ما بعد الاستقالة...

حمدوك ألقى «كرة النار» في الساحة السياسية السودانية

متظاهرة في الخرطوم (إ.ب.أ)
متظاهرة في الخرطوم (إ.ب.أ)
TT

ما بعد الاستقالة...

متظاهرة في الخرطوم (إ.ب.أ)
متظاهرة في الخرطوم (إ.ب.أ)

رمى رئيس الوزراء السوداني المستقيل، الدكتور عبد الله حمدوك، «كرة من النار» في الساحة السياسية في السودان، بإعلان استقالته من منصبه، ليزيد الأزمة تأزماً والانقسام انقساماً، ويصب مزيداً من الوقود على اللهيب المتصاعد في سماء المدن السودانية.
وهكذا فالآمال التي كانت تعقد على هذا الرجل لإخراج السودان من محنته والقفز به إلى مصاف الدول المستقرة، وصنع التقدم والازدهار، يبدو أنها تبخَّرت.
ترجَّل الرجل عن المشهد، بعد أن أكد في خطاب استقالته أنَّ حكومتيه الأولى والثانية واجهتا تحديات مصيرية وصعوبات جمة، كانت محصلتها التباعد والانقسام بين الشريكين، العسكري والمدني، وانعكس هذا على مجمل مكونات الحكومة والمجتمع، وسرى على أداء الدولة وإنجاحها على مختلف المستويات.
وكان حمدوك قد أشار إلى أن الأخطر من ذلك هو وصول تداعيات تلك الانقسامات إلى المجتمع ومكوناته المختلفة، فظهر خطاب الكراهية والتخوين وعدم الاعتراف بالآخر، وانسدّ أفق الحوار بين الجميع؛ كل ذلك جعل مسيرة الانتقال هشةً ومليئة بالعقبات والتحديات.
ورغم أنَّ استقالة حمدوك كانت متوقعة بشكل كبير بين المكونات السياسية والشعبية، وكانت على الألسن منذ نحو أسبوعين، فإنها كشفت عن فجوة جديدة، وثغرات جديدة، وفتحت الأبواب أمام المخاوف من انزلاقات أخرى نحو الفوضى وإلى أبعد من ذلك.
ومنذ الأحد الماضي، غزت الساحة السياسية أسئلة واستفسارات كثيرة تحوم حول مصير البلد، في ظل هذا الفراغ الذي سبّبته الاستقالة، ومن هذه الأسئلة؛ من هو خليفة حمدوك المقبل؟ ومن هو المخول له دستورياً تعيين رئيس وزراء جديد؟ في غياب الوثيقة الدستورية التي بطل العمل بها منذ إجراءات الجيش في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وهل يحق لمجلس السيادة الحالي، الذي عيَّنه قائد الجيش، الفريق عبد الفتاح البرهان منفرداً، تعيين رئيس وزراء جديد؟ أم أنَّ هناك جهة أخرى سيتم الاتفاق عليها في الأيام المقبلة؟
لكن يبدو أنَّ قادة الجيش مدركون لما سيحدث، فقد أشار الفريق عبد الفتاح البرهان خلال اجتماع مع كبار قادة الجيش، أول من أمس، إلى ضرورة تشكيل حكومة تصريف أعمال مستقلة من كفاءات، ذات مهام محددة يتوافق عليها جميع السودانيين، في غضون أسبوع. كما أشارت أنباء إلى تشكيل لجنة مصغرة تجتمع مع المكون المدني للتوافق على تشكيل رئيس حكومة جديد.
لكن السؤال هنا هو؛ كيف ستكون ردة فعل المكون المدني من هذه الإجراءات التي يعتزم الجيش القيام بها؟ هل سترضيه أم أن الأمر سيتفاقم مجدداً؟
إبراهيم الأمين نائب رئيس حزب الأمة السوداني، يقول؛ إن الإجراءات التي أعلنها قائد الجيش السوداني في 25 أكتوبر، والتي ألغى بموجبها، شريكه المدني، وحلَّ الحكومة، وألغى بنوداً في الوثيقة الدستورية، التي كانت تحكم الفترة الانتقالية، هي في نظر المكون المدني انقلاباً كامل الدسم، وبالتالي فإنَّ أي قرارات تصدر بعدها تصبح غير دستورية. بما فيها تعيين رئيس حكومة جديد. مضيفاً أنه «ليست هناك جهة مؤهلة دستورياً حالياً لاختيار رئيس وزراء جديد. فالبلد تحكمه الآن مجموعة صغيرة من الأشخاص، وتدير الأمور كما يحلو لها».
ويقول الأمين؛ هناك أمران الآن أمام قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، أن يستمر في انقلابه، ويعيّن رئيس وزراء جديداً، وعليه في هذه الحالة مواجهة مزيد من الرفض والانقسامات ومزيد من الغضب الشعبي، والعنف والدماء، وربما انفراط عقد الدولة، أو أن يعيد النظر في انقلابه ويعلن قرارات شجاعة، توقف الانهيار الحاصل.
من جانب آخر، تسرَّبت إلى وسائل إعلامية بعض الأسماء المقترحة لرئاسة الحكومة، من بينهم وزير المالية السابق في حكومة حمدوك الأولى، إبراهيم البدوي، الذي أكد وجود اتصالات معه من أكثر من طرف، إلا أنَّه اشترط وجود توافق وطني، يتضمّن كتلة شباب الثورة، قبل إعلانه قبول التكليف بهذه المهمة الوطنية.
كما ذهبت الترشيحات أيضاً إلى السفير السوداني لدى واشنطن، نور الدين ساتي، الذي أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه اطلع على بعض الرسائل التي ترشحه للمنصب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، لكنه أكد أنه لن يقبل الترشح، ويرى أن قوى الثورة المدنية بمكوناتها كافة هي التي يجب أن تجري مشاورات فيما بينها لاختيار رئيس الوزراء القادم الذي يجب أن يلعب الدور الرئيس في الخروج بالبلاد من أزمتها الحالية. مضيفاً أن «هذه فرصة لقوى الثورة لكي تثبت مقدرتها على تجاوز خلافاتها والتوافق على خريطة طريق، وبرنامج عمل مشترك لما تبقى من عمر الفترة الانتقالية».
وعن المجلس السيادي وما إذا كان مؤهلاً لاختيار خليفة لحمدوك، قال ساتي: «المجلس السيادي غير مؤهل لتعيين رئيس وزراء... وإنما مهمته أن يصادق على رئيس الوزراء الذي يختاره المكون المدني»، مشيراً إلى أن خروج حمدوك من المشهد السياسي «عقَّد الموقف وأدَّى إلى فراغ دستوري، وأوجد خللاً في المعادلة بين المكونين المدني والعسكري».
وأكَّد ساتي أن البلاد تواجه أسوأ الاحتمالات بسبب انسداد الأفق السياسي «ولن تستقيم الأمور إلا بعودة الشرعية الدستورية، وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بموجب الوثيقة الدستورية بتسليم رئاسة المجلس السيادي للمكون المدني، وتشكيل حكومة مدنية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة تقود البلاد إلى بر الأمان. والاستماع لصوت الشباب، فهم قوى التغيير الحقيقية، وهم من يصنعون المستقبل».
لكن الجميل الفاضل، وهو صحافي ومحلل سياسي بارز، يرى أنّ خروج حمدوك من المشهد السياسي له فوائد جمة، وحالة إيجابية، يمكن أن تعيد للحراك الثوري زخمه وقوته. ويشبّه الفاضل حمدوك في الفترة الأخيرة بأنه كان «مثل البرقع أو القناع الذي توشحه العسكريون إلى زمن طويل، واستتروا به عن تحقيق أهداف الثورة السودانية... وقد سقط الآن». ويرى أيضاً أن استقالة حمدوك تمهد لخروج «العقليات الانكفائية كافة» عن الساحة السياسية.
وبيّن الفاضل أنَّ «وجود حمدوك كانت فيه مصلحة لجنرالات الجيش، وللنادي السياسي القديم الذي يحاول إنتاج صور قديمة للممارسة السياسية عبر ذات الكتاب الذي كانت تقرأ منه خلال فترات الديمقراطية الأولى (في حقبة ستينات القرن الماضي) والثانية (الثمانينات) والثالثة (2019)».
وتابع: «حمدوك كان كجسم غريب، تم زرعه في المشهد السياسي... أنسجته لا تتوافق تماماً مع روح الثورة... ظلَّت عقلية الموظف الدولي تسيطر على شخصيته، وتمنعه من أن يتعامل مع رؤسائه بشكل فيه نوع من التمرد... والثورة في الأساس هي حالة من التمرد... حالة رفض، وتعبير عن قوة... ومحاولة انتزاع كثير من المكتسبات والتمسك بها. وعدم التفريط فيها... وبالتالي فإن خروجه فرصة نادرة لقوى الثورة أن تستعيد بريقها».



نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
TT

نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

كشف وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري، الدكتور بلو محمد متولي، لـ«الشرق الأوسط»، عن اقتراب بلاده من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية، بشأن برامج التدريب المشتركة، ومبادرات بناء القدرات، لتعزيز قدرات القوات المسلحة، فضلاً عن التعاون الأمني ​​الثنائي، بمجال التدريب على مكافحة الإرهاب، بجانب تبادل المعلومات الاستخبارية.

وقال الوزير إن بلاده تعمل بقوة لترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، «حيث ركزت زيارته إلى السعودية بشكل أساسي، في بحث سبل التعاون العسكري، والتعاون بين نيجيريا والجيش السعودي، مع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان».

الدكتور بلو محمد متولي وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري (فيسبوك)

وأضاف قائلاً: «نيجيريا تؤمن، عن قناعة، بقدرة السعودية في تعزيز الاستقرار الإقليمي والتزامها بالأمن العالمي. وبالتالي فإن الغرض الرئيسي من زيارتي هو استكشاف فرص جديدة وتبادل الأفكار، وسبل التعاون وتعزيز قدرتنا الجماعية على معالجة التهديدات الأمنية المشتركة».

وعن النتائج المتوقعة للمباحثات على الصعيد العسكري، قال متولي: «ركزت مناقشاتنا بشكل مباشر على تعزيز التعاون الأمني ​​الثنائي، لا سيما في مجال التدريب على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخبارية»، وتابع: «على المستوى السياسي، نهدف إلى ترسيخ الشراكة الاستراتيجية لنيجيريا مع السعودية. وعلى الجبهة العسكرية، نتوقع إبرام اتفاقيات بشأن برامج التدريب المشتركة ومبادرات بناء القدرات التي من شأنها أن تزيد من تعزيز قدرات قواتنا المسلحة».

وتابع متولي: «أتيحت لي الفرصة لزيارة مقر التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب في الرياض أيضاً، حيث التقيت بالأمين العام للتحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، اللواء محمد بن سعيد المغيدي، لبحث سبل تعزيز أواصر التعاون بين البلدين، بالتعاون مع الدول الأعضاء الأخرى، خصوصاً في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب».

مكافحة الإرهاب

في سبيل قمع الإرهاب وتأمين البلاد، قال متولي: «حققنا الكثير في هذا المجال، ونجاحنا يكمن في اعتماد مقاربات متعددة الأبعاد، حيث أطلقنا أخيراً عمليات منسقة جديدة، مثل عملية (FANSAN YAMMA) التي أدت إلى تقليص أنشطة اللصوصية بشكل كبير في شمال غربي نيجيريا».

ولفت الوزير إلى أنه تم بالفعل القضاء على الجماعات الإرهابية مثل «بوكو حرام» و«ISWAP» من خلال عملية عسكرية سميت «HADIN KAI» في الجزء الشمالي الشرقي من نيجيريا، مشيراً إلى حجم التعاون مع عدد من الشركاء الدوليين، مثل السعودية، لتعزيز جمع المعلومات الاستخبارية والتدريب.

وحول تقييمه لمخرجات مؤتمر الإرهاب الذي استضافته نيجيريا أخيراً، وتأثيره على أمن المنطقة بشكل عام، قال متولي: «كان المؤتمر مبادرة مهمة وحيوية، حيث سلّط الضوء على أهمية الجهود الجماعية في التصدي للإرهاب».

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

وتابع الوزير: «المؤتمر وفر منصة للدول لتبادل الاستراتيجيات والمعلومات الاستخبارية وأفضل الممارسات، مع التأكيد على الحاجة إلى جبهة موحدة ضد شبكات الإرهاب، حيث كان للمؤتمر أيضاً تأثير إيجابي من خلال تعزيز التعاون الأعمق بين الدول الأفريقية وشركائنا الدوليين».

ويعتقد متولي أن إحدى ثمرات المؤتمر تعزيز الدور القيادي لبلاده في تعزيز الأمن الإقليمي، مشيراً إلى أن المؤتمر شدد على أهمية الشراكات الاستراتيجية الحيوية، مثل الشراكات المبرمة مع التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب (IMCTC).

الدور العربي ـ الأفريقي والأزمات

شدد متولي على أهمية تعظيم الدور العربي الأفريقي المطلوب لوقف الحرب الإسرائيلية على فلسطين ولبنان، متطلعاً إلى دور أكبر للعرب الأفارقة، في معالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على العرب الأفارقة أن يعملوا بشكل جماعي للدعوة إلى وقف إطلاق النار، وتقديم الدعم والمساعدات الإنسانية للمواطنين المتضررين.

وأكد متولي على أهمية استغلال الدول العربية الأفريقية أدواتها في أن تستخدم نفوذها داخل المنظمات الدولية، مثل «الأمم المتحدة» و«الاتحاد الأفريقي»؛ للدفع بالجهود المتصلة من أجل التوصل إلى حل عادل.

وحول رؤية الحكومة النيجيرية لحل الأزمة السودانية الحالية، قال متولي: «تدعو نيجيريا دائماً إلى التوصل إلى حل سلمي، من خلال الحوار والمفاوضات الشاملة التي تشمل جميع أصحاب المصلحة في السودان»، مقراً بأن الدروس المستفادة من المبادرات السابقة، تظهر أن التفويضات الواضحة، والدعم اللوجيستي، والتعاون مع أصحاب المصلحة المحليين أمر بالغ الأهمية.

وأضاف متولي: «حكومتنا مستعدة للعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين، لضمان نجاح أي مبادرات سلام بشأن الأزمة السودانية، وبوصفها رئيسة للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والاتحاد الأفريقي، تدعم نيجيريا نشر الوسطاء لتسهيل اتفاقات وقف إطلاق النار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية».

وفيما يتعلق بفشل المبادرات المماثلة السابقة، وفرص نجاح نشر قوات أفريقية في السودان؛ للقيام بحماية المدنيين، قال متولي: «نجاح نشر القوات الأفريقية مثل القوة الأفريقية الجاهزة (ASF) التابعة للاتحاد الأفريقي في السودان، يعتمد على ضمان أن تكون هذه الجهود منسقة بشكل جيد، وممولة بشكل كافٍ، ومدعومة من قِبَل المجتمع الدولي».

ولفت متولي إلى تفاؤل نيجيريا بشأن هذه المبادرة بسبب الإجماع المتزايد بين الدول الأفريقية على الحاجة إلى حلول بقيادة أفريقية للمشاكل الأفريقية، مبيناً أنه بدعم من الاتحاد الأفريقي والشركاء العالميين، فإن هذه المبادرة لديها القدرة على توفير الحماية التي تشتد الحاجة إليها للمدنيين السودانيين، وتمهيد الطريق للاستقرار على المدى الطويل.