعية الأرضية التي لا تنفجر في الجو وتتساقط على رؤوس المواطنين ومساكنهم، مما يسمّيه المجتمع الصنعاني بـ«الراجع». وقد سجلت الكثير من حالات الوفاة والإصابات بجروح مختلفة جراء «الراجع».
وتحول «الراجع» إلى مادة للتهكم والتندر من جماعة الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق، في الكثير من رسوم الكاريكاتير ومشاركات مواقع التواصل الاجتماعي. وتجاهلت جماعة الحوثيين المناشدات التي أطلقها السكان المحليون بالتوقف عن إطلاق المضادات التي تسببت في قتل الكثير من الأبرياء، وتعجز في الوقت ذاته عن إسقاط أي طائرة. وقال ضابط عسكري فيما كان يعرف بالفرقة الأولى مدرع سابقًا لـ«الشرق الأوسط»: «إن طائرات التحالف تحلق على ارتفاعات عالية في حين أن المضادات الأرضية لا يتجاوز مداها، في أحسن الأحوال، 5 كيلومترات، ولهذا السبب هي لا تقوم بشيء سوى إخافة السكان المحليين وقتل الكثير من الأبرياء».
وقبل أيام لقي الطفل كريم فرحان (15 عامًا) حتفه أمام مسجد حارتهم إثر سقوط شظية راجعة من مضادات الطيران على الأرض أردته قتيلاً على الفور ليضاف ضحية جديدة من ضحايا المضاد الراجع الذي أسقط العشرات من الأبرياء في العاصمة. وتظهر مقاطع فيديو يتم تداولها بشكل واسع في مواقع التواصل الاجتماعي وواتساب فيديو لسيارة اخترقها عيار راجع من المضادات الأرضية مخلفًا ثقبًا كبيرًا في سطحها.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.