تصعيد دبلوماسي روسي يسابق احتمالات المواجهة العسكرية

طرد نائب السفير الأميركي يفاقم التوتر... والكرملين يحذر من «تدهور محتمل»

الرئيس الأوكراني يقوم بزيارة ميدانية للقوات المتمركزة في شرق أوكرانيا (أ.ب)
الرئيس الأوكراني يقوم بزيارة ميدانية للقوات المتمركزة في شرق أوكرانيا (أ.ب)
TT

تصعيد دبلوماسي روسي يسابق احتمالات المواجهة العسكرية

الرئيس الأوكراني يقوم بزيارة ميدانية للقوات المتمركزة في شرق أوكرانيا (أ.ب)
الرئيس الأوكراني يقوم بزيارة ميدانية للقوات المتمركزة في شرق أوكرانيا (أ.ب)

مع تركز أنظار العالم على مخاطر انزلاق الوضع في مناطق الحدود الروسية - الأوكرانية نحو مواجهة عسكرية، بدا أمس، أن مواجهة من نوع آخر باتت مرشحة للتطور بسرعة، بعد الإعلان عن طرد نائب السفير الأميركي في موسكو. ورجّحت أوساط روسية، أن تفاقم الخطوة التي ربطتها بمضايقات للسفارة الروسية في أوكرانيا من تعقيد الوضع حول احتمال إطلاق حوار جاد بين موسكو وواشنطن لتخفيف التوتر المتصاعد.
وكان لافتاً أن الخارجية الروسية أعلنت عن استدعاء السفير الأميركي لدى موسكو جون سوليفان لتسليمه الرد الروسي على رسالة واشنطن حول الضمانات الأمنية في أوروبا التي تطالب بها موسكو، ولم تعلن الوزارة رسمياً حتى حلول مساء أمس، عن أسباب اتخاذها قراراً بطرد نائب السفير بارت جورمان.
لكن وكالات الأنباء الحكومية الروسية نقلت عن الناطق باسم البعثة الدبلوماسية الأميركية جيسون ريبولتز، أن روسيا أبلغت السفارة بقرار طرد نائب السفير. وقال، إن جورمان يعد «ثاني أهم مسؤول في السفارة الأميركية في موسكو بعد السفير وعضواً رئيسياً في القيادة العليا للسفارة».
ورجحت أوساط إعلامية روسية، أن تكون الخطوة جاءت في إطار تصاعد «الحرب الدبلوماسية» بين موسكو وواشنطن، خصوصاً على خلفية ما وُصف بأنه «تضييقات كبرى تتعرض لها السفارة الروسية في واشنطن». وكان السفير الروسي في واشنطن أناتولي أنتونوف حذر في وقت سابق من تلقيه تلميحات باحتمال طرده من الولايات المتحدة، واشتكى من تدهور ظروف عمل السفارة. وقال أنتونوف، إن بلاده «حرمت تماماً من وجودها القنصلي على الساحل الغربي لأميركا، حيث يعيش عشرات الآلاف من الروس. كما شددت واشنطن بحدة إجراءات إصدار التأشيرات». بالإضافة إلى ذلك، أشار إلى «عمليات طرد جماعي منتظمة للدبلوماسيين الروس». وكانت واشنطن سلمت الجانب الروسي قائمة جديدة بأسماء الموظفين الذين يتوجب عليهم مغادرة الأراضي الأميركية. وغادر 27 منهم الولايات في نهاية الشهر الماضي، كما ينتظر أن يغادر 30 موظفاً آخرين بحلول نهاية يونيو (حزيران) المقبل. وقال أنتونوف، إن «الاضطهاد ضد الدبلوماسيين الروس مستمر»، وفي هذه الحالة، تحتفظ موسكو بالحق في الرد.
على صعيد التطورات الميدانية حول أوكرانيا، جددت موسكو نفي صحة تقارير غربية جديدة تحدثت عن تحديد موعد محتمل لعملية عسكرية روسية ضد البلد الجار. وقال الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف، إن «تقارير وسائل الإعلام الغربية حول مزاعم الغزو الروسي لأوكرانيا بعد 20 فبراير (شباط) مزيفة وغير صحيحة».
وأضاف بيسكوف خلال رده على سؤال حول تقرير لصحيفة «بوليتيكو» بأن روسيا ستهاجم أوكرانيا بعد انتهاء التدريبات المشتركة مع بيلاروسيا، أن «الجميع سمعوا الكثير من التواريخ لبدء الغزو الروسي المزعوم، لكن تبين أن كل هذا كان مزيفاً وحشواً غير مسؤول... الآن نشهد نسخة جديدة من التزييف. لم يعترف أي من مؤلفي هذه التقارير لاحقاً بأنهم كانوا مخطئين. آمل عدم تصديق مثل هذا الزيف».
من جانب آخر، وصف بيسكوف التصريحات المتعلقة حول النقل الإضافي للجنود الروس إلى الحدود مع أوكرانيا، بأنها «اتهامات لا أساس لها، كما هو الحال دائماً». وكانت واشنطن حذّرت من إرسال موسكو 7 آلاف جندي إضافي إلى المناطق الحدودية بالتزامن مع إعلانها سحب بعض الوحدات العسكرية من المنطقة.
وتوقف بيسكوف عند احتمالات التصعيد في مناطق إقليمي لوغانسك ودونيتسك المتمردين على كييف، وقال، إن موسكو «تراقب الوضع في جنوب شرقي أوكرانيا عن كثب وتصرفات وإجراءات روسيا ستعتمد على سيناريو تطور الأوضاع».
وأكد بيسكوف، أن موسكو لا تعتزم إجراء محادثات مع كييف بسبب التقارير الواردة عن توتر الوضع في جنوب شرقي أوكرانيا، لكنه نوّه بأن «الوضع يثير قلقاً عميقاً». موضحاً أن «المعلومات الواردة من دونباس مقلقة، وقد بدأت الاستفزازات من قبل كييف في تلك المنطقة». وزاد «لقد حذرنا مراراً من أن التركز الكبير للقوات المسلحة الأوكرانية في المنطقة المجاورة مباشرة لخط ترسيم الحدود، إلى جانب الاستفزازات المحتملة، يمكن أن يشكل خطراً رهيباً. والآن، نرى أن هذه الاستفزازات الرهيبة تحدث، نرى تقارير من ممثلي الجمهوريتين بأن هناك تبادلاً للضربات على طول الخط، وأن الضربات الأولى جاءت من أوكرانيا. هذه معلومات مقلقة... نتابع الوضع». وحذر من أن «مستوى التهديد بإمكانية هجوم أوكراني على دونباس شرق البلاد لا يزال عالياً».
كما لفت بيسكوف إلى أن تصريحات كييف بشأن اتفاقيات مينسك متناقضة، و«من ناحية هناك تصريحات بالالتزام بالاتفاقيات، ومن ناحية أخرى يعارضون تنفيذها». وفي إشارة لافتة قال بيسكوف، إن موضوع الاعتراف باستقلال لوغانسك ودونيتسك «لا يرتبط باتفاقيات مينسك».
وكان يان ليشتشينكو، قائد «القوات الشعبية في جمهورية لوغانسك» أعلن أن «الوضع على خط التماس في دونباس قد تصاعد بشكل كبير، وتحاول كييف تصعيد الصراع هناك».
وزاد، أنه «خلال الـ24 ساعة الماضية، تصاعد الموقف على خط التماس بشكل كبير. يقوم العدو (الأوكراني)، بناءً على أوامر مباشرة من القيادة العسكرية والسياسية في كييف، بمحاولات لتصعيد النزاع».
ودعا ليشتشينكو المراقبين الدوليين إلى تسجيل القصف الصادر من القوات المسلحة الأوكرانية، واتخاذ إجراءات لمنع إراقة الدماء في دونباس.
بدورها، قالت السلطات في دونيتسك، إن قوات الأمن الأوكرانية أطلقت قذائف الهاون على ضواحي دونيتسك. في المقابل، أعلنت كييف أن مناطق على خطوط التماس تعرضت لهجوم مدفعي أصاب روضة أطفال من دون وقوع ضحايا، وحذرت من أن الانفصاليين في شرق البلاد يحاولون جر كييف إلى مواجهة عسكرية واسعة على طول الجبهة. في السياق الميداني، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أمس، عن عودة أول وحدات من قواتها المسلحة المشاركة في المناورات العسكرية المنفذة مؤخراً إلى مواقع مرابطتها الدائمة. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، اللواء إيغور كوناشينكوف، إنه «بالتوافق مع خطة تدريب القوات المسلحة الروسية، تقوم التشكيلات والوحدات العسكرية التي نفذت مهامها التدريبية في الميادين، بالتوجه إلى مراكز مرابطتها الدائمة». بالتزامن، واصلت قوات بحرية روسية تدريبات واسعة النطاق في عدد من المناطق حول روسيا. وأفاد بيان أصدرته وزارة الدفاع، بأن «سفن مجموعة ضاربة تابعة لأسطول الشمال أجرت في بحر بارنتس تمريناً للدفاع الجوي. وفي قسم من التمرين تم تنفيذ مهام لصد هجمات بوسائل الهجوم الجوي لعدو وهمي من قبل مجموعة من السفن السطحية بالتعاون مع طائرات الأسطول المقاتلة». وأوضحت وزارة الدفاع الروسية، أن تمريناً على إطلاق المدفعية القتالية والصواريخ المضادة للطائرات على أهداف جوية سيجري في مراحل مقبلة من التمرين. وتشارك في التدريبات الحالية ما يصل إلى 20 سفينة حربية وسفينة دعم من أسطول الشمال، وأكثر من 10 طائرات من طيران البحرية لأسطول الشمال. كما أعلنت الوزارة، أن نحو 20 سفينة وزورقاً تابعة لأسطول بحر قزوين خرجت إلى عرض البحر للقيام بمناورات. وذكر بيان صادر عن المنطقة العسكرية الجنوبية، أن 20 سفينة حربية من الأسطول تشارك في المناورات، بما في ذلك سفينة الصواريخ «داغستان»، وقوارب الصواريخ الصغيرة «غراد سفيازك»، و«أوغليش»، و«فيليكي أوستيوغ»، و«محج قلعة»، و«أستراخان»، وسفن المدفعية الصغيرة «ستوبينيتس»، وكاسحات الألغام الأساسية والقوارب، وكذلك سفن الدعم.
وكانت موسكو أعلنت في وقت سابق، أنها أطلقت أوسع مناورات عسكرية في تاريخ الجيش الروسي، وهي تجري بالتزامن في عدد من البحار الملاصقة لروسيا وفي المياه الدولية وتستمر المناورات المتنوعة لمدة شهرين وفقاً لبيانات وزارة الدفاع.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».